بقلم : غانم العـنّـاز
لماذا يحقن الماء في حقول النفط؟
مقدمة
عند إنتاج النفط والغاز المصاحب له من حقول النفط الجديدة تكون آبار الانتاج في ذروة نشاطها وطاقتها الانتاجية ويكون الضغط في المكمن او الخزان النفطي في ذروته كذلك. ومع استمرار الانتاج من المكمن ينخفض الضغط فيه مما يقلل الطاقة الانتاجية لابار النفط بسبب انخفاض جريان النفط الى قعر تلك الآبار من المناطق المحيطة بها مما يتطلب حفر آبار اخرى في مناطق جديدة من الحقل.
ومع استمرار انتاج النفط والغاز المصاحب من الحقل يستمر انخفاض الضغط الموجود في مكمن النفط الذي يشكل القوة اللازمة لدفع النفط الى اعلى البئر مما يتطلب ايجاد طرق اخرى للتعويض عن الضغط المفقود لادامة ابقاء الضغط في المكمن مستقرا وبالتالي ادامة الانتاج من المكمن بصورة سلسة قدر الامكان.
فما هي تلك الطرق والاساليب المستعملة للمحافظة على ادامة الضغط في المكمن واستمرارية الانتاج؟
حقن الماء أو الغازات
هناك طرق مختلفة لادامة انتاج النفط اهمها حقن الماء أو الغاز الطبيعي او غازات اخرى كالنتروجين أو ثاني أوكسيد الكاربون.
ان حقن الماء او الغاز يساعد على ابقاء الضغط في المكمن مستقرا كما يساعد على ازاحة ودفع النفط الذي في طريقه الى آبار الانتاج القريبة ومنها الى معدات الانتاج على سطح الارض كما مبين في الشكل ادناه
حقن الماء او الغاز في مكمن النفط لادامة الضغط فيه وبالتالي استمرار الانتاج
استعمال المضخات السطحية أو الغاطسة
ومع مرور الزمن واستمرار الانتاج تصبح عملية ضخ الماء غير مجدية لوحدها فيتم تعزيزها لادامة الانتاج عن طريق المضخات الماصة التي تنصب في اعلى البئر (كما مبين في الشكل اعلاه) أو بواسطة المضخات الكهربائية الغاطسة التي يتم انزالها الى قعر البئر (كما موضح بالشكل ادناه).
مضخة نفط كهربائية غاطسة تثبت في اسفل البئر
ولنأخذ حقل كركوك كمثال لحقن الغاز اولاً واستبداله بحقن الماء لاحقاً ولنأخذ حقل عين زالة كمثال لحقن الماء اولاً ومن ثم تعزيز ذلك عن طريق استخدام المضخات الكهربائية الغاطسة لاحقاً.
- حقل كركوك
حقن الغاز أولاً وحقن الماء لاحقا
تم اكتشاف هذا الحقل الذي يمتد من شمال نهر الزاب الصغير ليستمر باتجاه الجنوب الغربي ماراً بمدينة كركوك لينتهي في جنوب غربها بطول قدره 105 كلم وعرض بمعدل 3.2 كلم في 13 تشرين الاول 1927 والذي يقع مكمن نفطه على عمق 700 مترتقريبا.
لقد كان انتاج النفط خلال العشرين سنة الاولى من عمر الحقل يستخرج بصورة تلقائية تحت ضغط المكمن نفسه. ومع ارتفاع معدلات الانتاج من 80,000 برميل باليوم في الثلاثينيات الى ما يقارب 700,000 برميل باليوم في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي حدث انخفاضا في ضغط المكمن يقدر بحوالي 260 باوند على الانج المربع مما تطلب معالجة ذلك في عام 1957 بضخ الغاز في المكمن من حقل باي حسن المجاور لمنع عدم حدوث انخفاضات اضافية في المكمن. غير ان حقن الغاز كان علاجا موقتا لحين الاستعاضة عنه بحقن الماء المستمر.
لذلك تقرر المباشرة بتنفيذ مشروع حقن الماء على نهر الزاب الصغير بطاقة مليون برميل باليوم التي تساوي طاقة انتاج الحقل المخطط لها والذي تم انجازه وتشغيله في كانون الاول 1961.
لقد نجح المشروع نجاحا كبيرا في منع حدوث اي اخفاضات اضافية في ضغط المكمن لا بل قام مع مر السنين بتقليص انخفاض ضغط المكمن الاصلي من 260 باوند على الانج المربع الى حوالي 185 باوند/انج2 في منتصف السبعينيات من القرن الماضي.
مقطع لحقل كركوك يبين طبقات النفط باللون الاسود
منشآت مشروع حقن الماء في حقل كركوك
لقد تطلب تحقيق المشروع القيام بانجاز المنشآت التالية :
- تهيئة خمس آبار لحقن المياه في المكمن.
- تشييد محطة ضخ على نهر الزاب تحتوي على سبع وحدات ضخ كهربائية ضخمة لسحب المياه من النهر وضخها الى خزانات التصفية.
- مد خط انابيب قطر 20 عقدة من كل وحدة من وحدات الضخ النهرية الى خزانات التصفية.
- تشييد ستة خزانات لمعالجة المياه بقطر 100 قدم وارتفاع 20 قدما وبطاقة 200,000 برميل باليوم لكل منها
خزانات التصفية والمصافي الرملية لمشروع حقن الماء
- تشييد 60 وعاء افقيا يحتوي كل منها على رمال ناعمة لتصفية المياه القادمة من خزانات المعا لجة.
- تشييد محطة ضخ لحقن المياه النقية في آبار الحقن تحتوي على ثلاث وحدات ضخ توربينية طاقة كل منها 6,000 حصان قادرة على ضخ 10,000 غالون بالدقيقة.
- مد خمسة خطوط انابيب قطر 20 عقدة من محطة الضخ التوربينية الى آبار الحقن الخمسة لحقن الماء في مكمن النفط .
- مد خط انابيب لنقل الغاز من محطة باي حسن الجنوبية لتزيد الوحدات التوربينية بالوقود.
- تشييد غرفة سيطرة مركزية للمشروع.
وبحسب علمي فان المشروع لا زال يعمل بكفاءة الى هذا اليوم فبارك الله فيك وفي من عمل وسيعمل فيه.
وحدات حقن المياه الطوربينية
حقل عين زالة
حقن الماء أولاً واضافة المضخات الكهربائية الغاطسة لاحقا
تم اكتشاف حقل عين زالة في عام 1939 الذي يقع المكمن العلوي له على عمق 1,600 متر تحت سطح الارض. اما نفط عين زالة فهو اثقل من نفط كركوك ويحتوي علي نسبة 3% من الكبريت.
مقطع في مكمن حقل عين زالة
اللون الاسود يوضح الصخور النفطية
تأخر تطوير هذا الحقل بسبب استمرار الحرب العالمية الثانية لعدة سنوات ليباشر بتطويره في اواخر اربعينيات القرن الماضي ليبدأ انتاج النفط منه في عام 1951 حيث بلغت طاقته الانتاجية القصوى 25,000 برميل باليوم وهي انتاجية واطئة جداً مقارنة بالحقول العراقية الاخرى.
استقر الانتاج من هذا الحقل بعد عدة سنوات من انتاجه على معدل يتراوح بين 18,000 الى 19,000 برميل باليوم ليضمن بالاشتراك مع انتاج حقل بطمة المجاور له معدل يزيد عن 20,000 برميل باليوم اي ما يعادل مليون طن سنوياً وهو الحد الادنى المطلوب تصديره بموجب اتفاقية النفط الموقعة بين شركة نفط الموصل والحكومة العراقية.
كان انتاج النفط في الاعوام الاولى من عمر الحقل يستخرج بصورة تلقائية تحت ضغط المكمن نفسه الذي بدأ بالتناقص تدريجياً مما تطلب المحافظة عليه بحقن الماء في اول الامر.
اشتملت معدات حقن الماء على انشاء محطة لسحب الماء من نهر دجلة بالقرب من مدينة زمار وضخه الى الى عين زالة حيث يتم تصفية الماء ومن ثم ضخه الى الآبار لحقنه في المكمن النفطي.
ومع مرور الزمن اصبحت عملية حقن الماء غير كافية لوحدها للاستمرار بالانتاج بالطاقة المطلوبة مما تطلب استعمال المضخات الكهربائية الغاطسة لادامة الانتاج.
لقد استمر الانتاج بالرغم من انخفاض معدلات الانتاج الى ان استولت قوات داعش المجرمة على الحقل في عام 2014.
غانم العـنّـاز
كانون اول 2018
واتفورد – ضواحي لندن
المصدر - كتابى العراق وصناعة النفط والغاز في القرن العشرين الصادر باللغة الانكليزية عن دار نشر جامعة نوتنكهام البريطانية في ايار 2012.
512 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع