أصول سكان بلاد الرافدين القدماء وانتمائهم وانتهاء دورهم الثقافي

                                                

                   أ.م.د.صلاح رشيد الصالحي


أصول سكان بلاد الرافدين القدماء وانتمائهم وانتهاء دورهم الثقافي

       

                          القسم الاول

استوطنت مجموعات بشرية بلاد الرافدين قديما وعبر فترات زمنية متتالية وكانت لهم ثقافتهم وابتكاراتهم في شتى المجالات الزراعية والحرفية والتجارية، وكل مجموعة سكانية تركت بصماتها في العراق القديم الذي كونه الرافدين دجلة والفرات، وبقدر ما كانت الأرض معطاة بخيراتها فقد انعكس على عطائهم الفكري في معتقداتهم التي هي انعكاس لطبيعة المناخ والأرض، فكانت افراحهم واحزانهم واساطيرهم مشتركة فيما بينهم، وعرف النظام السياسي الذي تبنوه عندما توسعت مدنهم في الجنوب والشمال باسم دولة –المدينة (city-state) لكنهم سرعان ما أخذوا نظام مركزية الدولة، وعندما تظهر دولة قوية في الجنوب (الأكدية والسومرية والبابلية) تعمل على توحيد الشمال مع الجنوب بدولة مركزية والعكس أيضا فعندما أسس الاشوريون دولتهم في الشمال عملوا جاهدين في توحيد الجنوب معهم، ويبقى ما هو مصير الأعراق التي استوطنت في ربوع دجلة والفرات ومنهم الفراتيون، والسومريون والأكديون، والبابليون، والاشوريون ...الخ)؟ يجب ان نضع في اعتبارنا ومنذ البداية بان تلك المجموعات البشرية لم تخضع لعملية الإبادة البشرية اطلاقا، نعم حدثت ثورات أو حالات تمرد ضد السلطة المركزية للممالك المسيطرة ولكن لا تصل إلى حد الإبادة الجماعية للسكان كما حدث مثلا لشعب جزيرة تسمانيا(Tasmania)الأصلي (جنوب استراليا) ما بين (1820-1831) على يد الاستعمار البريطاني بما يعرف (الحرب السوداء) ومن بقي منهم السكان الاصلين وعددهم (300) نسمة تم نقلهم إلى أحدى جزر في المحيط الهادي، كذلك الهنود الحمر في الولايات المتحدة الامريكية تم إبادة الكثير منهم وأخيرا نقلوا إلى محميات نائية بعد أن تقلصت اعدادهم وضيقت اراضيهم، وما يؤكد فكرتنا لم تصلنا نصوص مسمارية توضح بوجود إبادة جماعية لأي عرق كان، وعلى الأرجح ان اختفاء القوميات أو انقراضها كان نتيجة للانصهار والتزاوج مع القومية الأكثر نشاطا سياسيا وثقافيا أو ربما التهميش اجبرهم على اعتناق ثقافة أخرى تدريجيا . 

ومن الموجات البشرية التي عاشت في بلاد الرافدين قديما:
1- الفراتيون: يمكن ان نطلق على سكان دور العبيد في القسم الجنوبي من العراق باسم (أوائل السومريون) أو (الفراتيون الأوائل) (Proto-Euphrates) ، وحدد كاربون (14) تاريخا (4000) ق.م وفي جنوب العراق يمكن ارجاع تأريخه إلى (4500) ق.م، وتعود تسمية الفراتين إلى عام (1944) عندما نشر عالم الآشوريات الألماني (Landsberger) في أنقرة مقاله مهمة عن السومريين تبنى فيها رأي الباحث (Speiser) في تشخيص الكثير من أسماء المستوطنات المهمة في جنوب بلاد الرافدين وبضمنها أور، وأوروك، ولارسا، وادابا، ونفر(بالاكدية نِبُر)، وسـﭘار، بأنها ليست سومرية، غير أن (Landsberger) ذهب أبعد من ذلك وأدعى إن كثيرا من المصطلحات الثقافية الشائعة أمثال: فلاح (انكار engar)، وراعي (أودول udul)، وصياد سمك (شوها ŠU.HA)، ومحراث (آﭙين apin)، ومرز (ابسين absin)، ونخلة (جيشمار gišimmar)(اقرب كلمة عربية لها ﭼمار)، وتمر (زولوم zulum)، وصانع الأدوات المعدنية (تيبيرا tibira)، وحداد (سيموك simug)، ونجار (نكار nagar) (بالعربي نجار)، وصانع سلال (اد-كيد AD.KID)، وحائك (أوشبار ušbar)، وكاهن (Sanga) وصانع جلود (اشكاب ašgab)، وفخار (بخار bahar) (بالعربي فخار)، وبناء (شيتيم šitim)، وربما تاجر (دامكار damgar) كانت أيضا غير سومرية، وأطلق الباحث (Landsberger) على متكلمي اللغة الأساسية الافتراضية التي تنتمي اليها هذه الكلمات (الفراتيين الأوائل)proto-Euphrateas))، وهكذا كان الفراتيون فلاحين وحرفين ومارسوا التجارة، ومع هذا لم يتوصلوا إلى معرفة الكتابة وبذلك لا نعرف الكثير عنهم، ويعتقد بانهم اندمجوا مع السومريين وتبنوا ثقافتهم وبذلك لم يعد لهم وجود .
2- السومريون:اختلف المؤرخون في أصل السومريين، ولكنهم اتفقوا على انهم جنس غير سامي (جزري)، ولغتهم لا تشبه اللغات الجزرية ولا نعلم زمن مجيئهم إلى جنوب بلاد الرافدين، لكن الدراسات الحديثة ترى بان الحضارة السومرية رافدية لانهم سكان البلاد الاصليين الذين أقام اسلافهم أقدم القرى الزراعية في شمال العراق وقد نزحوا إلى القسم الجنوبي الذي عرف باسم بلاد سومر (يكتب بالعلامات المسمارية الثلاث KI.EN.GI) بعد توفر اسباب العيش لهم هناك، وبدا تاريخهم بداية العصور التاريخية التي تتوافق مع عصور فجر السلالات، واعتمدوا في بناء معابدهم على شكل (زقورات) باعتبارها ظاهرة معمارية سومرية معروفة دليلا على طبيعة البيئة التي اتوا منها ويفترض ان تكون جبلية ومرتفعة مثل عمارة الزقورة، ان تاريخ السومريون غير واضح في معظمه إلا ان ما وصلنا من نصوص تاريخية وما اسفرت عنه التنقيبات الاثرية تدل على انهم كانوا في عصر فجر السلالات يعيشون في مناطق المستنقعات (الاهوار) لتوفر الأسماك والقصب الذي استعمل في تشيد مساكنهم بعد استقرارهم واصلاح الأراضي الزراعية، واعقبها ظهور المدن المستقلة التي تحاول كل منها فرض سيادتها على المدن الاخرى، وهذا ما يعرف باسم (دولة-المدينة)، لقد تعرض السومريون إلى الإهمال وعدم المشاركة في الشؤون السياسية في عهد الدولة الأكدية التي قضت على استقلالهم وعلى ميراثهم السياسي بدولة المدينة، وقد سنحت لهم الفرصة في تأسيس سلالة أور الثالثة السومرية (2112-2004) ق.م كآخر نهوض سومري، على العموم يعود الفضل للسومريين في اكتشاف الكتابة والاختام الاسطوانية والكثير من المنجزات والابتكارات ولهذا شعروا بانهم افضل من الاكديين والكوتيين على حد سواء، وبعد سقوط دولة اور الثالثة توقف نشاطهم السياسي، ولهذا قاموا بعدة ثورات لم تحقق استقلالهم في مدنهم، وربما كانت سلالة القطر البحري (1730-1460) ق.م آخر محاولة لتأسيس كيان سومري مستقل في منطقة الاهوار ومن ملوك هذه السلالة ايلوما-ايلوم (Iluma-ilum) (من الاسم يدل على أصله السومري) معنى اسمه (الإله هو الإله الواحد) (يوحي الاسم بانه يؤمن بعبادة إله واحد بمعنى التوحيد الوثني) الملك إشكيبال (Iškibal) (1657-1642) ق.م الملك شوشي (Šušši) (1642-1616) ق.م، وحتى هذه الدولة سقطت على يد السلالة الكاشية التي حكمت بابل، وفي الالف الأولى ق.م لم يبقى من الوجود السومري غير بعض الكلمات أو العبارات التي يطلقها كهنة بابل في المناسبات الدينية من اجل كسب الاعجاب في عيون الشعب البابلي لانهم يجيدون لغات اجنبية، وما ان حل النصف الثاني من الالفية الأولى ق.م كان السومريون في عالم النسيان . وأخبرني شيخ المحققين العراقيين هلال ناجي رحمه الله بانه كان جالسا في مكتب سكرتير الرئيس العراقي جلال الطلباني عندما حضر ثلاث اشخاص وادعوا بانهم (قومية سومرية) وقد اضطهدهم نظام صدام حسين، ويطلبون مقابلة الرئيس الطلباني من أجل تعويضهم ماديا! وأجاب السكرتير وبلغة كردية لم اسمع بقومية سومرية طيلة حياتي! يبدوانها محاولة احتيال فاشلة وليس نهوض سومري متأخر.
3- الاكديون:الشعب الأكدي ذو قومية سامية (جزرية) لغتها أكدية وآلهتها تختلف بشكل أو بآخر عن آلهة السومريين، واقتصادهم الأساسي الرعي دخلوا بلاد الرافدين كمهاجرين واشتغلوا اجراء (بالأكدية أجرو agru) وكونوا مستوطنات سرعان ما أصبحت مدن كبيرة ، وبما انهم من أصول بدوية يدينون بولائهم لرئيس القبيلة فقد شكلوا أول حكومة مركزية قادتهم إلى الفتوحات التي أوصلتهم إلى مناطق لم يذكرها من قبل ملوك سومر، واستطاعوا تأسيس دولة عرفت باسم الدولة الأكدية (2334-2193) ق.م، واطلق السومريين عليهم مصطلح (كي- اوري KIURI) وتعني بلاد الاكديين، بينما اطلق الأكديون على انفسهم(مات اكديين Mat Akkadian)، اما أهم مدنهم فهي العاصمة اكد (اكاده)، وكوثه، وسـﭘار، وبابل، وكيش، وبورسبا، ودلبات، ومدن أخرى، وانطلق ملوكهم ومنهم سرجون وخلفائه في سلسلة من الفتوحات العسكرية اوصلتهم إلى أماكن لا نستطيع اثبات مدى صدق تلك الفتوحات البعيدة (مثل جزيرة كريت، ومصر، والهند) لكنها خلدت ملوكهم عبر التاريخ، واصبحوا مثلا يحتذى به البابليين والاشوريين أبناء جلدتهم، ولكنهم وفي نفس الوقت مارسوا سياسة ابعاد السومريين عن المشاركة في الحكم والتقليل من شأن آلهتهم فكانت النتيجة حركات التمرد في بلاد سومر أدت إلى تدمير المدن السومرية مثل أور ونفر وسرقت معابدهم، بالمقابل طغى الفكر الأكدي المتمثل بمركزية الدولة، وانتشار اللغة الأكدية التي سيطرة على عالم بلاد الرافدين بل ان الأسماء الأكدية أصبحت شائعة حتى بين السومريين انفسهم، بعد سقوط الدولة الأكدية وتخريب عاصمتهم اكادة، على يد القبائل الكوتية الجبلية بقيت مدن وسط وجنوب العراق القديم يحكمها ملوك ثقافتهم واسمائهم أكدية وحتى مجيء الاموريين فاندمجوا معهم لانهم من نفس الارومة جزريون (ساميون) ، ولهذا لا نستغرب بان أسماء ملوك في بابل وايسن ولارسا وآشور اغلبها أكدية مثل سرجون ونرام سين .. الخ ، ولا زلنا وبعد أربعة الاف عام نبحث عن العاصمة اكادة دون جدوى.
4- البابليون: لا توجد مجموعة بشرية باسم البابليين في الالفية الثانية ق.م انما الاموريون (Amurrû) وهم من أكبر الاقوام الجزرية التي استوطنت سوريا، و دخلوا بلاد الرافدين على هيئة هجرات سلمية احيانا وبقوة السلاح احيانا أخرى، وأن وصول موجه بشرية جديدة تتكلم لغة جزرية (سامية) إلى وسط وجنوب العراق لم تحضي بالقبول من لدن السومريين الذين اطلقوا عليهم في وثائقهم اسم (مار- تو) (MAR.TU) وبالأكدية (امورو) (Amurru) وتعني الغرب كما استعمل الاسم (مارتو) لإطلاقه على الإله الخاص بالاموريين، وكان دخولهم من القسم الشمالي الغربي (الجزيرة الفراتية) وسيطرت هذه الفئة سياسيا على غالبية البلاد، وهناك إشارات متناثرة أيضاً في الواح إيبلا (Ebla)، ويعود تاريخها إلى (2500) ق.م وينسب دمار مدينة إيبلا عام (2250) ق.م إلى الأموريين باعتبارهم مجموعة ريفية تعيش في حوض الفرات الأوسط والأعلى، وتأثرت بحضارتها وشكلت سلالات أو ممالك في عدة مدن منها، ثم وحدت احدى السلالات الامورية بلاد الرافدين عرفت بسلالة بابل الأولى أو مملكة بابل الأولى (1900-1595) ق.م ، علما بأن الاشارات لهؤلاء الاموريين موجودة منذ العصر السومري القديم عندما قدموا إلى بلاد بابل كمرتزقة وعمال ثم اخذوا يتزايدون بالتدريج، ويعني اسم (امورو) حرفيا (ارض مستقر الشمس)، وقد وصفهم شاعر سومري كيف انتقل الاموريين من حياة التنقل والترحال إلى الاستقرار بقوله(يرتدي الاموري جلود الاغنام ، بالنسبة للاموري السلاح هو رفيقه ، ويبقى [مشردا] في السهول، وهو يأكل لحما غير مطبوخ، وفي حياته كلها لا يملك بيتا، انه يعيش في الخيام في الرياح والأمطار، ولا يقدم القرابين، وهو لا يدفن صديقه أو رفيقه إذا مات وفقا للطقوس المناسبة، (والان) مارتو يملك بيتا .... ، (والان) مارتو يملك حبوبا .....) على الرغم من هذا الوصف فان حضارة بابل الأولى حفظت لنا أسماء ملوكهم وانجازاتهم ومنهم حمورابي على سبيل المثال، على الرغم من سقوط سلالة بابل الأولى إلا ان الحضارة البابلية بقيت راسخة في عقول الناس الاموريين في بابل مما أجبرت الملك الكاشي (سلالة الكاشية حكمت بابل قرابة اربعمائة عام) على تأسيس عاصمة جديدة بدل بابل عرفت باسم دوركاليكالزو (عكركوف حاليا) حتى يبتعد عن البابليين وتدخلاتهم وعنادهم، ومع هذا نرى الأسماء الأخيرة للملوك الكاشيين كانت بابلية أمثال (كودور-انليل) و (انليل –نادن-شومي) و (أدد-شوم-ايدين) و(أدد-شوم-ناصر) و (مردوخ-أبلا-أيدينا) و(انليل-نادن-آخي) والأكثر من هذا لا نعرف مفردات اللغة الكاشية غير (200) كلمة مما يدل بانهم تبنوا الثقافة البابلية ورغم سقوط الدولة الكاشية بقيت بابل شامخة.

      

أصول سكان بلاد الرافدين القدماء وانتمائهم وانتهاء دورهم الثقافي

                        القسم الثاني
5- الاشوريون: يعتبر الاشوريون من الساميين (الجزريين) الذين سكنوا في شمال بلاد الرافدين منذ مطلع الالف الثالثة ق.م، لقد عرفت منطقة شمال بلاد الرافدين باسم بلاد سوبارتو (subartu) كما عرف سكانها باسم السوباريين وهم من الأقوام الجبلية التي كانت تقطن في شمال بلاد الرافدين ضمن منطقة الجزيرة العليا وشرقي دجلة أما أصلهم ولغتهم فهما غير معروفين ، وعند استيطان الآشوريين لهذه المنطقة أزاحوا قسماً من السوباريين إلى المناطق الجبلية شرقي دجلة في حين انصهر من بقي منهم بالآشوريين وغلب العنصر الآشوري عليهم ، وكانت مدينة آشور تعني المدينة والإله والدولة، والمعروف ان اسم آشور جزري، وأصل هذه التسمية ما زال مجهولاً ومثار جدل بين الباحثين ولا يعرف إن كانت قد أطلقت على اسم البلاد أولاً أو أَنها كانت تطلق على الآشوريين ثم سميت البلاد باسمهم، أو أَنها أطلقت على إلههم القومي آشور، وأصبح اسم آشور يكتب بصيغة مشددة بتضعيف حرف الشين (Aš – šur)، كما وردت هذه التسمية بشكل (An – šar) ومعنى (An) السماء أما (šar) فتعني الأفق وبذلك يكون اسم المدينة (أفق السماء)، وللتعبير عن بلاد آشور في النصوص المسمارية كتبت مسبوقة بالعلامة الدالة (māt) أي بلاد فيقال(ki \māt – aš – šur) ، وأيضا اسم آشور يشار اليها باسم (بالتيل) (Baltil) وهذا الاسم لا علاقة له باللغة السومرية ولا إلى السامية انما إلى لغة تستعمل (el) مثل بابل(Babil)، واربيل(Arbail)، وكوربيل(Kurbail) ربما تعود إلى مجموعة استوطنت المنطقة قبل السومريين والساميين، على اية حال حكم الاشوريون فترة طويلة من الالفية الثانية ق.م وحتى سقوط نينوى (612) ق.م، واعتبرت دولتهم ذات طابع عسكري كونت امبراطورية اوج اتساعها كان من مصر وحتى بلاد الاناضول وشمال الجزيرة العربية وجزء من ايران، لكن هذه الدولة تكالبت عليها مملكة بابل ومملكة ميديا ومعهم القبائل الاسكثية (بالآشوري اشكنازي)، وبعد سقوط نينوى هاجر عدد كبير من سكانها إلى البوادي واسسوا دولة الحضر المنيعة بتحصيناتها العسكرية وخصائصها الفنية الاشورية، كما ورثت تنظيماتها الإدارية والعسكرية دولة بابل الحديثة ومن بعدهم المملكة الاخمينية الفارسية التي حكمت العراق (539) ق.م، لم ينقرض الاشوريون انما حدث تغير في الاسم إلى آثور (بعض الباحثين لا يرى وجود علاقة بين آثور وآشور) كما تغير اسم الاراميين إلى سريان بعد اعتناقهم الدين المسيحي، وبقيت البلدات في شمال العراق مثل بعشيقة وبطناية والحمدانية وغيرها تتحدث بالغة كلماتها ذات أصول آشورية .
6- الكلديون والآراميون:أول إشارة على وجود الكلديين في جنوب بابل وردت في وثائق آشورناصربال الثاني، عندما ذكر في حولياته أسم منطقة (الكلديين) (māt Kaldu) وذلك في حملة الملك الاشوري عام (878) ق.م، وتطلق الوثائق الاشورية على شيوخ القبائل الكلدية لقب (ملوك) أو(زعماء) أو (شيوخ) بالأكدية (رأسُ) (ra’su) (الجمع ra’sānu) (تقارب بالعربية رئيس)، يبقى من أين جاء الكلديين وماهي انتماءاتهم العرقية واللغوية؟ في الحقيقة لا يوجد أي أثر مؤكد عن الكلديين قبل أن يستقروا في جنوب بابل في أوائل القرن التاسع ق.م، وتتكون أسماء القبائل الكلدية من بيتُ (bitu) + اسم القبيلة: بيت -اموكانِ(Amukanu)، وبيت –داكوري(Bit-Dakkūru)، وبيت- ياكين، وقبيلة شعالو(Ša’alli) الكلدية ، وبيت-شيلاني (Šilāni)، وبيت- ادني(Bit-Adini) وربما هؤلاء فرع من قبيلة داكوري، اما أسماء القبائل الآرامية ليست فيها كلمة (بيتُ) فهم (29) تجمع قبلي ضمن خمسة تجمعات كبيرة من اكبرهم (كمبولو (Gambūlu ) وبوقودو (Puqūdu)، هذه القبائل الكلدية والآرامية تسكن في اكواخ من القصب خوصيتي (ḫuṣṣēti) والاخرين يسكنون في بيوت بسيطة بيتاتي (bītāti) (أقرب كلمة عربية بيوت)، و(قرى) كبرينو (kaprini) ، و(حصون) بيرتي (bīrāti)، وبالنسبة إلى الكلديين لدينا (39) مستوطنة لـ(بيت اموكانو) حول نيبور واوروك وايسن (منها 27 بالقرب من اوروك)، و(16) مستوطنة تابعة لبيت داكوري بين بورسيبا واوروك، و(11) مستوطنة من بيت ياكين في جنوب يلاد القطر البحري وقد ذكرت المصادر الاشورية والبابلية أسمائهم، تبقى المزارع والعقارات الكبرى بيد العائلات المصرفية مثل عائلة مراشو الكلدية، وكانت المستوطنات الكلدية غالبا محصنة قبل عام (700) ق.م، وأيضا هناك كلديين استوطنوا مدينة بابل وكانت مستوطنات بيت-داكوري وبيت اموكانو محاطة بسور وبالعديد من القرى الغير مسورة ويطلق على شيوخ تلك القبائل لقب ملك، وأخيرا ربما هناك قرابة بين الكلديين والاراميين ولكن على ما يبدو سبق الكلديين أبناء عمومتهم الآراميين في استيطان جنوب بابل قبل قرن أو أكثر، ومن أواخر القرن الثامن ق.م احتلت المجموعتين الأراضي المجاورة وخاصة في جنوب شرق بابل، واقاموا حلفا بينهما وخاصة في أيام ملوك آشور سرجون وسنحاريب، ولكن ماذا حل بالكلديين والآراميين بعد سقوط سلالة بابل الحديثة (539) ق.م، هناك عدة آراء منها رأي بان الكلديين وبعد سقوط بابل هاجر قسما منهم إلى شمال العراق وسكنوا البلدات القريبة من نينوى وتغير اسمهم إلى الكلدانيين واعتنقوا فيما بعد الدين المسيحي، ومع هذا بقي اغلب الكلديين في قرى جنوب العراق، اما الآراميون فقد بقوا في مدنهم وسط وجنوب العراق وعلى طول نهر دجلة ومع اعتناقهم الدين المسيحي تغير اسمهم إلى السريان .
مع الفتح الإسلامي للعراق تحالفت القبائل في العراق مع القبائل التي وفدمت بعد الفتوحات الاسلامية من قبائل شمر وتميم وغيرها فتغيرت مع مرور الزمن الأسماء القديمة واختفت لتظهر أسماء القبائل العربية وسبب هذا ناحيتين أحدهما سياسي حتى يستطيعون المشاركة مع العرب الفاتحين في الشؤون السياسية وثانيا تسقط عنهم الجزية والخراج بعد اسلامهم، واما من حافظ لقبه القديم فقد اعتبر فارسي لان الفرس كانوا يحكمون العراق فترة طويلة فجعل العرب من لا يتحالف مع القبائل العربية فهو فارسي.
7- الفراعنة :لا توجد قبيلة أو شعب باسم الفراعنة ، لان لقب الفرعون يعني (بيت عظيم) و استعمال هذا اللقب كان في عهد الاسرة الثامنة عشرة (1539-1292) ق.م، واعتمد في عهد الاسرة الثانية والعشرين (945-730) ق.م كلقب للدلالة على الاحترام، وباللغة الأكدية كما جاء في النصوص الاشورية كتب اسم (بيرو مصرايم) بمعنى (فرعون مصر)، عموما المصريون باللغة اليونانية ايجبتوس(Aiguptos) ومنها اشتق اسم ايجبت (Egypt) ,وهو مشتق من هيكوبتا (Hikuptah) ويعود إلى الاسم القديم (Hat-ka-Patah) ويعني (موطن كا (الروح) من بتاح) وهو معبد الإله بتاح في ممفس، وطبقا إلى الجغرافي سترابو فأن اصل الاسم (إيغايو هوبتيوس) يعني (جنوب بحر ايجة)، ومع اعتناق المصريين الدين المسيحي اطلق عليهم اسم الاقباط (qibṭ , qubṭ)، وبعد الفتح الإسلامي اطلق العرب عليهم أسم المصريون من الاسم العربي الكلاسيكي مصر (Miṣr)، وبالتوراة (Mitsráyim) وتعني (المضيقين) وهي إشارة إلى المملكتين مصر العليا و السفلى، بينما اطلق المصريون على انفسهم (أولاد مصر) و (أهل مصر) و (شعب مصر)، اما الاتراك فقد اطلقوا تسمية (شعب الفراعنة) ربما تشوية سمعة لا غير عموما بقي سكان مصر يسكنون على طول نهر النيل حتى ولو تغيرت أسمائهم عبر السنين، وشاركوا في الحضارة البشرية وقدموا ثقافتهم كجزء من الثقافة الإنسانية وآثارهم شاخصة تضرب جذورها في عمق التاريخ.

أ.م.د صلاح رشيد الصالحي
تخصص تاريخ قديم

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1335 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع