د.عبدالقادر القيسي
اعترف نائب مجلس الشورى الإيراني (نادر قاضي بور) في مادة فيديو مسجلة، أثناء غمرة الشعور بنصره في انتخابات مجلس الشورى بقتل 600 إلى 700 أسير عراقي خلال توغل القوات الإيرانية بالأراضي العراقية في طريق العمارة – البصرة، أثناء الحرب العراقية ـ الإيرانية،
وكان البرلماني قاضي بور مشاركا في القوات الخاصة في الحرس الثوري قبل دخوله البرلمان، وهو أحد المقربين من المرشد الأعلى علي خامنئي، واحتوى نص الخطاب الذي أدلى به قاضي بور، على شرح تفصيلي لوقائع القتل، وقال: (( انني اوضح ذكرى من عمليات مسلم بن عقيل : اننا عبرنا من الخط الأمامي واستولنا على تلول واستقرنا في خنادق العراقيين. وكانت الساعة 10 وقلت اريد 12 رجلا؟ واستعد 20-22شخصا،..... وكلهم يتشاجرون لكي يأتوا معي، ...وأصبح مجموعنا معي 13شخصا ثم تحركنا لنصل إلى طريق مبلط العمارة-قرنة وواجهنا حوالي 600-700شخص واستسلموا جميعهم ولكنه لم تكن امكانية لحفظهم وكنا مجبورين ان نتخلص منهم(الضحك والتشجيع) ربما لا يوجد أحد بينكم ان يقطع رأس دجاجه او حيوان آخر الا انني من أجل الاسلام والثورة والشهداء اجبرت على تصفيتهم (تشجيع) واحرقت حوالي 700-800 سيارة وناقلة ودبابة.))
في تلك المعركة وصلت القوات الإيرانية الى الطريق الرابط بين البصره-العماره وقامت بإيقاف جميع السيارات العابرة على الطريق (مدنيه وعسكريه) وقامت باسر الناس حتى لو كانوا مدنيين.
إن تصريحات قاضي بور تعني أنه ارتكب "جريمة حرب عن عمد" يحاسب عليها القانون الدولي، وذلك بقتله مئات الأسرى العراقيين من الجنود العزل من السلاح، والضرورة الإنسانية والواجب الدولي واخلاقيات الحرب تحتم عليه أن يحافظ عليهم طالما هم بدون سلاح وقد وقعوا في الأسر.
ولم يأت قاضي بور بجديد بشأن قتل الاسرى العراقيين في سوح القتال والاجهاز على الجرحى، فمن عاصر حرب الثمان سنوات، حتما شاهد منظر قتل الاسرى العراقيين في ساحات القتال وربط أجسادهم وهم أحياء بسيارتين تسيران باتجاهين متعاكسين ليقسم الجسد الى نصفين كما شاهدناها في أفلام الفيديو التي انتشرت في أصقاع العالم وتجسدت تلك الواقعة بنصب في بغداد (ساحة المستنصرية) تم رفعه، ويتحدث بعضهم عن جرائم داعش اللاانسانية المفزعة، وينسى ان هناك ابتكارات في القتل أقسى.
وما يلفت النظر في هذا الاعتراف ان القاتل برلماني جُددّ انتخابه للدورة الحالية، والامر انه يفخر بجريمته ولا ادري هل يمكن وصف بقية زملائه البرلمانيين باعتبارهم قبلوا بقاتل وسفاح بينهم، بغير انهم عصابة قتلة مثله، وانهم لا يتورعون عن الذبح ايضا اذا اقتضى الدفاع عن ولاية الفقيه والإسلام والثورة والشهداء، لقد ذبح قاضي بور باعترافه الوقح، العراقيين كما يذبح الدجاج، فأية نظرة واية صورة يجب على العالم ان يرسمها لبرلمان فيه مثل هؤلاء القتلة السفاحين، فإذا كان مثل هؤلاء وصلوا إلى مجلس الشورى الإيراني فما الذي يميزهم عن القتلة الدواعش، ان كان في المراتب فنعتقد ان مرتبة قاضي بور اعلى وابشع، فمجرمو داعش ليسوا نوابا في مجلس الشورى وانما هم محض مجرمين قتلة مارقين، ولماذا يحارب العالم داعش ولا يحارب مثل هؤلاء القتلة المتخفين وراء مسميات برلمانية ودينية وسياسية وحزبية؟؟
ان الله اراد كشف ستره فانطقه، وهو يظن انه يخدم دينه ويتفاخر بهذا الانجاز ويعتبره مؤهلا لانتخابه عند قومه، واخذ يجاهر بكل وقاحة بارتكابه جريمة حرب نكراء.
الدولة العراقية صامتة والإدانة الدولية ليست وارده:
لمثل هذه التصريحات تقام الدنيا ولا تقعد، لكن في العراق مع الأسف، لم نرى أي موقف حكومي او دولي مستنكرا على الأقل بل حتى لم نسمع هناك قلق من الدولة العراقية، تجاه تلك الاعترافات، بخاصة هناك تبجح مخزي تحت الشمس وفي وضح النهار، من هذا الشخص بما فعله احتفاء بفوزه في عضوية مجلس الشورى.
ونتساءل لو أن الأمر تعلق بمسؤول عربي كيف ستكون ردة الفعل؟
قامت الدنيا ولم تقعد دوليا على احكام بالسجن على ناشط بحريني (نبيل رجب)، وعلى احكام القضاء المصري بحق بعض من مؤيدي مرسي، والمجتمع الدولي ساكت ولم يتحرك على قتل (700) عراقي أسير بلا سلاح عزل، وفار التنور ولم يهدأ وتوالت الصيحات والتهديدات والاستنكارات من قبل الحكومة العراقية والبرلمانيين والقادة السياسيين والدينيين على شواهد لوقائع كثيرة ونكتفي بأبرزها:
الف- قتل العالم حسن شحاتة في مصر.
باء- سجن علي سلمان ناشط بحريني.
جيم- اعدام الشيخ نمر النمر مواطن سعودي.
دال-اعتقال يعقوب الزكزكي معارض في نيجيريا.
أليس من الصواب أن تحرص الدولة على مواطنيها وتحميهم وتدافع عنهم بشراسة قبل غيرهم؟ ام عليها ان تسبّح بحمد الدول الإقليمية وتسجد في محرابها؟
هاء-اعدام الجندي العراقي مصطفى العذاري.
واو- أدارج منظمة بدر وعصائب اهل الحق في قائمة المنظمات الإرهابية في الامارات.
زاء- تصريح وزير خارجية الامارات حول الحشد الشعبي.
حاء- التواجد التركي في شمال العراق.
طاء- تواجد قوات درع الجزيرة في البحرين وعاصفة الحزم.
ان جريمة قاضي نادر كانت اعتراف صريح قولا وفعلا بارتكاب جريمة إبادة بشرية، والركن المعنوي لهذه الجريمة شاخص وماثل للعيان، وتمثل بذلك العزم المشترك المصمم عليه من قبله علانية مع سبق الإصرار والترصد ورافقه تلك الاوصاف المشينة عندما قارن الامر بقتل الدجاج والحيوان والإرادة الجامعة المقصودة من قبله ومعه اتحاد من اكثر من اثنا عشر مجرم، وكان وفق وصفه إنعقاداً واضح المعالم ومحدداً ومؤكداً، وليس هناك شك باكتمال ركني جريمة الإبادة البشرية( المادي والقصد الجنائي)، وتغاضي الدولة العراقية عن ذلك، تكون كمن يمدحون الذئب وهو خطر عليهم، ويحتقرون الكلب وهو حارس لهم.
وبحدود ما تقدم واتساقا مع الواجبات الدستورية الملقاة على الدولة العراقية، هناك مجموعة اجراءات قانونية تغطيها نصوص دستورية امرة، على الدولة العراقية اتخاذها وفق ما يلي:
الجهة الأولى: الحكومة العراقية: عليها القيام بما يلي:
أولا: دعوة أهالي المجنى عليهم ومطالبتهم بتقديم شكوى على النائب البرلماني لدى المحاكم العراقية.
ثانيا: رفع مذكرة احتجاج وإدانة واستنكار شديدين ضد النائب نادر قاضي بور والمطالبة بمثوله امام المحكمة الدولية لجرائم الحرب في لاهاي، وتشكيل فريق من المحامين للعمل وفق ذلك.
ثالثا: على الحكومة العراقية مخاطبة الحكومة الإيرانية لمعرفة:
الف: موقف الحكومة الإيرانية من تصريحات واعترافات النائب الايراني واتخاذ الاجراءات العاجلة ضده.
الف-معرفة مكان وزمان قتل المجنى عليهم لان اهاليهم يريدون معرفة ذلك.
باء- المطالبة برفات المغدورين ومعرفة اماكن دفنهم والزمان وبالتفاصيل، لانهم يفترض دوله اسلامية دينية فواجب شرعي ان نعرف مصير اسرى ابرياء قتلوا بدم بارد بهذه الطريقة الجبانة والبعيدة عن اخلاق الاسلام فضلا عن اخلاق الحروب في معاملة الاسرى والاتفاقيات الدولية.
جيم- معرفة حقيقة وكيفية قيام النائب الايراني بالجريمة وهو يقول تلقيت أوامر، ومحاسبة من اعطى الاوامر بالقتل، بخاصة هم اسرى؛ فهل يجوز شرعا قتل الاسرى؟ ومن هي الجهة التي أفتت بوجوب القتل للأسرى؟
دال: مخاطبة المجتمع الدولي ومنظماته الإنسانية ومجلس الامن لأجل اتخاذ الاجراءات المطلوبة في رفع دعوى في المحاكم الدولية لجرائم الحرب لمقاضاة النائب الايراني نادر قاضي بور؛ لاسيما اننا امام اعتراف صريح وتفصيلي وعلانية ومسجل بالفيديو، بارتكاب جريمة إبادة بشرية، ومنظمة الأمم المتحدة معنية بالتحقيق بذلك واحالة الامر الى مجلس الامن لاتخاذ قراره بإحالة الدعوى للمحكمة الجنائية الدولية، والجريمة لا تختلف عن معطيات جريمة الرئيس السوداني ان صحت.
الجهة الثانية: البرلمان العراقي:
هناك واجبات على البرلمان العراقي، ومسؤولية كبيرة في اتخاذ اجراءات تعيد لأهل الشهداء الذين قتلهم هذا النائب المجرم (نادر قاضي بور) ثقتهم بالمجلس وقدرته على الانتصار لهم، من خلال:
ألف-اتخاذ قرار بالأجماع، بإدانة وشجب واستنكار لجريمة الإبادة البشرية التي ارتكبها النائب الإيراني ضد مواطنين عراقيين أسرى عزل من السلاح، ونعتقد هذا الاستنكار والشجب أفضل من ادانة التدخل التركي او قوات درع الجزيرة في البحرين.
باء-مخاطبة البرلمان الإيراني ومعرفة موقفه من تصريحات واعترافات النائب الايراني واتخاذ الاجراءات البرلمانية العاجلة ضده، عبر رفع الحصانة عنه واحالته للقضاء الجنائي ومحاسبته، وعلى البرلمان توجيه سؤال للبرلمان الإيراني وبرلمانات العالم:
هل يعقل قبول مجلس الشورى الإيراني لبرلماني فائزاً في الانتخاب يتغنى بجريمة بشعة كهذه؟
جيم- التوجه نحو مؤسسة الامم المتحدة ومنظماتها الانسانية ومخاطبة البرلمانات العربية والدولية والمنظمات المعنية بحقوق الانسان، لاتخاذ قرار ادانة وشجب واستنكار لجريمة النائب الإيراني.
ونستغرب ثقافة الشعب الايراني هل يقبل وينتخب قاتل اعترف بجريمة حرب؟ واي اخلاق تلك التي سمحت لتفويض امرهم لمجرم حرب؟ وهل المصوتين له يقبلون ويقرون بالجرائم من اجل الثورة والقائد او المرشد؟
الجهة الثالثة: الرئاسة العراقية: عليها اتخاذ ما يلي:
الف-مخاطبة المرشد الأعلى الإيراني لمعرفة موقفه من تصريحات النائب الإيراني ومطالبته بشجب وإدانة هذه الجريمة النكراء التي ارتكبها النائب الإيراني، وكذلك الطلب منه رفع الحصانة فورا من قبله سيما ان الدستور أتاح له ذلك كونه يمتلك الولاية الكاملة على البرلمان والحكومة، واحالته للقضاء لأجل محاكمته.
باء-مخاطبة كافة الرؤساء والملوك ومطالبتهم بإدانة هذه الجريمة، ومطالبة المجتمع الدولي والمحاكم الدولية ومنظمات حقوق الإنسان بالعمل الجاد لتقديمه إلى العدالة بجريمة الابادة الشاملة، وإدخال النائب البرلماني (نادر قاضي بور) في قوائم الإرهاب في دولهم.
الجهة الرابعة: القضاء العراقي:
وعلى القضاء العراقي من خلال الادعاء العام القيام بواجبه الملقى عليه بان يدعوا أهالي المجنى عليه للتوجه للقضاء العراقي لأقامه الشكوى الجزائية والدعاوى المدنية بحق(النائب نادر قاضي بور).
ان تصريح قاضي نادر كان أخرقا وتبجحيا دون أي مراعاة لشعور الجيران، وبعيد جدا عن قول الامام علي (عليه السلام) حين كتب لاحد ولاته (واشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم اكلهم فانهم صنفان: اما اخ لك في الدين او نظير لك في الخلق) والدولة العراقية لم تتصرف وفق ما يمليه عليها الدستور والأعراف الدبلوماسية، لأنها لا زالت تغمض عينيها عن كافة انتهاكات ايران في العراق وتستخدم الدولة العراقية عناوين المغالبة بالالتفاف على الحقائق والمداهنة في التعبير عن المواقف، والسيد أسامة النجيفي عبر بصدق مؤخرا في حوار مع صحيفة الشرق الأوسط، حينما قال(أن القرار السياسي في العراق بيد طهران والتحالف الشيعي وليس بيد رئيس الوزراء حيدر العبادي.) وهناك اعتقاد سائد لدى الكثير من النافذين في المشهد السياسي العراقي بان المعطيات تؤكد بأن الحكومة الايرانية واجهزتها الامنية تدير اللعبة السياسية في العراق منذ سقوط النظام، وما يعزز تلك الاعتقادات تصريحات عديدة لقادة حكوميين وامنيين وعسكريين إيرانيين، ومنهم ما قاله الرئيس الايراني الاسبق رفسنجاني بعد فرز نتائج الانتخابات في بغداد قائلاً(..اننا انتصرنا وان ايران انتصرت وان سياسة ايران في العراق نجحت..) ولم يقل ان اصدقائنا في العراق انتصروا وهذا دليل آخر على صحة تلك الاعتقادات.
وعلى العراقيين والمتظاهرين أن تدين وتستنكر فعل هذا النائب المجرم القاتل في تظاهراتها، وترفع صوره في التظاهرات، والقيام بمسيرات ومظاهرات في الدول الاوربية للتنديد بهذه الجرائم البشعة التي ترتكب بحق الاسرى العراقيين.
ان تجاهل الحكومة والدولة لمثل هذا الاعتراف يعد رسالة واضحة إلى العراقيين وبكافة أطيافهم بأن ليس لهم مستقبلاً في العراق، لان الدولة عاجزة عن حمايتهم وعاجزة عن المطالبة بحقوقهم ولا نريد ان نضرب امثلة على تفاني الدول الغربية في الوقوف بحزم تجاه أي اعتداء ينال مواطنيها وليس قتل لأنها كثيرة ومتميزة، وكل دولة تضرب لنا مثلا رائعا في ابداء ضروب التصدي ولكافة صور الاعتداء على مواطنيها، ان عدم استنكار الحكومة العراقية وعدم اتخاذها أي اجراء قانوني او دبلوماسي او سياسي يرافقه التنحي جانبا من الدولة العراقية ببرلمانها ورئاستها يعد رسالة تعسفية جسيمة بحق مواطنيها، وتعطي مسوغ قانوني، لتكرار مثل تلك الجرائم الإنسانية.
ويستذكر العراقيون يوم الحادي من كانون الاول يوم شهداء العراق بوضع باقات من الورود على نصب الشهيد، وكتبت اسماء شهداء العراق داخل النصب والبالغ عددهم 58 الفا حيث قام النظام الايراني بقتل الاسرى العراقيين في عام 1981 بقاطع الشوش جنوب العراق، وقامت إيران في 1/12/2015بادخل نصف مليون ايراني من حدود زرباطية بطريقة غير شرعية وهو المكان المقابل لحادثة قتل الاسرى العراقيين في تصرف لم يعرف مقاصده.
وأخيرا نقول للدولة العراقية، كما يقول الشاعر:
لا يلام الذئب في عدوانه إذ يكن الراعي عدو الغنم
1267 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع