الحلاقة‭ ‬والحلاّقون .. ثقافة‭ ‬العادات‭ ‬والمحيط‭ ‬الاجتماعي‭ ‬

          

صحيفة الزمان:الحلاقة‭ ‬فن‭ ‬وذوق‭ ‬وخلق‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬وسيلة‭ ‬لإزالة‭ ‬الشعر‭ ‬الطويل‭ ‬وتجميل‭ ‬مظهر‭ ‬الرجل‭ ‬والشاب،‭ ‬ورحم‭ ‬الله‭ ‬حلاقينا‭ ‬ايام‭ ‬زمان‭ ‬فقد‭ ‬كانوا‭ ‬يكسبون‭ ‬رزقهم‭ ‬بالحلال‭ ‬والجهد‭ ‬الكبير‭ ‬إذ‭ ‬كان‭ ‬معظمهم‭ ‬من‭ ‬السادة‭ ‬الطيبين‭ ‬ومن‭ ‬جد‭ ‬جامع‭ ‬واحد‭ ‬على‭ ‬الأغلب‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬محلّة‭. ‬ومنهم‭ ‬سيد‭ ‬قاسم‭ ‬وسيد‭ ‬محمد‭ ‬في‭ ‬الباب‭ ‬الجديد‭ ‬وسيد‭ ‬سيفو‭ ‬في‭ ‬باب‭ ‬البيض‭ ‬وسيد‭ ‬عبدالمجيد‭ ‬بربر‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬سوق‭ ‬وسيد‭ ‬مجيد‭ ‬ومحمد‭ ‬نوري‭ ‬في‭ ‬باب‭ ‬لكش‭ ‬وسيد‭ ‬ألياس‭ ‬في‭ ‬باب‭ ‬السراي‭ ‬وسلطان‭ ‬وحسن‭ ‬في‭ ‬شارع‭ ‬النجفي‭ ‬وسيد‭ ‬نجم‭ ‬في‭ ‬شارع‭ ‬غازي‭ ‬وعبدالكريم‭ ‬في‭ ‬الدواسة‭ ‬وغيرهم‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬ذكرتهم‭ ‬في‭ (‬موسوعة‭ ‬الأسر‭ ‬الموصلية‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭) ‬وفي‭ (‬القيد‭ ‬العثماني‭ ‬لنفوس‭ ‬الموصل‭ ‬لسنة‭ ‬1839‭) ‬والحمد‭ ‬لله‭.‬

كنا‭ ‬صغاراً‭ ‬نمتثل‭ ‬لمّا‭ ‬يقصّون‭ ‬ويرتّبون‭ ‬في‭ ‬رؤوسنا‭ ‬بملل‭ ‬وضجر،‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬الحلاقة‭ ‬كل‭ ‬شهر‭ ‬لا‭ ‬تتعدى‭ ‬إزالة‭ ‬الشعر‭ ‬أو‭ ‬تخفيفه‭ ‬من‭ ‬الجوانب‭ ‬بالماكينة‭ ‬اليدوية‭ ‬الناعمة‭ ‬أو‭ ‬الخشنة‭ ‬والتي‭ ‬تسحب‭ ‬معها‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الشعرات‭ ‬بقوة‭ ‬تؤلمنا‭ ‬وتجعلنا‭ ‬نغمض‭ ‬أعيننا‭ ‬من‭ ‬الألم‭. ‬وبعد‭ ‬تخفيف‭ ‬الحوافي‭ ‬يخفف‭ ‬الحلاق‭ ‬القسم‭ ‬الأعلى‭ ‬بالمقص‭ ‬والمشط‭ ‬من‭ ‬الأمام‭ ‬إلى‭ ‬الخلف‭ ‬بقصّات‭ ‬متناغمة‭ ‬متتالية‭ ‬معروفة‭ ‬يتساقط‭ ‬الشعر‭ ‬خلالها‭ ‬على‭ ‬الفوطة‭ ‬البيضاء‭ ‬والأرض‭ ‬ويتسلل‭ ‬بعضه‭ ‬إلى‭ ‬رقبتنا‭ ‬وأجسادنا‭ ‬من‭ ‬فتحات‭ ‬الفوطة‭. ‬وينهي‭ ‬الحلاق‭ ‬عمله‭ ‬بالتحديد‭ ‬للرقبة‭ ‬والزلوف‭ ‬بالموسى‭ ‬بعد‭ ‬تمريره‭ ‬على‭ ‬السير‭ ‬الجلدي‭ ‬المعلق‭ ‬بجانبه‭ ‬لعدة‭ ‬مرّات،‭ ‬ولابد‭ ‬من‭ ‬حدوث‭ ‬خدوش‭ ‬أو‭ ‬جروح‭ ‬يمرر‭ ‬عليها‭ ‬الحلاّق‭ ‬بالشب،‭ ‬ثم‭ ‬يضع‭ ‬لنا‭ (‬الغيحة‭) ‬أي‭ ‬الرائحة‭ ‬المعطرة‭ ‬من‭ ‬بطل‭ ‬فيه‭ ‬سائل‭ ‬سميك‭ ‬أصفر‭ ‬اللون‭ ‬مشابه‭ ‬لزيت‭ ‬الطعام‭. ‬أما‭ ‬آباؤنا‭ ‬وأجدادنا‭ ‬فكانوا‭ ‬يحلقون‭ ‬على‭ ‬الأغلب‭ (‬نمرة‭ ‬صفر‭) ‬بالموسى‭ ‬والصابون‭ ‬واللكن‭ ‬ويغطي‭ ‬الشب‭ ‬أو‭ ‬ورقة‭ ‬بيضاء‭ ‬أماكن‭ ‬الخدوش‭ ‬والجروح‭ ‬في‭ ‬رؤوسهم‭ ‬بشكل‭ ‬طبيعي‭ ‬تغطّيه‭ (‬الغترة‭) ‬أو‭ (‬العقجين‭).‬

وكانت‭ ‬دكان‭ ‬الحلاق‭ ‬صغيرة‭ ‬تحوي‭ ‬على‭ ‬تختين‭ ‬طويلين‭ ‬في‭ ‬الجوانب‭ ‬فوقهما‭ ‬مرآتان‭ ‬مستطيلتان‭ ‬وعدد‭ ‬من‭ ‬الصور‭ ‬الملونة،‭ ‬ودواليب‭ ‬تضم‭ ‬المناشف‭ ‬والفوط‭ ‬ومرآة‭ ‬مدورة‭ ‬أو‭ ‬بيضوية‭ ‬كبيرة‭ ‬وكرسي‭ ‬ثابت‭ ‬أو‭ ‬دوّار‭ ‬في‭ ‬الوسط‭ ‬وفي‭ ‬صدر‭ ‬الدكان‭ ‬للزبون‭. ‬ومن‭ ‬لوازم‭ ‬الدكان‭ (‬لكن‭) ‬من‭ ‬النحاس‭ ‬مطلي‭ ‬بالقصدير‭ ‬وإبريق‭ ‬للماء‭ ‬من‭ ‬النحاس‭ ‬كذلك‭ ‬وصابون‭ ‬حلب‭ ‬وهذه‭ ‬اللوازم‭ ‬لحلاقة‭ ‬الرأس‭ ‬بالموسى‭ ‬للرجال‭ ‬وكبار‭ ‬السن‭. ‬ولكلّ‭ ‬حلاق‭ ‬صانع‭ ‬من‭ ‬أولاده‭ ‬أو‭ ‬أقاربه‭ ‬يعاونه‭ ‬عند‭ ‬الحلاقة‭ ‬بالموسى‭ ‬بمسك‭ ‬قطعة‭ ‬معدنية‭ ‬تسمّى‭ (‬مركن‭) ‬تمنع‭ ‬نزول‭ ‬الماء‭ ‬في‭ ‬رقبة‭ ‬الرجل‭ ‬والتي‭ ‬يرخيها‭ ‬الصانع‭ (‬المتغابي‭) ‬عمداً‭ ‬للزبون‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬ينقده‭ ‬البخشيش،‭ ‬كما‭ ‬يعمل‭ ‬الصانع‭ ‬في‭ ‬سحب‭ ‬حبل‭ ‬المروحة‭ ‬الكارتونية‭ ‬التي‭ ‬تعلّق‭ ‬في‭ ‬السقف‭ ‬جيئة‭ ‬وذهاباً‭ ‬لإحداث‭ ‬تيار‭ ‬بارد‭ ‬من‭ ‬الهواء‭ ‬خلال‭ ‬فصل‭ ‬الصيف‭ ‬قبل‭ ‬ظهور‭ (‬البنكة‭).‬

وكان‭ ‬الحلاّق‭ ‬لبقاً‭ ‬في‭ ‬الحديث‭ ‬لطيف‭ ‬المعشر‭ ‬يجامل‭ ‬زبائنه‭ ‬على‭ ‬اختلاف‭ ‬طبقاتهم‭ ‬ومشاربهم‭ ‬وليس‭ ‬كما‭ ‬يوصف‭ ‬بـ‭(‬الثرثار‭)‬،‭ ‬وكان‭ ‬يحافظ‭ ‬على‭ ‬معرفته‭ ‬بأنساب‭ ‬الأسر‭ ‬ومهنهم‭ ‬وحالتهم‭ ‬المادية‭ ‬وحالة‭ ‬البيت‭ ‬الذي‭ ‬يقطنونه‭ ‬وموقعه‭ ‬في‭ ‬المحلّة‭ ‬وعدد‭ ‬أفراده،‭ ‬ويحدّث‭ ‬هذه‭ ‬المعلومات‭ ‬الشفوية‭ ‬كلّما‭ ‬انتقلت‭ ‬أسرة‭ ‬من‭ ‬المحلّة‭ ‬وحلّت‭ ‬مكانها‭ ‬أسرة‭ ‬جديدة،‭ ‬ويعدّ‭ ‬خير‭ ‬وسيط‭ ‬في‭ ‬قضايا‭ ‬الخطوبة‭ ‬والزواج‭ ‬وبيع‭ ‬وشراء‭ ‬البيوت‭ ‬واصلاح‭ ‬ذات‭ ‬البين‭ ‬بين‭ ‬المتخاصمين‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬المحلّة‭. ‬ويمارس‭ ‬عملية‭ ‬ختان‭ ‬الأطفال‭ ‬وقلع‭ ‬الأسنان‭ ‬ومداواة‭ ‬الجروح‭ ‬والدمامل‭ ‬بوصفه‭ ‬طبيب‭ ‬للمحلّة‭ ‬قبل‭ ‬انتشار‭ ‬الأطباء‭ ‬والمستشفيات‭.‬

كنّا‭ ‬شباباً‭ ‬في‭ ‬الخمسينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬نقلّد‭ ‬بعضنا‭ ‬في‭ ‬تصفيف‭ ‬الشعر‭ ‬وعمل‭ ‬تواليت‭ ‬على‭ ‬شكلين‭ ‬إما‭ ‬بتمشيط‭ ‬معظم‭ ‬الشعر‭ ‬إلى‭ ‬جهة‭ ‬اليمين‭ ‬بعد‭ ‬فرقه‭ ‬من‭ ‬اليسار‭ ‬بالمشط‭ ‬الباغة‭ ‬الأسود،‭ ‬أو‭ ‬قلبه‭ ‬إلى‭ ‬الخلف‭ ‬وهذه‭ ‬التسريحة‭ ‬لا‭ ‬تلائم‭ ‬الشعر‭ ‬الخشن‭ ‬ويحاول‭ ‬صاحب‭ ‬هذا‭ ‬الشعر‭ ‬تليين‭ ‬شعره‭ ‬بالماء‭ ‬ولبس‭ (‬العقجين‭) ‬أو‭ (‬اليازمة‭) ‬فوقه‭ ‬خفية‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬لكي‭ ‬يتخذ‭ ‬الوضع‭ ‬المطلوب‭ ‬بالثبات‭ ‬إلى‭ ‬الخلف‭ ‬دون‭ ‬جدوى‭. ‬وبقيت‭ ‬هذه‭ ‬التسريحة‭ ‬لا‭ ‬تتغيّر‭ ‬لفترة‭ ‬طويلة‭ ‬حتى‭ ‬ظهور‭ ‬الخنافس‭ ‬في‭ ‬السبعينيات‭ ‬والبنطلون‭ (‬الجارلس‭) ‬فأطال‭ ‬معظم‭ ‬الشباب‭ ‬زلوفهم‭ ‬الى‭ ‬الأسفل‭ (‬مثل‭ ‬الجزمة‭)‬،‭ ‬وكذلك‭ ‬أطال‭ ‬بعضهم‭ ‬شعره‭ ‬من‭ ‬الخلف‭ ‬متشبهاً‭ ‬بالخنافس‭ ‬وسط‭ ‬استياء‭ ‬المجتمع‭ ‬الموصلي‭ ‬المتمسّك‭ ‬بالعادات‭ ‬والتقاليد‭ ‬الأصيلة‭. ‬وفي‭ ‬الثمانينيات‭ ‬انشغل‭ ‬الشباب‭ ‬بالحرب‭ ‬والخدمة‭ ‬العسكرية‭ ‬التي‭ ‬شملتهم‭ ‬جميعاً‭ ‬دون‭ ‬استثناء‭ ‬فيما‭ ‬عدا‭ ‬الدراسات‭ ‬العليا‭ ‬والتصنيع‭ ‬العسكري،‭ ‬وكانت‭ ‬حلاقة‭ ‬الوجه‭ ‬يومياً‭ ‬من‭ ‬متطلبات‭ ‬الزي‭ ‬العسكري‭ ‬وحلاقة‭ ‬الرأس‭ (‬نمرة‭ ‬5‭) ‬للجنود‭ ‬هي‭ ‬السائدة‭ ‬و‭(‬الصفر‭) ‬للمعاقبين‭ ‬منهم‭. ‬وكان‭ ‬البعض‭ ‬ممن‭ ‬يعملون‭ ‬في‭ ‬الخلف‭ ‬مرافقين‭ ‬أو‭ ‬حماية‭ ‬للضباط‭ ‬يطيلون‭ ‬شواربهم‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬رقم‭ ‬8‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬مقزز‭ ‬وكريه‭ ‬المنظر‭ ‬لاعتقادهم‭ ‬بأنهم‭ ‬يخيفون‭ ‬الآخرين‭ ‬ويفرضون‭ ‬احترامهم‭ ‬على‭ ‬الجميع‭ ‬بكونهم‭ ‬مرافقي‭ ‬فلان‭ ‬من‭ ‬الآمرين‭ ‬والقادة‭ ‬وشجعان‭ ‬ولكنهم‭ ‬لو‭ ‬نقلوا‭ ‬للقتال‭ ‬في‭ ‬الجبهة‭ ‬لتحوّلوا‭ ‬إلى‭ ‬فئران‭ ‬مذعورة‭. ‬ولدينا‭ ‬اليوم‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬النماذج‭ ‬الكريهة‭ ‬حماية‭ ‬للمسؤولين‭ ‬مع‭ ‬الأسف،‭ ‬والأمر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬نرى‭ ‬المسؤول‭ ‬أو‭ ‬الضابط‭ ‬وقد‭ ‬حلق‭ ‬رأسه‭ ‬نمرة‭ ‬صفر‭ ‬من‭ ‬الجوانب‭ ‬وأبقى‭ ‬القسم‭ ‬الأعلى‭ ‬من‭ ‬الشعر‭ ‬وكأنه‭ ‬عش‭ ‬للطيور‭ ‬أو‭ ‬قطعة‭ ‬من‭ (‬الجلّة‭) ‬وهي‭ ‬روث‭ ‬الأبقار‭ ‬الطري‭ ‬الذي‭ ‬يجمع‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬أقراص‭ ‬ويلصق‭ ‬بالحيطان‭ ‬حتى‭ ‬يجف‭ ‬ويستخدم‭ ‬كوقود‭. ‬وفي‭ ‬التسعينيات‭ ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬وجود‭ ‬الحصار‭ ‬الاقتصادي‭ ‬المقيت‭ ‬فقد‭ ‬بدأت‭ ‬بالظهور‭ ‬اللحايا‭ ‬بأنواع‭ ‬شتى،‭ ‬منها‭ ‬الشبابية‭ ‬الخفيفة‭ ‬التي‭ ‬تحلق‭ ‬بالماكينة‭ ‬الكهربائية‭ ‬بين‭ ‬حين‭ ‬وآخر‭ ‬يترك‭ ‬الوجه‭ ‬خلالها‭ ‬أسود‭ ‬وكأنه‭ ‬مصبوغ‭ ‬بالسخام‭ (‬لحية‭ ‬عدي‭)‬،‭ ‬ولحايا‭ ‬طويلة‭ ‬غير‭ ‬منتظمة‭ ‬مع‭ (‬دشداشة‭ ‬قصيرة‭) ‬والعياذ‭ ‬بالله،‭ ‬ولحايا‭ ‬مهندمة‭ ‬لبعض‭ ‬كبار‭ ‬السن‭ ‬وبخاصة‭ ‬أصحاب‭ ‬الحملة‭ ‬الايمانية‭ ‬والاخوان‭ ‬المسلمين‭. ‬كما‭ ‬ظهرت‭ (‬القرعة‭) ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يعاقب‭ ‬بها‭ ‬المخالفين‭ ‬في‭ ‬الجيش‭ ‬فأصبحت‭ ‬موضة‭ ‬لكثير‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ … ‬عجيب‭!! ‬وراحوا‭ ‬يحلقون‭ ‬رؤوسهم‭ ‬بالموسى‭ ‬فتصبح‭ ‬مثل‭ (‬كرشة‭) ‬مملوءة‭ ‬ترعب‭ ‬الأطفال‭ ‬الذين‭ ‬لم‭ ‬يتعودوا‭ ‬رؤيتها‭. ‬وقلدهم‭ ‬آخرون‭ ‬وظهروا‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬المثل‭: (‬مثل‭ ‬السرج‭ ‬على‭ ‬البقرة‭) ‬أي‭ ‬لا‭ ‬تليق‭ ‬بهم‭ ‬حلاقة‭ ‬الصفر‭ ‬لأن‭ ‬التسريحة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تلائم‭ ‬وجه‭ ‬الرجل‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬بيضوياً‭ ‬أو‭ ‬مدوّراً‭ ‬أو‭ ‬مربعاً‭ ‬ولون‭ ‬البشرة‭ ‬الغامق‭ ‬والفاتح‭. ‬وتبعاً‭ ‬لذلك‭ ‬ازداد‭ ‬عدد‭ ‬مرّات‭ ‬الحلاقة‭ ‬للشباب‭ ‬من‭ ‬مرة‭ ‬واحدة‭ ‬شهرياً‭ ‬إلى‭ ‬مرة‭ ‬واحدة‭ ‬أسبوعياً،‭ ‬مما‭ ‬جلب‭ ‬الوارد‭ ‬الجيد‭ ‬للحلاقين‭ ‬وكثرت‭ ‬محلاّتهم‭ ‬تبعاً‭ ‬لذلك‭ ‬ومنهم‭ ‬العاطلون‭ ‬عن‭ ‬العمل‭. ‬وفي‭ ‬العام‭ ‬2003‭ ‬وردت‭ ‬مع‭ ‬الاحتلال‭ (‬السكسوكة‭) ‬واتخذت‭ ‬أشكال‭ ‬غريبة‭ ‬عجيبة‭ ‬بالتفنن‭ ‬الذي‭ ‬مارسه‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الحلاقين‭ ‬الشباب‭ ‬الشواذ‭ ‬بطرق‭ ‬ما‭ ‬أنزل‭ ‬الله‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬سلطان،‭ ‬فأخذوا‭ ‬يربطون‭ ‬السكسوكة‭ ‬بشارعين‭ ‬من‭ ‬اليمين‭ ‬واليسار‭ ‬يرتبطا‭ ‬بالشارب‭ ‬مع‭ (‬عنقنقة‭) ‬تحت‭ ‬الشفة‭ ‬والتي‭ ‬يستفاد‭ ‬منها‭ ‬لمنع‭ ‬نزول‭ ‬السوائل‭ ‬والمرق‭ ‬الى‭ ‬الصدر‭. ‬واستخدام‭ ‬الخيط‭ ‬لحف‭ ‬الوجه‭ ‬مثل‭ ‬النساء‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يعيروا‭ ‬لاستنكار‭ ‬الناس‭ ‬أي‭ ‬أهمية،‭ ‬وازدادت‭ ‬أجرة‭ ‬الحلاقة‭ ‬تبعاً‭ ‬لذلك‭ ‬أضعافاً‭ ‬وحسب‭ ‬موقع‭ ‬الصالون‭ ‬وطول‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬يصرفه‭ ‬الحلاق‭ ‬في‭ ‬الحف‭ ‬والنتف‭ ‬والتحديد‭ ‬بالموسى‭ ‬وعمليات‭ ‬أخرى‭ ‬مثل‭ ‬الترتيب‭ ‬بالشسوار‭ ‬النسائي‭ ‬والدهن‭ ‬بالجل‭ ‬الذي‭ ‬أسقط‭ ‬شعر‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الشبان‭ ‬وجعلهم‭ ‬قرعان‭ ‬يبكون‭ ‬بصمت‭ ‬شعرهم‭ ‬الثمين‭.‬

ومن‭ ‬المؤسف‭ ‬أن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬أخذوا‭ ‬يقلدون‭ ‬الممثلين‭ ‬الأجانب‭ ‬ولاعبي‭ ‬الفرق‭ ‬الرياضية‭ ‬والمذيعين‭ ‬في‭ ‬الفضائيات‭ ‬والذين‭ ‬يعتمدون‭ ‬تغيير‭ ‬شكلهم‭ ‬ولبسهم‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬غريب‭ ‬لكي‭ ‬يشتهروا‭ ‬عملاً‭ ‬بالقول‭ (‬خالف‭ ‬تعرف‭)‬،‭ ‬ونتيجة‭ ‬التغيير‭ ‬الذي‭ ‬عمّ‭ ‬المجتمع‭ ‬الموصلي‭ ‬المحافظ‭ ‬إذ‭ ‬كنّا‭ ‬فيما‭ ‬مضى‭ ‬نخجل‭ ‬من‭ ‬لبس‭ (‬القمصلة‭) ‬كي‭ ‬لا‭ ‬يقال‭ ‬عنّا‭ ‬أننا‭ ‬نقلّد‭ ‬الممثل‭ ‬عبد‭ ‬الحليم‭ ‬حافظ‭ ! ‬ولا‭ ‬نطيل‭ ‬شعرنا‭ ‬مثل‭ ‬الخنافس‭. ‬فهؤلاء‭ ‬من‭ ‬مجتمع‭ ‬يختلف‭ ‬عن‭ ‬مجتمعنا‭ ‬الموصلي‭ … ‬وإن‭ ‬فعلوا‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬مجتمعهم‭ ‬الشاذ‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬من‭ ‬يعيبهم‭ ‬أو‭ ‬يمنعهم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬مثل‭ ‬خروج‭ ‬البنت‭ ‬مع‭ ‬صديقها‭ ‬بعلم‭ ‬أهلها‭. ‬والأدهى‭ ‬والأمر‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬مرّ‭ ‬أعلاه‭ ‬خروج‭ ‬شبابنا‭ ‬من‭ ‬المحنة‭ ‬الأخيرة‭ ‬مع‭ ‬داعش‭ ‬عام‭ ‬2017‭ ‬بموديلات‭ ‬وقصّات‭ ‬ولحى‭ ‬تبعث‭ ‬على‭ ‬الاشمئزاز‭ ‬والقرف،‭ ‬وقام‭ ‬بعض‭ ‬الحلاقين‭ ‬الدخلاء‭ ‬على‭ ‬المهنة‭ ‬بتعليق‭ ‬صور‭ ‬الأجانب‭ ‬الشواذ‭ ‬على‭ ‬أبواب‭ ‬محلاتهم‭ ‬لكي‭ ‬يغروا‭ ‬أطفالنا‭ ‬وشبابنا‭ ‬بالحلاقة‭ ‬مثلها‭. ‬فظهرت‭ ‬حلاقة‭ ‬الشواذ‭ ‬بحلق‭ ‬الجانب‭ ‬الأيسر‭ ‬من‭ ‬الرأس‭ ‬نمرة‭ ‬صفر‭ ‬وتجميع‭ ‬الشعر‭ ‬في‭ ‬أعلى‭ ‬الرأس‭ ‬مثل‭ ‬عرف‭ ‬الديك‭ ‬باستخدام‭ ‬الشسوار‭ ‬النسائي‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬مقرف‭ ‬وغريب‭. ‬أما‭ ‬اللحى‭ ‬فظهرت‭ ‬طويلة‭ ‬مشابهة‭ ‬للحى‭ ‬اليهود‭ ‬والمسقوف‭ (‬كان‭ ‬أجدادنا‭ ‬يسمّون‭ ‬الروس‭ ‬بالمسقوف‭ ‬خلال‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى‭ ‬1914‭-‬1918‭ ‬حيث‭ ‬استشهد‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬أجداد‭ ‬الأسر‭ ‬الموصلية‭). ‬فلماذا‭ ‬هذه‭ ‬اللحى‭ ‬الغريبة‭ ‬العجيبة‭ ‬ألم‭ ‬تشبعوا‭ ‬من‭ ‬لحى‭ ‬داعش‭ ‬وكنتم‭ ‬تتضجرون‭ ‬منها‭ ‬ومن‭ ‬قذارتها،‭ ‬وهل‭ ‬تحب‭ ‬النساء‭ ‬هذه‭ ‬اللحى‭ ‬؟‭ ‬الجواب‭ ‬كلاّ‭. ‬إذن‭ ‬عليكم‭ ‬بمراعاة‭ ‬الذوق‭ ‬العام‭ ‬فالناس‭ ‬تنظر‭ ‬إليكم‭ ‬كشواذ‭ ‬لا‭ ‬غير،‭ ‬وتبصق‭ ‬على‭ ‬التلفاز‭ ‬عند‭ ‬مشاهدة‭ ‬أحدهم‭ ‬بلحية‭ ‬مسقوفية‭ ‬يهودية‭ ‬وحفر‭ ‬شعره‭ ‬من‭ ‬الجوانب‭ ‬ووضع‭ ‬عرف‭ ‬الديك‭ ‬أعلى‭ ‬رأسه‭ ‬فظهر‭ ‬مثل‭ ‬الطاؤوس‭ ‬وحاشا‭ ‬الطاؤوس‭ ‬لأن‭ ‬شكله‭ ‬الطبيعي‭ ‬الذي‭ ‬خلقه‭ ‬الله‭ ‬به‭ ‬أجمل‭. ‬وفي‭ ‬الجامعة‭ ‬تجد‭ ‬جميع‭ ‬أنواع‭ ‬التسريحات‭ ‬واللحى‭ ‬المذكورة‭ ‬أعلاه‭ ‬وقد‭ ‬أبدى‭ ‬الشاب‭ ‬الوقت‭ ‬الطويل‭ ‬أمام‭ ‬المرآة‭ ‬وهو‭ ‬يقص‭ ‬ويشسور‭ ‬في‭ ‬شعره‭ ‬ولحيته‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يصرف‭ ‬فيه‭ ‬الطالب‭ ‬وقته‭ ‬الثمين‭ ‬في‭ ‬الدراسة‭ ‬والبحث‭ ‬العلمي‭. ‬فلماذا‭ ‬يا‭ ‬شبابنا‭ ‬الجميل‭ ‬تسيئون‭ ‬إلى‭ ‬أنفسكم‭ ‬بتغيير‭ ‬معالم‭ ‬وجوهكم‭ ‬الوسيمة‭ ‬؟‭ ‬لماذا‭ ‬لا‭ ‬تظهرون‭ ‬بشكلكم‭ ‬الجميل‭ ‬دون‭ ‬اضافات‭ ‬مشوهة‭ ‬ومجاناً‭ ‬دون‭ ‬صرف‭ ‬مبالغ‭ ‬قد‭ ‬تكونوا‭ ‬انتم‭ ‬أو‭ ‬أسركم‭ ‬بحاجة‭ ‬لها‭ … ‬دعوة‭ ‬إلى‭ ‬أرباب‭ ‬الأسر‭ ‬لمتابعة‭ ‬أزياء‭ ‬أولادهم‭ ‬وحثّهم‭ ‬على‭ ‬الاقتداء‭ ‬بالجيل‭ ‬السابق‭ ‬الذين‭ ‬بقوا‭ ‬محافظين‭ ‬متمسكين‭ ‬بعادات‭ ‬وتقاليد‭ ‬مدينتهم‭ ‬الأصيلة‭ ‬بدون‭ ‬حلاقة‭ ‬غريبة‭ ‬أو‭ ‬لحية‭ ‬مستوردة‭ ‬لحد‭ ‬اليوم‭ ‬وأن‭ ‬ينصرفوا‭ ‬لدراستهم‭ ‬وواجباتهم‭ ‬بدل‭ ‬إضاعة‭ ‬الوقت‭ ‬في‭ ‬السفاسف‭ ‬وما‭ ‬لا‭ ‬ينفعهم‭.‬

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

839 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع