موت الملك فيصل الأول والخط الأحمر في العلاقة بين العراق والكويت

موت الملك فيصل الأول والخط الأحمر في العلاقة بين العراق والكويت

خط أحمر رسمته القوى الغربية، بريطانيا وأميركا على وجه التحديد لا يمكن لأي حاكم عراقي أن يجتازه منذ خروج العراق من تبعية الدولة العثمانية بعد موتها على يد الحلفاء عام 1923م إلى يومنا هذا، ومن يجتاز هذا الخط أو يفكر في اجتيازه عليه ان يسلك طريقاً مملوء بالدم والموت هكذا هو شكل العلاقة بين الكويت والعراق، بحيث باتت هذه العلاقة أشبه بمنطقة المحرّمات، التي لا يقترب منها أحد، إلا وكانت آثارها مدمّرة عليه. فالكيانان، كانا وليدي، نتائج الحرب العالمية الأولي، وكان التقدير العام، أنهما اقليم واحد، من دون انفصال.

صورة نادرة لأعضاء مؤتمر العقير - 28 نوفمبر 1922م

من اليسار:أمير بنو ظفير حمود بن سويط أمير عنزة فهد الهذّال وزير الأشغال العراقي صبيح نشأت حافظ وهبة ابن سعود - سلطان نجد (حينها) وهنالك السير كوكس والميجور مور وممثلين عن مملكة الحجاز الهاشمية

لكن خلق الكويت وبالطريقة التي تمت وعلي وفق التصميم الذي عمله ” السير برسي كوكس ” في مؤتمر العقير عام 1922 ، حينما هندس حدود الدول لما بعد مرحلة الرجل المريض، وكان بحق أحد أبرز مصممي الخرائط الجيوــ سياسية، خلق حقائق جديدة علي أرض الواقع، كان أبرزها الخلق الجنيني للكيان الكويتي المدعوم بالحماية البريطانية، مما أوجد اقليماً ارضياً جديداً، في الوقت نفسه، أدّي هذا التصميم المعمول بالمقص الاستعماري، الي خنق العراق وحرمانه اطلالته البحرية التي يحتاج اليها بشدة، مما جعله أشبه بالدولة القارّية، وأصبح وصوله الى المياه الحرة محدوداً أيضاً الأمر الذي انعكست آثاره لاحقاً وتحت دعاوي عدّة، وكانت سبباً في ولوج طريق مؤلم ودموي على الجميع، وصار الاقتراب من موضوع الكويت، أكثر مما يتحمله النظام السياسي العراقي ــ أياً كان لونه ووزنه ــ برغم كل حجج المنطق واللا منطق. بل وصل الأمر الي إن العراق أُحتّلَ جراء هذا الموضوع.

على ماذا يستند العراق بأحقيته في الكويت؟

قبل الإجابة على هذا السؤال لابد من نبذة عن تاريخ تأسيس مشيخة الكويت.

تشير المصادر التاريخية إلى إن تأسيس مدينة الكويت كان في بداية القرن الثامن عشر وبالتحديد في سنة 1716م، وقد كانت الكويت قبل هذا التاريخ مجرد مستوطنة عربية محمية بقلعة صغيرة وتسكنها قبيلة (العتوب العربية التي تضم ثالثة فروع رئيسة هي: الجلاهمة وآل خليفة وآل صباح). تعود علاقة الدولة العثمانية بالكويت لسنة 1546م، عندما خضعت البصرة في تلك السنة للاحتلال العثماني، وقد كانت للبصرة صلات وروابط تجارية وجغرافية قوية مع الكويت، وأن المستوطنين الأوائل في الكويت من آل صباح لم يجدوا مناصاً من تأمين مركزهم، عن طريق الاعتراف بشيء من الولاية للسلطان العثماني الذي كانت له السيادة الروحية على مشيخات الخليج العربي على السواء مع مناطق العالم العربي الأخرى. وبعد تولي مدحت باشا ولاية بغداد سنة 1869م استصدر فرماناً سلطانياً (فرمان: لفظ فارسي معناه "أمر أو حكم أو دستور موقع من السلطان". والفرمان العثماني هو قانون بأمر من السلطان العثماني نفسه وممهور بتوقيعه وهو نافذ من دون رجعة عنه.) في 1871م، تم بموجبه إعلان الكويت سنجقاً (السَّنْجَق كان أحد التقسيمات الإدارية في الدولة العثمانية، ويعني المنطقة أو المقاطعة بالعربية (تابعاً لمتصرفية الأحساء، وكذلك حصول شيخ الكويت من آل الصباح على لقب قائمقام، كما تعهدت الكويت برفع العلم العثماني على السفن التابعة لها، وهذا أمر جديد في الساحة الخليجية، أذ كانت السفن التابعة لسكان الأمارات (المشيخات) العربية ترفع العلم البريطاني، وفي السنة نفسها أي سنة 1871م رفعت الحكومة العثمانية مدينة البصرة من متصرفية إلى ولاية مستقلة عن بغداد، وصارت تضم سنجق الكويت ومتصرفية الأحساء. (جي. ج. لوريمر، الكويت في دليل الخليج، ج1 ص21-22).
أما المعطيات التي استندت عليها الحكومات العراقية المتعاقبة بالمطالبة بضم الكويت إلى العراق، القضية التي ظلت منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة على يد المحتل البريطاني في عشرينيات القرن الماضي وليومنا هذا كانت دائما قضية الحدود العراقية الكويتية محور مشاكل وأزمات عانى منها الشعب العراقي كثيراً. هذه المعطيات يمكن اجمالها بالتالي:
أولاً: استمرت الكويت قائمقامية تابعة للبصرة حتى سنة 1914م عندما اندلعت الحرب العالمية الأولى واحتلت القوات البريطانية العراق وقامت بفصل الكويت عنه بعد أن كانت خاضعة للسيادة العثمانية مع أنها تتمتع بنوع من الحكم الذاتي. وهذا ما تعززه الدراسات التاريخية التي تظهر ان الكويت كانت على امتداد التاريخ جزء من الامبراطورية العثمانية وجزء من ولاية البصرة العراقية الا ان تم بموجب اتفاقية 29 حزيران / يونيو 1913 بين بريطانيا والدولة العثمانية الاعتراف بالكويت كولاية ذات حكم ذاتي في إطار الامبراطورية العثمانية وكان حاكم الكويت تابعا للدولة العثمانية. والنقطة المهمة في هذه الاتفاقية هي عدم منح الاستقلال الكامل للكويت واعتبارها ولاية ذات حكم ذاتي وحاكمها موظف تابع للدولة العثمانية. ولقد ظل وضع الكويت غير مستقر إلى أن عقدت معاهدة (لوزان) بين بريطانيا وتركيا الحديثة سنة 1923م والتي بمقتضاها تنازلت تركيا، عن جميع ممتلكات الدولة العثمانية السابقة في الشرق العربي كله، لكن ذلك لم ينه التساؤل عن وضع مشيخة الكويت التي لم تكن تفصلها حدود عن جيرانها في تلك الحقبة.
ثانياً: رسم المنتصرون في الحرب العالمية الأولى بريطانيا وفرنسا حدود دول منطقة الشرق الأوسط واتفقت هاتان الدولتان الاستعماريتان سنة 1923 على صيغة لتقاسم المستعمرات والنفوذ وتم تثبيت ذلك الاتفاق في مرتسمات” خرائط” تضمنت خرائط دول الشرق الأوسط ومنها خريطة العراق، وتم ايداع تلك المرتسمات لدى عصبة الأمم كوثائق معترف بها دوليا ضمن شرعية دولية صنعتها بريطانيا وفرنسا.
ثالثاً: لم تتضمن خريطة العراق في مرتسمات ١٩٢٣ أي حدود بين العراق والكويت مما يعني أن الكويت لم تكن دولة وانما جزء من دولة العراق في حين كانت حدود العراق في تلك المرتسمات مع كل دول الجوار إيران وتركيا وسوريا والأردن والسعودية واضحة وبمقياس رسم دقيق، وأقرت كل تلك الدول ومن ضمنها العراق الحدود بينهم ولم يكن هنالك أي اعتراض منهم عليها.
رابعاً: بقت حدود العراق المثبتة في مرتسمات 1923 دون تغير سوى منطقة الحياد بين العراق والسعودية التي تم تقسيمها بموجب اتفاق بينهما وكذلك شط العرب الذي تنازل صدام حسين لإيران عن جزء منه باتفاقية وقعها مع شاه إيران في الجزائر سنة 1975 حيث أصبح شط العرب نهرا مشتركا بين العراق وإيران بعد أن كانت السيادة على شط العرب كاملة للعراق فقط.
لا يمكن أن نتجاهل ان العراق والكويت محكومان بحتمية التصاق جغرافي ونزاع تاريخي تعددت فصوله ورواياته في التاريخ الحديث للدولتين، فمع تبدّل الحكام تتغير العلاقة بين الطرفين وتتراوح ما بين التعاون والشكّ والنزاع والصراع. ومن حاول اجتياز الخط الأحمر والدعوة أو المطالبة في عودة الكويت إلى العراق كان عليه دخول منطقة محظورة وعليه أن يتقبل مصير من سبقوه من ملوك وحكام العراق وما نتج عن دخولهم منطقة الخطر هذه على مدى 80 عاما.

وكانت البداية مع الملك فيصل الاول (1921 – 1933).

كان الملك فيصل الأول سياسيا محنكا وذو فطنة، يعرف أهمية منطقة دول الخليج العربي في السياسة البريطانية... وفي صيف سنة ١٩٣٢ والعراق مقبل على الاستقلال التام، بدأ الملك فيصل بتحرك حذر، وبدا رغبته بزيارة الكويت وامارات الخليج العربي. وكان هذا مثار اهتمام كبير، ودق ناقوس الخطر في مراسلات عديدة بين السفارة البريطانية في بغداد والقناصل البريطانيين في الخليج من جهة، ودائرة الهند والخارجية البريطانية من جهة أخرى، كما تكشفها الوثائق البريطانية. وسوف نلاحظ في الفقرات التالية كيف جندت الحكومة البريطانية آنذاك كل إمكاناتها الدبلوماسية لمنع الملك من القيام بهذه الزيارة. فقد سبق وأن ابلغ ممثل الملك فيصل الأول والحكومة العراقية في مؤتمر (العقير)، الذي عقد في نوفمبر/ تشرين الثاني 1922 صبيح نشأت وزير المواصلات والأشغال، المعتمد السياسي البريطاني السير بيرسي كوكس وملك السعودية بان الكويت وحتى الرياض لمسافة 12 ميلا تعتبر جزء من الاراضي العراقية.
ونعود إلى زيارة الملك فيصل الأول للكويت ومشيخات الخليج العربي. ففي العاشر من تشرين الأول١٩٣٢ كتب القنصل البريطاني في الكويت هارولد ديكسن الى المقيم العام في الخليج العربي في بوشهر الجنرال ترانشاد فاول، عن لقاء جمعة مع مدير شركة النفط الفارسية -البريطانية وأمير الكويت الشيخ أحمد جابر الصباح على العشاء. حيث ذكر الشيخ أن الملك فيصل سأله عندما كان في بغداد في الصيف الماضي عن رأيه في رد فعل الحكومة البريطانية إذا رغب القيام بجولة لزيارة إمارات الخليج العربي. قال الشيخ في جوابه للملك بانه يرى إذا كانت الزيارة رسمية سيعترض عليها حكام إمارات الخليج وستضع الحكومة البريطانية العراقيل أمامها. لكن إذا كانت الزيارة خاصة فهذا أمر مختلف، ونحن نرحب بجلالتك على قدر تعلق الأمر بالكويت. وذكر ان الملك اظهر تفهماً، وقال ان هذا هو رأيه كذلك.
بعث الجنرال فاول برسالة الى وزير خارجية حكومة الهند البريطانية في ١٩ تشرين الأول بعنوان:

استفسار جلالة الملك فيصل ملك العراق عن رغبته زيارة دول الخليج العربي. وذكر فيها تعليقا على رسالة ديكسن، كان من الأجدر بشيخ الكويت أن لا يبدي رأيه بشأن رد الفعل المحتمل لحكومة صاحب الجلالة البريطانية، بأنها ستضع صعوبات امام هذه الزيارة. وأن من رأيه ان نرى الرغبة السياسية أو الظروف الآنية عندما يطلب جلالة الملك القيام بتلك الزيارة، وربما يكون من الأفضل ان تكون الزيارة غير رسمية.
أيد هذا الرأي سكرتير الحكومة البريطانية في الهند برنت في رسالة بعثها الى دائرة الهند في لندن في يوم ١١ تشرين الثاني ١٩٣٢. ووافقت دائرة الهند على اقتراح فاول بجوابها المؤرخ في ٧ كانون الأول ١٩٣٢.
كتب جورج ريندل من الخارجية البريطانية الى السفير البريطاني في العراق فرانسيس همفريز في 29 كانون الأول ١٩٣٢، عن رأيه في اقتراح فاول المؤرخ في ١٩ تشرين الأول الذي أيدته حكومة الهند، وبين أنهم يرون أن هذه الزيارة غير مرحب بها أساساً .لذلك، نحن نرى، يجب أن يكون واضحاً للغاية، بأن أي رغبة لزيارة الملك فيصل لدول الخليج يجب أن تثبط بحزم. ولابد أن نأخذ، بالطبع بنظر الاعتبار، أذا أثيرت تلك القضية، ما إذا كان بالإمكان إدارة عرقلة هذه الزيارة دون المجازفة برد فعل سياسي خطير بشكل غير متناسب. لكن من الضروري أن يكون لك او للمقيم (في الكويت) الحكم المطلق على أن مبدأ الحكومة البريطانية هو ضد هذه الزيارة، أذا لزم الأمر لاتخاذ أي قرار الفوري.
كان جواب السفير همفريز في ١١ كانون الثاني ١٩٣٣، الى جورج ريندل، بأنه يوافق من حيث المبدأ على ثني الملك فيصل بشكل حازم من القيام بالزيارة، ألا أذا كان هناك سبب خاص جداً لذلك. وذكر بقدر تعلق الأمر بمشيخات الساحل المتهادن (أسم كان يطلق على أمارات الخليج العربي)، فليس هناك صعوبة من ثني الملك فيصل عن القيام بتلك الزيارة. لكن بالنسبة للكويت فالأمر مختلف، على الرغم من أنه ضد بناء أي تقارب بين العراق والكويت، لكن يصعب عليه أقناع الملك فيصل بصحة مطلبهم، بأن الكويت خارج حدوده. وذكره بأن شيخ الكويت كان قد زار الملك فيصل في بغداد في الصيف الماضي، فمن الممكن أن يدعي الملك بأنه ليس من اللائق عدم رد الزيارة. وأيضاً هناك القضية الشائكة لبساتين النخيل التي يملكها شيخ الكويت في العراق، ومشكلة تهريب البضائع من الكويت عبر الحدود الى العراق التي تصاعدت بشدة في لآونة الأخيرة. صحيح أن هذه المواضيع ليست من اختصاص الملك، لكن ليس من السهل منعه لزيارة الكويت لتسوية هذه المشاكل ظاهرياً، وأن كان الهدف الرئيسي بدون شك هو سياسي. لذلك برغم من أني سأحاول منع الملك برد الزيارة الى الكويت، أرى من الضروري أن تكون محاولة منع الزيارة أن تأتي من جانب شيخ الكويت نفسه بعرقلة تلك الفكرة.
في الثالث من شباط ١٩٣٣ كتب كريستوفر ويرنر من الخارجية البريطانية الى جلبرت ليثوايت سكرتير دائرة الهند في لندن : رسالتكم في السابع من كانون الأول بخصوص الزيارة المحتملة للملك فيصل الى امارات الخليج، نحن نؤيد من حيث المبدأ محاولة ثني الملك من القيام بهذه الزيارة ، لكن همفريز (السفير البريطاني في بغداد) يرى من الصعب عليه منع الملك من زيارة الكويت، وربما من الأفضل أن يقوم المقيم السياسي (في الكويت) بعدم السماح لشيخ الكويت من قبول الزيارة.
بعد تبادل عدة رسائل بخصوص الموضوع، كتب فريزر تيلر من نيودلهي في الثالث من نيسان الى جلبرت ليثوايت في لندن، يذكر فيها أن الجنرال فاول بعث برسالة يوم 17 آذار، يقول أنه أيضا من الصعب على المقيم في الكويت أن يطلب من الشيخ منع الزيارة. لذلك يفضل باحتواء القضية عن طريق جعل الزيارة حين يطلبها الملك بأن تكون زيارة شخصية ليس لها تبعات سياسية. أيد ليثوايت اقتراح فاول وطلب العمل عليه في رسالة جوابية في ٢١ نيسان ١٩٣٣.
تصاعدت خطورة الأمر في مطلع شهر آيار ١٩٣٣، حين قام الملك فيصل الأول بزيارة الى مدينة البصرة. أرسل السفير البريطاني همفريز برقية في الثالث من آيار الى فاول يخبره أن الملك غادر الليلة الماضية الى البصرة في زيارة لمدة ثلاثة أيام، ومن المحتمل أن يطلب زيارة الكويت على يخته "نيركس". انتقلت نسخ البرقية بالطبع الى كافة الجهات. وردت خارجية حكومة الهند الى وكلائها في الخليج في اليوم التالي، أنتم مخولون لاتخاذ الإجراءات اللازمة كما جاء في رسالة فاول يوم 17 آذار.
في التاسع من آيار بعث ديكسن من الكويت بتقرير الى الجنرال فاول في بوشهر، ذكر فيه أن الشيخ أحمد خرج في يوم الجمعة الخامس من آيار الى الخيام خارج مدينة الكويت، وقابل سكرتيره الشخصي وبين له بشكل واضح وتام، انه في حالة طلب الملك فيصل زيارة الكويت، فأن الحكومة البريطانية ليس لديها اعتراض، على أن تكون تلك الزيارة شخصية، وأن تقدم بشكل أصولي عن طريق السفير في بغداد.
لم يكن مقترح الزيارة الى الكويت هي القضية الوحيدة التي شغلت الدوائر البريطانية في الخليج في موضوع التقارب بين العراق والكويت خلال عهد الملك فيصل الأول. فهناك ملف بمئات الصفحات في دائرة الهند في لندن يضم عشرات الرسائل المتبادلة بين المسؤولين البريطانيين تتناول مسألة التقارب بين الكويت والعراق. ولم تسعف الحالة الصحية للملك فيصل ومشكلة الآثوريين في شمال العراق، ذلك الصيف من إتمام زيارة الملك للكويت، حين غادر الى أوربا للعلاج.

جلالة الملك فيصل الأول قبل وفاته بأيام والى اليمين المستشفى التي توفي بها

سافر الملك فيصل الأول إلى بيرن في سويسرا في 1 سبتمبر/أيلول 1933، لرحلة علاج وإجراء فحوص دورية ولكن بعد سبعه أيام أُعلن عن وفاته في 8 سبتمبر/ايلول 1933، إثر أزمة قلبية ألمت به عن عمر ناهز 50 عاما. وقيل وقتها بأن للممرضة التي كانت تشرف على علاجه لها علاقة بموته حيث شيع بأنها قد سممته بدس السم في الإبرة التي أوصى الطبيب بها. وقد نشرت صحف المعارضة العراقية أن الوفاة لم تكن طبيعية، وشككت في دور بريطانيا في القضاء عليه، ودس السم في شرابه أو في الحقن الطبية التي كان يُحقن بها. وكانت تقارير الأطباء السويسريين قبل وفاته بيومين تؤكد أنه بصحة جيدة ولا يعاني من أمراض خطيرة، ولكن تقرير الوفاة ذكر أن سبب الوفاة هو تصلب الشرايين. وأرجعت الممرضة البريطانية التي كانت ترافقه سبب الوفاة إلى التسمم بالزرنيخ الذي أذيب في الشاي الذي شربه قبل وفاته بست ساعات، خاصة أن الأعراض التي ظهرت عليه في الاحتضار كانت أعراض التسمم بالزرنيخ. ويذكر طبيبه الإنجليزي هاري سندرسن، بأن آخر اقوال فيصل كانت:
"لقد قمت بواجبي، فلتعش الامة من بعدي بسعادة، وقوة، واتحاد"
يروي الدكتور سيار الجميل في كتابه (الملك فيصل الأول 1883 ـ 1933 / أدواره التاريخية ومشروعاته النهضوية، مركز دراسات الوحدة العربية ط1 بيروت 2021)، الساعات الأخيرة للملك فيصل الأول ملك العراق في العشرينات من القرن الماضي، كما يعرض لعدة روايات حول أسباب وفاته، أو قتله بالسم. وفي هذا الإطار، توجه الروايات اصابع الاتهام للإنكليز، ولنوري السعيد وزير الخارجية العراقية في ذلك الوقت، وكذلك لرستم حيدر أحد أعضاء الحاشية الملكية، وبخاصة لممرضة مصرية يهودية اسمها «فيكي» استخدمها رستم حيدر كما استخدمتها المخابرات البريطانية لهذا الغرض.
التقرير الطبي الخاص بالوفاة أشار الى ان انسداداً بالشرايين سبب توقف قلب الملك. وقد وقع ذلك موقع الاستغراب لأن تصلب الشرايين لا يحصل إلا إذا بلغ الإنسان الكبر. ولم يكن الملك فيصل بلغ سن الخمسين يوم وفاته! وتحدث تقرير آخر عن تقيؤ حصل للملك قبل وفاته. فمحتمل ان يكون التقيؤ من السكتة القلبية، ولكنه يكون عادة نتيجة تسمم. وقد تعزز هذا الاحتمال الى شك يصل الى مستوى اليقين. طبيب الملك وهو بريطاني، لم يتخذ الإجراءات لفحص محتويات القيء، خاصة ان الملك شعر بعد فترة وجيزة بأنه في حالة أحسن، وطلب ان يُترك لوحده. ولكنه شعر بعد ساعات قليلة بآلام شديدة. ثم لفظ أنفاسه الأخيرة نتيجة تقيؤ مستمر من معدته الفارغة.
اطباء سويسريون ثلاثة مشهود لهم في بلدهم بسمعة طبية عالية، أجروا فحصاً دقيقاً لفيصل قبل وفاته بيومين، أكدت تقاريرهم ان قلب الملك لا يعاني من شيء خطير، في حين ورد في تقرير الوفاة ان السبب يعود الى تصلب الشرايين. ولم يجر فحص كاف للجثة لمعرفة أسباب الوفاة، بل ان جثة الملك حُنّطت بسرعة تدعو للريبة. وكان الملك فيصل قد صرح لمراسل «الديلي ميل» البريطانية في برن بأنه جاء الى سويسرا لإجراء فحوص طبية سنوية روتينية، وهذا يعني ان الملك لم يأت للعلاج من مرض معين.
في الكتاب حديث عن ان الملك فيصل خضع في سويسرا لتسمم بالزرنيخ. والمصاب بهذا النوع من السم إذا ذُوّب بالشاي والحليب يشعر عادة بعطش شديد ودوار وألم مبرح في المعدة، مع تقيؤ يعقبه خواء. أي تقيؤ من معدة فارغة. وقد تسبب حالة التسمم هذه عجزاً في القلب.
ولوحظ ان وزارة الخارجية البريطانية لم تهتم بالتقارير التي تحدثت عن وفاة فيصل غير الطبيعية، فقال الناطق باسمها ان من الأفضل ترك القضية تموت موتاً طبيعياً.
قبل وفاة الملك بيومين شوهدت سيدة هندية (قيل ان لها علاقة عاطفية بفيصل) هي وأخوها مع الملك. وقد تشاجرت معه في اليوم الذي سبق وفاته. وعندما توفي اختفت نهائياً من الفندق.
تقارير أخرى حول وفاة فيصل اشارت الى ان الملك فيصل لم يصب قبل وفاته بنوبات قلبية، وإنما أجرى الأطباء فحصاً لقلبه قبل يومين من وفاته، وتبين انه سليم.
السيدة الهندية التي كانت صديقة الملك ادعت لاحقاً انها أجلت سفرها للتعزية، في حين أكدت التقارير الرسمية اختفاءها حال وفاة الملك! ولكن مما يستدعي الشك في قولها ان رئيس التشريفات اتصل بها مرتين: الأولى قبل وفاته بساعة ليقول لها ان الملك نائم، والثانية بعد منتصف الليل ليخبرها بموت الملك. وادعت هذه السيدة انها تناولت الطعام مع الملك، ولا تذكر الشاي الذي شربته معه عصراً.. فهل هي التي دست له السم؟
لم يجر تحقيق دقيق، ذو صدقية وشفافية، كما نقول اليوم، عند موت الملك فيصل. ولكن الجميع كانوا مقتنعين بأن على من يسعى الى مثل هذا التحقيق ان يفتش لا عن المرأة، بل عن الانكليز الذين كانوا يستعمرون العراق ويخافون فقد آبار نفط الكويت، والذين طالما اصطدموا مع الملك فيصل ومع والده الشريف حسين حول طموحات الشريف وأولاده لبناء دولة عربية واحدة. ولكن كان هناك من قال ان على كل من يسعى الى اجراء مثل هذا التحقيق ان يفتش عن الانكليز، وعن المرأة في آن، خصوصاً ان المرأة كانت تُستخدم من قبل الانكليز!
ولنا أن نتساءل هل أن ارتياب الإنكليز من رغبة الملك فيصل الأول ذو الطموحات الوحدوية العربية زيارة الكويت والتي كانت تبدو كأنها زيارة لمنطقة تقع ضمن حدود المملكة العراقية، تشكل تجاوزاً للخطوط الحمر التي رسمتها بريطانيا للمنطقة وعليه يجب التخلص منه بعد إصراره على القيام بهذه الزيارة لاسيما وأن الزيارة المزمعة شغلت كل الدوائر السياسية والعسكرية البريطانية وأدخلتها في حالة الإنذار كما أسبقنا؟
لم يوقف الموت الغامض والمشكوك فيه للملك فيصل الأول وريثه على عرش العراق أبنه الملك غازي الاول (1933- 1939)، من المطالبة بعودة الكويت إلى العراق ودخوله هو الآخر منطقة الخطر المحرمة وسيدفع الثمن الذي دفعه والده جراء هذه المطالبة كما سنرى.

 

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1157 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع