محمد مالك عطوف على الاريكة خلال النقاش
حصل شاب عراقي، مصاب بمرض السرطان بدرجة متقدمة، على شهادة الدكتوراه من كلية الآداب في الجامعة المستنصرية، وسط إعجاب منقطع النظير من الاساتذة اعضاء لجنة المناقشة لقوة تحمله واصراره على النجاح.
بغداد: اسمه محمد مالك عطوف، عمره 32 عاما، يسكن مدينة الكوت في محافظة واسط، يعمل مدرسا مساعدا في جامعة واسط، طالب دكتوراه في قسم اللغة العربية/ الجامعة المستنصرية تخصصه الدقيقة (ادب) كانت مناقشته يوم الأربعاء الثالث من شهر ايلول/ سبتمبر 2014، حصل على تقدير جيد جدا على الرغم من مرض السرطان الذي نهش جسمه وطرحه ارضا وأفقده قوته الطبيعية وقدرته، جاؤوا به محمولا على نقالة (سدية) ليناقش اطروحته، هو يعرف انه مريض، لكنه كان يحمل في داخله سرا حقيقيا لحب الحياة ومعنى الإصرار والصمود، كان قويا بما فيه الكفاية ليظل يناقش لجنة المناقشة المؤلفة من خمسة اساتذة لمدة ثلاث ساعات جالسا، وهو الذي لا يقوى على الجلوس لمدة ربع ساعة دون أن يطرح جسده على السرير، لم تكن هيئته تؤكد أنه ابن 32 عاما، بل اكبر من ذلك بكثير، حيث الهزال يضرب جسده ولم يبق في وجهه غير ابتسامة صنعها الأمل الذي تشبث به لتحقيق النجاح.
ابكى جميع الحضور في قاعة المناقشة، وقد راعهم ماشاهدوه من اصرار كبير على تجاوز التحديات والصعوبات، زوجته كانت حاضرة، لكن وجهها كان عبارة عن قطعة دموع، لم يستطع إلا ان يحمد الله الذي لا يحمد على مكروه سواه على ما حققه لينال الدكتوراه، كانت كلماته وهو يتلقى النتيجة هي الشكر لله والحمد لله ويبتسم ابتسامة تعبر عن حبه للحياة ولكن.
رحلة عذاب طويلة
قال الدكتور رعد احمد الزبيدي، المشرف على أطروحة الدكتوراه لمحمد مالك لـ (ايلاف): "بدأت رحلته مع الدكتوراه قبل ثلاث سنوات، وهي مدة طويلة، والسبب في ذلك أن عندنا مشكلة طلاب الدكتوراه الذين لا يتفرغون وخاصة الذين في المحافظات، ويفترض أن يتفرغ الطالب بنسبة 50%، لكن محمد منذ اكثر من سنة وشهرين اصيب بمرض السرطان الذي راح ينتشر في جسده، لم يترك البحث والدراسة والانهماك في كتابة اطروحته التي حملت عنوان (البنى السردية في كتاب الخزانة للبغدادي) وقد تطلبت منه رحلة العلاج اجراء اكثر من عملية جراحية في اكثر من بلد، فكانت رحلته رحلة عذاب وقد اصابه الهزال في بعض المراحل منها، إذ انه حين بدأ مرحلة الاشتغال على اطروحة الدكتوراه كان معافى، ويتميز بأنه وسيم وذو خلق كريم وتربية عالية المستوى.
شعور باليأس .. ولكن!
واضاف: "محمد مالك .. من خيرة الطلاب، اليوم أصبح هو استأذنا، نحن تعلمنا منه، اثبت لنا انه إنسان من نوع آخر، انا المشرف على اطروحته منحني الثقة بالنفس، وأكد لي ان هذا الجيل مفعم بالأمل، وانه استلم الأمانة بكل اقتدار، وحقيقة أن هذا الإحباط الذي صار عندنا بسبب اوضاع البلد احسسنا معه ان زرعنا بخير، وان طلابا بهذا الشموخ منحونا بصيص امل للحياة".
وتابع: "في وقت ما من مراحل الاشتغال بالاطروحة شعر باليأس وقال لي: خلص، ماذا افعل بالدكتوراه وأيامي في الحياة معدودة، ولكنني حاولت أن اجعله يستعيد الامل من خلال حديثي وتواصلي معه، وقد قلت له إن الدكتوراه ليس له فقط، بل عليه ان يعرف انها تعني عائلته وانها رسالة الى زملائه الطلاب من خلال صموده وتفانيه، لابد ان يكون القدوة في تحقيق النجاح، وبالفعل تحدى واثبت انه اهل للتحديات والالام على الرغم من ان المرض انهكه وكلفه مبالغ طائلة وجعله يقصر مع البيت والعائلة".
واضاف ايضا: "في يوم المناقشة دخل القاعة محمولا على نقالة وهو يطوي كل الالام ليدافع عن رسالته وكان مميزا وقويا، وفوجئت به صراحة، خاصة أن موضوعه جدلي ونقدي، اهله قالوا انه لا يستطيع الجلوس اكثر من ربع ساعة، لكنه استمر 3 ساعات في مناقشة أطروحته، ظل جالسا في كرسي المناقشة طوال هذه المدة، كنت اشعر ان هناك الما يعتصره لكنه كان يكابر وكنت احسه ما بين الالم والفرح وبين النقاش المتعب له وبين ان يريد ان يثبت لنا انه طالب عادي .
منح الجميع الفخر والاعتزاز
وأوضح: "المناقشة كانت حدثا مهما في حياة الجامعة لطالب الدكتوراه هذا الذي اكل منه المرض ولم يبق له من شباب ولا قوة، ولكنه والحمد لله بقوة ذاكرته ووعيه واصراره على ان يكمل مسيرته العلمية، قد لا يحتاج الدكتوراه، لكنه اراد ان يقول ما دمت اتنفس استطيع ان اقدم لبلادي وعائلتي، محمد مالك كشف عن رسالة انسانية ، اعطانا الفخر والاعتزاز، انه عنوان مشرف".
وقال الدكتور الزبيدي: "حالته صعبة جدا ويمكن القول إنها ميؤوس منها، ونحن نعرف أن هذا النوع من المرض قاتل، وقد كان في صراع وسباق مع المرض لاكثر من سنة وشهرين وهو ينهش في جسمه ليحقق انجازه العلمي والله اسعفه فكانت همته كبيرة واسرع من عذابات المرض، انه اعطى صورة اننا المساكين وهو البطل، احسست انه الذي رأف بنا وهو الذي علمنا واعطانا دافعا قويا، هذا اليوم منعطف كبير في حياتي وموقف انساني وعلمي لا ينسى، وكان تعاطف زملائه والطلبة كبيرا جدا لقد رايت الاخلاص العراقي الجميل من زملائه بابهى صوره".
ناقش وهو يصارع الموت
اما زميله المدرس في الجامعة المستنصرية محمد عبد الرضا فياض، فقال: "فعلا.. انا معجب بهذا الانسان العراقي الذي على الرغم من الظرف الذي يعيشه جاء ليناقش أطروحته ويرد ويتكلم، الأخ محمد طالب دكتوراه تخصص أدب، صار له ثلاث سنين في الكتابة في قسم اللغة العربية كلية الآداب الجامعة المستنصرية، أصيب بمرض السرطان".
وتابع: "وهو في صراع مع هذا المرض لم يفتر عن الكتابة والبحث علما أن موضوعه قيم وعنوانه (البنى السردية في كتاب الخزانة للبغدادي) الذي هو عبارة عن كتاب باحد عشر مجلدا، تحقيق عبد السلام هارون، هذا الكتاب تناول الشواهد التي ذكرها رضي الدين الاسترابادي في كتابيه شرح الكافية والشافية العالم البغدادي تتبع الشواهد الى قصائدها مع ذكر قائلها وشرحها وبيان المشكل فيها، الطالب قام بدراسته ادبيا لانه مادة شعر".
واضاف: "بعد أن أتم الاطروحة قدمها لمجلس الكلية فقرر له موعد مناقشة كان اليوم (الاربعاء) بدأت الساعة التاسعة انتهت الساعة الثانية عشر ظهرا، ومع تفاقم حالته الصحية وترديها الا انه صارع المرض وارتدى بدلته تامة ونقلوه على (سدية) وجاووا به الى قاعة المناقشة، لكنه ابى إلا ان يناقش وهو جالس على مقعد البحث، فتمت المناقشة على يسر، ناقشوه في الاطروحة وأعطوه درجة جيد جدا، وبعد خروج الضيوف والمناقشين وسدوه على الأريكة ليتمدد عليها، وجاوره مشرفه ونحن طلاب الدكتوراه ايضا.
وتابع: "لقد آلمني الموقف جدا، بين حلم انتظر تحقيقه وبين سراب، هو مصاب بمرض، لكنه قاوم الظروف وسحق الانا، وبدد الليل بقدرة عراقي اصيل حتى اتم مشواره العلمي".
1001 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع