د.ضرغام الدباغ
إيفان آيفوزوفسكي وإيليا أهرنبرغ
خاطرة تجول في فكري في العلاقة بين إيفان آيفوزوفسكي وإيليا أهرنبرغ
آيفوزوفسكي رسام ولد في روسيا (القرم) ودرس وعاش في أكاديمية الفنون الجميلة في سانت بطرسبرغ (لينينغراد) وكان من المتفوقين والنابغين خلال الدراسة، وتجول في بحار العالم، يرسم البحار، وأصبح من أشهر رسامي البحر. وأنا أحب رسومه، ولدي كتالوغات لأعماله، ولكني أفهم الأمر سياسة ..
هدير الشعب كعاصفة البحر في أول زمجرته، قد يراه البعض ممن يتمتع بقوة البصر والبصيرة مبكراً قبل هبوبه، ويراها البعض وقد اقتربت من الساحل، وها قد أصبح انقضاضه وشيكاً، وقد تحولت العاصفة إلى إعصار، وهناك من يعاند عقله ورؤياه، فيصم أذنه عن الهدير سادراً في غيه، يعتقد أن من جاء به سينقذه في لحظة ما ... وهذا سيكون جزاؤه كجزاء أبن نوح إذ لفته العاصفة، فهو لم يحترم البحر ولا العاصفة ولم يدرك هولها إذا تحولت إلى إعصار يقتلع النفايات ويقذف بها إلى حيث تستحق مستقراً. إلا أن البحر في النهاية يهضم الجميع ليبقى البحر جميلاً صافياً نقياً .... كريم في عطاؤه ..
البحر سيثور يوماً، والتداعيات الفنية تأخذنا إلى لوحة الرسام الروسي إيفان آيفوزوفسكي الرائعة التي أطلق عليها (الموجة العاشرة) تلك اللوحة الرائعة، التي لا يمكنك مغادرتها بسهولة، وهي تنتمي إلى الفن الكلاسيكي، فئة رسوم البحر ولكن بأمتياز خاص، هي لوحة مذهلة الجمال والقوة والإبداع " الموجة العاشرة "The Tenth Wave " وهذه اللوحة اليوم أحدى الموجودات الثمينة للمتحف الروسي في المدينة التي درس فيها آيفوزوفسكي مدينة لينينغراد "سانت بطرسبرغ" وهي بحجم 221X332 Cm .
ولوحة الموجة العاشرة، أثارت إلهام العديد من الكتاب والأدباء والفنانين، فقد أعتبرها آيفوزوفسكي الخبير بعواصف البحار، أن تسع موجات ضربت السفينة وأحالتها إلى كيان متهالك، والموجة العاشرة الأخيرة القاضية، تلك الموجة التي أغرقت السفينة التي أتعبها النوء، طغت عليها وأرسلتها إلى قاع البحر العاصف الغاضب، والبحارة يتعلقون يائسين بآخر قلوع السفينة على سطح البحر المدلهم في ظلام الليل، ولا فنار يلوح في الأفق ولا مرساة سوى ضوء القمر الذي شاء آيفوزوفسكي أن يجعله فنار البحارة في مأساتهم هذه والساحل بعيد ....
ألهمت هذه القراءة الثورية / الفنية الكاتب السوفيتي المبدع .. العملاق إيليا أهرنبرغ في روايته الكبيرة: " الموجة التاسعة " فقد أعتبرها الموجة التاسعة قبل غرق السفينة .. الموجة التاسعة هي الموجة ما قبل الأخيرة ... الموجة التاسعة هي إنذار، وهو إنذار يطلقه سياسي، رسام، كاتب أديب. الكاتب يطلق إنذاراً لمن ...؟ للبشرية والإنسانية التي شهدت الفاشية تذبح الجمهورية الأسبانية.... أوربا تتفرج مكتوفة الأيادي للنازية والفاشية تغرق أسبانيا بحمام دم وتنحر الديمقراطية ..! أين كانوا حماة الديمقراطية ومتشدقيها ..؟ .. كانوا يزودون فرانكو الفاشي بالسلاح سراً وجهاراً .. ويقولون لك .. لسنا نحن، بل أنها الشركات الهادفة للأرباح..! لم يقف سوى الأتحاد السوفيتي، الذي أرسل السلاح والمتطوعين لأسبانيا الجمهورية، وعشرات الألوف من الكادحين من كافة أقطار العالم استدانوا ثمن تذكرة السفر وشخصوا إلى أسبانيا .. وقفوا إلى جانب الجمهورية وقاتلوا إلى جانبها، والألوف منهم قضوا وراحوا في عناق مع الثرى الأسباني إلى الأبد ..!
الكاتب السوفيتي الكبير إيليا أهرنبرغ عاش أحتلال النازي لباريس، وكان قبلها من بين من تطوع ليقاتل بالسلاح .. وعندما عاد كتب رائعته : " الموجة التاسعة " ليحذر البشرية من الصمت .. هاتفاً ... الموجة العاشرة قادمة ... أنتبهوا ... الصمت هو موقف .. وقد يصبح مؤامرة .. لا تشاركوا في مؤامرة الصمت .. لا تقفوا مكتوفي الأيدي أمام الجريمة .. فالشيطان لا يريد سوى سكوت الأخيار .....
الصمت عار ... البحر يصمت غاضباً، ويثور عاصفاً ... وما أجمل غضب البحر
سلاماً للبحارالصاخبة العاصفة ... سلاماً لرجال البحر الشجعان
سلاماً لمن وقف قلمه للشعب .. للغد .. للحرية...
سلاماً لمن أصطف مع شعبه وليس مع جلاديه...
Ivan Aiwosowiski: 1817- 1900 The Tenth Wave
إيفان آيفوزوفسكي : "الموجة العاشرة"
2720 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع