أيام زمان الجزء ٥٠ - قصة الحذاء / ١
تخيل الحياة بدون حذاء، موقف صعب، حيث الإنسان يخاف بالفعل من كل الموجودات على الطريق أثناء المشي، بالإضافة إلى الأشياء الجارحة والحيوانات الصغيرة الزاحفة، يشعر بالفعل بعدد لا يحصى من الأشياء المؤذية، أو المخلوقات التي يمكن أن تلدغ أو تعض القدم الغير المحمية، أو النتوءات الحادة في الصخور أو ما شبه ذلك وتجرح القدم، كانت الحاجة لحماية القدمين من التأثيرات الخارجية الطبيعية ضرورية ولهذا ظهرت الأحذية ، نمت هذه الحاجة البسيطة والعملية إلى صناعة لا تزال تنمو وتتطور، ويتفنن المصممين وصناع الحرفة بالتصميم الأنيق والأناقة والراحة.
ويقال في الحكايات: إن ملكاً كان يحكم دولة واسعة جداً، أراد هذا الملك يوماً القيام برحلة برية طويلة، وخلال عودته وجد أن أقدامه تورمت بسبب المشي في الطرق الوعرة، فأصدر مرسوماً يقضي بتغطية كل شوارع مدينته بالجلد، غير أن أحد مستشاريه أشار عليه برأي أفضل وهو عمل قطعة جلد صغيرة تحت قدمي الملك فقط، فكانت هذه بداية فكرة صناعة الأحذية واتخاذها نعلاً للقدمين، وواصل الحذاء تطوره حتى أصبح على الشكل الذي نعرفه اليوم، ويتحول إلى صناعة قائمة بذاتها.
لم يحدد العلماء متى تخلى الإنسان عن المشي حافي القدمين تمامًا، لكن تاريخ الحذاء وفق الباحثين يعود لفترة تزيد على 40 ألف عام، حيث كان الإنسان الأول يلف أوراق النباتات والأغصان الناعمة، حول قدميه لحمايتها من الحرارة والطبيعة، وفي المناطق شديدة البرودة كان الإنسان يلف فراء الحيوانات حول قدمه وساقه، لحمايتها من البرد والثلوج، وتظهر رسومات أثرية عثر عليها في كهوف رجالا، يرتدون شيئًا أقرب لكيس مصنوع من جلود الحيوانات والعشب واللحاء.
كانت أول عينات لأقدم حذاء ظهر في أواخر العصر الحجري القديم في الجزء الغربي من أوروبا، خلال دراسة لبقايا شعب بدائي لهيكل من العظام وعظام الساق، في هذه الفترة بدأت تتكون التغييرات في هيكل القدم للشعب القديم، حيث بدأ الأصبع الصغير يقل طوله مع الشكل العام للقدم، والذي يدل على ارتداء أحذية ضيقة.
من جهة أخرى يقدر بعض العلماء تاريخ الحذاء حوالي 9 آلاف عام، اعتماداً على التغيُّر الذي طرأ على شكل عظام قدم الإنسان، وهناك دراسة أخرى فقد اكتشف علماء آثار من الأكاديمية الوطنية للعلوم في أرمينيا، أقدم حذاء في التاريخ، والحذاء المكتشف مصنوع من الجلد في حالة ممتازة جدا، ووجد في كهف "أريني-1" في أرمينيا ويعود الحذاء الذي أطلقوا عليه اسم "أريني-1" إلى 5500 عاما، بحسب صحيفة ناشيونال جيوغرافيك، وهي فردة حذاء واحدة، وكان محشي بالقش، ولا يزال العلماء غير متأكدين من وجود القش داخل فردة الحذاء، ما إذا كان
بغرض إبقاء القدم جافة ودافئة، أو بغرض الحفاظ على شكل الحذاء بعد خلعه.
كذلك يعتبر عام 1991م تاريخًا مهمًا في تاريخ الأحذية، لأنّ في هذا العام الذي وجد فيه علماء الآثار على حدود النمسا وإيطاليا، إنسانًا محنطًا بشكل طبيعي يُدعى أوتزي، توفي قبل حوالي 3300 عام من عصرنا، كان الرجل مسافر عبر جبال الألب، يرتدي حذاءً مصنوعًا من جلد الغزال، مع نعل مصنوع من جلد الدب، هذه هي الطريقة التي كان يُعتقد أنّ أسلوب إنتاج الأحذية بها في العصر الحجري، وكانت الغرز صغيرة ولم تكن موثوقة للغاية نظرًا للأدوات التي كانت لدّى الناس في ذلك الوقت، كما قدر بعض العلماء أنّ الأحذية الأولى تمت صناعتها في العصر الجليدي، كانت مصنوعة من جلود الحيوانات.
ولحماية القدم منذ العصور القديمة في منطقة البحر الأبيض المتوسط، هو الصندل، الذي يتألف من نعل واقٍ، يُثبَّت بالقدم بسور جلدي أو حبال من مواد مختلفة، وأحذية مماثلة تلبس في الشرق الأقصى كان مصنوعًا من العشب المظفر أو سعف النخيل، وفي المناخ التي تتطلب تغطية كاملة للقدم، تم ربط قطعة واحدة من الجلد غير المغطى بقطعة قماش رفيعة، مما يوفر حماية كاملة للقدم وبالتالي صنع غطاء كامل، يقوم صانع الأحذية التقليدي بقياس القدمين وقطع الجلود العلوية وفقًا للحجم المطلوب، وتم تركيب هذه الأجزاء وخياطتها معًا.
يعود تاريخ الصنادل المصنوعة من لحاء الميرمية إلى حوالي 7000 قبل الميلاد، وهي أول صندل يتم اكتشافه على الإطلاق، وكان عالم الآثار لوثر كريسمان هو الذي اكتشفها في كهف فورت روك في ولاية أوريغون في عام 1938، تمتاز الأحذية التي أطلق عليها كريسمان بـ "صنادل فورت روك"، بتصميم منسوج معقد، وجد أنه شائع في الصنادل الأخرى التي تم اكتشافها في كهوف الترسبات القديمة في جميع أنحاء المنطقة المحيطة بثوران بركان جبل مازاما قبل 7500، وبعد عقد من الزمان شهد الاكتشاف الأولي لتقنية التأريخ بالكربون،وحدد التأريخ الكربوني أن الصنادل كانت في الواقع أكثر من 9000 عام.
والخفاف هي أحذية مصنوعة من قطعة واحدة من الجلد الناعم أو جلد الأيل، ويتم خياطة النعال والجوانب معًا في الأعلى وأحيانًا تتم إضافة رقعة قطعة إضافية من الجلد، في حين أن النعل ناعم ومرن، فإن الجزء العلوي مزين بالخرز أو التطريز، على الرغم من ارتداؤها في الداخل من حين لآخر، وتم ابتكار هذه الأحذية التقليدية وتمسى الموكاسين وارتداؤها في الخارج، كان المستخدمون الرئيسيون لهذه الأحذية هم القبائل الأصلية في أمريكا الشمالية، والصيادون، والتجار، والمستوطنين الأوروبيين والعديد من الآخرين الذين قضوا معظم وقتهم في الهواء الطلق، بينما ظلت الوظيفة الأساسية كما هي، اختلف التصميم والتطريز حسب القبيلة، لذا كانت أحذية الموكاسين إحدى الطرق لتحديد قبيلة الفرد أو عرقه.
تأتي كلمة موكاسين من اللغة بوهتان القديمة، ومنذ ذلك الوقت جرى تعميمها وأصبحت تُطلق على أي نوع من أنواع الأحذية مخيطة ويرتديها الهنود الأصليون،وأطلق هذا الاسم على الأحذية وأصبح يلازمها منذ بداية ظهورها نظرًا إلى أن هذه القبيلة كانت أول من اتصل بالمستوطنين البيض، والآن أصبحت كلمة موكاسين تُطلق على نوع خاص ومُعين من الأحذية.
أما في المناخ المتطرفة والمناطق ذات التضاريس الوعرة، كانت تتطلب تصاميم أخرى مختلفة، غالبًا ما كانت القبائل التي تعيش في الصحاري والسهول ترتدي أحذية موكاسين ذات نعال صلب مصنوعة من الجلد ويتم خياطتها من الجلد الخام القوي وشديد التحمل، لحماية أرجلهم أثناء السير على الصخور، أو التعرض لأي مخاطر أخرى.
كذلك هناك حذاء Inuit Mukluk وهو حذاء آخر قوي ومتين يناسب المناخ شديدة البرودة، يشبه إلى حد كبير حذاء الموكاسين، وأصبحت تستخدم هذه الكلمة (Mukluk) لوصف أي حذاء قوي ومتين مُبطن بالفراء يحمي الأقدام من البرودة الشديدة. ولكن السكان الأصليين في القطب الشمالي كان لديهم تصاميم أخرى لتدفئة أقدامهم، وصنعوا أحذية موكاسين مكونة من عدة أجزاء لتدفئة أقدامهم.
لا تزال أحذية الموكاسين مُتاحة حتى الآن ويُقبل عليها أعداد كبير من الرجال، ولكن تصاميمها اختلفت كثيرًا عما كانت عليه في الماضي ولم تعد الموديلات المطروحة في الأسواق الآن، تُشبه تلك الأحذية التراثية التي نراها في الصور القديمة، وأصبحت أكثر تطورًا من الأحذية التي تُصنّع من جلود الغزلان ويتم خياطتها يدويًا.
تتميز الأحذية الموكاسين لوفر أو أحذية القوارب بأنها أنيقة وذات تصاميم مميزة تُضفي على إطلالة ولمحة أنيقة،
كما أنها في الوقت نفسه يسهل ارتداؤها، وتساعد الإنسان على التحرك بخفة شديدة وسهولة دون تكبد أي معاناة.
ظهرت الأحذية المدببة، وأول هياكل الأحذية، في بداية العصور الوسطى، جاء الحذاء من القماش إلى أوروبا الوسطى من جبال البرانس، وأصبح يتمتع بشعبية كبيرة، صُنعت هذه الأحذية من قماش الجوت، وكانت خفيفة ومريحة ولكن يجب ارتداؤها في مناخ أكثر دفئًا، ولهذا لم تصل إلى شمال أوروبا، أنتجت أوروبا الشمالية والوسطى أحذية جلدية تم قلبها من الداخل للخارج والتغيير في خصائصها، لقد كان هيكلًا سلسًا تقريبًا حيث بقيت الغرز داخل الحذاء، وبالتالي حماية وتقوية الحذاء، ولكن هذا التصميم لا يمكن استخدامه إلا مع الجلد الناعم والمرن، من فوائد هذه الأحذية أنّه يمكن ارتداؤها في أوقات مختلفة من العام، بإضافة بعض القش أو الفراء داخل الحذاء خلال فترة البرد.
واختراع الكعب العالي يعود زمنيا إلى عهد الإغريق القدامى حسب المؤرخين، حيث كان لبس الحذاء ذو الكعب العالي مخصصًا للرجال من أصحاب الطبقات العليا في البلد، وللرجال الأغنياء وأصحاب الجاه والمكان الرفيعة، وقد عُرف الكعب العالي عند الرجال في حضارة الفرس القدماء، وعُرف عند اليونانيين وعند المصريين أيضًا، ثمَّ انتشر في آسيا وإفريقيا قبل أن ينتقل إلى أوروبا في القرن السابع عشر على أصح الأقوال.
خلال عصر النهضة، غالبًا ما كان الملوك في أوروبا يرتدون أحذية ذات كعب عالٍ جدًا، أيضًا كان بإمكانهم المشي بهدوء مباشرة عبر البرك حيث يصل ارتفاع كعوبهم إلى 30 سم، كانت هذه الأحذية نماذج أولية لأحذية الكعب، حيثُ لعب الملك لويس الرابع عشر ملك فرنسا، دورًا مهمًا في نشر شعبية الكعب العالي، ازدهر الفرسان النبلاء أثناء إحياء الثقافة وعلم الجمال، حيثُ كانوا أول من بدأ في ارتداء أحذية الكاحل، والتي كانوا يرتدونها أثناء ركوب الخيل والقتال. في العصر الباروكي (الفترة الممتدة من أواخر القرن السادس عشر حتى بداية القرن الثامن عشر)، هي واحدة من أكثر الفترات الثقافية إثارة للجدل والتي تتميز بالتعقيد والغطرسة والدراما والميل إلى العظمة، لذا فليس من المستغرب أن تكون الأحذية خلال هذه الفترة الثقافية تُصنع من مواد باهظة الثمن، مثل المخمل والساتان والحرير، وكانت الأحذية مزينة بالورود الاصطناعية والأشرطة والأحجار الكريمة. والكعب العالي لم يكن اخترع أصلاً للنساء، حيث يعود تاريخ الكعب العالي للرجال الفرسان في القرن العاشر، الذين ارتدوا الكعب أثناء ركوب الخيل حتى تتلاءم أقدامهم بشكل أفضل مع الركائب، وهذا هو الاتجاه الذي
اعتمده عليه الأوروبيون في مطلع القرن السابع عشر.
يقول التاريخ أن هناك تاريخ طويل من الرجال، الذين يرتدون الكعب العالي لأغراض الفروسية مثل رعاة البقر الذين يرتدون الكعب العالي، وإن الكعب العالي كان في الأساس يتعلق بالوظيفة، وليس بالأزياء وذلك خلال أوقات الحرب، وكان أداة إضافية تسمح للراكب بثبات نفسه، وبالتالي استخدام الأسلحة بشكل أفضل، وبعد فترة وجيزة، تبنت النساء المظهر تمامًا، وبحلول القرن الثامن عشر كانت الأحذية ذات الكعب العالي تعتبر إلى حد كبير أحذية نسائية، وقد بدئوا ببطء يأخذون الشكل الذي نعرفه اليوم بكعب أدق وأصبع القدم المدبب، حيث النساء في القرن الثامن عشر كانا يرتدين الكعب العالي لجعل أقدامهن تبدو أصغر. ويطيل أرجلهن أو يجعلهن أطول .
وللحديث بقية.........
المصدر مواقع التواصل الاجتماعي
للراغبين الأطلاع على الجزء السابق:
https://www.algardenia.com/mochtaratt/62428-2024-02-29-10-17-00.html
3607 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع