طنجة.. عروس الشمال المغربي (صور)
إرم/محمد الجبلي:يفتخر المغاربة بالخصوصية الفريدة لمدينة طنجة، فهي قطعة استثنائية ألهمت الشعراء والأدباء، كما وقع في حُبّها صناع القرار من جميع أنحاء العالم؛ بالنظر إلى موقعها الاستراتيجي وإمكانياتها الطبيعية المميزة وخيراتها الوفيرة.
يستنشق سكان هذه المدينة الفاتنة، والتي يُلقبها المغاربة بـ"عروس الشمال" ريحاً يمتزج بين المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط، فعندها تنتهي أفريقيا ومنها تبدأ أوروبا، ومنذ القدم شكلت طنجة ملتقى الحضارات والقارات.
لهذه المدينة التي تمزج بين الثقافة العربية الأندلسية والإسبانية سحر خاص، فإذا زرتها ولو لمرة واحدة، فكن متيقناً أن صورة دروبها العتيقة الملتوية ستظل عالقة في ذهنك، فهي متحف أثري مفتوح في وجه العموم. وتعد طنجة من بين أقدم مدن المغرب ويدرجها المؤرخون والجغرافيون ضمن المدن الأزلية.
طنجة.. لغز محير
تقع طنجة - القلب الاقتصادي الثاني للمغرب - في الطرف الشمالي الغربي من البلاد على مضيق جبل طارق، وذلك على بعد حوالي 15 كيلومترًا من الساحل الإسباني، ويعد ميناء المدينة وجهة رئيسة لسفن التجارة العالمية.
اسم المدينة، شكل لوحده لغزاً محيراً استعصى تفسيره، حيث توجد مجموعة من الروايات التاريخية والأساطير الشفوية، لا يزال أهل طنجة يرددونها إلى يومنا هذا.
أبرز هذه الروايات المتداولة على ألسن الساكنة تقول: إنه بعد "الطوفان العظيم"، ضلت سفينة نوح الطريق وهي تبحث عن اليابسة، وذات يوم حطت حمامة فوق السفينة وفي رجليها شيء من الوحل، فصاح ركاب السفينة: "الطين جا.. الطين جا"، أي جاءت الأرض اليابسة، ومن ثم سميت المنطقة "طنجة".
كما توجد قصة شهيرة تشير إلى أن اسم طنجة يعود لاسم إحدى الأميرات التي سُميت المدينة على اسمها حتى تكون تذكاراً لها.
محطات تاريخية بارزة
إذا تصفحت كتب التاريخ ستجد مدينة طنجة حاضرة بقوة؛ فهي تزخر بإرث تاريخي عريق، ففيها أقام الرومان مملكتهم "الطنجية"، كما استوطنها التجار الفينيقيون في القرن العاشر قبل الميلاد، واستولت عليها الإمبراطورية البيزنطية، وسرعان ما تبوأت مركزًا تجارياً على سواحل البحر الأبيض المتوسط.
وبحسب مصادر تاريخية متعددة، فقد أُنشئت المدينة لتكون حاضرة أمازيغية ومرفأً قرطاجيّاً خلال القرن الخامس قبل الميلاد، وقد أثرت عدة حضارات متعاقبة على هذه المدينة بدءاً باليونانيين وانتهاءً بالحضارة الإسلامية، حيث استقر مقام الحكم الأموي الإسلامي بعد الفتح.
من هذه المدينة الضاربة في التاريخ، انطلق أكبر فتح إسلامي على الإطلاق بقيادة الشخصية التاريخية البارزة طارق بن زياد سنة 711م، حيث تمكن المسلمون آنذاك من عبور البحر الأبيض المتوسط انطلاقاً من طنجة ودخول الأندلس.
شكلت طنجة في السابق محطة الأمان للمولى إدريس، مؤسس أول دولة إسلامية مستقلة في المغرب، حين نزل بها قادما من مكة، إذ كانت طنجة حينها خارجة عن سلطة بغداد.
أقام المولى إدريس بهذه المدينة سنتين قبل أن يتوجه إلى منطقة "أوْرَبة" ضواحي مدينة مكناس (وسط المغرب)، ليقيم دعائم دولة المغرب الإسلامية.
وبعد سقوط الأندلس، تمكن البرتغاليون من إخضاع طنجة سنة 1471، ومكثوا فيها حتى سنة 1662.
وبعد مرور مجموعة من الأحداث السياسية والصراعات الدولية حول مدينة ليست كباقي المدن، تخلصت طنجة من الاحتلال الأجنبي، وهي اليوم تلعب دورا حيويا في التاريخ الحديث للمغرب.
ارتبط اسم طنجة بوجوه تاريخية مؤثّرة مثل "هرقل"، والرحالة الشهير "ابن بطوطة"، واسمه الحقيقي ابن عبدالله ابن محمد اللواتي الطنجي، والذي رأى النور بهذه المدينة، بالإضافة إلى مجموعة من الكتاب وعلى رأسهم الروائي المغربي العالمي محمد شكري، الذي ترجمت رواياته إلى لغات عديدة.
مدينة التعايش
تُجسّد مدينة طنجة نموذجاً حقيقياً للتعايش السلمي بين الديانات والثقافات المختلفة منذ القدم، حيث تجد في زقاق واحد دور عبادة متعددة لاسيما في المدينة العتيقة التي لا تزال تحافظ على مفهوم التسامح.
وبما أنها مرآة تعايش حقيقي، تحتضن "عروس الشمال" فعاليات "حوار طنجة للأديان"، وذلك بحضور مسؤولين رفيعي المستوى من مختلف دول العالم، كما تشهد تنظيم ندوات دولية لمناقشة مفهوم التعايش ودوره في نبذ التعصب والفرقة.
إمكانيات سياحية مهمة
تعد مدينة طنجة مقصداً للسياح من مختلف الجنسيات، حيث تثير أسوارها التاريخية - ترجح بعض المصادر التاريخية أنه تم بناؤها فوق أسوار مدينة "تينجيس" الرومانية القديمة - فضول الزوار من شتى أنحاء العالم.
ولا يمكن زيارة طنجة دون أخذ صور داخل "مغارة هرقل" وهي من أكبر المغارات بالقارة الأفريقية.
اكتشفت هذه التحفة المليئة بالغموض عام 1096م، وتحولت إلى مقصد سياحي بفضل موقعها الاستراتيجي الذي تتلاقى فيه أمواج البحر الأبيض المتوسط مع تيارات المحيط الأطلسي.
ويعد "سور المعاكيز" من أهم الأماكن السياحية التي تأسر زائريها. كان في السابق مركز راحة للتجار القادمين من مدن أخرى، حيث يمكن رؤية إسبانيا انطلاقا من هذا السور التاريخي.
وإلى جانب هذه الفضاءات السياحية، توجد "قصبة طنجة"، إذ تعتبر من أبرز المعالم في "عروس الشمال"، تقع في أعلى نقطة في طنجة وتتيح إطلالةً رائعة على إسبانيا وجبل طارق.
وبالإضافة إلى شواطئها الساحرة وأسماكها المتنوعة اللذيذة وأطباقها الغنية التي تمزج بين الحلو والمالح، لا بد للسائح من زيارة مقهى "الحافة" الشهير.
واكتسب مقهى "الحافة" والذي تم تأسيسه سنة 1921 شهرة كبيرة داخل وخارج أرض الوطن، وذلك بفضل تواجده في منطقة مرشان، وهي هضبة عالية، كانت تعتبر منطقة راقية عندما كانت مدينة طنجة منطقة دولية (سنة 1923)، إبان فترة الاستعمار.
ويعد هذا المقهى مزارًا ثقافياً بارزًا شهد مرور العديد من الأسماء المرموقة في عوالم السياسة والثقافة.
ومن المستحيل أن تذكر طنجة الحديثة من دون ذكر مينائها الكبير "ميناء طنجة المتوسط"، والذي دشنه العاهل المغربي الملك محمد السادس سنة 2013.
وأعطى هذا الميناء المتصل بأكثر من 180 ميناءً عالميًا، نفساً جديدًا للاقتصاد المغربي.
1004 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع