هيفاء زنكنة
في الفلوجة في الاسبوع الماضي، أعلن عن توظيف خمسة آلاف شرطي جديد وتدريبهم و’استعدادهم للانتشار في مدينة الفلوجة’، وكأن القوات المتواجدة في المحافظة وعددها 42 ألف جندي غير كاف.
غالبا ما يكون هؤلاء مجرد أسماء على ورق، في قوائم رواتب شكلية يقدمها بعض من يسميهم ثوار العشائر بـ ‘حلف الغادرين’، أي المتعاونين المحليين مع السلطة. وكان لدينا، أثناء الحرب مع ايران، قوائم مماثلة. اسماء على ورق من فصائل كردية تسمى بالفرسان، تحتسب بديلا للخدمة العسكرية، مدفوعة الرواتب لبعض الاغوات الكرد الذين يوصلون شيئا منها الى عوائل المنخرطين.
لا يمكن للسلطة الإعتماد على سكان المنطقة لتطهيرها من أقاربهم. لذلك تلجأ الى السلاح الثقيل في غالب الأحوال. ففي بابل، نفذت قوات من الشرطة وباسناد طيران الجيش عملية امنية مشتركة، استخدمت فيها 160 صاروخاً وعشرة الاف اطلاقة من طائرتين لـ ‘تطهير المنطقة’. أما ‘قوات عمليات الجزيرة والبادية فقد ‘قامت بعملية أستباقية ودمرت ثلاثة معسكرات للارهابيين الدواعش وحرق كافة التجهيزات والآليات الخاصة للمعسكرات’. كما ‘قتلت فرقة التدخل السريع التابعة لقيادة العمليات المشتركة 35 ارهابيا من عصابات داعش في اطراف الفلوجة’.
هذه بعض ‘الانتصارات’ التي حققها نظام المالكي، بحجة محاربة الارهاب، في الاسبوع الماضي فقط . ماذا عن حال الناس؟ يقول احد اطباء مستشفى الفلوجة التي تعرضت للقصف عدة مرات، ان عدد الجرحى الذين تم ادخالهم المستشفى 1242 وعدد القتلى 284، مؤكدا ان عدد الضحايا اكبر لأن معظم الاهالي لا يتمكنون من الوصول الى المستشفى.
وكانت الحكومة العراقية في الاسبوع الماضي قد بشرت المواطنين بأن حسم المعركة مع ‘الارهاب’، سيتم يوم 17 من الشهر الحالي، ولن تسمح القوات الامنية والعسكرية ‘لأي طائر بالخروج’ من مناطق القتال. ومثل الاعلان عن فيلم جديد، صرح المسؤولون الامنيون، الواحد تلو الآخر، بقرب النصر على الارهاب وداعش والقاعدة وكل من تسول له نفسه مس ‘العراق الجديد’. فاستبشر البعض خيرا وتعوذ البعض الآخر من الشيطان الرجيم، خشية الا تتم الفرحة، فنحن أمة تخشى الفرح، او ان يكون لها، كالعادة، نتائج وخيمة.
فما الذي حدث؟ هل عاد الامن والامان بعد القضاء المفترض على الارهاب؟ هل عاد آلاف النازحين الى بيوتهم واولادهم الى مدارسهم؟ هل ساد الهدوء محافظة الانبار التي ابتليت بتهمة الارهاب منذ ان رفع ابناؤها السلاح بوجه المحتل الامريكي في عام 2004 وواصلت حكومات الاحتلال، بالوكالة، معاقبتها جماعيا لأنها ترفض السكوت على الظلم؟
ماحدث هو ان قصف المدنيين مستمر، والحياة شبه مشلولة، والاقتتال بين قوات الجيش والشرطة والفرق الخاصة وقوات الصحوات من جهة وثوار العشائر، من جهة ثانية، مستمر. وكل الاخبار المتداولة رسميا تشير الى ان حرب نظام المالكي ضد المواطنين مستمرة. اقول ‘رسميا’ لأن الكذب والتضليل يغلفان الحقيقة والصمت يحيط بحقيقة الاحداث، اليومية، الا ما يتسرب عبر منافذ مستقلة، نادرة، تبذل المستحيل لايصال الاخبار والصور عبر قنوات التواصل الاجتماعي والتلفونات النقالة، الى اجهزة الاعلام والمنظمات الحقوقية الدولية. أملا في ان يصغي لها أحد.
فالصحافيون ممنوعون من تغطية الاحداث، عن قرب، بحجة حمايتهم او لأنهم، انفسهم، يخشون الاقتراب من اماكن الاحداث لئلا يتهموا بالتعاون مع الارهابيين، ويعتقلون ويعذبون كما حدث مع عشرات الصحافيين سابقا. وتعاني منظمات حقوق الانسان العراقية المستقلة من صعوبات جمة، هي الاخرى، على الصعيدين الرسمي والاعلامي، خاصة، وان مفهوم حقوق الانسان يعاني من الاستغلال والتجيير، حاله حال كل شيء آخر بالعراق، لصالح جهة دون أخرى خلافا لما يجب ان يكون عليه في وحدة المفهوم والتطبيق.
لكل حزب او كيان سياسي في العراق منظمة حقوق انسان، خاصة به، تدافع عن اعضائه وافراد طائفته او عرقه فقط لاغير، ولا تحاول اطلاقا بذل اي جهد للدفاع عن حقوق ابناء طائفة او قومية أخرى.
وينطبق الشيء ذاته على منظمات المرأة التي يفترض بها الدفاع عن حقوق النساء جميعا، لكنها في ‘العراق الجديد’ تختار الدفاع عن نساء طائفة او قومية معينة، فقط، بينما تقابل بالصمت الانتهاكات التي تتعرض لها نساء طائفة او قومية اخرى. وكأن حقوق الانسان او المرأة هي حقوق انتقائية وليست عالمية. وهذا ما تم حين وجهت الي الدعوة من قبل لجنة العراق، في البرلمان الاوربي، بتاريخ 29 كانون الثاني/يناير من العام الحالي، للحديث عن وضع ومعاناة المرأة العراقية حاليا.
شارك في اللقاء عدد من النسوة من اقليم كردستان. اقتصر حديثهن، جميعا بلا استثناء، على ما حققته المرأة الكردية من انجازات ونجاحات كبيرة ولم تذكر ايا منهن، ولو من باب رفع العتب، الخروقات والانتهاكات التي تتعرض لها شقيقاتهن في بقية ارجاء العراق، بل وتحدثن وكأنهن يقمن في بلد آخر، وان كان هذا بحد ذاته ليس مبررا للصمت، اذ طالما وقفت منظمات حقوق انسان ونساء اجنبية، بجانبنا، في مراحل مختلفة من عملنا، بدون اي تمييز ديني او عرقي.
ان هذه الانتقائية لا تقلل فقط من ثقة الناس بمنظمات حقوق الانسان والمرأة، فحسب، ولكنها، في الوقت نفسه، تسيء الى عمل بقية المنظمات المستقلة التي يحتاجها المجتمع المدني بشكل ضروري.
يبدو ان رئيس بعثة الأمم المتحدة في العراق نيكولاي ملادينوف معرض للاصابة بالكآبة المزمنة جراء اصدار البيانات المتتالية التي يعبر فيها عن ‘قلقه’ على المدنيين في الفلوجة بدون جدوى. قال ملادينوف للمالكي، أخيرا، بان محاربة الارهاب لا تعني انتهاك حقوق الانسان بل يجب ضمان الالتزام بها. وهي ذات النقطة التي يركز عليها تقرير المنظمة الحقوقية الدولية ‘هيومان رايتس ووتش’، بتاريخ 3 مايو، عن دور النظام في محاصرة المواطنين في مناطق القتال وعدم السماح لهم حتى بالمغادرة للمحافظة على حياتهم بالاضافة الى اعاقة ايصال المساعدات الانسانية لهم. وقد بلغت وحشية النظام حد ان اطلقت قواته النار على مواطنين حاولوا اما مغادرة الانبار او العودة اليها.
ان ما يقوم به النظام العراقي، من قصف عشوائي وتهديم بيوت واعتقالات، جريمة بشعة منافية للاخلاق والقيم والقوانين الانسانية والدولية، تتطلب المحاسبة، فمن واجب الحكومة، حتى في اقسى ظروف الحرب، ان تساعد الاهالي لا ان تحاصرهم وتمنع المساعدات عنهم.
573 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع