عدم انطباق الإسم على المسمّى

                                                        

                               يعقوب أفرام منصور

عدم انطباق الإسم على المسمّى

نساء كثيرات حملن إسم (جميلة) ، لكن الجمال كان قصِيًا عنهنّ  كبعد القمر عن الأرض. ورجال كثيرون حملوا إسمَي  (شريف) و (أمين)، فكانوا في أنظار عارفيهم ومجرّبيهم المتجرّدين نائين عن الشرف والأمانة. هذه المقارنة تنطبق على كثير من المؤسسات والمنظمات والجمعيات العالمية والإقليمية.
ولدى إمعاني النظر في ماضي (عصبة الأمم) ، التي أقيمت بعد الحرب العالمية الأولى  في سويسره، ألفيتُ ان ما اقترفته الدوَل " الكبرى " في ردهاتها من مخالفات وتجاوزات  على حقوق الدوَل الصغرى، وعلى القانون الدوَلي، ونقضها المواثيق والعهود، حملني أن أطلق عليها تسمية " عصابة الأمم" ! ولدى إستعراضي تاريخ (هيئة الأمم المتحدة) بعد عام 1947، وحتى هذه اللحظة، تبيّن لي ـ مع الأسف العميق ـ أن جملة من إجراءاتها وقراراتها ومناوراتها جاءت مخالفة لضوابط العدل والإنصاف، ومناقضة لميثاقها، ومثبّطة لأماني الشعوب التي انضوت تحت خيمتها الوسيعة. أما مجلس الأمن الدوَلي المنبثق من منظمة الأمم المتحدة، فكثيرًا ما خرقَ حدود الأمن، وهدّد وزعزع أركانَه ودعائم الإستقرار، ولم يتصرّف تصرّفَ من يروم الحفاظ على الأمن الدوَلي، بل من يخشى ان يعِمّ الأمن دوَل العالم، ويسود السلام بين الشعوب. لقد كان هذا منذ البدء، أما الآن، فحدّث عنه بلا حرج عن مهازله والعبث به من بعض أعضائه المتجبّر ين الخارجين عن سبل الحق والعدالة والسلام ! وما فتِئتُ أتذكّر شاعرًا مصريًا في خمسينات القرن المنصرم حين نعته ب "مجلس الخائف من الأمن !". في هذا الصدد أنسّب مطالعة سلبيات منظمة (هيئة الأمم المتحدة في عدد مجلة (الهلال) لنيسان 1949 ص 3ـ5 وفيه سخرية صريحة بمفردة (السلام) الذي تلوكه الألسن وتذكره كثيرًا الجرائد والإذاعات وتنعته ب ( السلام الغائب !).
وقبل أن تكون العلّة في المنظمة العالمية ومجلسها الأمني، لاحظتُ "جامعتنا العربية"،ـ وقد عاصرتُ نشأتها الأولى ، وواكبتُ حيثياتها وقراراتها وما تمّ ويجري في كواليسها منذ مطلع شبابي وحتى االآن ـ أنها سائرة بعكس عقرب الساعة، وسابحة ضد التيار التقدّمي للشعب العربي، فقد  ناصرت الرجعيين والمارقين والمتحكّمين، وتظاهرت بجمع الصف وتوحيد الكلمة، في حين الواقع البادي للعيان ولكل ذي عقل صائب، يُبدي أنها عملت وتعمل خلاف ما يقول سدَنَتُها ومسيّروها من وراء الستار، أو على المكشوف، وعكس ما تُشيعه ـ دجلاً ـ أبواق الزور والبهتان والتضليل الإعلامي للجماهير العربية التي عانت عقودها السبعة الماضية ضروبًا من الخيبة والإنكسار والإحباط، والتي يقاسي منها جيلها الحاضر ضروبًا من البلبلة والإيذاء اللذين هما  من أعمال الشياطين الملعونين ! لذا درجتُ على التساؤل بين آنٍ وآخر في شأنها: أهذه جامعة أم مفرّقة؟!
وأورد هنا مثالاً على أن جامعة الدوَل العربية كانت مسيّرة من الأجنبي  وغير مستقلّة في إدارة شؤونها واتخاذ القرارات المصيرية، إستنادًا إلى النص الأتي من مذكّرات الصحافي والأديب العراقي ( رفائيل بطّي) في كتابه ( ذاكرة عراقية) ج2 ص 53 تحت عنوان صغير : (القاهرة آذار 1951) : [ نقل لنا ... الحسيني بأنه سمع من توفيق مفرج بالقاهرة قوله :" كنتُ دعوتُ  البريكاديرـ عميد، قائد لواء ـ كلايتون على مأدبة، فتأخّر قليلاً على غير عادته، ولما وصل سألته عن سبب تأخّره، على غير عادته فأجاب: كنتُ منشغلاً، وأنا الآن كما يبدو لك مسرور منشرح، ومتألّم. مسرور لخدمتي بلادي. لقد نجحتُ في إقناع ممثلي الدول العربية في الجامعة أن يقبلوا الهدنة، في حرب إسرائيل، ومتألّم لأنني غششتُ هؤلاء المساكين فانطلى غشّي عليهم" ] 19ـ3ـ1951.
إن حال شعبنا العربي إزاء " جامعته " ، وخصوصًا الشباب، يمثّلها بيتان لشيخ الشعراء الراحل، وشاعر الشباب خليل مطران، القائل:
بني العُربِ، فيمَ الصبرُ والحالُ ما نرى   ويأبى علينا الخُسفَ تاريخُنا قِدما ؟!

وحتامَ  نطوي  العمرَ ، والليل   دامسُ  ونحتمل الإجحافَ والضيمَ  والظلما ؟!
والغريب في انطباق هذين البيتين على واقع حال  الجامعة العربية منذ تأسيسها حتى الآن، وبعد تطارق المصائب والكوارث والنكسات التي سببتها، هو أن البيتين الشعريين من مطلع قصيدة وطنيّة ثائرة، نُظمت في أواخر العهد العثماني المتخلّف. فما أشبه الليلة  بالبارحة ـ إن لم تكن أحلك وأردأ ! والغريب أيضًا أن عبد الرحمن عزّام، أول أمين عام للجامعة العربية، قال في نيسان 1948: " ينبغي ألآّ تكون البلاد العربية منطقة نفوذ لأحد، ولا سلطان عليها لأحد، وألّا تنحاز لغير مصلحتها، وأن تقرر سياستها بمقتضى هذه المصلحة، حسب ما تمليه الظروف والملابسات. إن مصلحة السلم الدائم تقضي بأن يكون الشرق الأوسط بعيدًا عن نفوذ أيّ دولة من الدوَل الكبرى. فهذا النفوذ، فضلاً عن كونه خطرًا على السلام العالمي، فيه تصغير لشأن البلاد العربية." (مجلة الهلال نيسان 1948).
فهل مراعاة (مصلحة البلاد العربية) و (مصلحة السلم الدائم) تكون بتكريس الفرقة، وإشاعة الإيذاء والبلبلة بين الشعب العربي من خلال قرارات جامعته ؟! ـ قرارات تُشجي الضمير، وتُسخِطُ المولى، وتُنزِلُ النفسَ من عليائها ؟!

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

881 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع