اختيار العروس في العراق والمعادلة "الفاشنستانية".. عمليات "التجميل" تثير جنون الشباب

شفق نيوز/ لم تكن عليا، وهي شابة من مدينة الحلة مركز محافظة بابل، تبلغ من العمر 28 عاماً، جميلة وذكية، وتقدم لخطبتها الكثير من الشباب، تتوقع أن تكون طلبات الخطوبة تلك، مصدر معاناة لها ونقص في الثقة، لأن أغلب أولئك الخاطفين كانوا يبحثون عن زوجة تتمتع بمظهر خارجي يشبه ما يظهر في مواقع التواصل من عمليات التجميل والنحت وغيرها. ، دون اهتمام بصفاتها الداخلية.

وتتساءل عليا، خلال حديثها لوكالة شفق نيوز، إذا ما كان عدم إجراء عمليات التجميل السبب في مشاكلها في العثور على زوج واستعادة ثقتها بنفسها، لكنها بعد فترة من البحث والتفكير، قررت أن تتوقف عن البحث عن الجمال بناءً على معايير الآخرين، وأن تجد الرجل الذي يتقبلها كما هي ويعرف قيمتها الداخلية بلا عمليات التجميل.

وتؤكد عليا، أن الثقة بالنفس والقبول الذاتي هما المفتاحين للعثور على السعادة والرجل الحقيقي، أما عمليات التجميل فهي قد تكون أداة لتحسين المظهر الخارجي وتثير إعجاب الشباب أكثر بالنساء، ولكنها لا تحل مشاكل الثقة بالنفس أو القبول الذاتي.

مواصفات معقدة

وهذا ما تذهب إليه أيضاً الناشطة النسوية، رقية سلمان، حيث توضح، أن "مفاهيم الزواج اختلفت بعض الشيء عما كان سائداً في السابق، حيث إن الانفتاح الإلكتروني للشباب والشابات جعلهم يبحثون عن مواصفات معقدة".

وتضيف سلمان لوكالة شفق نيوز، أن "بعض الشابات لا يقبلن بشاب لا يملك سيارة فاخرة على سبيل المثال، كما أن بعض الشباب يرغبون بفتيات تشبه ما يظهر على مواقع التواصل من مواصفات نتيجة عمليات التجميل، وهذا ما يلاحظ بالخطب التقليدية".

وتبين سلمان، أن "بعض الشباب ليس وحده من يبحث عن البنت بمواصفات من يخضعن لعمليات التجميل، بل حتى عندما يرسل الشاب والدته للخطبة، فهي تقارن أيضاً بين البنت مع ما يظهر في مواقع التواصل من فنانات وبلوكرات وفاشينيستات وغيرهن من اللواتي يقمن بعمليات التجميل لوجوههن وأجسامهن".

وتشير إلى أنه "في بعض حالات الخطب التقليدية التي لا يكون الشاب قد رأى الفتاة لكنه أبلغ والدته مسبقاً بالمواصفات التي يرغب فيها، تقول والدته لعائلة البنت، إن "الفتاة ليست بالمواصفات التي يريدها ابني".

مفاهيم اختيار العروس

وهذا ما تؤكد عليه أيضاً الأستاذة في جامعة بغداد، إسراء نجم، بأن مفاهيم اختيار العروس في العراق تغيرت بشكل ملحوظ نتيجة انتشار عمليات التجميل ونحت الجسم، لكنها ليست العامل الوحيد الذي يؤثر على معايير الاختيار.

وتوضح نجم لوكالة شفق نيوز، أنه "في العقود الماضية، كانت معايير الجمال في الزواج تعتمد بشكل أساسي على الصفات الطبيعية، مثل الملامح الوراثية والجمال الفطري، بالإضافة إلى الاعتبارات الاجتماعية والثقافية، مثل السمعة، والأخلاق، والعائلة".

وتضيف: "لكن اليوم، مع التطور الكبير في مجال التجميل، أصبح هناك توجه متزايد لدى بعض الشباب نحو البحث عن "الجمال المثالي" وفق معايير حديثة مستوحاة من وسائل التواصل الاجتماعي والمشاهير، وهذا لا يعني أن القيم التقليدية اختفت تماماً، لكنها أصبحت مزيجاً بين الجمال الطبيعي والمعايير العصرية المدعومة بالتجميل".

وتتابع: "لكن في المقابل، لا تزال فئات واسعة من المجتمع العراقي تعطي الأولوية لمعايير أخرى مثل الأخلاق، المستوى التعليمي، والقدرة على بناء أسرة متماسكة، كما أن هناك جدلاً حول مدى استدامة الجمال الناتج عن العمليات التجميلية، وما إذا كان يؤثر على القرارات طويلة المدى في الزواج".

وتبين، نجم، أنه "إجمالاً، يمكن القول إن عمليات التجميل أحدثت تغييراً في بعض التفضيلات، لكنها لم تلغِ العوامل الاجتماعية والثقافية الراسخة في عملية اختيار العروس".

تأثير مواقع التواصل

وعن تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على عزوف الشباب عن الزواج وصعوبة اختيار العروس، تقول نجم، إن "مواقع التواصل الاجتماعي لعبت دوراً كبيراً في تشكيل مفاهيم الشباب حول الزواج، وساهمت في عزوف البعض عنه، كما زادت من تعقيد عملية اختيار الشريك المناسب".

وتلخص نجم هذا التأثير في عدة جوانب، أولها "رفع معايير التوقعات والمقارنة المستمرة، حيث إن مواقع التواصل الاجتماعي تعرض صوراً مثالية للعلاقات والزواج، مما يجعل الشباب يقارنون واقعهم بهذه النماذج المثالية".

وتوضح، أن "هذا يؤدي إلى رفع سقف التوقعات سواء من ناحية المظهر، أو نمط الحياة، أو حتى العلاقات العاطفية، ما يجعلهم يشعرون بعدم الرضا عن الخيارات المتاحة في محيطهم الواقعي".

وعن التأثير الآخر لمواقع التواصل الاجتماعي بحسب نجم: "هو تضخم معايير الجمال بسبب الفلاتر وعمليات التجميل، حيث إن التأثير البصري القوي لصور المشاهير والمؤثرين، المدعومة بالفلاتر وعمليات التجميل، جعل بعض الشباب يبحثون عن مواصفات جمالية غير واقعية في العروس، مما يصعب عملية الاختيار، خاصة وأن المعايير أصبحت أكثر سطحية وأقل ارتباطاً بجوانب الشخصية والقيم الأخلاقية".

ولفتت نجم إلى أن "توفر بدائل وهمية وتأخير قرار الزواج تأثير آخر لمواقع التواصل"، وتبين، أن "سهولة التعارف عبر الإنترنت وتعدد الخيارات التي تتيحها مواقع التواصل جعلت بعض الشباب غير مستعجلين في اتخاذ قرار الزواج، إذ يشعرون أن لديهم دائماً فرصة لإيجاد شخص "أفضل"، مما يؤدي إلى التسويف والتردد في اتخاذ خطوة جدية".

وتابعت بالقول: "كما أن انتشار ثقافة الخوف من الفشل والطلاق وتزايد قصص الطلاق والخيانة على مواقع التواصل الاجتماعي ساهم في خلق حالة من القلق والخوف لدى الشباب من الالتزام بعلاقة طويلة الأمد، خصوصاً مع انتشار القصص السلبية والتجارب الفاشلة التي يتم تداولها بشكل واسع".

وأشارت إلى أنه "يرافق ذلك تأثير العوامل الاقتصادية والمادية، من مقاطع الفيديو والمنشورات التي تعرض حفلات الزواج الفاخرة وحياة الأزواج المثالية جعلت بعض الشباب يشعرون بأن الزواج يتطلب مستوى معيشياً مرتفعاً قد يكون خارج إمكانياتهم، مما يؤدي إلى تأجيل الزواج أو العزوف عنه خوفاً من عدم القدرة على تلبية هذه المتطلبات".

وتكمل: "بالإضافة إلى ضعف التواصل الواقعي وتراجع مهارات الارتباط الاجتماعي والاعتماد الزائد على التواصل الرقمي قلل من فرص التفاعل الواقعي بين الجنسين في الإطار الاجتماعي المناسب، ما جعل الشباب أقل قدرة على بناء علاقات جدية ومستقرة تؤدي إلى الزواج".

وخلصت نجم إلى القول، إن "مواقع التواصل الاجتماعي ساهمت في تعقيد اختيار العروس من خلال رفع سقف التوقعات، وتعزيز المعايير غير الواقعية، وإعطاء الشباب شعوراً بوجود خيارات لا محدودة، مما أدى إلى عزوف البعض عن الزواج أو تأخيره".

وختمت نجم قائلة: "في المقابل، لا يزال هناك وعي متزايد حول أهمية التوازن بين الواقع والتأثيرات الرقمية، مما قد يساعد في إعادة ضبط التوقعات وتعزيز الارتباطات العاطفية الحقيقية".

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1010 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع