
أيام زمان الجزء ٦٤ / قرأة الفنجان

جلست والخوف بعينيها.. تتـأمـل فنجـاني الـمقلوب
قالت يا ولدي لا تحـزن.. الحـب علـيك هـو الـمكتـوب
فنجان مقلوب رأساً على عقب، متكئ على صحن دائري صغير بانتظار أن يجف، في جوفه رسومات وأشكال مبهمة، وأخرى مكونة من رموز وحيوانات جميعها قد تشكلت من بقايا البن المحمص، لكن لا يمكن أبداً الاستهانة بآثار البن المترسبة في قاع الفنجان، لأنها قد تكشف عن خبايا المستقبل، ودليل مرشد في خطوات الكثير من المهوسين بقراءة الفنجان وفتح الطالع والحظوظ ومعرفة النصيب.
تعد قراءة الفنجان من الأمور المعروفة منذ القدم، وتعرف قراءة الفنجان قديمًا باسم (التاسيوغرافي)، وهناك الكثير من الآراء حول تحريم هذه العادة القديمة، لارتباط قراءة الفنجان بالمستقبل، ويوجد مجموعة أخرى تعتقد أن قراءة الفنجان أمر ممتع، وينصح الحكماء بعدم تصديق أقوال القارئة بشكل أعمى، بل يجب أخذه كنوع من التحذير ومن التبشير ببعض الأحداث، وعدم اتخاذ أي قرارات رئيسية أو قرارات قد تغيير من حياة صاحب الفنجان، بناءً على أقوال القارئة ، ويقول احد الحكماء : “من الصعب أن تعرف مستقبلك فمع كل حركة وقرار يتغير المستقبل”.

قراءة الفنجان إحدى الممارسات التي يعتقد بعض الأشخاص أنه يمكن عن طريقها قراءة الطالع ومعرفة المستقبل، وقد بدأ فن قراءة الفنجان في الصين في بادئ الأمر، لذلك يعد هذا الفن له جذور قديمة جداً، وكان يمارسها رجال الدين بالصين باستخدام أوراق الشاي، وقد أنتقل هذا الفن لبقية الدول بعد أن حلت القهوة محل أوراق الشاي.
بعد أن شاع تقديم القهوة (أي القهوة الحلوة) إلى الضيوف، شاعت في معظم مدن العراق طريقة الاستخارة بقراءة فنجان القهوة، خاصة بين النساء لاستطلاع المستقبل، وتقوم القارئة بقراءة الفنجان بعد الفراغ من احتساء محتواه، وهي احدى الحاضرات وربما صاحبة البيت نفسها، بعد قلب الفنجان على إنائه لينشف قليلا، ولتظهر عليه بعض الخطوط والأشكال التي تفسرها القارئة، وتوضح مغزاها حسب اجتهادها وربما تصيب أو تخطئ، وهي غالبا مواضيع عامة شائعة في المجتمع، وهذا ما يعصمها من الغلو في استطلاع الغيب، كما عرف الإغريق والأتراك بقراءة الفنجان، وهناك اعتقاد بأنه يرجع في الأصل إلى الأتراك، وذلك لأن هذه العادة كانت تمارس قديمًا في بعض المعابد التركية، فحينما كان يريد أحد الأشخاص معرفة مستقبله، يذهب إلى المعبد، وقبل دخوله يشرب فنجان من القهوة، ثم يتركه خارج المعبد عند شخص يسمى البابا عندهم، ثم يدخل للمعبد لتكملة الشعائر الدينية الخاصة به، وعندما يخرج من المعبد يجد البابا قد قام بقراءة الفنجان ليطلعه على مستقبله.
أشعل انتشار القهوة في العالم الإسلامي، مطلع القرن الخامس عشر الميلادي، معركة فقهية سرعان ما تطورت إلى أحداث شغب. هذا الجدل الصاخب بشأن القهوة، استمر في العهد العثماني قرابة قرنين من الزمن، بدعوى أنها "مسكرة ومفسدة " للعقل والبدن، وأشد خطراً من الخمر.
تسلّح الملوك والسلاطين بالفتاوى الدينية التي أصدرها الفقهاء لتحريم القهوة، فكانت حجتهم أنها تسمم الروح والجسد، لكن بعض المتتبعين لتاريخها وجدوا أن حظرها يعود لأسباب سياسية، ففي المقاهي يتجمع الناس وتدور النقاشات والأحاديث، وفيها تفشى الأسرار، ومنها تنطلق الثورات والتظاهرات، ولأن القهوة لها مفعول كيميائي سحري تورّط فيه كبار المفكرين، أمثال فولتير، الذي يحكى أنه كان يحتسي أربعين فنجاناً من القهوة يومياً، لهذا فهي كانت مصدر قلق لقدرتها على تنشيط الخيال والأفواه معاً، وهذا ما لم يكن يريده الحكام.
وهناك اعتقاد بأن فن قراءة الفنجان تمكن القارئ من تحليل الشخصية، وقراءة الأفكار والاطلاع على المستقبل، من خلال الرموز والخطوط الموجودة بفنجان القهوة، وغالباً ما تتم قراءة فنجان القهوة التركية من قِبل عرافين محترفين، أو بين الأصدقاء الذين لديهم بعض الخبرة في ذلك، ولكن ليس من المعتاد أن يقرأ فنجانه بنفسه، هذه المهارة قد نشأت مع قيام الجدة بإعطاء القراءات لأصدقائها أو بناتها وحفيداتها، وبذلك تنتقل مهارة قراءات فنجن القهوة التركية عبر الأجيال.
عادةً يعتمد العرافين المحترفين، ومثلهم مثل معظم المهن المماثلة، مثل قراءة الكف ومثل الأبراج، فهم جيدون في التقاط الانطباعات الأولى، عن شخصية الشخص الذي يقرأون فنجانه، ويعتمدون على حدسه وانطباعه بالدرجة الأولى، ولكن الدلالات التي يراها بالفنجان والرموز التي تتكون لها نسبة عالية من دقة التوقعات.
اختلف الكثيرون في آرائهم ومعتقداتهم حيال هذه الممارسة الغريبة، فمنهم من يراها مسلّية ولمجرّد المتعة، ومنهم من يراها ملجأً للهروب من الواقع، ومنهم من يؤمن بها ويعلّق آماله عليها، ويتفاءل إذا سمع كلاماً جميلاً ويحزن ويتشاءم إذا سمع كلاماً مزعجاً، ومنهم من يراها محرّمة ويخاف من غضب الله لأنه يؤمن كلّياً بأنّ الله وحده يعلم الغيب وهذا لا خلاف عليه.
أما خطوات تجهيز قراءة الفنجان، يجب أن يكون فنجان القهوة مقعر وعريض، ويجب أن يكون أبيض اللون أو فاتح اللون، حتى يستطيع القارئ قراءة الفنجان بوضوح، وألا تكون القهوة المستخدمة قهوة جاهزة أو معلبة أو فورية، وعند التحضير يغلي مقدار فنجان من الماء مع ملعقة صغيرة من البن المطحون الغامق، ويفضل أن تغلي القهوة باستخدام موقد الغاز، أو الفحم حتى تغلي القهوة لمرة واحدة، ولا يجوز تحضير القهوة باستخدام آلة صناعة القهوة الكهربائية حيث لا تعطي النتائج المطلوبة ولا يضاف لها السكر أو الهيل.
بعد صب القهوة في فنجان صغير، تشرب القهوة ببطء ويطلب من الشخص الذي يشرب القهوة أن يشرب محتويات الفنجان بقصد وبنية، ويجب الاستمتاع بمحادثة مع أحد أفراد العائلة أو الأصدقاء، عند الانتهاء لا يشرب تفل القهوة، يقوم بتحريك فنجان القهوة بشكل دائري وببطء أثناء الشرب حتى تتوزع القهوة في جميع أنحاء الفنجان، وبشرب أكبر قدر ممكن من القهوة، والمحافظة على تفل القهوة في الفنجان.
في بعض البلدان، يُطلب من الشخص شرب القهوة في عدد معين من الرشفات، عادة ما يكون رشفة واحدة أو ثلاث رشفات أو خمس رشفات، عند الانتهاء من الشرب، يقوم الشخص بقلب الفنجان رأسًا على عقب على صحن الفنجان نفسه، وتحريك الفنجان والصحن ثلاث مرات في اتجاه عقارب الساعة، ثم يترك على الطاولة لفترة قصيرة فقط.
في فترة الانتظار نرى الرواسب تتسلل من الفنجان على الصحن، بعد حوالي 5-10 دقائق يكون الفنجان جاهز للقراءة. ويلتقط العراف أو العرافة الفنجان ويفصلها عن الصحن، وإذا لم ينفصل الفنجان والصحن فورًا فيجب عدم قراءة الفنجان. بعد ذلك يطلب العراف من الشخص الذي شرب القهوة وضع بصمة، إذا أراد معرفة حياته العاطفية أو عمله فوق الفنجان، وإذا كانت النية هي معرفة أمور المهنية والمالية، قارئة الفنجان تحتاج إلى حدس، وأن يكون لها أسلوب وكاريزما برواية القصص ومعرفة جيدة بالرموز، ولا بأس أن تسألهم تفاصيل عن نيتهم ولماذا يشعرون بالقلق بشأن مستقبلهم.
أسلوب قراءة الفنجان يجب أن يمسك قارئ الفنجان بيده اليمنى، ويفكّ الرموز التي ظهرت عليها، ثمّ يلفّ الفنجان بعكس عقارب الساعة، حيث ستظهر له الخطوط والرسومات بشكل أوضح وعليه أن يقرأها بالتدريج وببطء.
أشكال فنجان القهوة أحد أهم الأسس التي يجب معرفتها، بشكل كامل حتى يتم قراءة الفنجان بشكل صحيح،

وتتمثل هذه الأشكال في اللون والخطوط وكذلك أقسام الفنجان، يشير اللون الفاتح في فنجان القهوة إلى الطيبة والنقاء الموجدان بداخل قلب الشخص الذي يتم قراءة الفنجان الخاص به، واللون العادي يشير إلى الحياة الهادئة والمستقرة التي ينعم بها الشخص، بينما يشير اللون الغامق إلى وجود بعض الأحزان والمتاعب في حياة الشخص.
أساسيات وطرق قراءة الفنجان تعتمد على ثلاثة وأقسام هي: الماضي والحاضر والمستقبل، ولكل قسم الدلالة الخاصة به والتي تشير إلى شيء محدد مثل: قعر الفنجان هو دلالة على مكان خاص بهذا الشخص سواء كان منزل، أو مكان العمل والإقامة، وجانب الفنجان يشير إلى الحياة الاجتماعية التي تحيط بالشخص ويظهر القسم الأوسط من الفنجان الوضع الحالي والحاضر، بينما ترمز المنطقة المحيطة بالحافة إلى المستقبل، والمنطقة المحيطة بالمقبض تشمل قسم الحب والعلاقات، وعلى الجانب الآخر من مقبض الفنجان، يوجد قسم يتعلق بالمال والثروة يساراً، بينما أذن الفنجان ترمز إلى الوضع الحالي للشخص الذي شرب القهوة، والقسم الأيمن من أذن الفنجان يتنبأ بالأحداث المستقبلية، والقسم السفلي من أذن الفنجان هو قسم النصيحة حيث له علاقة بأمور تتعلق بالمنزل والعائلة.
هناك العديد من الخطوط التي تظهر عند قراءة الفنجان والتي يشير كل خط منها لمجموعة من المعاني والدلالات فمثلا: تشير الخطوط الثعبانية إلى اليأس والإحباط الذي يكون في حياة الإنسان، بينما تشير الخطوط متنوعة الملامح إلى الحياة التي تحيط بالشخص، الخطوط العشبية لها دلالة على الحيرة والتردد التي يقع بها الشخص بشكل مستمر. بينما تعني الخطوط المستقيمة التخطيط الدقيق للحياة وراحة البال للشخص. في حالة رؤية بعض الخطوط محنية المسار فهذا يشير إلى وجود بعض المشاكل والصعوبات التي تواجه الشخص. وإذا وقعت غالبية رواسب القهوة من الفنجان على الصحن، فيجب على العراف أن يقول المخاوف تبتعد للشخص الذي شرب القهوة والكمية الصغيرة الكثيفة من رواسب القهوة على الصحن تشير إلى أن المال سيأتي قريبًا، في بعض البلدان إذا تركت حافة الفنجان علامة دائرية كاملة على الصحن، فهذا يعني أن “النية ستتحقق” بينما تشير الدائرة المكسورة وغير المكتملة إلى صعوبات ومشاكل.
تفسير رؤية الأسد في الفنجان تعني صديق مؤثر، والنجاح في العمل والسيطرة. ورمز المرأة في الفنجان تدل على الشرف، والرزق، والحنان. ورؤية البن على شكل رجل في الفنجان تعني المال والدعم والاستقرار. أما رمز القناع تدل على الأكاذيب والخداع من الشخص، ورؤية شكل حورية البحر: النجاح في الحب وعلاقة رائعة، وتحقيق الأماني، وتفسير رؤية القرد في الفنجان تدل على الفضول، والمشاكل، الثرثرة، والحركة بلا بركة. ومجموعة من النقاط السوداء تدل على حصول المال ويفسرها البعض أيضًا هذه النقاط على أنها رسائل تصل قريبًا، أما المثلثات في الفنجان يعني بوجود مستجدات وبأن التغيير قادم إلى حياة الشخص، ونهاية مرحلة وبداية مرحلة جديدة، وتفسير رمز الدائرة في قراءة الفنجان إذا كانت مكتملة فهي تدل على النجاح الشامل، أما إذا كانت متعرجة فهي نجاح منقوص. والمربع يدل على الراحة والسلام، ورؤية السلسلة تدل ضياع الحرية، واتحاد غير سعيد في الزواج أو العمل، وتفسير مشاهدة الخنجر تعني الطلاق قطع العلاقات والصلة.
في النهاية تتنوع شريحة الزبائن التي تقصد القارئة، بدءاً من أقلهم مالاً وصولاً إلى أكثرهم نفوذاً وسلطة، كالموظفين والأطباء والصيادلة والمهندسين والممثلين، وكذلك رجال السلطة ممن لهم مناصب حساسة في الدولة هم الأكثر تعطشاً لمعرفة خفايا مستقبلهم، والاطلاع على الأحداث القادمة خوفاً من خسارتهم الكرسي وخشية من وقوع وشايات غير محسوبة، إذ يستمعون بدقة متناهية ويحفظون كلام القارئة عن ظهر قلب تحسباً لأي طارئ، وكذلك أصحاب النفوذ كالمسؤولين والضباط ذو المراتب العليا على أحر من الجمر لسماع ما تقوله القارئة وخاصة في الفترات الحرجة التي تتحدث عن حصول تغيير مرتقب كذلك الحال بالنسبة لأصحاب الأموال.
المصادر: مواقع التواصل الاجتماعي.
للراغبين ال"لاع على الجزء السابق:
https://algardenia.com/mochtaratt/69528-2025-11-11-20-31-33.html

1121 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع