صدر عن دار الأيام للصحافة والطباعة في الأردن الكتاب المعنون:
التفتيش في العراق عن اسلحة الدمار الشامل( دور لجان التفتيش و فرقها في تدمير العراق و التمهيد لاحتلاله)
شارك بأعداده كلاً من:
الدكتور همام عبد الخالق عبد الغفور
الدكتور جعفر ضياء جعفر
الدكتور نعمان سعد الدين النعيمي
الدكتور عبد الحليم ابراهيم الحجاج
المهندس حسام محمد أمين
السيد سرور ميرزا محمود
مضى ربع قرن على غزو القوات العراقية لدولة الكويت، كان إحتلال الكويت الخطأ الاستراتيجي الجسيم الذي أعطى الفرصة لتدمير العراق وعزله وحصاره، كان إحتلال الكويت في 2 آب/اغسطس 1990، الذي أدى إلى إصدار مجلس الأمن قرارات وأهمها القرار 687(1990) والذي صدر تحت الفصل السابع، وكذلك ما أعقبه من قرارات وفرض الحصار بموجبه ، وألزم الدول كافة بقطع علاقاتها ، السياسية والاقتصادية والثقافية، مع العراق، وسمح بإستخدام القوة لإجبار العراق على سحب قواته وإنهاء إحتلال الكويت. نشطت الولايات المتحدة ومارست شتى اساليب التضليل والخداع والوعد والوعيد للحيلولة دون التوصل الى حل سلمي لقضية الكويت ، وتفويت فرصة خططت لها منذ زمن بعيد ، فكان لها ماأرادت ، حيث شنت حرباً بدأتها يوم 16/1 وانهتها من جانب واحد يوم28 /2/1991. كانت نتيجة هذا العدوان تدمير العراق تدميراً شاملاً وصفه مارتي إحتساري مبعوث الامين العام للامم المتحدة في زيارته للعراق بعد تلك الحرب مباشرة بانه يشبه يوم القيامة.
فالعدوان استهدف صروحه العلمية و قواته العسكرية و بنيانه المتقدم و شعبه آلامن بحجة تحرير الكويت، حجة تخفي ورائها حقدا صهيونيا على كل بلد عربي متقدم. و لم تكتف قوى الشر من التدمير الكبير الذي الحقته بالعراق فآعقبته بحصار ظالم لم يشهد التاريخ المعاصر مثيله دام اكثر من اثني عشر عاما افقر البلد و اهله، و هم ذوي النعمة و اليسار. و تقرر عدم رفع الحصار ما لم يقتنع مجلس الامن بتنفيذ جميع شروط قراره 687 ( 1991) و آوكل حصول اقتناعه بما تتوصل اليه لجنة خاصة شكلها المجلس تعنى بالتحري عن الاسلحة الكيميائية و البايولوجية و البالستية و بما تنجزه الوكالة الدولية للطاقة الذرية من تدمير شامل لكل ما يمت بصله من قريب او بعيد بالبرنامج النووي العراقي لكي يعرف الجميع آنه لا يحق لاي دولة شرق اوسطية فيما عدا اسرائيل امتلاك الاسلحة الرادعة او ما تسمى اسلحة الدمار الشامل.
كنا و مازلنا نعمل في مجال العلم و التكنولوجيا و قدمنا ما مكننا الله تعالى للنهوض بالعلم و التكنولوجيا في العراق لقناعتنا ان تقدم الشعوب و تطورها لا ياتي الا من خلال ارساء قاعدة رصينة للعلم و التكنولوجيا، ومن خلال تآهيل مهنيين كفوئين و مهندسين متمرسين و علماء مفكرين، و نعلم يقينا ان المسار لابد و ان يستند الى المعين الذي تولد في العراق منذ بداية الحكم الوطني في عشرينيات القرن المنصرم لابل الى حضاراته منذ فجر التاريخ.
فلقد سعى المسؤولون منذ مطلع الحكم الوطني ، على الرغم من قلة الموارد المالية ، للتوسع في انشاء المدارس و تأسيس الكليات التخصصية و رفد الصناعة و الزراعة و الخدمات العامة بوسائل الفحص و التحليل و السيطرة النوعية و كذلك اعتماد الاسس العلمية في تقييم النجاحات و الاخفاقات .
و على اثر الزيادة الاولى للدخل الوطني مطلع الخمسينيات تأسس مجلس الاعمار فأضطلع بتنفيذ مشاريع عملاقة مثل السدود و الاسكان و طرق المواصلات و غيرها الكثير . و اثر الزيادة الثانية للدخل الوطني اوائل السبعينيات استحدثت طفرة نوعية في التصنيع و التعليم و البحث العلمي و التكنولوجي . و كان من احد ثمارها بناء مفاعل نووي لفحص المواد بمعونة تكنولوجية فرنسية و بعلم الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الا ان المفاعل تم تدميره بالكامل عشية تشغيله التجريبي في حزيران 1981 بغارة اسرائيلية حاقدة.
تقرر في اعقاب ذلك بناء جميع التكنولوجيات الجديدة بجهد ذاتي و بدون استحصال اي معونة من الخارج. و هكذا انبثق المشروع النووي العراقي و انشطة هيئة التصنيع العسكري . و كان اساس المشروع النووي اكتساب ناصية التكنولوجيا النووية و لاسيما دورة الوقود النووي و تسخيرها لاحقا لبناء مفاعلات القدرة الكهربائية. غير ان البرنامج تم تدميره و هو في اوج عطائه اثناء حرب عاصفة الصحراء عام 1991 . غير اننا نشعر بالفخر و الاعتزاز اذ نعلم ان المكسب الاهم لهذا البرنامج المؤود هو الارتقاء بالقدرات البشرية في العلم و التكنولوجيا و في اكتساب المهارات و توطين البنيات الساندة و امتلاك المعرفة و الخبرة في التصميم و التصنيع الميكانيكي و الالكتروني و الكيميائي .
فكانت تلك المسيرة رائدة و موفقة و منسجمة مع اراء الامام علي بن ابي طالب ( عليه السلام) اذ يقول : ان العلم افضل من المال لان العلم لا يندرس و لا يبلى و ينور القلب و يجعل صاحبه متواضعا ، بينما المال يندرس بمرور الزمن و يقسي القلب و يجعل صاحبه متكبرا. و ثمة سؤال وجيه وهو : هل العلم يهتم بألاكتشاف لغايته ام لحل المسائل الجوهرية التي تعاني منها البشرية في يومنا هذا؟ و لقد شغل هذا السؤال عقول المفكرين منذ أن نشأ العلم.
و قد يقول البعض ان تلك المرحلة قد انتهت و توجت بآحتلال العراق و تبين للمحتل عدم امتلاك العراق اسلحة دمار شامل حين احتلاله. و قد اتضح كل امر و نشرت العديد من الكتب و المقالات عن اسلحة الدمار الشامل في العراق ، فما الجديد في هذا الكتاب ؟؟
نقول اننا في الوقت الذي ندرك كل هذا نرى ان ذاكرة الزمن ضعيفة و ان من يريد كتابة تاريخ هذه الحقبة في المقبل من السنين آو العقود لن يجد غير روايات من كان لهم مصلحة تشويه الحقائق.
و حيث اننا و اخرين كنا من المعنيين الاساسيين بحيثيات تلك الفترة المظلمة، فجابهنا لجان التفتيش و فرقها و تجرعنا مرارة تعامل المفتشين مع العراق و العراقيين، نجد من واجبنا سرد الوقائع كما حدثت و ليس كما يدعي المغرضون، و قبل ان يغادرنا التاريخ ، على امل ان يكون هذا الكتاب نصيرا لمن يتصدى من المؤرخين لتلك المرحلة بالتدويين و التحليل. و غايتنا من سرد هذه الاحداث على كثرتها للوقوف علي طبيعتها لكي يتواصل بها الامس و اليوم مع المنتظر و المحتمل. فللحقيقة اربعة اركان و من واجبنا اعلامكم آحدها و عليكم التحري عن الثلاث الاخريات كما يقول كونفوشيوس. و تمر الحقيقة بثلاث مراحل ، يستهزآ بها اولا ثم تقاوم و اخيرا يتم تقبلها.
واستشهدنا بما صدر في سنوات لاحقة من كتب الفها أشخاص قادوا هاتين المؤسستين أو قادوا فرق التفتيش التابعة لهما فنذكر على سبيل المثال ضابط مخابرات البحرية الاميركية سكوت ريتر الذي نشر عام 1998 كتاباً بعنوان "العراق - سري للغاية"، و كتاب مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية الاسبق هانز بليكس المنشور بعنوان " نزع أسلحة العراق" ، و كتاب تشارلز دولفر بعنوان "البحث والأختباء" وغيرهم.
و على الرغم من محاولات هؤلاء الكتاب شرعنة لجان التفتيش و الدفاع عن اعمالها، وإلقاء كل اللوم على العراق لعدم تعاونه معها. غير ان كتبهم تطرقت الى قصور في اعمال اللجان و الى ثغرات حصلت سهواً سجلت ظد افراد مجهولين عملت ضمن لجان التفتيش.
و لاينكر أنّ كتاباً عرباً وأجانب تصدوا لأعمال فرق التفتيش و كتبوا عن ودورها في تدمير القاعدة الصناعية والدفاعية العسكرية في العراق، وإعطاء المبررات والتمهيد لإحتلال العراق عام 2003 ، لكن العالم لم يطلع على وثيقة متكاملة شاملة تسلط الضوء على حقيقة الدور الذي قامت به فرق التفتيش، كونها أداة فنية صاغتها وإستخدمتها الجهات التي استهدفت تدمير العراق وشرعنة استمرار العدوان عليه تمهيداً لإزالته من الوجود دولة وكياناً. لم يطلع شعب العراق والعرب والعالم على وثيقة كهذه كتبها أشخاص كانوا على رأس الجانب الفني العراقي الذي واجه فرق التفتيش ، وتعامل معها فنياً ، وإطلع على خبايا أعمالها.
و بسبب ذلك و لاجله أُعدَ هذا الكتاب ليوثق ما أمكن توثيقه قبل أن يرحل من تبقى منهم على قيد الحياة ، ويأتي جيل يتحمل مسؤولية و قيادة الوطن و النهوض به، و هو جيل لم يعايش أحداث تلك المرحلة، فتغيب عنه الحقائق و قد يتبنّا ما يريده الآخرون و يتصرّف بموجبها لعدم اطلاعه على الحقائق و الوقائع، ويبقى عالقاً في ذهنه بعض ما كتب هنا وهناك من مقتطفات وآراء، و عن دور المدراء التنفيذين للجنة الخاصة و هما ذراعي تنفيذ املاءات الجهات التي خططت لاحتلال العراق، فأناطا الدور التخريبي الى المفتشين الذين قضوا اثني عشر عاما يعيثون في بلاد الرافدين تخريبا و افسادا. كل ذلك جعلنا نعتمد العنوان التالي لكتابنا هذا.
فكرنا في العديد من العناوين التي يمكنها ان تبرز الامور الوصفية او السردية المتعلقة بنشاط لجان التفتيش و فرقها العديدة في العراق ولما اوكل اليها من مهام من منطق الاعداد لحرب غير متكافئة بين دول تعتمد عملا عسكريا و حربيا و بين العراق الذي تبنى فكرة النهوض من مستنقع التخلف بتوجه علمي و تكنولوجي . بينما المشكلات التي تكمن وراء فعل الغزو و الاحتلال هي ذات جوهر اقتصادي و جيوسياسي.
لاحظنا و نحن نتحاور في اختيار عنوان للكتاب انه لم ترتفع سوى اصوات قليلة لازاحة الستار عن الدور الذي لعبه مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية [ الدكتور محمد البرادعي] و عن دور المدراء التنفيذين للجنة الخاصة ودورهم التخريبي لتنفبذ أملاءات الجهات المخططة لاحتلال العراق.
هذا الكتاب هو محاولة لتوثيق تأريخي وتحليلي للدور الذي أنيطت بفرق التفتيش وممارساتها، وما قامت به تفصيلياً من تدمير للصناعة العراقية، وأرهاب العقول العلمية وشلها أو تجميدها، فهو يسلط الضوء على الدور الذي لعبه مديرا الوكالة الدولية للطاقة الذرية والمدراء التنفيذيون للجنة الخاصة ومن خلفهم أبرز المفتشين كونهم أذرعة تنفيذ أملاءات الجهات التي خططت لأحتلال العراق. جاب هؤلاء أرض الرافدين وعاثوا فيها تخريباً وأفساداً وقدموا الذرائع لحرب دامت أثني عشر عاماً ومهدوا الأرضية لأحتلال العراق.
كما يتضمن الكتاب أجراءات العراق الحثيثة لمجابهة أحاييل التفتيش للحفاظ على أستقلاله وسيادته وسعيه المتواصل لتجنب الحرب والعدوان وما قام به الجانب الفني العراقي من جهد لنزع الألغام التي كانت تزرعها فرق التفتيش في ساحة العمل الجانب السياسي العراقي، وبما يتيح له المجال للتحرك وممارسة دوره.
ويختتم بما جرى من أستعدادات لغزو العراق واحتلاله، وما تبعه من تدمير ممنهج وتسلم الأحتلاليون مقادير البلاد مع تأسيس شبه "حكم" قائم على المحاصصة الطائفية والعرقية يبدوا فيه الأرتباط بين السياسة والتدخل في الشئون الداخلية للدولة وبين المال والشركات النفطية !.. على حد وصف صحيفة النيويورك تايمز.
عودة الى موضوع الكتاب الذي يتحدث في 272 صفحة ضمن 9 فصول وملاحق بدءا بمدخل موجز يتبعه حديث عن لجان و فرق التفتيش و عن سلوكها المشبوه و دورها في تدمير العراق و الاعداد لاحتلاله . كما يتضمن الكتاب ايضا اجراءات العراق الحثيثة لمجابهة احاييل التفتيش مع احتفاظه بالكرامة و الاستقلال و السيادة. و تولى معدوا هذا الكتاب تدوين تجاربهم و قناعاتهم بتضامن تام و بكل موضوعية للواقع المنظور تاركين للقراء استنباط الدروس و العبر.
أن هدفنا هو عرض الصورة بمسمياتها وحوادثها بوصفها وثيقة للتأريخ كما حدثت وكما جاءت نهايتها بشكل موضوعي وواقعي لا كما يتخيلها البعض، ومن الله التوفيق.
سرور ميرزا محمود
أحد المشاركين في تأليف الكتاب
3595 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع