بقلم د. رحيم الغرباوي
بين النزعة الوجودية والحس الرومانسي , وقفة مع الشاعرة نيران التميمي
إنَّ لغة الأسلوب الأدبي هي لغة انتقائية يتوسلها الأديب ليأتي بالجديد المُبتكَر ؛ وليلبس معانيه ثوبها الموحي , فالاستعارة والمجاز بعلاقاته هو من اللغة الانتقائية التي تمنح النصوص سعة في المعنى ، ولعل رقي الحياة العقلية والذهنية في العقد الحالي لاسيما في العراق أثر التكنلوجيا الحديثة دفعت الطاقات الشبابية أن تنتج نصوصاً نجد منها ما يرقى إلى منصة الأدب ؛ لما فيه من إبداع وله جمهور يتلقى ويشجِّع من خلال العاطي معه في مشاهداتهم مما يساعد على ظهور تلك الطاقات التي بدأت تنمو وتنهض وترقى , وقد نجد توالد أساليب يتفرد بها البعض , فلكل منهم أسلوبه وطريقته في نسج أفكاره وطرح رؤاه , لكن الذي نجده يرقى على مسارح التواصل الاجتماعي الكتابة الرومانسية الجديدة التي تعين الكاتب على طرح نزعته الوجودية إزاء الكون والوجود الذي يحمل من العناء في ظرفنا المعاصر منح الكثير أن يدلو بدلوه تجاه قضايا الحياة المتشعبة بمشكلاتها وعنف وقعها على إنساننا العربي لاسيما العراقي , وهي ظاهرة نجدها تشغل المساحة الأوسع في الكتابة ومنها في أدب المرأة بعدما كانت مقفلة في دائرة محيطها الضيق لتشارك بمشاعرها الآخرين في بثِّ لواعجها وآلامها أو آمالها مايبشِّر باتساع أفق الثقافة وتطلع المتلقي الى ما تهجس به أدباً يحمل صدق الوجدان , ومن ثم يمكن ترجمة ذلك بما تحسه وتستشعره تجاه رغباتها ونزعاتها أو رفضها واستجابتها , فالكتابة النسوية تعني استبطان رؤية معينة في نتاجاتها الفنية .
وشاعرتنا نيران التميمي واحده من الشاعرات اللاتي برزن على شاشات التواصل
ولها جمهورها الذي يستمع بما تكتب ويدلي بإعجابه لتلك النصوص وهي تخاطب الوجود والكون لترسل نداءات قلبها للحبيب تستدر عواطفه تجاهها , فهي تقول :
أدمنتُ عينيك
أدمنتُ السهر
عشقتُ أنفاسَكِ والمطر !
حبيبي ,
عيناي عند غيابك تحتضر .
أنينُ شوقٍ يلاحقني , بعد فراقٍ
دام دهر .
نجد لغة الشاعرة منتقاة في ضوء مشاعرها , فقد اختارت ألفاظاً تنم عن روح عاشقة وامقة بلمسات شفيفة , فهي المرأة التي تعشق بصدق وتفي وتخلص للحبيب لذا نراها تؤثر ألفاظ الهمس واللهفة , فإدمان العينين يمثل التواصل مع الحبيب في حضوره , وفي غيابه ؛ كونها أدمنت السهر لاستحضار صورته أمامها ؛ بوصفها العاشقة لأنفاسه كذلك المطر إشارة ؛ لفرط تعلقها به ؛ لما لدلالة المطر العامة الذي يمثل وسيلة الخصب والنمو والتجدد , بينما عيناها في غيابه تحتضر لطول مدة الغياب . مما جعلها تستجلب ألفاظاً هي : السهر , تحتضر , دهر التي تشير إلى نوازع الألم والوجع والحسرة بسبب الضياع بفقدان الهدف والضالَّة .
ولما كان الوجع يسري نتيجة القلق من الزمن والخوف من الظروف المحيطة القاهرة التي تعصف بأنحاء البلاد , نجد نزعة الشاعرة الوجودية تزداد تمسُّكاً بالحياة رغم رومانسية الصور والمناجاة إلا أننا أمام وجود يبحث عن وجوده بين ركام الأزمنة ووحشة الضياع , نجدها تعيش حالة الاغتراب التي تذكِّرنا بغربة الجواهري وهو يقول :
لو تعلمين بأطيافي ووحشتهــا وددتِ مثلي لو انَّ النوم يجفوني
أجسُّ يقظان أطرافي أعالجها ممــا تحرَّقـتُ في نومي بأتُّوني
فالمشاعر الإنسانية واحدة تجاه قضية معينة من قضايا الوجود , هي عند كبار الأدباء وعند من هو مبتدئ في طريق الكتابة التي تظهرها بوضوح القدرات الصياغية والفنية لدى الكبار . لكن لا ننسى المشاعر والاحاسيس الانسانية المشتركة .
ولعل لشعور الضياع والاغتراب مستويات منها : اجتماعية ونفسية , ودينية وفلسفية تدخل في نسيج الحياة الثقافية بعدما تعتمل في نفس صاحبها , ويبدو أنَّ الشاعرة نيران التميمي تعيش حالة الاغتراب ومنها : الاجتماعي والنفسي , فهي الباحثة عن الوطن الذي يمثل ملاذها الآمن ؛ مما جعلها تعيش اغتراباً آخر هو الاغتراب النفسي الذي يمثل الجانب الانفعالي الرومانسي , فنجد نصوصها تغرق بالحنين إلى ملاذها المفقود , فنراها تقول :
تعال يا أميري
امسحْ السنين العجاف من مملكتي
بعدك قفلتُ أبوابي ونوافذي
فذبلتْ زهوري وتغيرتْ ألواني !
تعلَّمتُ عشق الليل
وأدمنتُ أحلامي
ورسمتُ عينيك بنور اللقاء
فهل من لقاء ؟
نراها تتأمل الحبيب الذي طال غيابه عنها بعدما رحل وتركها غريبة وحيدة , وهي تعاني الذبول ونوازع الحرمان وفقدان حريتها لسطوة الظروف القاهرة التي دهمتها . معبِّرةً عن ألمها بالصراخ , فهي تقول :
اصرخي لعلَّ الألم يهجعُ ,
والدمع يجفُّ ,
وسكرات القلب تهدأ ... ,
اهربي من أحلامٍ كانت ليست لكِ ,
فأنتِ لم تُخلَقي للخضوع .!!
نجد مقطوعتها تنزف ألماً وحسرة ودعوات هروب من واقع يفتقر إلى أبسط مقومات الحياة ومنها الحرية , إحساس نفسي قاتم , يغلق منافذ الأمل أمامها نرصد ذلك عن طريق المهيمنات اللفظية في النص , ومنها الألفاظ ( اصرخي , الألم , الدمع , سكرات , الخضوع ) ؛ مما يجعلها تنزع منزعين , هما : رومانسية الشعور للمنتظر , وغربتها كونها باتت وحيدة .
يمكننا أنْ نقول إن الشاعرة وإنْ وجهت نداءاتها للحبيب لكن هذا التوالد الذي يتناسل من نداءاتها لا يقتصر على ما يحدث في المجال البشري , إنما يتجاوز ما نلمسه ظاهراً في قصائد الشاعرة بل تتجاوزه إلى أبعد من هذا , وهو البحث عن الوطن المفقود أو قضية الحرية الضائعة , فالوجود الإنساني في صميمه توتر مستمر بين الحتمية والحرية , وسعي دائب لخلق الحرية على أشلاء الضرورة ؛ فالحرية تجربة روحية يحاول فيها الموجود الإنساني أن يستخرج من حياته المادية نفسها وسائط نموه , ووسائل تحريره , وأسس متطلباته الروحية ؛ لذا فالشاعرة نهجت الحس الرومانسي على الرغم من نزعتها الوجودية التي تهيمن عليها نتيجة الظروف القاهرة التي قيدت بأسوارها طاقات الشباب البنَّاءة .
1174 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع