اللواء الركن بارق عبد الله الحاج حنطة ماله وما عليه
يحظىٰ اللواء الركن (بارق عبد الله الحاج حنطة) بالاهتمام الملفت للنظر في وسائل التواصل الاجتماعي والصحافة المقروءة والمرئية في الحديث عن شخصيته والكشف عن جوانب من حياته وسيرته الوظيفية الطويلة في الجيش العراقي وبشكل تفوق نسبة ما يتم تناوله عن الضباط الأخرين من الاحياء والاموات في نفس الفترة الزمنية والذين عاصروه وشاركوه نشاطات وفعاليات القوات المسلحة العراقية في جميع جبهات القتال الداخلية والخارجية ولكي ندخل في التفاصيل الدقيقة لنشاطاته وما رافقها من الجوانب الإيجابية والجوانب السلبية والتي أصبحت مصدرا للسمعة التي اكتسبها في الجانبين وقبل ذلك لابد أن نذكر شيئا عن السيرة الذاتية له.
اللواء الركن بارق عبد الله الحاج حنطة
السيرة الذاتية:
• ولد في محافظة واسط – قضاء الصويرة عام 1950.
• من خريجي الكليات والدورات التالية: -
الكلية العسكرية الاولىٰ – الدورة 49.
كلية الأركان العسكرية العراقية.
دورة في كلية طيران الجيش العراقي لقيادة المروحيات.
مدرسة القوات الخاصة العراقية.
دورات خارجية في روسيا لصنف القوات الخاصة.
• شارك في الحروب التالية: -
حرب تشرين الأول 1973 في الجبهة السورية ضد اسرائيل.
حرب الشمال (كوردستان).
الحرب الاهلية في لبنان في فترة السبعينيات.
حرب تحرير اريتيريا في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات.
حرب القادسية الثانية 1980 – 1988.
حرب احتلال الكويت 1990.
حرب ام المعارك 1991.
• شغل المناصب التالية: -
آمر اللواء 66 القوات الخاصة
آمر اللواء الثاني حرس جمهوري
قائد قوات حماية النفط
قائد القوات الخاصة العراقية
معاون قائد قوات الخليج في الكويت عام 1991
• منح العديد، بل العشرات من أنواع انواط الشجاعة والاوسمة والنياشين التقديرية.
أحاول ان اكتب عن اللواء الركن (بارق عبد الله) بتجرد وشفافية معتمداً على ما كتب عنه بمختلف الآراء الإيجابية والسلبية والخروج بنتائج نحرص علىٰ أن تكون عادلة وصحيحة بحقه بعيداً عن المزاج والعواطف والانتماءات السياسية والعرقية والطائفية وقد ركزت في البحث من خلال علاقة المذكور بأحداث وحوادث كان لها الأثر العميق في مسيرته الوظيفية تباعاً لغاية النهاية المأساوية له من خلال الحديث عن فترة عمله في الكويت وفترة عمله في المنطقة الشمالية (كوردستان) والنهاية الرهيبة التي لم تكن تخطر على باله ونختم البحث بجملة آراء وتساؤلات.
بارق والكويتيين
هناك وثيقة برقم (6) للباحث (عبد الهادي معتوق الحاتم) نشرت في موقع المركز العراقي لتوثيق جرائم التطرف تتناول أسلوب التعامل مع الدور المغلقة في الكويت فـــــي فترة احتلالها وموقعه مـــن قبل اللواء الــــركن (بارق عبد الله الحاج حنطة) قائد القوات الخاصة بتاريخ (19 نيسان 1990) وتحمل رقم (273/4) وصـــادرة مـــن قبــل (قيادة القوات الخاصة / الأركان العامة / الاستخبارات) والوثيقة يتبين من تاريخها بانها صدرت بعد شهر وسبعة عشرة يوماً من احتلال الكويت وهي تخص فترة الاعتقالات والتفتيش والإجراءات التعسفية ضد عناصر المقاومة الكويتية ومقدمة الوثيقة تذكر مــــا نصه (لاحظنا أن قسماً من أبناء محافظة الكويت لا يفتحون أبوابهم في أثناء التفتيش ويتجاهلون العاملين بعد طرقهم الأبواب والقسم الآخر يتحجج أن هذه الغرف مقفلة كون صاحبها سافر خارج المحافظة أو عند أقربائه كي لا يتم فتحها وأحياناً الخزانات الحديدية يدعون أن مفاتيحها مع (س) منهم الذي خارج العراق الجديد وإلخ…من هذه الأعذار التي لا تسهل مهمة متابعة أجهزتنا الحريصة على إنجاز واجباتها … عليه أرجو تبليغ العاملين بمثل هذه الواجبات للقيام بما يلي :
1- في حالة طرقهم الباب ولم يفتح يتم كسر إحدى الزجاجات أو نفس الباب الرئيسي والدخول بحذر شديد إلى داخل الدار وإذا وجدوا أن فيه عائلة لا تستجيب إلى المفرزة أو المجموعة يتم حجزهم جميعاً بعد حرقهم الدار بشكل كامل وعلى مرأى منهم ويسفرون إلى سجن البصرة بعد التحقيق معهم.
2- في حالة وجود خزانة حديدية ولم يتم فتحها بحجج واهية يتم حجز جميع أهل الدار ويستدعى الفنيين من الأمن لفتحها وإذا وجدوا فيها أية ممنوعات يعاملون كما جاء في (1) أعلاه.
3- في حالة ادعاء صاحب الدار أن هذه الغرفة ليس لديهم مفتاحها بسبب ضياع المفتاح أو كونه موجود مع أحد أفراد العائلة وهو الآن خارج الدار يتم كسر الباب أمامهم وفي حالة وجود أية ممنوعات يتم حجز جميع العائلة
وحرق الدار أمامهم ونرجو اخواننا ورفاقنا المنفذين في حالة حرق أو هدم الدار لا يجوز أن تنسحب منه أية مادة مهما كان ثمنها أو الحاجة إليها.
4- حصلت موافقة السيد مدير جهاز المخابرات على مقترحنا الوارد في تقرير النشاط اليومي ليوم (16 أيلول 1990) لغرض تشكيل لجنة في تشكيلاتنا من المخابرات والأمن والشرطة لغرض القيام بجرد محتويات الدور والمحلات المتروكة والمقفلة والتي لم يتم الدخول فيها أو تفتيشها وتسليم محتوياتها حسب التعليمات الواردة اليكم بموجب كتابنا السرّي 147 في 6/9/1990 لاتخاذ ما يلزم والعمل بموجبه.
وفي موضوع ذو صلة يذكر الفريق الأول الركن (علي غيدان) في اللقاء اللاحق الذي سنذكره مع الاعلامي الدكتور (حميد عبد الله) بان اللواء الركن (بارق) قــــد أدىٰ خـدمـة كبيـرة في مجال حمايـــة كـــل مـن (علي حسن المجيد) و (حسين كامل) عند تواجدهما في الكويت ولم يكونا يأمنون في الخروج ألا بعد وردود الايعاز اليهما من المذكور خوفا من أفراد المقاومة الكويتية التي نشطت وصعدت من نشاطها ضد القوات العراقية. بما اننا نتحدث عن اللواء (بارق) في فترة وجوده فـــي الكويت فلا بـــد أن نشير الى ما ورد فـــــي موقـع (شاهد على التاريخ) في (11/10/2024) وبالنص (لمن لا يعرف هذا المجرم (بارق) قائد القوات الخاصة العراقية الذي أصدر الامر بإطلاق النار على مظاهرات الكويتيين العزل من النساء والأطفال أثناء الغزو العراقي الغاشم قتل الكثير من شهداء الكويت وأعدم هو لاحقا بالرصاص في (4/4/1991) بقرار من قائده (صدام حسين).
بارق والكُرد
البعد الإنساني لا مجال له في طبيعة هذا العسكري ومع من كان تعامله الفض والقاسي وهذه السمة في طبيعته اشتهر بها من خلال عمله كضابط بسيط او ذو مكانة قيادية في الجيش العراقي وفي جميع المعارك والمهمات العسكرية التي أوكلت اليه سواء اكان ذلك ضمن نشاطاته في الحرب التي جرت بين الجيش العراقي وقوات البيشمرگة الكردية في عام (1974) وفي الثمانيات من القرن الماضي او من خلال الحرب العراقية الايرانية من عام (1980 ولغاية 1988) والجدير بالذكر احتفال الإيرانيين عند سماعهم خبر اعدام (بارق) بسبب ما ارتكبه من مجازر بحق الجيش الإيراني، ونفس الحال عند عمله ومسؤولياته في دولة الكويت عند احتلالها من قبل القوات العراقية ومواقفه التي اتسمت بالقسوة والغدر مع مجاميع وافراد قوات المعارضة الكويتية والأهالي بشكل عام. عند ما نتحدث عن سلوكه ومواقفه تجاه الاكراد بشكل عام وقوات البيشمرگة بشكل خاص ومن مختلف مسلحي الأحزاب الكردية المعارضة آنذاك لنظــــام حكــم الرئيس العراقي (صدام حسين) فلا بد من ذكر الفعلة الشنيعة التي اقترفها بحق ثلاثة أفراد من قوات البيشمرگة عندما امر بإلقائهم من الجو من طائرة سمتية وهم أحياء،
العميد الركن بارق عبد الله الحاج حنطة قائد قوات حماية النفط ويقف إلى جانبه معاونه العقيد عزيز حسن الحديثي
وللتأكيد على صدق هذه الرواية نستند على ما جاء في كتاب مديرية الاستخبارات العسكرية العامة / تقصي الحقائق / ونصه (نسب السيد المدير العام قيامنا بتقصي الحقائق عن ممارسات مقر قيادة قوات حماية النفط في عملية أنفال (4) ضمن قاطع مسؤوليتها في منطقة كويسنجق، شكلت لجنة تظم ممثلين عن شعبتنا و (م.س.م) الشمالية واستخبارات الشرقية ومديرية استخبارات المنطقة الشمالية واوجزتنا اللجنة التي قامت بفتح التحقيق ميدانياً وبشكل هادئ بما يلي:-
أولاً – بتاريخ (13 آذار 1988) قام مقر قيادة حماية النفط وبتوجيه من القائد بإركاب ثلاثة مخربين في طائرة سمتية بعد ان تم شد وثاقهم الى الطائرة التي حلقت فوق آمرية مقر قيادة قاطع كويسنجق وتم القاء المخربين من الجو وفارقوا الحياة، المخربين المذكورين تم القبض عليهم اثناء مصادمة تنفيذ عملية (أنفال /4) لم تشاهد الحادثة من قبل أهالي كويسنجق لبعد المنطقة عن الحادث، ولكن معظم مراتب آمرية قاطع كويسنجق شاهدوه وتسربت الىٰ الأهالي. لم تتوفر معلومات عن دوافع هذا الاجراء من قبل مقر قيادة قوات النفط الا أن القائد العميد الركن (بارق عبد الله الحاج حنطة) أشار خلال زيارته الى شعبتنا وتقديمه تقرير الىٰ السيد المدير العام عرضناه بمطالعة خاصة بأنه اتخذ هذا الاجراء بسبب قيام المخربين المذكورين قبل القاء القبض عليهم بفتح النار على طائرة سمتية في محاولة منهم لإسقاطها. كما وردتني معلومات من صديق رجاني عدم ذكر اسمه كان يشغل منصبا مهما في محافظة كركوك تخص نفس هذا النمط من التصرف والسلوك اللاإنساني من قبل العميد الركن (بارق) عندما كان يشغل منصب قائد قوات حماية النفط في كركوك ذكر لي هذا الصديق وهو مصدر في غاية الثقة والمصداقية من انه في احد الأيام فوجئ بمراجعة الرائد... ضابط سرية المقر لقيادة قوات حماية النفط وهو بحالة غير طبيعية ومتوتراً ويشكو لي قائده العميد الركن (بارق عبد الله الحاج حنطة) قائد قوات حماية النفط والذي كلفه بأمر في غاية الغرابة والخطورة والبعيد عن القيم الإسلامية والإنسانية وبالضد من القيم الشخصية الملتزمة بتعاليم الدين الإسلامي السمحاء والضوابط الأخلاقية وضميره تمنعانه من إتيان أي تصرف خاطئ ومكروه، طلب منه محدثي أن يهدأ نفسه ويذكر له ما كلفه به قائده (بارق) من مهمة جعلته يخرج عن طوره وطبيعته فأجابه المذكور بأن قائده قد أمره باستصحاب ثلاثة افراد من المخربين (البيشمرگة) الموقوفين في مقر القيادة وحملهم على ركوب احدىٰ الطائرات السمتية ومن ثم يلقي بهم من الطائرة وهم في الجو، بعد انهاء هذا الشاكي من سرد حكايته المؤلمة والصعبة يقول محدثي بأنه اتصل هاتفياً على الفور مع العميد الركن (بارق) قائد قوات حماية النفط وبأسلوب دبلوماسي وفني استفسر منه عن حقيقة الامر والذي أجاب بصحة المعلومات التي وردت علىٰ لسان الرائد ولم ينكرها اذ ذاك أوضح له محدثي بأن (الرائد...) صـفته ضابط اداري وما امرته به (مو شغلته وشنو علاقته بهكذا واجب) فرد عليه العميد الركن (بارق)... (زين راح اشوف غيره). ومن الجدير بالملاحظة والاستغراب هو موقف السلطة الحاكمة من التصرفات الهمجية واللاإنسانية من هذا القائد العسكري (بارق) واعتبار ما قام به من تصرف بحق الشبان الثلاثة من افراد (البيشمرگة) تصرفا اعتياديا صحيحا لا شائبة فيه بدليل مسامحته وعدم اتخاذ أيّة إجراءات قانونية بحقه وربما تم تكريمه وتشجيعه علىٰ ممارسة مثل هذه الاعمال للدلالة علىٰ صدقه في اخلاصه للسلطة وقائدها وتداعيات ذلك بالتالي على مصالحه الشخصية البحتة علىٰ حساب القيم والمبادئ الإنسانية المستمدة من الشريعة الإسلامية والضوابط القانونية.
بارق والمصير الذي لم يكن يتوقعه
هناك عدة روايات عن تفاصيل انهاء حياة اللواء الركن (بارق) إلا انني فضلت الرواية التي جاءت على لسان الفريق الأول الركن (علي غيدان) ضمن برنامج شهادات خاصة من تقديم الإعلامي الدكتور (حميد عبد الله) بتاريخ (19 تشرين الثاني ٢٠٢١) حيث يذكر المذكور في هذا اللقاء من انه وبعد هزيمة القوات العراقية من الكويت وعودتها منسحبة الى الأراضي العراقية بناء على قرار الرئيس (صدام حسين) بشكل عشوائي وغير منظم مصحوبا بخسائر بشرية في صفوف الجيش العراقي من القتلىٰ والجرحىٰ بالإضافة الىٰ خسائر كبيرة في معداته وتجهيزاته العسكرية المختلفة من سلاح واليات حيث يذكر العميد الــــركن (على غيدان) (لاحقا فريق اول ركن) مـــن انـه بتاريخ (3 نيسان 1991) تم استدعائه ومعه تسعة ضباط آخرين من قيادات الجيش العراقي العائدون من الكويت وهم:-
1- اللواء الركن عصمت صابر عمر
2- اللواء الركن بارق الحاج حنطة
3- اللواء الركن عبد الرحمن أبو العوف
4- العميد الركن فرحان كاظم
5- اللواء الركن إبراهيم السياب
6- العميد الركن مبدر جاسم
7- العميد الركن علي غيدان
8-العميد الركن كامل صالح
9- العميد الركن غازي جاسم / كان رهن التوقيف في سجن رقم (1) وقت استدعائه وتم احضاره ليشارك في اللقاء.
10-العميد الركن عيسىٰ عبد الوهاب / كان راقداً في المستشفىٰ بسبب اجرائه لعملية جراحية ولم يحضر اللقاء.
بلغ المذكورين بوجوب الحضور الى استعلامات القصر الجمهوري قبل موعد الإفطار لذلك اليوم حيث كان شهر رمضان ومن هناك الىٰ القيادة العامة وكان حاضرا عدد من أعضاء القيادة وبعد تناولهم طعام الإفطار أُمروا بترك سياراتهم وسلّم كل واحد منهم ظرفا طلب منهم وضع مستمسكاتهم وحاجاتهم من محبس وساعة فيه وكتابة أسمائهم عليه ومن ثم وضعوا في سيارة نقل (كوستر) ومعهم اعضاء القيادة وبحراسة مشددة نقلوا الــى منطقـــــة الرضوانيــة (قصر الفاو / القصر الرئاسي)
(بارق وعصمت) وغموض أسباب انهاء حياتهما مع رفاقهم مــن قبل (صدام حسين)
وادخلوا في القصر المذكور والذي كان يتألف من طابقين وشــــاهدوا (عزة الدوري) جالسا لوحده وبعد جلوسهم لبرهة شاهدوا الرئيس العراقي (صدام حسين) برفقته (حسين كامل) ينزلان من الطابق العلوي وقام الجميع لتحيته وبعد جلوسه نزع نظارته وكانت الإضاءة معدومة في المكان عدا من بعض الوسائل البديلة،
صدام حسين ونائبه عزة الدوري
طلب (عبد حمود) من الضباط التسعة ان ينهضوا ويقدموا أنفسهم بالتسلسل وحسب القدم (للرئيس)، نهض اللواء الركن (عصمت صابر عمر) اولاً باعتباره أقدم المـــجموعة اذ ذاك استفسر (الرئيس) منهم... تدرون آني ليش داز عليكم؟
ولم يجيبه أحد، عندها استرسل قائلاٰ... أنتم القادة اللي سببتوا نكسة أم المعارك وتعاونتوا مع صفحة الغدر والخيانة، دزيت عليكم اريد اسمع منكم... تفضل عصمت والذي بدأ الكلام مختصراٰ وبنبرة واثقة بالنفس وخدماته التي قدمها للعراق واسفه في أن يكون في وضع المحاسبة كما دافع عن اثنين من ضباطه عندما خاطب (الرئيس) قائلاٰ... هسه آني جايبيني مايخالف هذولة القادة ليش جايبيهم.
جاء دور اللواء الركن (بارق الحاج حنطة) ووجه له (صدام حسين) سؤالاً:
بارق اسئلك سؤال؟
انت الضابط الوحيد في القوات البرية اللي يتلقب ببطل القادسية
شنو معنى بطل القادسية؟
بارق لا يجاوب
بارق جاوب وكررها (صدام) محتداً لثلاثة مرات دون أن يجيب عندها بصق (صدام) في وجهه وهو في أشد حالات الغضب ويردد عبارته التي اشتهر بها (عابتلك هل شوارب)
ادىٰ بارق التحية العسكرية المثالية لـ (صدام حسين) ودار نصف دورة وعاد وجلس بجانب العميد الركن (علي غيدان).
يضيف الفريق الأول الركن (علـــي غيدان) من انه وبعـــد انتهـــاء (صدام حسين) من استجوابهم قرأ سكرتيره الشخصي (عبد حمود) أسماء خمسة منهم واخرجوا من المكان بالدفعات وبأسلوب فض وبعيد عن معاني الرجولة الحقة والاخلاق دون أي اعتبار لمكانتهم وماضيهم وكان ذلك بحضور وتحت انظار (صدام حسين) ونائبه (عزة الدوري) وبقية المسؤولين الكبار في السلطة من عسكريين ومدنيين.
1- اللواء الركن عصمت صابر عمر.
2- اللواء الركن بارق الحاج حنطة.
3- العميد الركن إبراهيم السياب.
4- العميد الركن غازي جاسم.
5- العميد الركن كامل صالح.
اللواء الركن عصمت صابر
احيل المذكورين الى اللجنة الخاصة والتي أشرفت على اعدامهم في اليوم التالي في منطقة الرضوانية وتحت اشراف (عبد حمود) رئیس اللجنة، ما دوناه هو حديث الفريق الأول الركن (علي غيدان) عن هذه الواقعة واعتبرها أكثر صحة من الروايات الاخرىٰ لكونها شهادة عيانية من شخص كان حاضرا تفاصيل وقائعها من بداياتها والى نهايتها وفاتني أن اذكر بأن القادة الخمسة الاخرين والذين كتبت لهم الحياة قد تم احتجازهم لمدة خمسة أشهر ومن ثم جرىٰ إطلاق سراحهم وصدور قرارات بطرد البعض منهم او إحالة البعض على التقاعد مع تنزيل الرتبة، هناك رواية اخرىٰ وردت في مجلة (أوراق من ذاكرة العراق) العدد (88) الصادرة في (15 آب 2019) في مقالة بعنوان (ضحايا العنف في العراق) بقلم (على حسين) حيث ورد فيه من انه في اليوم الاول من الشهر الأول من عام (1991) أي قبل خمسة عشر يوما من الإنذار النهائي الذي وجهه مجلس الامن للعراق للانسحاب من الكويت في هذا اليوم عرض التلفزيون الرسمي العراقي زيارة لـ (صدام حسين) الى قطعات الجيش العراقي في الكويت. ويظهر (صدام) مع قادة الوية وفرق في الجيش وهم يطهون الطعام وكانت هذه الزيارة بمناسبة بداية السنة الجديدة (1991). ثم يقوم (صدام حسين) ويضع كمية من الملح في أحد قدور الطهي ويقول للضباط مازحا هذا الملح حتى (يغزر) وكلمة (يغزر) هي كلمة عراقية معناها عندما يضع أحد ما ملح في طعام الاخر ويقول له حتى (يغزر) معناها حتى تتذكر بأنني انا الذي اطعمتك هذا الطعام. وبعد ان ينتهي الضباط و(صدام) من الطعام يبدا هذا الاخير بالكلام عن الحرب القادمة وعن طرق الامريكان في الخداع في الحروب ويقول لهم بالعبارة الصريحة والتي سمعها في حينها كل الشعب العراقي وليس الجيش فقط وهي عبارة (هذه ارض الكويت هي ارضكم لن ننسحب منها مهما حصل وإذا سمعتم يوما خلال الحرب بأنني اقول لكم في الراديو بان تنسحبوا من الكويت فاعلموا ان الامريكان قد قلدوا صوتي وانني لست انا من يتكلم في الراديو لأنني لن اقول لكم انسحبوا مهما حصل). هذا الكلام طبعا سمعه الضباط الذين كانوا جالسين معه ومن ضمنهم اللواء (بارق الحاج حنطة).
صدام حسين في الكويت
انتهى اللقاء بعد ذلك وجاء يوم (17 كانون الثاني 1991) لتبدأ حرب تحرير الكويت التي ابتدأت بقصف لمدة (40) يوما تقريباً.. ومن ثم بدأت الحرب البرية والتي كان في وقتها اللواء (66) متخندقا في الكويت.. ولم تؤثر الهجمات الجوية على قابلية هذا اللواء للقتال.. كما لم تؤثر ايضا على بقية قوات الجيش العراقي نظرا للتخندق الذي اتبعه الجيش.. الذي كان فيه حتى الدبابات والمدافع موضوعة في خنادق ولا يظهر منها إلا السبطانات. لكن المفاجأة جاءت بعد (72) ساعة من ابتداء الحرب البرية حيث قام (صدام) وتحديدا يوم (25 شباط 1991) بإعلان بيان على الراديو يطلب فيه من الجيش العراقي الانسحاب من الكويت هذا البيان اثار فوضى في صفوف الجيش العراقي فقسم منهم انسحب تنفيذا لهذا الامر والذين انسحبوا اصبحوا في وضع مكشوف ووسط قصف جوي كثيف اصبحوا هدفا سهلا للاصطياد من قبل الطائرات وقسم منهم قرر البقاء والقتال حتى النهاية لان (صدام) قال لهم مسبقا ان موضوع الانسحاب لن اطلبه منكم ابدا ومن ضمن الذين قرروا البقاء هو اللواء (بارق) حيث قال ان قواته لم تتأثر بالغارات الجوية خلال حملة القصف السابقة وهو قادر على القتال لفترة طويلة جدا، ولكن عند خروجه للقتال وجد ان معظم القوات الاخرى للجيش العراقي قد انسحبت ولم يبق الكثير لإسناده مما وضعه في وضع مرتبك وما كان امامه الا الدخول في مواجهة بسيطة مع قوات العدو ادت الى ابادة ثلثين تقريبا من قواته مما حدى به الى الانسحاب الذي كان بمرتبة الهزيمة التي كان مجبراً عليها ولم يكن متعودا عليها وعاد الى بغداد وكانت نفسيته منكسرة واعصابه منهارة مما جعله يعتكف في بيته لعدة ايام وهو يتذكر ما حل بلوائه وبالجيش العراقي كله. بعد ذلك بفترة وجيزة جاءه طلب استدعاء من قبل (صدام حسين) يطلب فيه مقابلته في القصر الجمهوري واعتقد حينها أهل (بارق) بانه سوف يتم ترقيته الى قائد فيلق نظراً لشجاعته في المحافظة على ما تبقى من لوائه. ذهب (بارق) الى (صدام) وقابله فقال له الاخير:
لواء بارق لماذا لم تنسحب عندما طلبت منكم الانسحاب؟
رد عليه اللواء (بارق): سيدي أنتم قبل الحرب قلتم لنا إذا طلبت منكم الانسحاب فهذا شخص يقلد صوتي فلا تنسحبوا ثم بعد ذلك طلبت منا على الراديو ان ننسحب فلم اعرف اي الامرين انفذ الامر الاول او الامر الثاني؟
طبعا هذا الكلام اعتبره صدام استهزاءً به لأنه اعتبر قصد (بارق) بانه رجل لا يلتزم بكلمته وحدثت مشادة بسيطة بالكلام بعد ذلك ثم قال صدام له: ايها الجبان تترك جنودك وتنسحب؟
فعند ذلك ثارت اعصاب (بارق) الى الحد الذي لم يستطع فيه التحكم بأعصابه وهو كان معروف عنه العصبية الشديدة فرد علىٰ صدام قائلاً: انا جبان؟ انا كل الشعب العراقي يعرف شجاعتي، ولكن ماذا تقول عن الذي يقول كلمة ويتراجع عنها؟
عند ذاك أخرج صدام مسدسه وأطلق على (بارق) اطلاقة واحدة خلف اذنه فارق الحياة على أثرها في الحال. وفي مقال للقاضي (منير حداد) نشر في موقع (الحوار المتمدن) بتاريخ (11/10/2024) يذكر فيه تفاصيل احداث اعدام (بارق) بنفس التفاصيل التي اوردها (علي حسين) في مقاله السابق، هناك ادعاءات أخرى لترجيح أسباب قتل اللواء الركن (بارق) و (عصمت) من قبل (صدام) منها تذمرهما وانتقادهما للسلوك الفاشل الذي مارسه المذكور في إدارة هذه الحرب وما لحق بالجيش العراقي من هزيمة منكرة وادعـــاء آخــــر للفريق (نزار الخزرجي) لا اميل الى تصديقه ألا وهو وجود اتفاق بين القائدين (عصمت و بارق) للقيام بانقلاب عسكري وتغير نظام الحكم وإزاحة (صدام حسين) وشلتهِ.
الفريق اول الركن نزار الخزرجي
وأخيرا نطالع ما ورد في موقع كتابات بتاريخ (3/10/2024) حيث ورد فيه من انه بعد انسحاب الجيش العراقي من الكويت تزامن معه اندلاع الانتفاضة الشعبانية في اوائل (آذار 1991) في الجنوب والفرات الأوسط. كانت نيَّة ورغبة وحماس اللواء (بارق) الاشتراك في تلك الانتفاضة ضد نظام (صدام حسين).
وقد أرسل اللواء (بارق) أثناء عودته أو انسحابه من الكويت أحد أفراد حمايته إلى القائد العام للانتفاضة الشعبانية – (أبو القاسم الخوئي) بالنجف ينقل رسالة للخوئي برغبة قائده اللواء (بارق) أن يلتحق فوراً بالانتفاضة بـَيدَ أن (محمد تقي الخوئي) الناطق باسم أبيه وحامل ختمه لم يستجيب لمشاركة اللواء (بارق) في الانتفاضة. ممّا وضع اللواء (بارق) في وضع حساس وخطير وحرج وقد تسبَّبَ في إعدامه مِن قِبل (صدام حسين) شخصيّاً. كما ويقال بأن (محمد تقي الخوئي) وقد أرسل إعلان وبشرىٰ لتذاع من مأذنة صحن الإمام علي (ع) بإطلاق البشرى للمواطنين وثوار الانتفاضة بأن اللواء الركن (بارق عبد الله الحنطة) قد التحق للمشاركة بالانتفاضة وقد تكرر إذاعة الإعلان لعدة مرات وفرحت الجماهير مـــــع إذاعـــة الإعلان وارتفعت أصواتهم بالصلوات علــى محمد وآل محمد.
محمد تقي الخوئي
لكن اللواء (بارق) لم يلتحق بالاِنتفاضة ولـــــم يأتي للنجف ويقال بـــــأن (صدام حسين) سمع بعزم اللواء (بارق) ونيته بالالتحاق لقيادة الانتفاضة بالنجف فأصبح (بارق) مُراقب وشبه مُعتقل ومُحاصر من حيث يدري أو لا يدري. وهناك اقوال رافقت هذا الكلام فمنهم من يدعي بأن حماية (بارق) حامل الرسالة قد أخبر (صدام حسين) بطريقة ما قبل إيصال الرسالة الى المرجع (الخوئي) وهناك ادعاء آخر يفيد بأن (بارق) لم يكن على علم ودراية بهذه الحكاية وهي مجرد فكرة صيغت من قبل (محمد تقي الخوئي) من اجل عزل هذا القائد العسكري وقطع علاقته مع (صدام حسين) وهذا ما جرىٰ ونحن نعود لنعول على الحكاية الاولىٰ وصاحبها الفريق الأول الركن (علي غيدان) لنصيبها الوافر من الصدق والتصور الحقيقي والاحتمالات الأخرىٰ ضعيفة ويصعب تصديقها ولو كانت فعلا موجودة لصرح بها (صدام حسين) عند محاسبته لـ (بارق) وجماعته وهو المعروف عنه (گباحته) وجديته وصراحته وصرامته حيـــث اكتفى باتهامه وجماعته بانهم (القادة اللي تسببوا بنكبة ام المعارك وتعاونوا مع صفحة الغدر والخيانة) وهي تهمة ما بعدها تهمة من حيث فضاعتها في قاموس (صدام حسين) وتخوله في اتخاذ ما يروق له ويرغبه من إجراءات بحق خصومه المفترضين. بهذا السرد الطويل للسيرة الذاتية لــ (بارق عبد الله الحاج حنطة) ومسيرته الوظيفية ضمن الجيش العراقي ودوره في الحروب التي خاضها ضمن هذا الجيش وبمختلف الرتب والمناصب وحصوله على الكثير من انواط الشجاعة والاوسمــــة والنياشين التي منحت لــه مـن قـــائده الأعلىٰ (صدام حسين)
اللواء الـركــــن بـــارق عبد الله الحاج حنطة وهـو يحــمل كــل هذه الانواط والاوسمة والنياشين
غير انها لم تشفع له عنده لتخلصه ومن معه من غضبه على اثر (الجدحة) الانية في طبيعته التي انتابته وقراراته مرهونة بمزاجه الشخصي وبالتالي من عقوبة الموت المهينة والتي أسبابها واسرارها لازالت ضمن صيغة التكهنات المعتمدة على التأويل والتحليل ضمن مجرىٰ الوقائع المعاصرة لأحداثها وهذا شأن معظم الاحداث التي جرت في الحقبة الزمنية المذكورة التي اتصفت بالغموض وعدم الشفافية في الإجراءات المصاحبة للتصفيات السياسية التي وقعت للسياسيين والعسكريين العراقيين كما جرىٰ علىٰ سبيل المثال وليس الحصر (فاضل البراك، عبدالكريم الشيخلي، احمد حسن البكر، حردان التكريتي، محمد عايش وجماعته، فؤاد الركابي،...الخ). بعد القضاء على نظام (صدام حسين) في عام (2003) من قبل قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة وما اعقبها كثر الكلام عن اللواء الركن (بارق عبد الله الحاج حنطة) في جوانب إيجابية وسلبية من حياته ومسيرته العسكرية ضمن القادة الذين يشار إليهم بالبنان وكلمات الاطراء والمديح التي قيلت بحقه كثيرة فهو في نظرهم (شجاع، غیور، شهم، المعي، جرىء، بطل العراق، بطل القادسیة، مغوار) ويقول احد المداحين (كان يكرهه قصي وحسين كامل لانه لم يطاطأ رأسه لهما ولا يقول لهما سيدي لانه شيعي) كل كلمات الاطراء والذم تندرج في سياق المثل البغدادي الدارج (حب واحجي واكره واحجي) وهنا نود التأكيد علىٰ عدم جواز اقتران سمات الشجاعة والبطولة والشهامة عند نفس الانسان مع سمات الغدر والعنف والظلم، وبعد أن انتهينا من الحديث عن الجوانب الملمة بهذه الشخصية وبشكل اجمالي وشامل قدر المستطاع يحق لنا ان نتسائل ان كان مداحوا اللواء الركن (بارق عبد الله الحاج حنطة) بطل القادسية:
هل هم صداميون وكان قاتله (صدام) صانع القادسية نفسه.
أم هم من مناوئي (صدام) وكان هو من المقربين له والمحظوظين عنده.
اترك الإجابة على هذا التساؤل للقراء الأعزاء، الظاهر ازهاق روحه من قبل (صدام حسين) بسبب أحد الأسباب او أكثر من سبب من التي ذكرناها الا أن الحقيقة هي عقاب الله جلت وعلت قدرته لهذا الرجل بسبب ما اقترفه من جرائم بحق العراقيين الكرد او الكويتيين في نفسهم او مالهم (وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى) الآية الكريمة (17 – الانفال)، ارجوا ان ينال مقالي هذا رضىٰ واستحسان القراء الاعزاء واترككم في رعاية الله وحفظه وانا اردد " رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا".
842 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع