الزعيم حسني الزعيم قائد اول انقلاب عسكري في سورية في ٣٠ آذار/ مارس ١٩٤٩
ينحدر حسني الزعيم من أب حلبي وأم كردية ، نشأ وترعرع في مدينة حلب حيث كان والده يلقي دروساً دينية في الجامع الكبير خلال الحرب العالمية الاولى ، التحق حسني الزعيم بالجيش التركي وبلغ رتبة ملازم حيث التحق بحاشية الجنرال ( بصري باشا) في المدينة المنورة . ورويت عن سلوكه الشخصي الكثير من الروايات عندما كان أحد مرافقي الباشا التركي المذكور.
بعد أن وضعت الحرب العالمية الاولى اوزارها وإحتل الفرنسيون سورية التحق بقطعات جيش الشرق الذي اسسته فرنسا في سورية وشكلته باكثرية من عناصر عربية وغير عربية مما جعل اسمه الجيش المختلط.
رقي حسني الزعيم في سلم الرتب العسكرية في الجيش المذكور حتى بلغ رتبة مقدم ، وعندما دقت الجيوش البريطانية والفرنسية ابواب سورية لاقتلاع الفيشيين التابعين لحكومة المارشال ( بيتان) في فرنسا كان حسني الزعيم في عداد القطعات الفرنسية المعسكرة حول دمشق . ولما اقتربت قوات الجيش البريطاني التاسع مع القوات الفرنسية الحرة من ابواب دمشق عهد الفيشيون الى المقدم حسني الزعيم بتشكيل عصابات محلية وزودوه بكميات كبيرة من الاسلحة ومبالغ ضخمة من المال وذلك لتأخير تقدم القوات البريطانية عند قرية ( الكسوة) حتى فرّ حسني الزعيم حاملاً الاموال التي اخذها من الفرنسيين تاركاً أفراد عصابته يتشرذمون ،وكان غالبيتهم من الاكراد والشركس.
تمكن الفرنسيون الديغوليون بعد احتلال دمشق من القاء القبض على حسني الزعيم الذي كان مختبئاً بحي الاكراد وإقتادوه الى السجن . ثم حوكم بعد ذلك أمام محكمة عسكرية فرنسية في بيروت اصدرت حكمها عليه بالطرد من الجيش الفرنسي وبسجنه لمدة عشرين عاماً وبإعادة الاموال التي قبضها من الفيشيين
واودع سجن ( الرمل) ثم ما لبث بعد إستعطافات وتوسلات أن نقل من سجن الرمل في بيروت الى سجن القلعة بدمشق ،وحينما حلّ موعد جلاء الفرنسيين عن سورية نقلوا السجناء المحكومين من قبل محاكمهم العسكرية الى بيروت واطلقوا فيها بعضهم بشرط الاقامة الجبرية ريثما يبت بأمرهم.
سجن القلعة
وكان حسني الزعيم من اولئك الذين اطلقوا بشرط وجودهم كل صباح ومساء في المخافر العائدة للسلطات الفرنسية. فاستأجر وقتها حسني الزعيم بالاشتراك مع غانية سابقة متقدمة في السن تدعى(نظيرة طقشة) داراً في محلة الاشرفية ببيروت ، وبقي هناك حتى جلاء الفرنسيين عن لبنان فاخلي سبيله نهائياًَ وشدّ رحاله عائداً الى سورية ( سامي جمعة ، أوراق من دفتر الوطن 1946 -1961، دار طلاس للدراساات والترجمة والنشر ، الطبعة الاولى 2000 ، ص 34 -35).
بعد إطلاق سراح حسني الزعيم من الاقامة الجبرية في بيروت عاد الى دمشق وتقدم بطلبات للانخراط في الجيش السوري بالرتبة التي ؤكان قد وصل اليها في جيش الشرق إسوة بالضباط الذين خدموا في الجيش الفرنسي ومحكوما عليه بعقوبة السجن.
تنادى زعماء الماسونية في دمشق لمساعدته وشد أزره ، وكان على رأسهم بديع المؤيد ، رفيق رضا سعيد ، الامير سعيد الجزائري وغيره بعد دراسة مستفيضة لوضعه ودوا أن لاسبيل لانخراطه في عداد الجيش سوى بالغاء الحكم الصادر ضده من المحكمة العسكرية الفرنسية. فجمعوا له مبلغاً كبيراً من المال ثم قاموا بإتصالات بأقطاب الماسونية في باريس واوفدوه الى هناك حيث تقدم باسترحام لاعادة محاكمته امام محكمة عسكرية جديدة تعقد في باريس.
وبضغط هائل من الماسونيين وخلفهم مراكز القوى اليهودية تمّ له ما اراد وشكلت محكمة عسكرية خاصة وخلال جلستين اصدرت قرارها بتبرئته من الحكم الصادر بحقه واعادته للجيش (جيش الشرق الذي لم يعد له وجود) مع حفظ حقوقه بالرتبة الاعلى ودفع رواتبه عن المدة التي قضاها في السجن وخارج الجيش.
عاد الى باريس حاملاً قرار براءته واستمر الماسونيون في مد يد المساعدة له فأقام الدعوى امام مجلس الشورى الذي اصدرلا حكما يقضي بإعادته الى الجيش . ومن غرائب المصادفات أن ديوان المحاسبات في سورية الذي كان على رأسه ( محمود الصباغ) رحب بالقرار الصادر عن محكمة عسكرية فرنسية تابعة لسلطة لم يعد لها وجود في سورية .
ووافق على إعادته للجيش السوري برتبة اعلى من الرتبة التي كان يحملها في الجيش الفرنسي وهي رتبة ( مقدم ) حيث التحق بالجيش السوري برتبة عقيد وعيّن آمراً للواء الثالث ةالمنطقة الشرقية في دير الزور. (سامي جمعة، المصدر السابق ، ص 36)
في دير الزور اصبح الزعيم حاكماً مطلقاً وانصرف لحياة المجون والسهر والقمار فاصدر وزير الدفاع أمراً بالتحقيق في ذلك ، وقد ثبت نتيجة التحقيق صحة المعلومات فصدر وزير الدفاع أمراص بنقل حسني الزعيم من قيادة اللوائ الثالث وتسميته (إسمياً) رئيساً للمحكمة العسكرية في حلب التي لم تستحدث بعد، فجاء الى دمشق
وصار يتسكع في مقاهيها وحاناتها ويمضي طيلة نهاره في مقهى (الطاحونة الحمراء والهافانا) يشبع نزواته بتعاطي القمار ويتردج الى بيروت حيث لهوه السابق . وكان الاتجاه العام في وزارة الدفاع يميل نحو تسريحه من الجيش بسبب ما ارتكبه في دير الزوور من اعمال مخلة ، إضافة لثبوت إتصاله بالملك عبد الله ملك الاردن وقبض الاموال منه في سبيل تحقيق حلم حياته ( سورية الكبرى). (سامي جمعة، المصدر نفسه، 39-40)
ثم نمى الى الشعبة الثانية – اي الاستخبارات العسكرية – معلومات تتضمن أن الملك يحاول الاتصال ببعض ضباط الجيش السوري وأنه تمكن من الاتصال بالعقيد عبد الوهاب الحكيم عن طريق ابن عمه السياسي حسن الحكيم وبالعقيد حسني الزعيم ( الذي اعيدحديثا الى الجيش وعيّن آمراً للواء الثالث في دير الزور بوساطة ( رمضان شلاش) شيخ عشيرة ( البواسراي) في المنطقة الشرقية .
وكان محسن البرازي الذي عُيّن بمنصب الامانة العامة لرئاسة الجمهورية والذي درس القانون في فرنسا ونال اعلى الدرجات العلمية رفيع الثقافة وعلى قدر كبير من الذكاء والحنكة ، وكان متعصباً لكرديته ، وقيل عنه وقتذاك بأنه المسؤول الثقافي لحزب – البارتي – الكردي – فرع سورية – الذي إنتسب له حسني الزعيم أيضاً عندما كان برتبة نقيب خلال خدكته العسكرية في الجيش الفرنسي ، فكان تعيين البرازي في هذا المنصب نعمة هبطت من السماء على حسني الزعيم.( سامي جمعة ، المصدر نفسه، ص 44).
هكذا كان حال البرازي الذي تبنى حسني الزعيم منذ اليوم الاول لتوليه منصبه في القصر الجمهوري بحكم الاصول التي تجمعهما ولكونهما ينتسبان لحزب واحد فكان لا يدع مناسبة تمر دون أن يطري على مواهب الزعيم العسكرية وكيف كان ضحية حسد وحقد أقرانه من الضباط ووشاياتهم بسبب غيرتهم منه لما يتمتع به من عبقرية او اعطيت ما تستحقه من تشجيع لفعلت المعجزات في خدمة الوطن وسحق اليهود،
ونتيجة ذلك المجهود فقد تمكن من إقناع الرئيس شكري القوتلي بصرف النظر نهائيا عن فكرة تسريح حسني الزعيم من الجيش.( سامي جمعة، المصدر نفسه، ص 45 ).
في السابع من تموز 1947 شكل السيد جميل مردم حكومة جديدة شغل فيها محسن البرازي وزيرا الداخلية مع إحتفاظه بمنصب أمين عام القصر الجمهوري. فما كان من محسن البرازي أن رشح حسني الزعيم لمنصب مدير الشرطة والامن العام فحصل على موافقة القوتلي . وتسلم حسني الزعيم المنصب وخلال ذلك تعرف بشكل وثيق على الصحفي السيد نذير فنصة عديله وسكرتيره وكاتم أسراره فيما بعد .( سامي جمعة، المصدر نفسه، ص 46 ).
حسني الزعيم هذا جعل من الشرطة إمبراطورية خاصة به فأحاط نفسه بكل مظاهر الابهة والفخامة وأطلق العنان لنزواته فغاص في بحر اللهو والمجون ولعب الميسر ومن خلال تلك السهرات تعرف على المدعو كامل الحسين من زعماء عسشيرة اللهيب في سهل الحولة بفلسطين المحتلة ويحتل مركزا رفيعا في الموساد الذي كان يبذخ بشكل لا يكاد يصدق. وبعد ان تطورت العلاقة مع حسني الزعيم واصبح يأتي الى دمشق جهارا نهارا دون ان يخشى شيئا ويتعمد أن يخسر مبالغ طائلة عندما يلعب القمار مع الزعيم.
وفي احدى المرات بث الزعيم همومه للحسين وكيف أن راتبه لا يكاد يكفيه وكيف أن الظروف الماساوية التي مرّ بها قبل عودته الى الجيش كلفته مبالغ طائلة واثقلته بالديون مما جعل الحسين يبلغه في احدى المرات أنه تمكن من الحصول على مخصصات شهرية سوف يقدمها له على سبيل المودة والاخوة ولم يحدد الحسين مصدر تلك المخصصات في بادىء الامر ولا الزعيم حاول سؤاله.
وبدأت تلك المخصصات بـ25 الف ليرة سورية شهريا ثم إرتفعت الى 50 الفاً، وبعد ليلة وسهرة"عرمرمية" أعلم الحسين الزعيم بأن مصدر تلك الاموال هو حكومة اسرائيل وانها تقدمها له على سبيل المساعدة والصداقة ولم يعلق الزعيم على ذلك بشيء. ولا تعرف قط الاسباب ولا المستجدات التي طرأت ودفعت الزعيم لارسال أحد ضباطه ، النقيب أكرم طيارة ومعه بدوي يدعى " متعب شتيوي" لاطلاق النار على كامل الحسين وقتله في مثلث الغجر الواقع بملتقى الحدود السورية واللبنانية والاسرائيلية في منطقة الحولة بحجة أن كامل الحسين المذكور يعمل لمصلحة المخابرات الاسرائيلية.(سامي جمعة، المصدر نفسه، ص 50).
وفي الخامس عشر من أيار 1948 تحركت الجيوش العربية لدخول فلسطين وفق الخطة التي وضعها مؤتمر رؤساء أركان الجيوش المنعقد في مدينة الزرقاء الاردنية.
وحصل الارتباك على الجبهة السورية واكتشف ان الاهمال يتحمله رئيس اركان العميد عبد الله عطفة .
وتقرر تنحية عطفة وحل محله حسني الزعيم رغم اعتراض وزير الدفاع احمد الشرباتي الذي قدم استقالته.
وصدرت المراسيم بتاريخ 23/5/1948 بقبول استقالة الشرباتي وتسمية جميل مردم وزيرا للدفاع اضافة الى منصبه رئيسا للوزراء ووزيرا للداخلية وتعيين العقيد حسني الزعيم رئيسا للاركان العامة بعد ترفيعه لرتبة زعيم( عميد) وإعطائه قدم اربعة اعوام في رتبته الجديدة. واطلق جميل مردم يد حسني الزعيم في الجيش وتخلى عن صلاحيات وزير الدفاع وعن صلاحيات الامين العام بحيث ربط اكثر صلاحيات الوزارة ومديرياتها برئيس الاركان.( سامي جمعة، المصدر نفسه، ص 52).
وفي التاسع والعشرين من شهر تشرين الثاني عام 1948 ذكرة صدور قرار الامم المتحدة بتقسيم فلسطين تفجرت في دمشق وبقية المدن السورية مظاهرات عارمة انتصارا لفلسطين وقضيتها فما كان من جميل مردم رئيس الوزراء ومحسن البرازي وزير داخليته إلا أن أطلقا يد حسني الزعيم وأمراه بانزال الجيش لقمع المظاهرات بحجو عجز الشرطة والدرك عن مواجهة تلك المظاهرات، وحينما استفحل الوضع وكثرت الضحايا قدم جميل مردم استقالته واستدعى الرئيس القوتلي وزيره المفوض في باريس خالد العظم وكلفه بتشكيل وزارة جديدة . وبعد تشكيل خالد العظم – المعروف باتجاهه اليساري- بدا العد العكسي لتنفيذ المخطط الموضوع للاطاحة بالنظام الوطني في سورية بواسطة حسني الزعيم.(سامي جمعة، المصدر نفسه، ص 53- 55).
مصطفى رام حمداني ضابط المخابرات السوري يتحدث عن حسني الزعيم عكس ما تحدث عنه سامي جمعة فيقول حمداني عن الزعيم:
كان قائد الانقلاب ضابطً مغامراً معروفاً بجرأته عند الضباط القدماء ، درس العسكرية في سورية وتركيا وفرنسا ، إعتقله البريطانيون في مصر خلال الحرب العالمية الاولى والتحق بالجيش الفيصلي العربي ثم الافرنسي ، وكانت رتبته عقيد بالجيش آخر رتبة له. وكان الناس كلهم فرحين مستبشرين بما تم ولافتات التأييد تملأ الشوارع وواجهات المحلات في كل مكان إن شعبنا شعب طيب عاطفي يستحق التقدير أن نبذل في سبيله كل غال ٍ ورخيص.(مذكرات مصطفى رام حمداني ، شاهد على أحداث سورية وعربية وأسرار الانفصال، دار طلاس للدراسات والترجمة والنشر ، الطبعة الثانية، ص 75).
وبعد أن نجح وإستقر إنقلاب حسني الزعيم بدأت الوفود تتوافد ، وكان أولها وفد العراق برئاسة نوري السعيد والزعيم شاكر الوادي فلم يثمر مجيئه بأي إتفاق وردع الى العراق في 17 من نيسان 1949 خالي اليدين تقريباً.
وفي 18 من نيسان وصل الى دمشق عزام باشا أمين عام جامعة الدول العربية مهنئاً ومعترفاً بالوضع الجديد.
وفي 21 من نيسان قام الزعيم بزيارة للملك فاروق وتناول معه طعام الافطار في حدائق انشاص وعاد معجباً بكل ما هو مصري، فأبرق من دمشق الى الملك فاروق معبراً عن شكره على إهتمامه بمستقبل سورية. وما أن مضت أيام حتى إعترفت مصر بالوضع في سورية، وأعلن حسني الزعيم بأن رحلته الى القاهرة كانت ناجحة وكانت مفاجأة غير سارة للاردن وبغداد فقد إعتقدا أنه كاد يقدم اليهما تاج سورية على طبق من فضة ولكن خاب فألهما ، فالجمهورية السورية لا تريد سورية كبرى ولا هلالا خصيباً وسنوجه قوتنا ضد هذين المشروعين اللذين أوصى بهما الاجنبي. وقد ركزنا قواتنا على الجبهة الجنوبية لمجابهة الاجراءات العسكرية التي إتخذتها حكومة عمان وقررنا تقديم الاشخاص الذين يجرون إتصالات بالحكومة الاردنية أو يسافرون الى ذلك البلد الى محكمة عسكرية بجريمة الخيانة العظمى وحكمهم بالاعدام. أما السعودية فكان موقفها جيداً مع سورية ضد الهاشميين وإعترفت بالوضع القائم.
أما فرنسا فقد رمت بثقلها ضد الهاشميين لأن إرتباط سورية بالهاشميين سيجعلها وكأنها إرتبطت مع إنكلترا التي كانت تعادي قيام دولة عربية مستقلة في المنطقة ، وفرنسا بعد أن تركت سورية تريد لها أن تبقى مستقلة وعلى صداقة مباشرة معها لانها تستفيد من تجهيز سورية بالعتاد والمعدات وقطع الغيار والآليات وغيرها.(مصطفى رام حمداني، المصدر السابق، ص 78-79).
دام حكم الزعيم حسني الزعيم أربعة أشهر ، كنس فيها السياسيين القدامى، كما قال الاستاذ فارس الخوري ، لقد عزز الجيش وأعاد تسليحه وقوى معنوياته وطهر الجهاز الحكومي وأدخل إصلاحات على الجامعة السورية وأمر بمراقبة الافران وكل ما يتعلق بالتموين وتحديد الاسعار ومنع الغش، وعقد إتفاقاً لمرور أنابيب النفط عبر سورية ومنح المرأة حق الانتخاب وحظر إستعمال الالقاب وشكلّ لجنة وضعت القانون المدني واصلح القضاء ، لم يرتبط ويربط سورية بأي حلف وكان تفكيره صائباً بالتوجه الى مصر ومحالفتها لانها غير مرتبطة بأي حلف أجنبي.
إن الزعيم حسني الزعيم ورئيس وزرائه ذهبا ضحية الصراع على مناطق النفوذ بين الامبريالية الامريكية والسياسة البريطانية ، فعرفوا كيف يستغلون الى أبعد الحدود القضاء على حسني الزعيم وحكمه. ومعروف في وزارة الخارجية السورية ما جرى بين أسعد طلس ( عديل الحناوي) وبين محسن البرازي ، وقد إستغلوا ذلك للقضاء على حسني الزعيم وقتلوا البرازي وكان عراق نوري السعيد أول المؤيدين.( مصطفى رام حمداني، المصدر نفسه، ص 80 -81 ).
في صباح يوم الاربعاء 30 آذار 1949 شهدت شوارع دمشق منظراً غير مألوف ، دبابات ومصفحات ترابط حول المباني العامة يطل من أبراجها جنود يضعون أيديهم على رشاشات ثقيلة وجنود يحتلون مبنى الاذاعة ومفارق الطرق .. أنه إنقلاب. وفي الساعة السابعة صباحاص أذاع راديو دمشق البلاغ العسكري رقم واحد تحدث عن الفساد الذي كان قائما وكذلك الخيانة والفوضى وان الانقلاب تم دون ارقاة نقطة دم ودون إطلاق رصاصة واحدة، وقال اليوم ستتالف حكومة قومية ديمقراطية تنقذ البلاد من اهوال الاوضاع الماضية.( وليد المعلم، سوريا 1918- 1958، التحدي والمواجهة، دار بابل للنشر، دمشق 1985، ص 95).
قبل انقلاب حسني الزعيم كانت الاجواء السياسية في سورية شديدة التوتر ولاسيما بعد سقوط فلسطين في أيدي الصهيونية وفشل الجيوش العربية في إنقاذها.... وكان ثمة مشروع التابلاين أي مد الانابيب من السعودية الى صيدا في لبنان عبر الاراضي السورية . كان الامريكيون والملك عبد العزيز آل سعود يضغطان على الحكم في سورية لتنفيذ هذا المشروع . لبنان كان وافق سلفا والاردن ايضا ولم يبق الا سورية، لا شك أن انقلاب حسني الزعيم مصنوع بتوافق امريكي – فرنسي لم يستطع الامريكيون تمرير اتفاق التابلاين ولم يستطع الفرنسيون تمرير اتفاقية النقد وكانت الهدنة مع اسرائيل متعثرة أيضاً بعد ان وقعّت جميع الدول إتفاقات الهدنة ما عدا سوريا.
ويقول الشويري أنا أؤكد أن انقلاب حسني الزعيم جاء لينقذ هذه النقاط العالقة وقام بذلك فعلا فور وصوله الى الحكم . . وقع حسني الزعيم مرسوماً يمنح شركة التابلاين إمتيازات خاصة في 30 /6/1949 أما الضباط المساكين الذين كانوا يرغبون في الخلاص من عهد شكري القوتلي فقد خاب أملهم ، الضباط كانوا ياملون في أن يأتي حكم جديد نظيف ، لكنهم إكتشفوا أن حسني الزعيم جاء لينقذ ما عجز عن تنفيذه شكري القوتلي . في أي حال لم يعش هذا الانقلاب غير أربعة أشهر تقريبا وقتل حسني الزعيم على خلفية تسليم الزعيم أنطوان سعادة الى السلطات اللبنانية التي أعدمته فوراً
فقد وقع الانقلاب ضد حسني الزعيم في 14/8/1949 وأعدم في اليوم نفسه مع محسن البرازي على أيدي عصام مريود ( سني) - إبن اخ المجاهد أحمد مريود الذي أطلق النار على الجنرال الفرنسي"غورو" سنة 1921.
ونشأ عصام مريود في بغداد بعد نزوح عائلته اليها فدرس فيها والتحق بالكلية العسكرية ثم بكلية الطيران، ومع إعلان إستقلال سورية عاد الى قريته " جباتا الخشب" وإنضم الى سلاح الطيران السوري - ومحسن الحكيم ( إسماعيلي) وفضل الله أبو منصور( درزي) والثلاثة أعضاء في الحزب السوري القومي الاجتماعي ، ويقول عبد الله قبرصي في كتابه عبد الله قبرصي يتذكر " أن فضل الله ابو منصور جاء الى جوليت المير أرملة إنطوان سعادة في دير سيدة صيدنايا وهو يحمل سترة حسني الزعيم وقد خرقها الرصاص.. كما قام حسني الزعيم بتسليم إنطوان سعادة الى السلطات اللبنانية في 6/7/1949 التي اعدمته في 8/7/1949.( أنظر كتاب: مايلز كوبلاند" اللاعب واللعبة" بيروت ، دار الحمراء 1990)
في آذار1947 عاد إنطوان سعادة من اوروبا ولمس انحراف تلاميذه فأصدر قراراً بفصلهم، كما فصل فائز الصايغ وغسان تويني ويوسف الخال للاختلاطات الفكرية التي سقطوا ضحيتها وحصر جميع صلاحيات المجلس الاعلى للحزب بشخصه فتقدم جورج عبد المسيح وعبد الله القبرصي وجورج حكيم الى الصفوف الامامية، إتسع نشاط الحزب فضم نخبة من المفكرين في لبنان( عادل عسيران ، معروف سعد، حسين منصور) وأصبح له خلايا في الجيش من صغار الضباط.
وبعد حوادث الجميزة في 9 حزيران 1949 أصدرت الحكومة اللبنانية برئاسة رياض الصلح قرارا بحل الحزب وأصدرت مذكرات توقيف بحق أعضائه ، فهرب أنطوان سعادة الى سورية حيث تربطه صداقة شخصية بحسني الزعيم الذي سلمه للسلطات اللبنانية فأعدم مع ستة من قياديي الحزب في 16 آذار 1949 .( وليد المعلم، المصدر السابق، ص 75).
يعتقد الكثيرون حتى الان أن إستقبال حسني الزعيم لانطوان سعادة في سورية ودعمه له كان لمواجهة لبنان بشخص رياض الصلح رئيس الحكومة اللبنانية أو ردا على الموقف العدائي الذي وقفه هذا الاخير ضد الزعيم وإنقلابه أو محاولة من الزعيم للضغط على الصلح لتغيير موقفه من قضية النقيب أكرم طبارة المعتقل آنذاك في لبنان بسبب قيامه بغغتيال كامل الحسين( سامي جمعة، المصدر نفسه، ص 75).
في السادس من تموز 1949 بعد فشل ثورة الحزب السوري القومي في لبنان طلب المقدم ابراهيم الحسيني من أنطوان سعادة الذي التجأ الى دمشق مرافقته لمقابلة حسني الزعيم في القصر الجمهوري بدمشق كان الامير فريد شهاب مدير الأمن العام اللبناني بانتظار سعادة حيث استلمه من المقدم الحسيني وإقتاده الى لبنان في ذلك الوقت احتج اديب الشيشكلي مدير الشرطة والامن على تسليم سعادة للسلطات اللبنانية فامر حسني الزعيم بإعتقاله وإيداعه سجن المزة ثم ما لبث ان اصدر أمراً بتسريحه من الجيش، فيما اعتكف اكرم الحوراني في حماة احتجاجا على ذلك ولحق به اديب الشيشكلي وظلا هناك حتى الانقلاب الذي قاده سامي الحناوي ضد حسني الزعيم.( سامي جمعة، المصدر نفسه، ص 78).
فجر اليوم الثامن من تموز 1949 نفذ حكم الاعدام في لبنان بالزعيم انطوان سعادة( وليس كما جاء في كتاب وليد المعلم الذي قال يوم 16 آذار 1949). بعد محاكمة صورية أقيمت على عجل واستمرت ساعات قليلة .( سامي جمعة، المصدر نفسه، ص 78).
وخطط الانقلاب " جيم كيلي" وقام بالتنفيذ "مايلز كوبلاند" و " ستيف ميد" الذي كان يجول في دمشق الى جانب حسني الزعيم ويدله على المباني والمؤسسات الواجب السيطرة عليها، ويقول كوبلاند: كان إنقلاب حسني الزعيم من أعدادنا وتخطيطنا فقد قام فريق العمل السياسي بادراة الميجر" ميد" بانشاء علاقات صداقة منتظمة مع حسني الزعيم منذ أن كان رئيساً لاركان الجيش السوري، ومن خلال هذه الصداقة أوحى الميجر ميد لحسني الزعيم بفكرة الانقلاب العسكري الذي إضطلعنا – نحن في السفارة الامريكية- بمهمة وضع كامل خطته وكافة التفصيلات المعقدة (نبيل الشويري، المصدر نفسه، ص 126 -128 ).(انظر كتاب:مايلز كوبلاند ،اللاعب واللعبة، بيروت دار الحمراء 1990).
إنقلاب سامي الحناوي
فجر الرابع عشر من آب 1949 نفذ اللواء سامي الحناوي غنقلابه، وقامت قوة بقيادة المقدم أمين أبو عساف والنقيب فضل الله أبو منصور بإعتقال الزعيم حسني الزعيم في بيته الخالي من الحرس ودون مقاومة ، ثم أعدم مع محسن البرازي ودفنه في قرية أم الشراطيط . وكان الفاصل الزمني بين إعدام سعادة وأعدام حسني الزعيم شهراً واحداً وستة أيام فقط.
كان حسني الزعيم رجلاً بمعنى الكلمة عندما واجه فصيل الاعدام الذي قاده عصام مريود وفضل الله أبو منصور . بينما كان محسن البرازي منهاراً تماماً ولا يقوى على الوقوف على قدميه، وكانت آخر كلمة تلفظ بها الزعيم( كما يقول سامي جمعة نقلا عن أحد المشاركين بفصيل الاعدام وهو يرى محسن البرازي منهاراً أن التفت اليه قائلا بالفرنسية ما معناه " مسكين محسن".
وأعلن الانقلابيون انه تم اعدام الزعيم والبرازي بعد أن حاكمتهما محكمة عسكرية وحكمت عليهما بالاعدام ( سامي جمعة، المصدر نفسه، ص 78- 79).
1029 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع