العراق .. احتدام أزمة السيطرة على الحشد ومستقبل الفياض

 الفياض سيحال على التقاعد في حال أقر مشروع القانون بصيغته الحالية.

الحرة:تثير قضية السيطرة على هيئة الحشد الشعبي في العراق وإحالة رئيسها، فالح الفياض، إلى التقاعد، انقسامًا داخل البيت الشيعي، يتجسد في صراع على بنود مشروع قانون "الخدمة والتقاعد للحشد الشعبي".

والخلاف الأبرز يتمثل في إعادة هيكلة الحشد وتحديد سن التقاعد لقادة الحشد، لا سيما الفياض، الذي، وفي حال أُقر القانون، سيُحال إلى التقاعد بسبب تجاوزه السن القانوني.

المالكي-الخزعلي في مواجهة الحكيم-العامري

وتتنازع الكتل الشيعية في البرلمان على تمرير القانون، الذي جرت قراءته الأولى والثانية قبل أيام، لكن الخلافات بشأن فقرة تحديد سن التقاعد قد حالت دون إقرار القانون حتى الآن.

وتنقسم الكتل الشيعية إلى فريقين، الأول يدفع لتمرير القانون بصيغته الحالية، ويقوده نوري المالكي، الذي يتزعم ائتلاف دولة القانون، وقيس الخزعلي، زعيم ميليشيا عصائب أهل الحق.
أما الفريق الثاني، فيضم تيار الحكمة بقيادة عمار الحكيم، ومنظمة بدر بقيادة هادي العامري، وحيدر العبادي، الذي يترأس تيار النصر، ويرى أنه يجب التريث في إقرار القانون إلى حين إيجاد مخرج قانوني للإبقاء على قادة الحشد الذين سيُحالون إلى التقاعد بمجرد إقراره.

وشهدت الأيام الماضية اجتماعات مكثفة بين قادة الكتل المنضوية تحت الإطار التنسيقي الشيعي، بغية إيجاد حل لهذه المعضلة القانونية، وفق النائب شيروان الدوبرداني.

وقال الدوبرداني لموقع "الحرة" إن الكتل الشيعية قد توصلت إلى اتفاق يمنح رئيس الوزراء، باعتباره القائد العام للقوات المسلحة، صلاحيات تمديد سن التقاعد للفياض وقادة آخرين لمدة تصل إلى خمس سنوات.

صراع الاستحواذ على الحشد
وأشار إلى وجود "أبعاد سياسية" وراء الخلاف حول هذا القانون، تتعلق "بالاستحواذ" على رئاسة الحشد الشعبي، لأن الهيئة أصبحت من المؤسسات الكبيرة الفاعلة، على اعتبار أنها تضم زهاء 250 ألف منتسب.

وتشكل الحشد الشعبي بعد فتوى من المرجعية الشيعية في العراق، علي السيستاني، عام 2014، بعد سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على مناطق واسعة في العراق.

وشاركت فصائل الحشد الشعبي في المعارك التي خاضها الجيش العراقي مع قوات التحالف الدولي لدحر تنظيم داعش.

وفي عام 2016، تم إقرار قانون خاص بالحشد الشعبي من قبل مجلس النواب العراقي.

ورغم هزيمة داعش، تضاعف عدد المنتسبين إلى الحشد، بحسب تقرير لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، حيث وصل إلى 204 آلاف منتسب عام 2023.

ورأى مدير مركز بغداد للتنمية القانونية والاقتصادية، علي مهدي، أن الحشد الشعبي قد أدى دوره في الحرب على داعش.

ويستطرد قائلًا: "لكن الكثير من قادة الحشد تدخلوا في الحياة السياسية وفي شؤون المؤسسات الخدمية" بعد هزيمة داعش، ووصل بهم الحال إلى "التغول" على المواطنين والتجاوز عليهم داخل مؤسسات الدولة، إذ "سُجلت شكاوى ضدهم" في هذا الإطار.

وقال مهدي لموقع "الحرة" إن الحشد الشعبي لم يعد قوة أمنية بقدر ما هو امتداد سياسي يتحكم في الحياة السياسية العراقية، مؤكدًا أهمية إعادة النظر في هذه الهيئة، كونها تؤثر على "الحياة السياسية" العراقية، وهي قوة ذات نزعة طائفية.

وذكر أن هيئة الحشد أصبحت "قوة تصويتية كبيرة" في الانتخابات، وتستطيع الحصول على أكثر من "عشرين مقعدًا" في مجلس النواب العراقي.

ويعد هذا العامل من أبرز الأسباب التي تدفع الكتل الشيعية للتصارع "للاستحواذ" على المراكز القيادية في الحشد، خاصة مع قرب الانتخابات البرلمانية، وفق ما أضاف مدير مركز بغداد للتنمية القانونية والاقتصادية.

في المقابل، أشار رئيس كتلة الآمال النيابية، ياسر الحسيني، إلى أن قانون الحشد يُعد مثل أي قانون أمني آخر، ليس عليه أي إشكال سياسي.

ودعا إلى "عدم التجاوز" على القانون والإبقاء عليه كما هو، والاستفادة من تلك القيادات عن طريق توظيفهم "كمستشارين" داخل مؤسسة الحشد أو أي مؤسسة أمنية أخرى.

وقال الحسيني لموقع "الحرة" إن أهمية إقرار هذا القانون تكمن في أن هيئة الحشد من الهيئات الرسمية، وهذا القانون سيوفر لهم "تكيفًا إداريًا"، خاصة للقادة، لأن الكثير منهم وصلوا إلى السن القانوني المشمول بالتقاعد، ولم يتم إحالتهم إلى التقاعد.

ولفت الحسيني إلى أن الكتل المختلفة توصلت إلى اتفاق لتمرير هذا القانون مع قانونين جدليين في سلة واحدة، وهما قانون النفط والغاز، الذي يعالج قضية تصدير نفط إقليم كردستان، وقانون المساءلة والعدالة، الذي قدمته الكتل السنية.

ويرى أن التصويت في سلة واحدة ليس "تشريعًا" للقوانين، وإنما هو "تمرير" لها، وعَدَّه أمرًا "مستهجنًا"، لأنه بعيد كل البعد عن الآلية القانونية لتشريع القوانين، بحسب تعبيره.

وقال الحسيني إن التصويت في سلة واحدة لا يخدم الواقع العراقي، وإنما سيزيد من الأزمات داخل البلاد، مشيرًا إلى الأزمة التي نجمت عن إقرار قوانين العفو العام والأحوال الشخصية واسترداد الأراضي قبل أسابيع.

وحذر من تبعات إقرار القانونين في سلة واحدة وفق الآلية السابقة، مشيرًا إلى أن قانون الحشد الشعبي ليس عليه خلاف، وأغلب الكتل السياسية توافق عليه، ويمكن تشريعه وفق الآليات التشريعية المتبعة في مجلس النواب.

وانتقد الحسيني أداء مجلس النواب "بتشكيلته الحالية"، معتبرًا أنه يقر القوانين التي تريدها الكتل السياسية.

وأوضح أن رئيس مجلس النواب لا يتعامل مع النواب في عملية التصويت، وإنما يتعامل مع رؤساء الكتل السياسية.

فرئيس مجلس النواب، بحسب تعبير الحسيني، "ينظر إلى رؤساء الكتل الذين يرفعون أيديهم عند التصويت، ويكون تصويته تصويتًا عن جميع أعضاء كتلته".

ضبط عمل الفصائل
وذكر النائب عارف الحمامي، لموقع "الحرة"، أن الكتل الشيعية توصلت إلى اتفاق بشأن النقاط الخلافية في هذا القانون.

وأشار إلى بقاء نقطة خلافية واحدة، وهي قضية "السن القانوني"، مؤكدًا أن كتلتهم، دولة القانون، "مُصِرَّة على الإبقاء على تلك الفقرة كما هي، وأن العمر يجب أن يبقى محددًا".

تقاعد الفياض
وتشير تلك الفقرة الخلافية إلى أن كل من يبلغ عمره 60 عامًا سيُحال إلى التقاعد، وهذا من شأنه أن يُحيل عددًا كبيرًا من قادة هيئة الحشد إلى التقاعد، من ضمنهم الفياض، الذي تجاوز الستين عامًا، بحسب الحمامي.

وذكر الحمامي، وهو من كتلة دولة القانون التي يتزعمها المالكي، أن تشريع هذا القانون سيضمن حقوق الأفراد المنتسبين لهذه المؤسسة، بحيث "لا يؤثر عليهم أشخاص يتحكمون بوجودهم داخل الحشد أو إخراجهم منه بحسب مزاجهم، شأنهم شأن أي شخص آخر منتسب لمؤسسات الدولة".

وبيَّن أن هذا القانون من شأنه تنظيم كل المشمولين به، سواء على مستوى "الأفراد" أو على مستوى "الفصائل العسكرية"، قائلًا: "سيؤدي القانون إلى ضبط الفصائل غير المنضبطة أيضًا".

ويضم الحشد الشعبي نحو 70 فصيلًا، تنضوي تحتها جميع المكونات الدينية والقومية والمذهبية الموجودة في العراق، لكن يغلب عليها الطابع الشيعي والتبعية الإيرانية.

إقرار هذا القانون قد يثير أزمات داخلية وخارجية، لا سيما على صعيد علاقات العراق مع محيطه الإقليمي وعلاقاته الدولية، وخاصة الولايات المتحدة، لأنه تشكيل أمني "شيعي"، وليس تشكيلًا أمنيًا وطنيًا، بحسب قول الخبير الأمني العميد أحمد الشريفي.

تداعيات التبعية لإيران
وقال الشريفي، لموقع "الحرة"، إن الحشد يتأثر بفصائله التي تتبع إيران، والتي استخدمته ورقة ضغط ضد القوات والمصالح الأميركية في العراق، لذا فإن إقرار هذا القانون من شأنه أن يرسخ وجود تلك الفصائل العسكرية غير الموالية للعراق داخل المنظومة الإدارية للبلاد.

وانتقد الشريفي نص قانون تقاعد الحشد الشعبي، الذي يتضمن وجود شخصية "المبلّغ الديني"، قائلًا إنه لا ينبغي إدراجها ضمن هذا القانون المتعلق بشريحة أمنية، لأنها ستثير الكثير من المشاكل "التقنية" مستقبلًا، إذ إن المنتمين إلى هيئة الحشد الشعبي ينتمون إلى أديان ومذاهب مختلفة.

وأوضح أن ثمة فصائل "مسيحية" كلواء "بابليون"، الذي يتزعمه ريان الكلداني، وفصائل "إيزيدية" في سنجار، و"صابئة مندائية"، و"سُنة" أيضًا، فهؤلاء جميعًا سيطالبون بمبلّغ ديني خاص بهم، بحسب قول الشريفي.

ولفت إلى وجود مفردة "مجاهد"، التي وردت ضمن عنوان هذا القانون ونصه، ويرى أنها ستؤدي إلى مشاكل مستقبلية، لأنها غير مستخدمة في المؤسسات الأمنية العراقية.

وأشار الشريفي إلى أن تبعية هيئة الحشد لوزارة الدفاع تفرض عليها أن تكون هيئة "احترافية"، وليست "عقائدية".

وبيّن أن ما ينطبق على المقاتل لا يسري على المجاهد، لأن المقاتل له حقوق وواجبات وسن قانوني يتقاعد فيه، أما المجاهد فلديه "نوع من القدسية"، وهو لا يتأثر بالزمن، ويقولون: "سنبقى إلى أن نطعن في السن"، بحسب تعبير الشريفي.

وكان عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية، علي البلداوي، قد ذكر أنه في حال أُقرَّ مشروع قانون الحشد بصيغته الحالية، فإنه سيؤدي إلى إحالة نحو 400 من قادته إلى التقاعد، مما سيؤدي إلى فراغ يصعب تعويضه بسرعة.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

982 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع