بيروت: سوسن الأبطح:لا ينسى اللبنانيون عيد ميلاد فيروز، فالسيدة التي غنت وطنهم حتى جعلته حلما، يأتي ميلادها في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) قبل يوم واحد من ذكرى الاستقلال. هذه السنة، نشرت ريما الرحباني، على «فيسبوك»، بمناسبة عيد ميلاد والدتها صورة قديمة، تجمعها بها وهي صغيرة، لتنال ما يقارب 900 لايك خلال يومين، وتنهال عليها عشرات التعليقات، التي تتمنى للسيدة الصحة وطول العمر.
ومنذ صباح يوم الجمعة الفائت أخذت الإذاعات اللبنانية تبث أغنيات فيروز، كبادرة حب، فيما تسابق المغردون إلى نشر كلمات لأغنيات السيدة، ومقاطع «يوتيوب» لأغنياتها، ومقابلات قديمة لها أو عنها وصور منسية. إحدى المجلات نشرت صورة لفيروز يوم عرسها لتعريف قرائها على فستان زفاف جارة القمر. ثمة من نبش في ألبومات العائلة الرحبانية ليعثر على صور فيروز مع أولادها، ولقاءات السيدة مع كبار الفنانين، ووقوفها على أشهر مسارح العالم. هناك أيضا من أخذ يتصيد لقطات لابتساماتها الشحيحة وينشرها.
كلما ازداد التهديد للوطن بدت فيروز حاجة أكبر للبنانيين، وملجأ لحنينهم وسقفا يحميهم. هذه المرة احتفل العرب جميعا، وكتب أحدهم من مصر «لو كانت مصرية لاعتبرت بمثابة الهرم الرابع».
79 عاما، ولا تزال فيروز نبضا وطنيا جامعا، لا مواقفها السياسية التي أعلن عنها ابنها زياد الرحباني، مؤكدا تأييدها لـ«حزب الله»، ولا الانقسام حول خلافاتها مع منصور الرحباني وأبنائه من بعده، نالت من حب جمهورها لها. تسابق الفنانون لمعايدتها، وكتب لها راغب علامة على «فيسبوك»: «صباح الخير... لا بد من عبرة ما، كون عيد ميلاد فيروز قبل يوم واحد من عيد استقلال لبنان. هي الأشياء تولد بتدرج العظمة».
لا تزال فيروز ظاهرة عشق عربية لم تدرس أسرارها بعد. هذه الفتاة الآتية من بيئة متواضعة، ومن منزل صغير وفقير في حي زقاق البلاط البيروتي، تمكنت من أن تتدرج في الإذاعة اللبنانية من مغنية في كورس، إلى معشوقة عربية، ونجمة محلقة، ألهمت مستمعيها من المحيط إلى الخليج. لقاؤها بعاصي ومن ثم زواجها منه كان المنعطف. هي كانت الصوت، والأخوان الكلمة، كما قالت فيروز نفسها، في إحدى مقابلاتها. اجتمعت المهارة الفيروزية إلى العبقرية الرحبانية لتشكل مدرسة فريدة في الغناء العربي.
لا تزال أسرار هذا اللقاء، وما تفتقت عنه من عطايا فنية، تستقبل في إطار الحب الجارف الذي لا تفسير كافيا له، رغم الكتب التي سطرت محاولة فهم كنه الخلطة السحرية. سيكون الزمن كفيلا، بفهم أعمق للظاهرة، بإدراك أوسع لمجمل الأعمال التي قدمتها «سفيرتنا إلى النجوم»، ورؤية الفرق الذي يستحق أن يرصد بين مرحلتها مع الأخوين عاصي ومنصور وتلك التي أصبحت فيها شريكة لابنها زياد، ورفيقة كلمته ولحنه.
كشفت ريما الرحباني في مقابلة صحافية طويلة نشرت منذ أقل من شهرين، عن البعد العائلي الشديد التعقيد الذي اختبأ وراء الأغنيات البديعة التي يتناقلها الناس كما لو كانت علاجا شافيا. تحدثت عن والدتها الخجول، المسالمة، المتفائلة والمؤمنة، عن خطط عائلية أوقعت بين فيروز وعاصي، عن صدمة فيروز بفراقها عن شريكها، وهو ما لم تكن تتوقعه أو تتصوره، وعن ارتباكها أمام إكمال المشوار الفني وحيدة، وهو ما لم تعتده يوما.
قد يكون هذا منفصلا، عن الجانب الفني الإبداعي الذي يهم الناس، لكنه حتما، سكن قلب محبوبتهم، وامتزج بأوتار صوتها، ونبرة أغنياتها.
أطفأت فيروز شمعة جديدة، إذ، شاركها بها محبوها وعشاقها العرب في كل مكان. وبدا عيدها للبنانيين ممتزجا برائحة الوطن وعلم الاستقلال، وجبال الأرز التي تكللت في هذا النهار بالذات بندف الثلج، وعصف الريح، وكرم السماء بالمطر.
633 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع