أ.د. ضياء نافع
الادب الروسي بعيون الشباب المعاصر
الادب الروسي بعيون الشباب المعاصر - هو عنوان كتاب روسي صادر عام 2015 ويقع في(199) صفحة من القطع المتوسط , ويتضمن خلاصات لاربعين ( نكرر – لاربعين !) بحثا علميا حول تاريخ الادب الروسي ودور أعلامه والظواهر الكبرى في مسيرة هذا الادب , بحوث قام بها طلبة ( نعم , طلبة !) قسم الادب الروسي اثناء مؤتمر علمي تم عقده في جامعة نوسوف الحكومية الروسية في مدينة مغنيتاغورسك الروسية , ويوجد هناك مشرف علمي من التدريسيين في ذلك القسم ( مثبّت اسمه ) امام كل بحث من تلك البحوث الاربعين للطلبة , وكذلك توجد في نهاية كل بحث قائمة بالمصادر , التي اعتمدها الطالب في بحثه .
مضمون هذا الكتاب أثار انتباهي رأسا , اذ اني تذكرت – اولا - وأنا أطّلع عليه , اننا في العراق لم نستطع ان نصدر كتابا واحدا يضم خلاصات البحوث العلمية , التي قام بها الاساتذة انفسهم في عدة مؤتمرات دورية عقدناها ولعدة سنوات في كليّة اللغات بجامعة بغداد في تسعينيات القرن الماضي, رغم اننا حاولنا – وباخلاص – ان نصدرها فعلا في كتاب يؤرخ تلك المؤتمرات العلمية وننشر خلاصات بحوث المشاركين فيها , وهم تدريسيون بدرجات علمية رفيعة بكليتنا وفي أقسام علمية متنوعة . وتذكرت – ثانيا - , ان أحد وزراء التعليم العالي في العراق كان يؤكد دائما , ان تسمية وزارتنا تتألف من كلمتين – (التعليم العالي ) و ( البحث العلمي ) , وان مهمة الاستاذ الجامعي لا تنحصر بالتدريس فقط , بل يجب اكمالها بالبحث العلمي , والا, فان مهمة الاستاذ الجامعي ستبقى ناقصة . وتذكرت – ثالثا – ان طلبة الدراسات العليا عندنا , كانوا يأتون الينا ( بعد قبولهم في الدراسات العليا , وهي قضية معقدة وبيروقراطية بحد ذاتها ) ويطلبون منّا ان ( نعطيهم !) مواضيع لكتابة اطاريحهم العلمية , اذ لا توجد لديهم حتى ولا اي فكرة عن تلك الاطاريح ,التي يجب ان يعرفها طالب الدراسات العليا قبل تقديمه الوثائق المطلوبة للالتحاق في تلك الدراسات , وهي قاعدة معروفة في الجامعات الاجنبية (الحقيقية !), والا , ما قيمة طالب الدراسات العليا اذا كان لا يعرف ( بل وحتى لا يتصوّر ) ما هي طبيعة مهمته في دراسات عليا تقدّم اليها للحصول على درجة علمية أعلى ؟ وتذكرت – رابعا – انني (وزملاء لي) لازلنا لحد الان نستلم في بريدنا الالكتروني طلبات من مختلف الاشخاص الذين لا نعرفهم اصلا , يريدون فيها ( مواضيع لاطاريحهم او لمشاريعهم العلمية ) , وحتى يطلبون بعض الاحيان ان نضع لهم الخطة العلمية لتلك الاطاريح او المشاريع وان نحدد لهم مصادرها العلمية الاساسية...
لا يمكن بالطبع عرض البحوث الاربعين في ذلك الكتاب , ولكني اود ان اتوقف قليلا عند بحث واحد من تلك البحوث ليس الا , واظن , انه يمكن لهذا البحث – النموذج ان يرسم للقارئ صورة عامة لهذا الكتاب الفريد من نوعه . يتناول هذا البحث علم الادب المقارن , ويتحدث عن دستويفسكي والبير كامو ويقارن بينهما, وهو( اي البحث ) لطالب في الصف الثالث ( تصوروا – طالب في الصف الثالث !) . يقارن الباحث بين رواية ( الغريب ) لكامو مع رواية دستويفسكي القصيرة ( مذكرات من تحت الارض)( ان صح التعبير) , ولم يستقر عنوان هذا النتاج الادبي بالعربية لحد الان , فقد ورد بشكل متنوع عند المترجمين العرب , مثل – ( في قبوي // في سردابي // مذكرات قبو // رسائل من باطن الارض // مذكرات من العالم السفلي // الانسان الصرصار... ولا مجال هنا للتوسع في هذا الموضوع ) . يرى الباحث ( وهو على حق ) , ان دستويفسكي هو احد اركان الفلسفة الوجودية في العالم , وان هذه الرواية القصيرة بالذات تعكس الافكار الوجودية عنده بشكل واضح , و بالتالي , فان الباحث يجد , ان هناك بعض الافكار الفلسفية المشتركة بين الكاتب الروسي دستويفسكي (في القرن التاسع عشر) وبين الكاتب الفرنسي كامو ( في القرن العشرين ) , ويحاول هذا الباحث ان يحدد تلك الافكار الفلسفية المشتركة عند المقارنة بين العملين الابداعيين لديهما . بحث طالب الصف الثالث هذا - هو خطوة شجاعة جدا وجريئة جدا للخوض في موضوع فلسفي كبير بدنيا علم الادب المقارن . تتوزع بقية بحوث هذا الكتاب بين بوشكين ( الذي يكتبون عن فلسفته وعن انعكاس شخصيته عند الفنانين التشكيليين الروس ) وغوغول ( الذي يكتبون عن تأثيره على ادباء روس آخرين ) وتشيخوف ( الذي يكتبون عن خصائص الشعب الروسي في قصصه ) , وهناك بحوث عن الادب الروسي الحديث , وتتوقف تلك البحوث عند ابداع ايرنبورغ وايتماتوف وبقية ادباء القرن العشرين ...
الادب الروسي بعيون الشباب الروسي المعاصر – كتاب مبتكر واصيل ومهمّ وجميل , وفي نفس الوقت , فانه كتاب يثير (الشجون!) العلمية في نفوس كل العاملين بالمجال الجامعي العراقي خصوصا , والعربي عموما ......
1233 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع