رووداو ديجيتال:وجه عدد من ذوي شهداء تظاهرات تشرين، رسالة إلى السفير الإيطالي في العراق، طالبوا فيها بعدم المضي في مشروع تحويل مبنى "المطعم التركي" الواقع في ساحة التحرير التي مثلت مركزاً للاحتجاج وسط بغداد، إلى مستشفى من خلال شركة إيطالية استثمارية، محذرين من أن ذلك يمثل "طمساً لذاكرة إنسانية ووطنية وثقافية".
وجاء في نص الرسالة، اليوم الخميس (21 آب 2025)، أنه "على مدى عقود جمعت بين العراق وإيطاليا علاقات إيجابية وعميقة، لم تقتصر على المجال الاقتصادي والنفطي، بل شملت الثقافة والفنون والآثار والقيم الروحية والدينية. فقد كان لإيطاليا دور محوري في تكوين أجيال من الفنانين العراقيين الكبار، وفي مقدمتهم فنان العراق الأبرز جواد سليم، صاحب نصب الحرية الذي تتوسط جداريته ساحة التحرير".
وأضاف البيان: "لعل سعادتكم تعلمون أن هذا العمل الخالد قد نُفذ وصُب في فلورنسا قبل أن ينقل إلى بغداد، ليصبح رمزاً وطنياً لجميع العراقيين".
وتساءلوا، بأن "هل تعلمون أن انتفاضة تشرين أطول انتفاضة سلمية في تاريخ العراق الحديث شهدت سقوط ما يقارب 700 شهيد وآلاف الجرحى والمعاقين والمفقودين، وأدت إلى إسقاط حكومة جائرة؟"، مشيرين إلى أنه "رغم مرور ست سنوات على حدوثها، فإن القتلة ما يزالون بلا محاسبة".
ولفت البيان، إلى أن "هناك محاولات تبذل اليوم لطمس ذاكرة المكان، تحت ذريعة إنشاء مستشفى في موقع لا يصلح لذلك، سواء من الناحية المكانية أو من حيث وظيفة المبنى"، فضلاً عن أن "المنطقة تحمل قيمة رمزية وثقافية وفنية ووطنية ينبغي الحفاظ عليها وتنميتها".
وأوضح، أن "لإيطاليا كانت على الدوام مبادرات مشرفة في دعم الثقافة العراقية، ومنها إعادة ترميم المتحف العراقي بعد الخراب الذي لحق به عام 2003، وإرسال فرق آثارية عديدة للتنقيب والكشف عن قيمة أرض سومر وبابل وآشور الحضارية إلى كل العالم".
وتساءل الموقعون على البيان، أنه "كيف يمكن لبلد ذي سجل ثقافي وإنساني رفيع مثل إيطاليا أن يرتبط اسمه، من خلال إحدى شركاته، بمشروع يثير الريبة ويمس صرحاً وطنياً وثقافياً عراقياً مهماً، ويشارك – ولو عن غير قصد – في مناورة طمس الذاكرة الجمعية والإنسانية والوطنية للعراقيين؟".
وأكدوا: "إننا لا نتمنى لبلدكم أن يُذكر اسمه في العراق مقروناً بمشروع مشبوه، غايته إخفاء معالم مكان كان شاهداً على تضحيات آلاف الشباب والشابات المسالمين. ذلك المبنى المعروف شعبياً بـ(المطعم التركي)، تحوّل خلال الانتفاضة إلى رمز للمقاومة السلمية، قبل أن تحوله الميليشيات إلى مسرح لانتهاكات مروعة".
وتابعوا، أنه "ها هو اليوم مهدد بمساعدة شركة إيطالية بأن يُعاد طلاؤه ليُقدم للعالم على أنه مستشفى، بينما الحقيقة هي محاولة منظمة لطمس الذاكرة والمكان والفضاء العام"، لافتين إلى أن "الحكومة السابقة كانت قد وافقت على أن يكون هذا الموقع متحفاً لشهداء الاحتجاجات الشعبية (انتفاضة تشرين)".
الموقعون ختموا رسالتهم بالقول: "سعادة السفير، كونوا كما عهدنا الإيطاليين، أوفياء لقيم حقوق الإنسان، والعدالة، وحرية التعبير، وجماليات المكان"، مؤكدين تطلعهم إلى "استمرار التعاون بين العراق وإيطاليا على أساس المصلحة المشتركة واحترام قيم شعبينا، لا أن تُلطخ سمعة بلدكم العريق، ولو عرضاً، بجرائم قتل مئات الشباب المسالمين من قبل الميليشيات وقطعان الموت والمنظمات الإجرامية".
في نيسان الماضي، أحالت أمانة بغداد بناية "المطعم التركي" المطلة على ساحة التحرير والمقابلة لجدارية نصب الحرية عند طلعة جسر الجمهورية المؤدي إلى المنطقة الخضراء -والتي اتخذها المحتجون خلال تظاهرات تشرين مركزاً رئيسياً للاحتجاج- إلى الاستثمار، في تحرك سريع ومفاجئ، رغم أن المبنى كان مقرراً تحويله إلى متحف لشهداء التظاهرات.
وفي نهاية تموز الماضي، أعلن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، انطلاق الأعمال التنفيذية لما سُمي بـ"المستشفى الإيطالي" مبنى "المطعم التركي" سابقاً في بغداد.
ومن الزاوية الفنية والوظيفية، لم تقتصر الاعتراضات على أنصار التظاهرات والأوساط الثقافية -لما تمثله الساحة من ذاكرة ثقافية وفنية- بل شملت مواطنين آخرين، أكدوا أن الساحة التي تتوسط بغداد وتُعد من أكثر مناطق الازدحام في العراق، لا تحتمل مشروعاً من هذا النوع، حتى مع توفير مواقف للسيارات داخل المبنى، لما سيترتب عليه من مزيد من الزحام وتعقيد أزمة مرورية مزمنة لم تُحل بعد.
929 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع