حفاوة بانتظار النتائج المستقبلية
العرب/باريس – وضع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على طاولة لقائه بالرئيس السوري أحمد الشرع ملف الأكراد وضرورة تأمين مصالحهم في مرحلة الحكم الجديدة، في رسالة واضحة بأن باريس لن تسمح بأيّ تغييرات في سوريا لا تأخذ في الاعتبار دور الأكراد.
وتريد فرنسا توظيف التركيز الإعلامي والدبلوماسي الدولي على زيارة الشرع، كونها الزيارة الأولى إلى بلد غربي، للحصول على تعهد علني من الرئيس السوري بحماية حقوق الأكراد، وعدم تهميشهم وخاصة عدم مواجهتهم عسكريا تنفيذا لمصالح حليفته تركيا.
وقال ماكرون “لن نترك الأكراد السوريين دون دعم ونحن مدينون لهم بالولاء،” في إشارة إلى الدور الذي قاموا به في مواجهة تنظيم داعش في مرحلة أولى ثم استقبال الآلاف من رعايا التنظيم، بمن فيهم الغربيون، على الأراضي الكردية رغم المخاطر الأمنية المحدقة بهذا الدور المعقد.
فرنسا تريد توظيف التركيز الإعلامي والدبلوماسي على الزيارة للحصول على تعهد علني من الشرع بحماية حقوق الأكراد
وعلى مدى الأشهر القليلة الماضية، لعبت فرنسا دور الوسيط بين الشرع والأكراد في وقت بدأت فيه الولايات المتحدة تقليص وجودها ومع تطلع الرئيس السوري لإعادة المنطقة إلى سيطرة دمشق المركزية.
ولم يخف الرئيس الفرنسي، في المؤتمر الصحفي المشترك مع الرئيس السوري الأربعاء، أنه يحاول “إقناع الولايات المتحدة بتأجيل انسحاب قواتها من سوريا.”
وقال ماكرون إن “من مصلحة الجميع اليوم، بما في ذلك مصلحة الأميركيين، التحرك لمرافقتنا في رفع العقوبات عن الشعب السوري،” و”تأخير انسحاب هذه القوات من سوريا قدر الإمكان.”
والهدف واضح من وراء ذلك السعي، وهو الاستمرار في شكل ورقة قوية بيد الأكراد تمنعهم من أيّ مغامرة سواء من دمشق أو من تركيا.
ولا تريد فرنسا التسليم بانفراد تركيا بسوريا، لاعتبارات تاريخية تعود إلى علاقتها بسوريا، ولأن فرنسا ما زالت تعمل على الحد من طموح أنقرة للتمدد الإقليمي، وكانت قد عارضت دورها في ليبيا واليونان وقبرص وأذربيجان، في وقت يعمل فيه الأتراك على التمدد في مجال الإرث الاستعماري الفرنسي في أفريقيا من خلال علاقات متطورة مع بلدان مثل مالي والنيجر.
لكن الشرع لم يطلق أيّ تعهدات بشأن الأكراد ولا بشأن العلويين أو الدروز، واكتفى بالتركيز على ضرورة رفع العقوبات الأوروبية، معتبرا أن استمرارها لم يعد “مبررا” بعد سقوط حكم الرئيس السابق بشار الأسد.
وقال الشرع “هذه العقوبات وضعت على النظام السابق بسبب الجرائم التي ارتكبها وقد زال هذا النظام، وزوال النظام يجب أن تزول معه هذه العقوبات، وليس هناك أيّ مبرر لبقاء العقوبات،” مؤكدا في الوقت عينه أن “سلامة المواطنين السوريين هي أولويتنا القصوى، وقد أكدنا ذلك للرئيس ماكرون اليوم،” بعدما كان الأخير دعاه إلى “ضمان حماية جميع السوريين من دون استثناء.”
وفي ظل الاهتمام الإعلامي الكبير، تشكل الزيارة دعما دبلوماسيا للشرع من دولة غربية مؤثرة، وفي ظل مؤشرات على تخفيف واشنطن لموقفها من دمشق.
وأفادت مصادر الأربعاء بأن الولايات المتحدة أعطت الضوء الأخضر لمبادرة قطرية لتمويل القطاع العام السوري، ما يتيح شريان حياة ماليا للحكومة السورية الجديدة في مسعاها لإعادة بناء دولة مزقها الصراع.
وبشأن الهدف من وراء الزيارة بالنسبة إلى باريس، قال وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو لقناة (تي.إف1) التلفزيونية الأربعاء “نحن لا نكتب شيكا على بياض، وسنحكم عليه بناء على أفعاله.”
وأضاف أن هدف باريس هو ضمان تركيز سوريا على مكافحة حصانة المسؤولين من المحاسبة على أعمال عنف طائفية بالإضافة إلى انخراطها الفعال في مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية.
وتابع قائلا “إذا انهارت سوريا اليوم، فسيكون ذلك بمثابة بسط سجادة حمراء لتنظيم الدولة الإسلامية.”
ورحبت فرنسا بسقوط الأسد وعززت علاقاتها بشكل متزايد مع السلطات الجديدة، وعقد ماكرون في الآونة الأخيرة اجتماعا ثلاثيا عبر رابط فيديو مع الشرع والرئيس اللبناني جوزيف عون، في إطار جهود لتخفيف التوتر على الحدود.
وعينت فرنسا الشهر الماضي قائما بالأعمال في دمشق مع فريق صغير من الدبلوماسيين في خطوة نحو إعادة فتح سفارتها بشكل كامل.
وتعتقد باريس أنها قادرة على أداء دور في سوريا، إذ قطعت علاقاتها مع الأسد في 2012 ورفضت بعدها استئناف العلاقات مع حكومته حتى بعد تعرض جماعات من المعارضة المسلحة لهزيمة نكراء وتركزهم في جيوب بشمال البلاد.
واعتادت فرنسا تقليديا على دعم معارضة يغلب عليها العلمانيون في المنفى وقوات كردية في شمال شرق سوريا، حيث لديها بالفعل قوات خاصة.
ومع تقدير البنك الدولي لتكاليف إعادة الإعمار في سوريا بأكثر من 250 مليار دولار، فإن الشرع في أمسّ الحاجة إلى تخفيف العقوبات لإنعاش اقتصاد منهك بعد حرب أهلية دامت 14 عاما. وخلال تلك الفترة، فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا عقوبات صارمة على حكومة الأسد.
ورفع الاتحاد الأوروبي بعض العقوبات، في حين من المقرر أن ينقضي أجل بعض العقوبات الأخرى التي تستهدف أفرادا وكيانات في الأول من يونيو.
وتأمل سوريا ألا يجدّد الاتحاد الأوروبي هذه الإجراءات. ويتطلب تجديدها موافقة جميع الدول الأعضاء وعددها 27، لكن بإمكان التكتل اللجوء إلى تجديد محدود أو شطب مؤسسات رئيسية مثل المصرف المركزي أو غيره من الكيانات الضرورية للتعافي الاقتصادي، بما يشمل مجالات الطاقة والبنية التحتية والتمويل.
وقال المسؤول في الرئاسة الفرنسية “إحدى القضايا الأساسية هي مسألة العقوبات الأميركية التي لا تزال تؤثر سلبا على قدرة السلطات الانتقالية على الدخول في مسألة إعادة الإعمار وجذب الاستثمارات الأجنبية.”
522 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع