عصام شرتح
لاشك في أن الاغتراب الاجتماعي- عند شعرائنا المعاصرين- من أـبرز أشكال الاغتراب الوجودي،الذي عانوه شعراؤنا المعاصرون من نفي وقلق وتوتر وانكسار، يقول أحد الباحثين:"على الرغم من وصف عصرنا بأنَّه عصر التقدم العلمي والبحث عن الوسائل التي تعني بيئة الإنسان وتضمن له الرخاء.فإنّه يتميز بانتشار ظاهرة سيطرت على ناس هذا الزمان إلاَّ وهي الاغتراب. حيث أنَّ الاغتراب خاصية مميزة للإنسان، قديمة ومتأصلة في وجوده، وإنَّ اغتراب الإنسان هو قدرته على الانفصال عن وجوده الإنساني.وقد اعتبر الاغتراب ظاهرة إنسانية متعددة الأبعاد، وإنه تزداد حدته ومجال انتشاره كلما توافرت العوامل والأسباب المهيأة للشعور بالاغتراب نفسياً واجتماعياً ووجودياً.إنَّ الفرد حين يغترب من جميع النواحي. نفسياَ واجتماعياً وعضوياً، وهو لا يملك سوى ذاته يتمركز عليها ويلتصق بها، وإنه يعجز عن استثمار إمكاناته، وقدراته، ومواهبه ولا يستطيع أن يحقق ذاته.لذلك يمكن اعتبار الاغتراب قضية بالغة الأهمية لكونها أزمة من أزمات الإنسان المعاصر"(1)، وهذا يدلنا أن الإنسان ابن بيئة ثقافية، ومؤسسات اجتماعية،محكومة بعادات وتقاليد ومعارف معينة؛وهذا يعني أنه ابن بيئة محددة،لها أعرافها، ومنظوماتها المعرفية الخاصة بها، ولهذا، تختلف المجتمعات من مجتمع إلى آخر، ومن بيئة إلى أخرى؛وإن مؤثرات البيئة لابد أن تنعكس على تكوين أفرادها، وتطبعهم بطابعها الخاص؛ فالمشاعر، والرؤى، والقدرات العقلية، والمهارات الإبداعية تتأثر بدرجة كبيرة بوعي الإنسان، ومهارة اكتسابه المعارف،وتنميتها وفق رؤى ومنظورات إبداعية خاصة بالفرد ذاته في تكوين هويته الثقافية والوجودية، والإبداعية؛ولهذا، يأتي الاغتراب الاجتماعي ليكون المنظومة المغايرة لما اعتاد عليه المجتمع، إنه الطفرة الإبداعية التي تحاول أن تنسلخ عن المجتمع،معلنة تمايزها، واختلافها.
ومن هذا المنطلق،يتخذ الاغتراب الاجتماعي طابعين: الأول الطابع الإيجابي عندما يولد التساؤل ،ويدفع إلى التفكر، والتأمل؛ أي باختصار عندما يكون إفرازاً معرفياً ينمي الإحساس الوجودي من خلال الشكل الإبداعي المتميز والمنحى الجمالي في الخلق الفني المؤثر،والثاني الطابع السلبي عندما يكون إفرازاً للتشتت، والانهيار، والارتكاس، والتأزم النفسي اللا إبداعي ؛وذلك حين ينطوي المرء على نفسه؛معلناً اغترابه كشكل من أشكال الاستلاب والارتكاس النفسي.
والملاحظ أن الاغتراب الاجتماعي- عند شعراء الحداثة- قد تعددت أشكاله،وأساليبه،تبعاً لإحساس الشعراء أنفسهم بمجتمعاتهم، فاعلين أو منفعلين به، فكثير من الشعراء عانوا شظف العيش،ومكابدة الجراح ،والتسكع، والضياع، إلى حد بدا اغترابهم الاجتماعي علامة فارقة في إنتاجاتهم الشعرية؛ومثالنا على ذلك ممدوح عدوان الذي عانى الأسى والشقاء على أشده في بداياته الشعرية ،وفي أواخر أيامه،حتى جَّسد ذلك في أشعاره قاطبة دون استثناء،ودليلنا على ذلك قوله:
" يا ريحُ،كيف جلبتِ لي بردَ المساءْ
يا ريحُ قاسيةٌ خطاكِ
ومفزعٌ هذا البكاء
خلف النوافذ تجهشين
فتسقط الدمعات فوق زجاج قلبي
رجفةٌ تطفو على وجهي
وغصاتٌ تدافعُ في الصحارى بين برِّ جوانحي والدمعِ
تفلتُ آهةٌ مخنوقةٌ
حملت جنون الحلمِ
ترتجفين إذ يأتيكِ من قلبي النداءْ
هل أنتِ باكيةٌ
أم أنك تحملين بكاءَ من تاهوا
ومن هجروا
وهل تتأوهين على حبيب ضاع؟!
.. من قلبي تفوحُ من رذاذ الدمعِ أشواقٌ
مبللةٌ برائحةِ الشقاء"(2).
إن الروح الاغترابية تتضح في ثنايا الجمل الشعرية السابقة قاطبة،ويتضح وقعها النفسي؛ إذ يرى الشاعر أن كل الأشياء من حوله تأسى على واقعه،وتجهش بالبكاء على حاله: (الريح- النوافذ- رذاذ الدمع- الأشواق المبللة برائحة الشقاء- آهةٌ مخنوقةٌ- رجفةٌ تطفو على وجهي –غصات- بر جوانحي- الدمع)، إن هذه البنى الدلالية مؤشرات بارزة على واقعه الاغترابي،وزفرات الشوق المبللة برائحة الأسى المرير ورذاذ الحنين والشوق الحار إلى محبوبته التي هجرته،ولم يبقَ له من صداها غير نشيج الريح،ورذاذ الدمع المبللة بالأشواق الملتاعة، والشجن الرومانسي الحزين.
وكما هو حال الشاعر ممدوح عدوان في بث صدى اغتراباته الجريحة وشكواه المريرة، بالمكابدة والفقر والشجن الدامع كان حال الشاعر محمد الماغوط الذي عبر عن هذه الحالة خير تعبير كما في قوله الشعري:
" أيها الوطنُ الغارقُ في التفاهات
لن أنقذك مهما كان عندي من وسائل
فلطالما أسأتَ إليَّ من الرأسِ حتى أسفلِ القدم
حرمتني رؤية النجوم
تأملَّ الأفق
انتظار الفجر
رائحةَ الخبز
رسائلَ الحب
هدايا الأعياد
وحتى النومَ على الرصيف
............................
عفواً ليس عندي وقتٌ أضيعه
فعندي موعدٌ هام مع عاهرة!
ومصابةٌ بالإيدز والزهايمر
فمتْ بغيظك"(3).
لقد عمد الشاعر إلى بث أصداء اغترابه الاجتماعي، بإحساس انفعالي صاخب،وصوت احتجاجي قارع أراد من خلاله أن يعلن نفيه، وانسلاخه عن هذا الوطن الغارق في تفاهاته الكثيرة، وتناقضاته المريرة، إذ إنه يحرم المبدعين والمفكرين من جل حقوقهم،ويرميهم في دائرة الاغتراب، والتشرد، والفقر، والضياع،في حين يرفع شأن الجهال والظالمين،ومن هم دون ذلك إلى قمة الترف، والغنى، والقيمة الاجتماعية؛ولهذا، جاء احتجاجه الصارخ (مت بغيظك) بغاية الدلالة على غضب الشاعر وأسفه على هكذا وطن لا ينصف من مواطنيه إلا الجهال والظالمين، والقتلة والمجرمين ويعبث بأحلام المبدعين،ويسبي آمالهم في العيش الرغيد، ويموت أغلبهم دون تحقيق هذه الغاية، وبهذا الإحساس الاغترابي جسد الشاعر رؤيته السوداوية للوطن،معلناً في النهاية تخليه عنه إلى امرأةٍ عاهرة،لأنها بتصوره- أكثر وفاءً، وعدالة من عدالة هذا الوطن الظالم ومحبته الزائفة.
ومن الشعراء الذين نهجوا هذا النهج الشاعر نزيه أبو عفش،لكن بأسلوب أكثر انفتاحاً ودلالة على الواقع السوداوي الموبوء ونفيه وانسلاخه عنه إلى براءة الحيوان،كما في قوله:
" أقيم داخل فكرتي
كمن يحبس نفسه في مرآب لنفايات الموتى
وأهذي: الخطيئةُ أصوبُ من الحق
والألمُ أخلدُ من العقل
أتنهدُ وأبكي
.. أحلمُ براءة الحيوان"(4)
هنا،يبث الشاعر اغترابه مرتداً إلى الداخل، يحاكيها، ويحاورها حواراً نفسانياً مؤلماً،محاولاً قلب المعايير، كما هي في واقع الحياة الظالمة، وفق معايير مغلوطة،تتبع طبيعة البشر الظالمة،وأساليبهم المغلوطة،ورؤاهم المنحرفة،وفق المعايير الثلاثة التالية: المعيار الأول:الخطيئة أصوب من الحق، المعيار الثاني الألم أظهر من الفضائل، المعيار الثالث الجمال أخلد من العقل، إن هذه التناقضات دفعت الشاعر إلى الانسلاخ عن الواقع،والعودة إلى براءة الحيوان، إلى فطرة الحيوان الوديع، وإحساسه البديهي بطبيعة الأشياء، دون نوازع الشر،والكراهية، والحسد، والحقد، والخطيئة التي يقترفها بنو البشر.
وثمة شكل من أشكال الاغتراب الاجتماعي ينزع فيه الشعراء إلى نقد العادات والتقاليد الاجتماعية البالية،رغبة في كشف تناقضات الواقع،وتعرية المواقف السلبية (اللا إنسانية) التي يرتكبها الإنسان بحجة الدين،من تحريف الأمور على عكس حقيقتها والتلاعب بالعادات والمعتقدات لإشباع غرائزه ورغباته الداخلية،ومن أبرز أولئك الشعراء نزار قباني الذي اعتمد التعرية الفاضحة كشكل من أشكال الاغتراب الاجتماعي وانسلاخه عنه ،كما في قوله:
" كأن الدينَ حانوتٌ فتحناهُ لكي نشبعْ
تمتعنا" بما أيماننا ملكت" وعشنا في غرائزنا بمستنقع
وزوَّرنا كلام الله بالشكل الذي ينفع
ولم نخجل بما نصنع
عبثنا في قداسته
نسينا نبل غايته
ولم نذكر سوى المضجع
ولم نأخذ سوى زوجاتنا الأربع"(5)
هنا، يلجأ الشاعر إلى بث أصداء اغترابه الاجتماعي،معتمداً أسلوب التعرية الكاشفة للعادات والتقاليد،من ذلك العبث بالمعتقدات،وتسخيرها بالشكل الذي يخدم مطامعهم ولذاتهم الجنسية،متخذين الجنس مستنقع شهواتهم، وغرائزهم الحيوانية،متناسين مختلف الشرائع والأحكام النبيلة التي أتي بها القرآن؛ وهذا يعكس انسلاخه عن المجتمع، وتقاليده، وأحكامه المغلوطة،وتزويره للأحكام الشرعية بما يخدم مطامعهم وشهواتهم. وهذا النقد الاجتماعي هو ما يحقق لنصوصه الشعرية الاغتراب في رؤاها، ومؤثراتها، وأحكامهما المغايرة للواقع.
ولا يلجأ القباني إلى تعرية الأحكام، والمعتقدات الفاسدة،وإنما يلجأ إلى الأسلوب الجاهلي في وأد البنات، والحد من حريتهم الإنسانية كما شرع الله في نهجه الديني الحنيف، من ذلك قوله:
" أنا أنثى..
أنا أنثى. نهارَ أتيتُ للدنيا وجدتُ قرار إعدامي
ولم أرَ باب محكمتي
ولم أرَ وجه حكامي"(6).
يعتمد الشاعر النبرة الاغترابية الحادة التي تحمل مختلف أشكال الاحتجاج والتقريع؛ متحدثاً على لسانها بمشاعر صارخة عن واقع الأنثى الظالم،وما تعانيه من عادات جاهلية قديمة،تحد من قيمها وأهميتها، وليس كذلك فحسب، بل تحد من قيمها وأهميتها كأنثى،وليس كذلك فحسب،بل انتقص من قيمتها كمخلوقة لها رغبة في الحياة؛وهذا حق من أبسط حقوقها؛وما اعتماد الشاعر هذا الأسلوب إلا دلالة على تعرية ومكاشفة صريحة للواقع الاجتماعي الموبوء الذي نعيشه في بلداننا العربية؛ من عادات جاهلية، ومعتقدات بالية،وأحكام انتهازية لا تملك من الإنسانية أي شيء ، بل لا تمت إلى الإحساس الإنساني بصلة؛وهذا يعني أن الشاعر يملك نظرة تعروية للواقع الاجتماعي، ومعتقداته الفاسدة، وأحكامه المغلوطة.
وكما هو حال الشاعر نزار قباني في اغترابه الاجتماعي كان حال شاعرنا السوري المميز محمد الماغوط، الذي عبر بقوة عن واقعه الموبوء، وانتهاكاته لحقوقه، وأغراضه الشخصية،برؤى اغترابية احتجاجية صريحة، كما في قوله:
" أخذوا كل شيء يا حبيبتي
قصائدي
مسرحياتي
كتبي
سخريتي
موهبتي
ومقعدي
ومفتاح بيتي ورفاق طفولتي،وجلساء شيخوختي
والمناظر الطبيعية التي كنت أتوقف وأتأملها
حتى المرض المستعصي والذي جئتك به من أقاصي قريتي النائيه
لأهزَ العالم بصمودي ونجاتي
أخذوه مني لإجراء التجارب المخبرية على الفئران والأرانب"(7).
إن أول ما يلفت القارئ اعتماد الشاعر تقنية (التراكم)،تراكم المفردات، وتتابع الجمل بشكل ملحوظ،دلالة على كثافة الأشياء والمسميات؛وهذا يعني أن الشاعر لجأ إلى تقنية فنية للتعبير، عن صوته الاغترابي، وإحساسه بالانتهاك،فقد انتهكت أشياؤه، وسلبت لإجراء التجارب المخبرية على الفئران والأرانب، وما تكثيف المسميات ىوالأشياء عبر تقنية (التراكم) إلا صرخة احتجاج مدوية في ظلمة هذا الواقع الموبوء، وانتهاكاته الظالمة، لدرجة تبدو ملازمة لأشعاره ونهج قصائده،وللتدليل على ذلك نأخذ قوله:
" ظلامٌ.. ظلام.. ظلامْ.
وأنا مربوطٌ كالكلب إلى سلسلةٍ أنبحُ على الغيومِ ولا أراها
هل أنا رائدُ شعرٍ؟ نثرٍ؟ أم رائدُ مباغٍ وحاناتْ؟!
والوطنُ يرى ويسمعُ كل شيء
ووجههُ جامدٌ دونَ أيةِ خلجةٍ كوجهِ المقامر"(8).
هنا، يحس الشاعر بأقصى درجات الاغتراب عندما يرى وطنه صامتاً تنهال عليه الإهانات والضربات على مرأى عينيه ومسمعه دون نأمة خجل؛ أو صرخة احتجاج؛ وهو بهذا يعري واقعه، ويعلن اغترابه الاجتماعي الصريح، وانسلاخه التام عنه؛نظراً لعدم اكتراثه به، أو الدفاع عن حقوقه إزاءه كمواطن يملك حرية الرأي، والتعبير عنه كشاعر ومبدع.
وهذا الأسلوب لا يكاد يفارق الماغوط في جل قصائده؛ وللتدليل على ذلك نأخذ قوله:
" يا أزهار الزمان البعيدة
يا أراجيحَ الطفولة
أنقذيني مما أنا فيه.
لم أسرق رغيفاً في حياتي
لم أؤذِ نملة
ولم أزعج جاراً
ولم أقصر في واجب
ولم أخنث بقسم
ولم أقطع حديثاً لأحد.
ومع ذلك ما زلتُ المتهم الأول في كل واقعة
والشبحُ الذي تُخوَّف به الأمهاتُ أطفالهن إذا لم يأكلوا أو يناموا"(9).
إن الروح الاغترابية- في نصه السابق- شديدة الإيحاء والتأثير؛وهي تبين إلى حد كبير نزعته الإنسانية النبيلة، لكن رغم ذلك يكون المتهم الأول في كل قضية،والشبح المرعب الذي يخوفون به الأطفال؛وهذا دليل غربته الاجتماعية،وصدمته الشعورية وإحساسه المأزوم بالظلم والاستلاب.
وعلى شاكلة محمد الماغوط في اغترابه الاجتماعي نجد مثل هذا الاغتراب المرير المحمل بالوجاعة والأسى والسخرية اللاذعة - عند نزيه أبو عفش، لكن بأسلوب أكثر مضاضة، وأشد وخزاً وحرقة،كما في قوله:
" لا أعني الكلاب.. فالكلاب عادلةٌ
لا الذئابَ... فالذئابُ تعرفُ وقتها النبيل ولا تأتي في المناسبات
لا الأفاعي
لا الحلزون
لا الديدانِ المخمورة
البلاد.. البلاد.. البلادَ
ذات الأنياب والأوشحةِ وحمالات السراويل
بلاد السفلة والمزورين
وحفظة كلامِ العدل
بلاد الحريةِ أيها الموتى
بلاد الحريةِ أيها الموتى
بلادَ الأقفالِ..
أيها الأحرارُ الدنسون
بلادَ القداسات الشريرة
والأثداءِ المنفوخة بالغازات السامة
البلاد الجالسة على نفسها.. تتلقى مفرزات أرحامِ النساء
البلادَ المفتوحةَ على المقابرْ
البلادَ المقابر.. المقابرَ
البلاد.. بأرصفتها ومنشديها وحملةَ نعوشها"(10).
هنا،يعبر الشاعر عن أقصى درجات الاغتراب الاجتماعي من خلال تعرية الواقع والمفاسد القابعة في مجتمعه، حتى الكلاب، والذئاب، والأفاعي تأتي في أوقات محددة،وتحترم المناسبات، والأعياد وأوقات السكينة والراحة والاستجمام ؛ في حين أن بلاده دائماً لا تراعي عهوداً، أو ذمة، أو وازعاً من ضمير؛ إنها لا تحترم حقوق الإنسان،وتنتهك الحرمات، وتمارس مختلف مظاهر الظلم والقهر،والاستلاب،لهذا يصفها بأوصاف نابية دليلاً على انسلاخه عنها،كشكل من أشكال الاغتراب الاجتماعي،خاصة حين وصفها بأوصاف نابية شديدة الوضاعة والدناسة والقذارة):بلاد الأحرار الدنسون- بلاد الغازات السامة- بلاد مفرزات أرحام النساء- بلاد السفلة والمزورين – بلاد الأقفال)؛ إن هذه الأوصاف تعكس حدة الاغتراب الاجتماعي عن بلاده الموبوءة لدرجة الانسلاخ عنها،والتقزز من دناستها ،ووضاعتها الشديدة. وهذا الأسلوب المتبع نجده في الكثير من قصائده التي تعري المواقف الاجتماعية والعادات والأحكام المتناقضة التي تفرزها بلاده في مراحل كثيرة.
وقد يصل الاغتراب الاجتماعي –عند نزيه أبو عفش- إلى المسامحة في كل شيء لا لشيء ...فقط ليلقي أعباء أحزانه ومآسيه لينام بوداعة، وسكينة، وهدوء، بعد ضجر الحياة وصخبها،ونواميسها الظالمة،لعل روحه تسكن برهة من عنائها الشديد بعد ضجرها من واقعها الظالم الموبوء، إذ يقول:
آن لي بعد هذا وهذا، أن أصالح روحي قليلاً
وانفض عنها الغبار التي تعتريها
آن لي أن أقول: السلامُ على كل شيء مضى،
وعلى كل شيء سيأتي..
السلامُ على صاحبٍ خانني في طريقي إليه
وعلى الحب يطلقني في فضاه
ويفلتُ أرجوحتي من يديه
وسلامٌ على الله تسيلُ بذرة روحي
ويحشرها في كوابيسها وهو محيي العظامْ.
والسلام عليَّ
السلام عليَّ أوزعُ جسمي على قاتليه
وأنسجُ أكفانه من غبارِ الكلامْ
أفما آن لي..؟
آن لي أن أنام"(11).
إن شدة الاغتراب الروحي والاجتماعي قادت الشاعر إلى المصالحة والمسامحة في كل شيء؛ رغبة في لحظة هدوء، وسكينة، واطمئنان؛ لهذا، أراد الشاعر أن يسامح خائنيه ومحبيه، وقتلته ومستبيحي دمه، أراد أن يسامحهم جميعاً، فقط، ليهدأ قليلاً من أعباء هذا الواقع الموبوء إلى فضاء الحلم والخلود للنوم؛ لعله ينأى بعيداً عن عناء الواقع وضجره، ومآسيه الكثيرة، وانتهاكاته الظالمة؛ وهذا الأسلوب نكاد نلحظه عند غيره من الشعراء لكن بدرجات متفاوتة،فهو عند ممدوح عدوان أقل حدة؛ إذ نجده يخفف من هذه النبرة الحادة،والغلوائية الشديدة ؛معلناً اغترابه الاجتماعي كشكل من أشكال التعرية الإيحائية الكاشفة عن فساد المجتمع وانحلاله،كما في قوله:
" يا سكان طوابق هذا المبنى
من يسمع صوتي
من منكم ضيع طفلاً؟!
من منكم ألقى الطفل ببابي
.. يا سكان المبنى
أنا أعرفُ أن الطفلَ ابن حرام وقبيح
لكن هو ابن لامرأة منكم
امرأة تعرف والده
تعرفُ من واقعها
سيان أكان هذا الزوجُ هو الولدُ أم كانَ عشيق..
.... يا سكان المبنى.. استمعوا والسامعُ يبلغُ من يتلهى عن صوتي
هذا الطفلُ سينمو رغم تشاغلكم،وسينمو حقداً في قلبي حين أخاطبكم؟!
وسيصبحُ سيفاً في كفي حين أهاجمكم.. أسمعتم؟!
الحاضرُ يعلمُ من غاب"(12).
إن أول ما يلحظه القارئ هذا الأسلوب الخطابي الإيحائي المباشر في بث اغترابه، ونفيه مختلف مفاسد المجتمع من عبث، ولهو، ومجون، وزنى، وما إلى ذلك من مظاهر إباحية،مردها العلاقات الاجتماعية المحرمة والمشبوهة من زنى، ولهو، ومجون، وعلاقات لا شرعية من أمهات، وآباء لا يراعون الحق ،ولا يحتكمون إلى ضمائرهم، ومشاعرهم الإنسانية،بل تحركهم شهواتهم، وغرائزهم الحيوانية إلى ارتكاب المزيد من الفواحش والموبقات،ورمي أولادهم اللاشرعيين في أماكن مخفية(مهجورة) للخلاص من عار فضيحتهم،ولذلك ،يعلي الشاعر من نبرته الاحتجاجية الغاضبة وصوته الحاد بأن هذا الطفل الذي رموه سينمو ويكبر لا محالة رغم ظلمهم وإجحافهم، وسيكون السيف المسلط على رقابهم والشاهد العيان على مفاسدهم وانحلالهم،وهذا الأسلوب الاغترابي التقريعي لازم الكثير من قصائده،للكشف عن مفاسد المجتمع، وانسلاخه عنه كشكل من أشكال الاغتراب الاجتماعي وانعكاساته النفسية على ذات الشاعر انفعالاً واحتجاجاً صارخاً بالثورة والانفعال.
ولا يكتفي الشاعر برصد مفاسد المجتمع ومؤثراته السلبية، بل يلجأ إلى تعرية المواقف العاطفية التي تقوم على الخيانة، والغدر،وإثارة الشهوات من خلال المواقف اليومية التي يرصدها نبضها الشعري المتوتر بالغريزة والشهوة العارمة، كما في قوله:
" تجلسُ باسترخاء قدام الزوجْ
أو تمشي متأبطة يده مثل عنانْ
تستنهضُ ليلاتِ الأرقِ المكبوت
وذاكرة الحرمان
عيناها ترتحلان
فتجوبان الماضي والحاضر ووجوه الناس وإلى رجل لا تعرفه تنتهيان
توقظها نظرته الجائعة تحسُّ بعينيه
تفكان عرى سترتها
تسترخي وهي مخدرةٌ راضيةٌ
تسلمه منديلَ أآمانْ
تسلمُ جسداً ينزلقُ من العينين
وتنظرُ نحو الزوج الساهم باطمئنان
تلقي بسمتها باردة كالصدقة
فتصيرُ ستاراً بينهما
تتعرى في رجفات شفهْ
يرتفعُ كلامٌ بينهما مثل جدارْ
تكملُ ليلتها مع هذا العاشقِ خلفه"(13).
هنا،يستخدم الشاعر أسلوب الترسيم المشهدي في التقاط المشهد الشعري، وتصويره بدقة،معتمداً أسلوب المكاشفة الإيحائية، والسرد القصصي في تعرية الواقع الفاسد للعلاقات الاجتماعية البالية،معتمداً أسلوب المكاشفة الإيحائية، والسرد القصصي في تعرية الواقع الفاسد،للعلاقات الاجتماعية البالية،وهو- بذلك0- يؤكد اغترابه عنه وانسلاخه التام عن عاداته الاجتماعية المتفسخة؛ فالشاعر أراد إذاً أن يعري المواقف الغزلية التي تنحدر إلى علاقات جنسية مشبوهة أو علاقات جنسية(لا شرعية) مصدرها الانحلال الأخلاقي والشبقية الزائدة التي تضطرم في بعض النفوس،دون أن يلجمها عرف أخلاقي أو ديني،وهو بهذا المشهد يؤكد تفسخ المجتمع وانحلاله من خلال مشهد شعري جرى بين عاشقين على مرأى زوج مخدوع؛وهذا الأسلوب الإيحائي المعتمد يدل على حنكة في بث الروح الاغترابية بما يحقق الاستنكار والاستهجان من هذا المشهد الجنسي اللا أخلاقي إزاء هذه العلاقة اللامشروعة أو اللاأخلاقية التي حدثت بكل دلالاتها وإيحاءاتها الشعورية.وهذا يعني أن امتلاك الشاعر لأدواته الشعرية بما في ذلك القدرة على ترسيم المشهد بتفاصيله وحيثياته الصغيرة هو ما يحقق لمشاهده الشعرية الحركة الدائبة والكثافة الإيحائية.
وثمة شكل من أشكال الاغتراب الاجتماعي تتبدى في الإحساس بالنزيف الداخلي والغربة الحارقة التي تجعل الشاعر يحن إلى أرضه،ويغترب عنها غربة جارحة،تصل حد الموت، من شدة ماخلفته هذه الغربة من وجاعة وأسى واحتراق ؛على شاكلة هذه القصيدة لفايز خضور:
" حبيبه.. إذا مرةً شئتِ أن تسألي- ولن تسألي!!
ترى أين ذاك الغريبُ- الغريبُ- متى يرجعْ؟!!
حبيبهْ.. يعود الشقيُّ حين تزهرُ في الجرد ليمونةٌ
حينَ تثمرُ في كرمنا زيزفونةٌ.!!
بيتي-وحقك- لا تسألي أين بيتي؟!!
تقرِّي على الرمل ِ وشمَ النزيفْ
متى ما انتهيتِ،تري تحت صفصافةٍ قلبَ ميتِ..!!"(14).
هنا،يبث الشاعر اغترابه العاطفي، والاجتماعي بإحساس إيحائي،مفعم بالصبابة،والأسى ،والشوق للأرض والبيت والوطن والحبيبة الهاجعة في عالمه الساحر،مكثفاً من صيغة السؤال على لسان محبوبته،وهذه الأسئلة جاءت لتحمل أقصى دلالات الأسى والاغتراب، إنها تحمل دلالات الحسرة والألم والنزيف الشعوري الداخلي الذي يصل حد الموت،شوقاً إلى تراب الوطن،ولعل أشد ما يعانيه المغترب من حسرة وألم أن يموت قلبه كمداً،وحزناً على ذكرياته الجميلة وحنينه الدائم لموطنه الأصيل، الذي نشأ وترعرع فيه،ولم يستطع العودة إليه،حينئذٍ تتأجج الكلمات، وتحمل وميض اغترابها الحزين الجارح على شاكلة المقطع السابق الذي تسيل من كلماته دماء الوجد والحنين والاغتراب.
وثمة شكل من أشكال الاغتراب الاجتماعي يلجأ إليه الشاعر،معتمداً لغة التوبيخ أو الأمثال الدارجة، أو الألفاظ النابية ارتداداً نفسياً عما يعانيه من مشاعر اغترابية حادة،مردها نفي الواقع الفاسد، أو الموبوء الذي يعيشه نفياً حاداً يصل حدَّ الشتيمة أو الاستهجان،على شاكلة المقطع الشعري التالي لممدوح عدوان:
" راحَ صديقي يسترسلُ في الأحزانْ
ويعلنُ هذا الزمان (العكروت)
لأن الوطن يضيقُ حتى يدعوك لقلع جذورك"(15).
إن صرخة الشاعر الاغترابية دفعته إلى استخدام مفردة نابية هي لفظة(العكروت) التي تستخدم- عادة- في مساقات السباب والشتيمة واللعن؛وهنا استخدمها الشاعر لوظيفة دلالية،وذلك ،ليعلي صرخته الاحتجاجية الاغترابية الصريحة بالتنديد بهذا الزمن التعس الذي يضيق وتضيق آفاقه وحدوده كما تضيق حدود الوطن،لتصل حدَّ الاختناق لدرجة تدفعه لقلع جذوره رغبة في الانعتاق، والخلاص من براثنه الخانقة.
وقد يستخدم الشاعر مقولة عامية (شائعة) تستخدم في مساقات حياتنا الاجتماعية اليومية،كشكل من أشكال الاغتراب الاجتماعي،للتدليل على واقعه المؤلم المأزوم وحياته القاسية،كما في قول ممدوح عدوان:
تبكي؟!!( يا عيب الشوم) لا أدري أي نصيبٍ مشؤوم
خبَّأ في حنكي رصاصةَ ذكرى إن أضحك أو أتكلم
تلمع في حنكي
وبقدر حماسي للضحكةِ أو للكلمة أبكي"(16).
لقد استخدم الشاعر التعبير الشائع ( يا عيب الشوم) المستل من واقع حياتنا الاجتماعية اليومية،للدلالة على استهجان واقعه الاجتماعي المؤلم،واستهجان حالة الضعف المزرية التي وصل إليها،هذه الحالة التي دفعته للبكاء من شدة ما يعاني من أزمات وضغوط وآلام،وهذا يدلل على شدة الاغتراب التي يعانيها ووطأة ما أثارته في نفسه من أسى، ومكابدة وجراح.
وقد يأتي الاغتراب الاجتماعي موجهاً صوب البلاد واغترابها عن ذات الشاعر؛فيأتي الاغتراب محملاً باغترابين: اغتراب وطني(هم وطني)؛ واغتراب اجتماعي ممثلاً ب(المكابدة والجراح والآلام)وكلاهما يؤثران على الشاعر،ويزيدان من وطأة معاناته وآلامه على شاكلة قول الماغوط:
" بلادي صغيرةٌ وجائعةْ
وفمي مسيَّجٌ بالصهيلِ
أكتبُ إليها ولا أراها!!
يا صغيرتي.. ليكن جفاؤكَ عالياً كالنجوم
نحنُ رصاصُ الانحدار
والمحارمُ الوحيدةُ التي تلتقطُ دموعَ العالم"(17)
إن إحساسه الاغترابي كان موجهاً صوب البلاد بوصفها الصدر الحنون الذي يلقي عليه أعباء حزنه، لكن بلاده جائعة، وضيقة، وصلت به حدَّ الانحدار،ثم جاء اغترابه الآخر اغتراباً اجتماعياً يدل على إنسانيته المرهفة،وظلم الأحبة الذي أودى به إلى هاوية الأسى، والحزن، والاغتراب الداخلي.
والجديد بالذكر أن ثمة شعراء يحاولون كسر اغترابهم الاجتماعي بمحاولة التأقلم مع مجتمعاتهم على الرغم من صورها المنحلة بالفساد والتفسخ والضياع،رغبة في إبراز شعورهم العاطفي النبيل وإحساسهم بالانتماء،كما في قول الماغوط في سياقات بعض قصائده:
يا شعبي احتضني
أنت السيلُ الجارفُ
وأنا الكوخُ المتداعي
أعطني فرصة أخيرةً وانتظرْ
سأحبُّ عمالك وفلاحيك سأعتزُّ حتى ببغاياك وأوحالك
وأطلي بها جبيني كالهندي المحارب..
سأقفُ جامداً كالتمثال عند تحية العلم
وأصرخ كالمجنون في المظاهرات ولكن لا تقسُ عليَّ يا شعبي
هجرتك لأنك هجرتني"(17).
إن محاولة تقبل المجتمع على مضاضة رغم سلبياته يشكل وجهاً آخر من أوجه الاغتراب الاجتماعي؛ فالشاعر،هنا، يحاول أن يكسر اغترابه من خلال احتضان المجتمع على اختلاف طبقاته،وتنوع مفاسده،وتعدد فئاته،،من عمال وفلاحين وبغايا وأوحال، وسيول، وجبال،مؤكداً فخره واعتزازه بأفراد مجتمعه مهما اختلفوا،وتباينوا في الدرجات الاجتماعية،ملتمساً الرحمة وعدم الهجران،وما هجران الشاعر لشعبه ووطنه في فترة من الفترات إلا لأن مجتمعه هجره وأضنى فؤاده بالشوق والحنين إلى تراب الوطن.
وما ينبغي التأكيد عليه: أن الإحساس بالمرارة من قسوة الأيام وظلمها للذات الشعرية يمثل جانباً مهماً من جوانب الاغتراب الاجتماعي حين تفرقنا الحياة،وتبعدنا عمن نحب،وهذا ما نلحظه في قصيدة(مرارة)لجوزف حرب، إذ يقول فيها:
كلما الأيامُ يا دقات قلبي رافقتنا
فارقتنا
كلما يا امرأتي، القبلةُ منها قرَّبتنا
أبعدتنا
كلما يا صحبي،الدربُ عليها جمَّعتنا
فرَّقتنا
كلما كفُّ الينابيع إلى أرضِ السواقي أطلقتنا
حبستنا
إنها الدنيا التي عند كل غصنِ قطفتنا
عصرتنا
ثم في الريح
رمتنا"(18)
إن كل جملة في القصيدة تحمل دلالة اغترابية؛ فالأيام كلما جمعته بمن يحب فارقته،والقبل كلما قرَّبته بمن يحب أبعدته،والدرب كلما جمعته بالأحبة فرقته،وهكذا أمر الدنيا- في المحصلة- تقطفنا،وتعصرنا،وترمينا في غياهب اغتراباتها المريرة، ومآسيها وأحزانها الدائمة؛ ومحطاتها المتغيرة؛ فلا استقرار ولا طمأنينة ولا أمان فيها؛ فهي في تغير دائم، وحراك وتعاقب زمني مستمر،ما إن تُفْرِح حتى تبكي، وتحزن وتؤلم. هكذا أراد الشاعر أن يبث اغترابه الاجتماعي بإحساس مؤلم،و مداليل شعورية عميقة،غاية في الأسى وعمق التأمل.
من أشكال الاغتراب الاجتماعي رسم مظاهر الشرور والظلم التي يقع فيها الناس ،معتمداً النهاية الاغترابية الحزينة بالقتل،والإبادة، والموت،كحالة اغترابية مأزومة تعكس إحساساً اصطراعياً داخلياً ونزوعاً تاماً إلى تعرية الشر عن طريق النهاية الحزينة التي تترك في نفس القارئ وخزات شعورية احتجاجية صادحة يأسى لها القلب،فيتصدع،كما في قصيدة(رحلة في الليل) لصلاح عبد الصبور،التي قسمها إلى مقاطع؛في كل مقطع يضع عنواناً جديداً دالاً على الحالة الانتهاكية الاغترابية التي وصل إليها، كما في قوله:
-1- بحر الحداد
الليلُ ينفضني بلا ضمير
ويطلقُ الظنون في فراشي الصغير
ويثقلُ الفؤادَ بالسوادْ
ورحلةِ الضياع في بحر الحدادْ
فحينَ يقبلُ المساء يقفز الطريقُ،والظلامُ محنةُ الغريب
يهبُّ ثلةَ الرفاق،فضَّ مجلسُ السمرْ
" إلى اللقاء" – وافترقنا- نلتقي مساء غدْ"
" الرخُ مات- فاحترسي- الشاهُ ماتْ!"
" لم ينجهِ التدبيرُ، إني لاعبٌ خطيرْ"
" إلى اللقاء"- وافترقنا-" نلتقي مساء غدْ"
أعودُ يا صديقتي- لك منزلي الصغير
وفي فراشي الظنون،لم تدع جفني ينام
مازال في عرض الطريق تائهون..
ثلاثةٌ أصواتهم تنداحُ في دوامةِ السكون
كأنهم يبكون"(19)
تنهض دلالات الاغتراب – في هذا المقطع الموسوم ب(بحر الحداد) على تصوير هواجس الوحدة المرصعة بالسواد والحداد،ثم سرعان ما ينهي توقيعته المقطعية بالنهاية السوداوية المعتادة،وهي البكاء على الخلان والأحباب،بكاءً حاراً يعكس درجة اغترابه الاجتماعي وقلقه الوجودي، إزاء هذه النهايات الحتمية رغم اختلاف مشاربها إلا أنها تعود إلى منبع واحد ألا و هو طغيان الشرور على الإنسان،وهذه الشرورهي التي تقوده إلى نهايات حزينة لا محالة؛وهذا كما نلحظه في المقطع الثاني الذي حمل عنواناً آخر:( أغنية صغيرة):
" إليك يا صديقتي – أغنيةٌ صغيره
عن طائرٍ صغيرْ
في عشهِ واحده الزغيبْ
وإلفهِ الحبيب
يكفيهما من الشرابِ حسوتا منقار
ومن بيادرِ الغلالِ حبتان
وفي ظلام الليل يعقدُ الجناحُ صرةَ من الحنان
على وحيده الزغيب
ذات مساء،حطَّ من عالي السماء أجدلٌ منهوم
ليشرب الدماء
ويعلك الأشلاء والذماء
وحارَ طائري الصغيرُ برهةً،ثم انتفض..
معذرةً،صديقتي.. حكايتي حزينةُ الختامْ
لأنني حزين"(20).
إن القارئ يلحظ النهاية الحزينة التي يحملها؛وهذه النهاية تعكس الشكل الاغترابي الداخلي الذي يعانيه الشاعر، إثر مظاهر الظلم والقتل التي تحدث في عالمنا؛ وهي مظاهر تدل على نفوس مشبعة بالشرور ،ومفطومة على ممارسة جميع مظاهر القتل والبطش والإجرام دون هوادة أو رحمة،وما قصة الطائر ونهايته الحزينة إلا دلالة على سوداوية الواقع ومصيره المؤلم.
وهذه النهاية نلحظها في توقيعته المقطعية الثالثة الموسومة ب(نزهة في الجبل)؛ إذ يقول فيها:
"الطارقُ المجهولُ، يا صديقتي ملثم شرير
عيناه خنجران مسقيانِ بالسموم
والوجهُ من تحت اللثام وجهُ بومْ
لكنَّ صوته الأجش يشدخُ المساء
" إلى المصير"! والمصير هوةٌ تُرَوِّع الظنون
وفي لقائنا الأخير – يا صديقتي- وعدتني بنزهةٍ على الجبل
أريدُ أن أعيش كي أشمَّ نفحة الجبل
لكن هذا الطارقُ الشرير فوقَ بابي الصغير
وقد مدَّ من أكتافه الغلاظ جذعٌ نخلةٍ
عقيم
وموعدي المصير.. والمصيرُ هوةٌ تُرَوَّعُ الظنون"(21).
إن مؤشرات الاغتراب تتبدى في هذه النهايات الحزينة التي تقود إلى الموت،ونهاية المصير؛فالشاعر يجسد نوازع الشر بأشكالها وأدواتها الإجرامية كافة؛ هذه الأدوات التي تحمل دلالات القتل، والموت، والإجرام؛ وهي ألفاظ واضحة الدلالة والمدلول على ما تجسده في القصيدة من إيحاءات،هي( خنجران- ملثم شرير –سموم- وجه بوم- صوت أجش- المصير- الأكتاف الغلاظ-موعدي المصير- هوة المصير)؛ وهذا يؤكد أن ثمة دلالات مشتركة تجمع بين تلكم التوقيعات،مما يدل على أن التوقيعات الثلاثة تعود إلى نهاية حتمية واحدة تقريباً؛وهي إبراز عنصر الشر والنهاية المأساوية الحزينة التي تسدل بستارها على فضاء التوقيعات جميعها،وهذا يؤكد – بالدليل القاطع- نظرته الوجودية المصطرعة التي تسعى إلى إثبات هول المصير المنتظر،والمآل الأليم الذي سيؤول إليه المرء عاجلاً أم آجلاً في رحلته الوجودية في متاهات هذا الكون الصاخب وحركته الدائبة،وعجلاته المتسارعة،وهاهو ذا الشاعر يجسد في توقيعاته هذه الرؤىة المشتركة ليعزز نظرته الوجودية المريرة، وإحساسه المأزوم بالمصير الحتمي الذي ينتظره ويعيه من خلال النهايات المأساوية الحزينة التي تؤول إليها المخلوقات في مصيرها الوجودي.
وهذا الشكل من الاغتراب الاجتماعي عبر عنه أدونيس في أكثر من موضع دلالة على الواقع المأساوي الذي يقود إلى الموت أو ما أسماه الهاوية،كما في قوله:
كان لي ظلٌّ
منحتُ الظلَّ
كان شجرٌ ماتَ
الكناري الذي غنى وصلَّى للحياةْ
طارَ من شوقٍ إلى الموتِ
وماتْ"(22)
إن الشاعر أراد أن يعبر عن نظرته الوجودية من خلال التأكيد على أن كل شيء يقوده إلى نهايته ومصيره المنتظر ألا وهو الموت؛ فالظل والشجر والإنسان والطير كلهم يطيرون إلى حتفهم، ويموتون؛وهذه النهاية هي لإثبات نظرته الاغترابية المريرة بالتلاشي والزوال.
وما ينبغي الإشارة إليه:
أن بعض الشعراء يعبرون عن اغترابهم الاجتماعي باللجوء إلى الماضي، على ذكريات الطفولة لاستعادة بريقها وبراءتها؛ رغبة في إحياء الماضي، ولو بآلامه وجراحاته بديلاً عن الواقع الحالي المؤلم وما يحمل في طياته من بؤس وشقاء،وهذا ما نلحظه في هذه القصيدة لفايز خضور،وفيها يقول:
" وكنا صغيرين نحبو خفايا،لنعبر جسر الزمن
ولما كبرنا،تعبنا من السفر الدائري
وضاقت بنا جاليات النزوح
خجلنا من الورد كيف تقصف بين يدينا
وما أسعفته حرابُ المطر
لماذا نعودُ إلى موتنا من جديد
وننسى شقاء"(23).
يطالعنا هذا المقطع بأحاسيس اغترابية تحاول أن تطوي عجلات الزمن،وتسترجع اللحظة الماضية بكل ما فيها من ذكريات الطفولة،سواء أكانت هذه الذكريات مبهمة، أم مؤلمة. والشاعر يرى في استرجاعها لذة اغترابية يستجم من خلالها من عناء الواقع،وضنك الحياة، رغبة في التشبث بالأمل، ووميض الحياة إلى النهاية،ومن هنا ،يظهر لنا كيف استطاع الشاعر أن يعبر عن اغترابه بمفاعلة الزمن الماضي بالزمن الحاضر،لإثارة الزمنين معاً، ورفض الشقاء في كليهما؛مع رغبة التمسك باللحظة الماضية ارتداداً نفسانياً لما يعانيه من ضغط الواقع،وضنك شقائه.
وثمة شعراء يعبرون عن اغترابهم الاجتماعي بالاغتراب الشعوري، إذ يشعرون أن كل ما يقومون به، أو ينجزونه يأتي مناقضاً لطبيعته،ومنافياً لحقيقته،وكأن شيئاً من اللعنة لازمتهم و أحاقتهم بعذابها ونحسها الدائم،ومثالنا على ذلك الكثير من قصائد محمد الماغوط التي تسبح في بحر متلاطم من الموجات الاغترابية المريرة المحملة بالضنك والأسى ،والشقاء، والنحس الوجودي الملازم لوجودهم ، إذ يقول كدليل على ما ذهبنا إليه:
" إنني أعيشُ في وطنِ من الأجنحة ولكنني أزحفُ
أعصرُ خموراً من أشهر المصادر ولكن من ينال قطرة يصحو
أقطعُ خبزاً من أجود الإهراءات،وكل من ينال لقمةً يجوع
وأحاربُ بأمضى السيوف،وكل من تناله طعنة ينجو
ومن يركب زوارقي يغرق"(24).
إن القارئ يشعر بشيء من الاغتراب الوجودي- الاجتماعي يعانيه الشاعر من جراء حظه التعس، وسوء طالعه المؤلم؛فهو يملك الشيء بتمامه،ولكنه يفتقد ماهيته الوجودية،وقيمته التي وجد من أجلها،فهو يمتلك الأجنحة لكنه يزحف،ويعصر الخمور لكن خمره لا تُسكر، وهي على النقيض من ذلك بدلاً من أن تُسكِر تولد الصحو والإنعاش، وخبزه الذي يقتطعه من رغيف الخبز الناضج الحار، يزيده خواءً وسغباً. وزوارقه بدلاً من أن تنجي تغرق؛وهذه الروح الاغترابية تدلل على إحساسه المأزوم وعالمه اليائس المحكوم بالنحس الوجودي وسوء الطالع.
كما نجد شكلاً آخر من أشكال الاغتراب الاجتماعي –عند شعراء الحداثة- وهو الاغتراب بالأحكام والمعايير والرؤى الوجودية المنحرفة والأحكام المغلوطة؛ومن أبرز من تبنى هذا الاتجاه محمد الماغوط،وذلك من خلال قلب المفاهيم،وتعرية العادات والمواقف الاجتماعية المغلوطة،عن طريق قبول السلبي كشكل مألوف ومعتاد، ونفي الإيجابي كشكل منحرف أو مقلوب؛ فالمجتمع الفاضل يزرع الفضيلة،والفاسد يحارب الفضيلة،ويزرع الرذيلة،وهذا ما أراد الشاعر تعريته وكشفه للمتلقي،كما في قوله:
" وبسلاحٍ أبيضَ كالياسمين
أخليتُ السماء من طيورها
والأمواج من بحارها
والأشجار من بساتينها
والعصافير من أعشاشها
والمصلين من جوامعهم
والمسافرين من قطاراتهم
لأجل هذا اللغز العجيب
لأن التراجع عن الخطأ فضيلة
إلا في هذه الأمة
فالفضيلةُ هي الاستمرار فيه"(25).
هنا ، أراد الشاعر أن يعري الواقع الاجتماعي الذي نعيشه،فلا يقبل الاعتراف بالأخطاء،ولا يعمل على تصويبها، أو تصحيحها،بل يرى في الاستمرار فيها، والمثابرة عليها منتهى الفضيلة،وهو عكس القول المأثور(الاعتراف بالخطأ فضيلة)، إن مجتمع الشاعر يراها رذيلة،والمثابرة على الخطأ غاية الفضيلة ومنتهاها،وبهذا يؤكد اغترابه الاجتماعي ونفيه له،نظراً إلى أحكامه المغلوطة،ورؤاه الوجودية المنزاحة عن جادة الحق والصواب.
ومن أشكال الاغتراب الاجتماعي الإحساس بالاستلاب، أي أن يشعر المرء أنه مُضَطَهد وحقه مُستلب على شاكلة المقطع الشعري التالي لمحمد الماغوط:
" أخذوا طريقتي في التسكع،واعتمار القبعات
وإشعال اللفافة ونفث الدخان
وتذمري من المتسولين،وطالبي الإحسان
وأسلوبي في التحيات والرد عليها
وغضبي من الشكاوى العامة
والضحك بصوت مرتفع
ثم طريقتي في احتضان البار وإدارة ظهري للجميع
والتصفيق للنادل
وعدد الكؤوس التي أشربها ومقدار الحثالة التي أخلفها ثم أخذوا
طاولتي في المقهى
وطقوسي في الكتابة
وحجم الدفاتر التي استعملها
ولون الحبر الذي أكتبُ به
والآن يريدون يدي مع تجاعيدها ووشم الغزال القديم عليها!"(26).
هنا، يبث الشاعر روحه الاغترابية في كل جملة في القصيدة؛ ،تدليلاً على شدة الحالة الاغترابية الاستلابية التي يقاسيها؛وهذا يعني أن لدى الشاعر إحساساً اغترابياً مأزوماً؛مرده الإحساس بالاستلاب والاضطهاد،فقد أخذوا طريقته في التسكع،وفي جميع ممارساته اليومية الاعتيادية، ولم يقتصر الأمر على ذلك بل طالبوه بيديه التي يكتب بها، ووشم الغزال الذي عليها؛دلالة على قمة الاستلاب والانتهاك الني وصل إليها في واقعه الاستلابي المقهور المرير،والدلالة المرجعية على ذلك قوله:( والآن يريدون يدي مع تجاعيدها ووشم الغزال القديم عليها".
وبعد، فإن الاغتراب الاجتماعي- عند شعراء الحداثة المعاصرين- يتبدى في تأثيرات متعددة،تعكس –بشكل أو بآخر- علاقة المبدع بمحيطه الاجتماعي، والدور الذي يؤديه والمظاهر السلبية في تصوير المجتمع، وعكس مظاهر سلبياته، وتناقضاته ،وتعرية الكثير من القضايا الاجتماعية التي يقاسيها: كالجهل، والتخلف، والمكابدة، والشقاء، لدفع عجلة التطور إلى الأمام لإصلاح المفاسد، وكشف زيفها وتعريتها،لتغدو ممجوجة، ومقرفة للمتلقي.
نتائج أخيرة:
1-إن الاغتراب الاجتماعي –عند شعراء الحداثة المعاصرين- يمس الواقع الوجودي لدى الشعراء جميعهم،إما بالنفي والانسلاخ عن الواقع، أو الاغتراب عنه إلى دائرة اليأس، وسوء الطالع،وغالباً ما يجسد شعراء الحداثة اغترابهم بالسخرية من الواقع، ورؤاه، وقيمه الوجودية المغلوطة.
2- إن الكثير من شعراء الحداثة يجسد اغترابه بالانسلاخ عن الواقع، ونفي قيمه الوجودية؛ فيرتدون إلى دائرة العبث، والسخرية بالواقع والوجود ،ارتداداً شعورياً في التعبير عن ذاتهم القلقة المتوجسة من وجودها ومصيرها المرتقب.
3- إن الاغتراب الاجتماعي يرتبط بالهم الوطني والقومي عند بعضهم ،ليكون هذا الاغتراب هو الرافد لشعور الشاعر المأزوم إزاء واقعه وعالمه الوجودي المتوتر.فيكثف الكثير من الشعراء من الأسئلة الاحتجاجية الصارخة أو الرافضة ،للثورة على الواقع والتمرد عليه، والنفور من تناقضاته، وأحكامه المغلوطة خاصة ما لاحظناه في الاغتراب الاحتجاجي الحاد في شخصية القباني، ونزيه أبو عفش.
4- إن جل مسببات الاغتراب الاجتماعي تجعل الشاعر ينفث مشاعره الصارخة،بمصداقية، وحرارة عاطفية محمومة بالشكوى، والحرقة، والحسرة التي تجعل جمله غاية في القوة والدلالة على مضمونها الشعوري المحتدم.
5- قد يرتبط الاغتراب الاجتماعي بالاغتراب الشعوري – عند شعراء الحداثة – لأن الاغتراب الاجتماعي يمس الشعور الباطني لدى المبدع، ويكشف عن مدى تأثير الواقع ومؤثراته على نتاجه الشعري،لهذا تطغى الكثير من المفردات الدارجة النابية الدالة على الاحتجاج والثورة على الكثير من سياقات قصائدنا المعاصرة، وهذا ما أظهره لنا ممدوح عدوان في أكثر من قصيدة.
ويمكن أن نخلص إلى القول في المحصلة:
إن الاغتراب الاجتماعي- عند شعراء الحداثة- أتى محملاً بدلالات شتى تمثلت في رغبة الشعراء في تعرية واقعهم الاجتماعي،والكشف عن سلبياته،بإحساس عاطفي مشبوب بالأسى والحزن حيناً، وهاجس الرغبة لإصلاحه،وتنقيته من الشوائب حيناً آخر،لكن رغم ذلك بقيت مداليل الاغتراب الاجتماعي تسبح في حيز الأنا الفردية، دون تمثل الجماعة، بمعنى أن ذات الشاعر كانت طاغية على ما سواها،وذلك لرصد الحالة الشعورية،ومواقفها المحتدمة إزاء تناقضات المجتمع،بكل صخب الحالة الشعورية ودفقها الاغترابي المرير،وإيقاعها الشعوري الممض الموجع.
وصفوة القول أخيرأً:
لا شك في أن الاغتراب الاجتماعي –عند شعراء الحداثة المعاصرين – ينم عن اغترابات شعورية ورؤيوية عديدة،فلا تكاد تجربة شعرية إبداعية حقيقة تخلو من جانب أو جوانب من هذا الاغتراب المتنوع في مؤثراته، ومنعكساته على شخصية الشاعر، وشكل إبداعه ،ومنحاه الفني، والرؤيوي- الوجودي على الدوام.وهذا ما يجعل هذا الجانب الاغترابي من أبرز جوانب الاغتراب الدالة على محيط الشاعر وعالمه الوجودي الواقعي الذي يعيشه.
الحواشي
(1)
الحمادي،علي، الاغتراب الاجتماعي،موقع على النت: montada.echoroukonline.com/showthread.php?t=229620
(2)عدوان،ممدوح،2005- الأعمال الشعرية الكاملة،ج1// ص70-71.
(3)الماغوط،محمد،2007- شرق عدن غرب الله، دار المدى ،دمشق،ص 155- 157.
(4)أبو عفش،نزيه،2005- ذاكرة العناصر،دار المدى،دمشق،ط1، ص163-164.
(5)قباني، نزار ، الأعمال الشعرية الكاملة،ج6،منشورات نزارقباني،بيروتس،ج1/ ص336-337.
(6)القباني، نزار- المصدر نفسه،ج1/ ص585.
(7)الماغوط ،محمد،2006- البدوي الحمر،دار المدى،دمشق،ص418-
(8)المصدر نفسه،ص209.
(9)المصدر نفسه، ص425-426.
(10)أبوعفش،نزيه،2003- الأعمال الشعرية،ج2/ص68-70.
(11)المصدر نفسه،ص 125- 126.
(12)عدوان،ممدوح،2005- الأعمال الشعرية،ج1/ ص155- 159.
(13)خضور،فايز،2000- ديوان فايز خضور،ص35.
(14)عدوان،ممدوح،2005- الأعمال الشعرية،ج1/ص191-192.
(15)المصدر نفسه،ج1//ص187-188.
(16)المصدر نفسه،ص160.
(17)اتلماغوط،محمد- الآثار الكاملة،ص193-لا 194.
(18)المصدر نفسه،ص320-321.
(19) حرب،جوزف،1994- الخصر والمزمار،دار الآداب،بيروت،ص202-203.
(20)عبد الصبور،صلاح،1988- ديوان صلاح عبد الصبور ،دار العودة ،بيروت،ج1/ ص7-8.
(21)المصدر نفسه،ج1/ص9.
(22)المصدر نفسه،ج1/ ص10-11.
(23)أدونيس، علي أحمد سعيد،1971- الآثار الكاملة،ج2// ص530.
(24)خضور،فايز،2000- ديوان فايز خضور،ص313.
(25)الماغوط،محمد،2007- شرق عدن غرب الله،دار المدى،دمشق،ط2،ص 93.
(26)المصدر نفسه،ص93-94.
(27) المصدر نفسه،ص 43-44.
1112 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع