شفق نيوز/ بخطوات متثاقلة ونظرات تملأها الحسرة، وقف الحاج أحمد محمود السامرائي (79 عاماً) وسط مزرعته في أطراف قضاء سامراء، يتأمل الدمار الذي خلّفته هجمات الخنازير البرية على محصول الخس الذي يبيعه المزارعون في الأسواق، ويعدّ جزءاً لا غنى عنه على المائدة العراقية.
وتنتشر زراعة الخس عبر مساحات زراعية متفرقة في المناطق الوسطى والجنوبية في العراق، مستفيدةً من المناخ المعتدل خلال فصلي الخريف والربيع.
وتشتهر البلاد بزراعة أصناف متنوعة، ومع أن الحصاد يبدأ عادةً بعد شهرين أو ثلاثة من الزراعة، ويُحدد بناءً على حجم الأوراق ونضجها، باتت هذه الزراعة تواجه مخاطر هجمات قطعان الخنازير في إتلاف مساحات من الأراضي الزراعية، ما يؤدي إلى خسائر ماديةٍ إضافيةٍ.
هذا هو حال أغلب مزارعي قضاء سامراء في محافظة صلاح الدين، الذين يعانون من هجمات متزايدة للخنازير البرية التي تستهدف بساتينهم ومحاصيلهم، وتكبدهم خسائر مالية كبيرة، وسط مخاوف من اتساع رقعة الهجمات وامتدادها إلى مناطق جديدة.
يقول الحاج أحمد في حديثه لوكالة شفق نيوز: "الزراعة هي مهنة الآباء والأجداد، ومنذ أكثر من 60 عاماً نزرع الخس في أطراف سامراء، مستفيدين من قرب الأراضي من مصادر المياه. هذه مهنتنا الوحيدة التي نعيش منها ونعيل عوائلنا".
ويضيف بحزنٍ بادٍ على ملامحه: "الخنازير باتت مصدر قلق وخطر حقيقي على الزراعة في ريف قضاء سامراء؛ إذ تكاثرت بشكل لافت وتسببت بتدمير مساحات واسعة، حيث تتسلل ليلاً إلى المزارع وتقتلع الزرع من جذوره، ما يُلحق أضراراً كبيرة بمحصول الخس".
وأشار السامرائي إلى أن من أصل 15 دونماً مزروعة بالخس (المعروف بجودته وطعمه اللذيذ، والذي يشتهر به ريف سامراء وأطراف بغداد) تعرضت مساحات كبيرة للتجريف والتدمير، مخلِّفة خسائر تُقدَّر بالملايين.
وأوضح أن "هذه الحيوانات تؤذي المحصول، فتأكل جزءاً بسيطاً وتترك بقية النبتة مقتلعة ومدمرة".
وانتشرت قطعان الخنازير البرية بكثرة في صلاح الدين ومحيطها، بخاصة بعدما خلت من ساكنيها عقب سيطرة تنظيم داعش على مدنهم في عام 2014، وما تلاها من عمليات عسكرية.
وتمتاز هذه الخنازير بحجمها الكبير وشراستها وعدوانيتها.
مصائد وإطلاق نار
من جانبه، يؤكد المزارع يوسف جهاد (45 عاماً) لوكالة شفق نيوز أن "الخنازير البرية تتجمع في مجاميع وتهاجم البساتين المزروعات، خصوصاً الخضراوات الثابتة في الأرض كالخس، كما أن الكمائن والفخاخ غالباً ما تفشل في الحد من أعدادها؛ فهي شديدة الذكاء وقوية البنية، ولذلك نلجأ في بعض الأحيان إلى إطلاق النار عليها لتقليل أعدادها، لكننا بالكاد نقضي على نسبة ضئيلة منها، في وقتٍ تتكاثر فيه بصورة سريعة".
أما الصياد محسن عبدالله فيروي لشفق نيوز كيف بدأت أعداد الخنازير تزداد على نحوٍ ملفت في الآونة الأخيرة، ":"الخنازير لم تكن قريبة من أطراف المدينة بهذا الشكل في السابق، لكنها الآن تخرج من جحورها مع حلول المساء وتسير على شكل قطعان. مؤخراً قام أحدها بمهاجمة أبنائي في البساتين القريبة من نهر سامراء باتجاه مدينة الضلوعية، ونخشى على أطفالنا وعوائلنا من خطرها".
وأوضح أن اصطياد الخنازير ليس أمراً سهلاً؛ إذ قد يتراوح وزن الخنزير الواحد ما بين 150 إلى 250 كغم، ويحتاج الأمر إلى صيادين مهرة لتفادي مخاطره أثناء المواجهة.
ودعا لحملة حكومية منظمة لمكافحة انتشارها في القرى والبساتين المحاذية لنهر سامراء وعلى طول نهر دجلة.
"ابتكرنا وسائل عدة لاصطيادها، مثل حفر خنادق يتوزع فيها الصيادون، وعند سماع حركتها نبدأ بإطلاق النار فنقتل العشرات منها، فيما يفر الباقي. كما جرّبنا الصعود إلى أشجار النخيل وانتظار هجومها لقنص أكبر عدد ممكن منها"، يقول الصياد محسن.
تحرك حكومي وخنازير ذكية
يؤكّد قائمقام قضاء سامراء أرشد عبد السلام، في حديث لوكالة شفق نيوز، أنّ "زيادة أعداد الخنازير في أطراف القضاء دفعت الإدارة المحلية إلى التنسيق مع الجهات ذات العلاقة للحد من انتشارها، وذلك من خلال اعتماد أساليب حديثة أو إطلاق حملات لتصفيتها باستخدام أسلحة الصيد أو بعض الأدوية التي تساهم بالقضاء عليها، بالتنسيق مع دائرة بيطرة قضاء سامراء والجهات المعنية".
وبيَّن أن "هذه الخنازير تظهر غالباً في المناطق القريبة من الأودية التي تضم جحوراً وأحراشاً، حيث تكون هذه الأماكن ملاذاً لاختبائها، وستتخذ الإدارة المحلية إجراءات حكومية للسيطرة عليها، لا سيما في المناطق التي تشهد كثافةً في انتشارها، لمنع مهاجمتها المزارع أو المدنيين".
من جهته، يؤكد المختص في الشؤون البيطرية بقضاء سامراء، عمر حسن، لوكالة شفق نيوز، أن "القضاء على الخنازير يتم بطريقتين؛ إمّا بالقتل المباشر باستخدام أسلحة الصيد أو بدس السم، لكنّ الخنازير حيوانات ذكية وغالباً ما تتفادى الوقوع في الكمائن، لذلك يبقى الحل الأنسب هو اصطيادها بأسلحة الصيد أو وضع طعامٍ مسمومٍ لها".
1338 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع