مدينة سوبوت عروس آخرى تغفو على البلطيق
لا أعرف أي حالة تصيبني حينما أزور أي مدينة من مدن العالم لابد أن أتذكر بغداد و ليالي بغداد ودجلة الخير!!؟
وأنا على شاطىء مدينة سوبوت تذكرت هذه الأبيات بحق حبيبتي بغداد:
بكيتُ على بغداد من مهجتي دما ومن فرط ما عانيت أسرى بي الـعمى
يقولون لي : بغداد لاتسمع البـُكا ولم تستطعْ منذ ارتحلتَ التكـــلــّـما
فقلتُ لهم هذي ضلوعي رصفتها سأجعلها جسرا ً إليها وسُلـــَّــمـا
فقالوا أما تدري بأن فؤادهـــــــا جريحٌ يهيلُ الدمع ، يشكو ا لتـألـّــمــا
فقلتُ لهم إن جفَّ ريقُ حبيبتي أيا ليتني والله متّ من الظمــــــــا
فقالوا أتهواها وتبكي لبعدها فقلتُ لقد مُزِّقتُ روحا ً وأعظمــــا
فقالوا: جناحُ الليل أخفى نجومَها وأضحتْ فضاءً كالحَ الأفق ِمظلمـــا
فقلتُ لهم بغداد تزهو بنورها فهل تحبسُ الآلام والليلُ أنجمــــا
فقالوا لقد أحنى لها الدهرُ قامة ً ودارتْ بها الأيام والليل غمغمــا
فقلتُ لهم بغداد تمشي كأنها جبالٌ وإن خاضتْ لألف ٍ ملاحمـــــــا
فقالوا سرتْ فيها وجوهٌ غريبة فما كان إلا أن أحيلتْ جماجــــما
سوبوت* هي منتجع ساحلي في بوميرانيا الشرقية على الساحل الجنوبي لبحر البلطيق في شمال بولندا، ويبلغ عدد سكانها حوالي 400000 نسمة. كما تعتبر اهم منتجع حمامات صحية ولها اكبر رصيف خشبي في اوروبا.
كانت في الماضي في القرن السابع تعرف بالمنطقة التجارية وتمتد بين نهر فيستولا الى المدن شمال بحر البلطيق. ومع مرور الوقت تقلصت اهميتها لتصبح في القرن العاشر مجرد قرية لصيد السمك.
ومنذ القرن السادس عشر اصبحت حماماتها فعّالة حيث ذهب النبلاء والأغنياء لقضاء الوقت هناك لكن اثناء حرب 1733 حرقت سوبوت.
ثم الحقت بمملكة بروسيا ( احدى مقاطعات المانيا التي قادت الوحدة الالمانية ايام رئيس وزرائها القوي بسمارك) في اول تقسيم لبولندا. ثم اشترى القرية تاجر اسمه كارل كرسيتوف فاجنر الذي افتتح اول حمام عمومي وحاول الترويج له بين الاهالي لكن هذا المشروع باء بالفشل.
وفي 1870 افتتح اول خط سكة حديد في سوبوت والذي تم مده لاحقا ليصل برلين. بعد ادخال خدمة القطارات انتعشت المدينة وجذبت عددا كبيرا من السياح حتى بلغ في 1900 اكثر من 12 مليون ونصف المليون سائحا .
افتتحت فنادق ومطاعم وحمامات ووصل عدد سكانها قبل الحرب العالمية الاولى اكثر من 17 الفا و400 مقيما دائما واكثر من 20000 سائح كل عام. وبعد توقيع اتفاقية فيرساي في 1919 اصبحت جزءا من دانزيغ المدينة الحرة وتحسن الوضع الاقتصادي وفي 1927 اعادت السلطات بناء فندق كازينو وهو من ابرز المعالم السياحية الان واكثر الفنادق فخامة في بولندا.
وعند وقوع الحرب العالمية الثانية في 1 سبتمبر 1939 واحتلت القوات النازية دانزيغ الحرة ثاني يوم فتهاوت مدينة السياحة وبقيت تحت سيطرة النازيين حتى عام 1945.
وبعد الحرب تعافت سوبوت بسرعة وافتتحت خدمة الترام ومدرسة الموسيقى ومكتبة ومتحف ومعرض فنون بالاضافة الى اقامة احتفالات الفن السنوية في 1948. وبقيت سوبوت مهمة ومركزا تجاريا وفي 1956 اقيم اول مهرجان للجاز واستمر الى ان منعته السلطات الشيوعية .
وحاليا تشهد سوبوت تنمية مكثفة بما في ذلك بناء العديد من الفادق فئة 5 نجوم ومنتجعات صحية على الواجهة المائية وتفتخر حاليا بغلاء سعر العقار فيها.
في الحلقة السابقة كتبت عن مدينة غدانسك التي تجاورها مدينة سوبوت الجميلة وهي أيضا تقع على بحر البلطيق ولايفصل بينهما أي شىء ولاتشعر وأنت قد دخلت المدينة الثانية إلا من خلال يافطة تشير على أنك داخل أراضيها.
مدينة رائعة يعتمد سكانها بالدرجة الأولى على السياحة واعداد السياح حيث شوارعها القريبة من البحر فيها العشرات من الفنادق بدرجات مختلفة ناهيك عن المطاعم والبارات والكافتريات والحدائق المنسقة بالورود وألأزهار المختلفة من الأشكال و الألوان.
ساحة فسيحة تتوسط الشارع الرئيس ، أرضيتها من الرخام وهنالك عشرات ألأرايك للجلوس تحت ظلال الأشجار الباسقة مع وجود محال لأنواع المرطبات (الأيس كريم) والسندويجات والمشروبات المختلفة.
محاضرة عن الأقتصاد والسياسة من عجوز بولندية:
كنت جالسا أتناول قدحا من الأيس كريم وفجأة تقدمت نحوي إمرأة قدرت عمرها في العقد الثامن أو أقل بقليل.
أستأذنت مني أن تجلس ، وبادرت فورا وأشرت لها بالجلوس وما أن جلست حتى بدأنا بالحوار.
تحدثت بالبولونية فأعتذرت لها وحينها قالت بلغة أنكليزية ضعيفة:
-اي لغة تتكلم؟؟.
اجبتها الألمانية وشىء من الأنكليزية.
أبتسمت وقالت بلغة أهل الألمان وبفصاحة:
-طيب أذا تتكلم الألمانية؟؟.
-نعم
-من أي بلد أنت؟؟
-أنا من العراق ولكنني أحمل الجنسية السويسرية.
-أذن أنت من الشعوب التي تعتمد على البترول و الغاز ، أموالكم كثيرة ، لاشغل ولامشغلة تحفرون ألأرض وتخرجون منها الذهب والدولارات.
للأسف هذا البترول جعل منكم أكسل شعوب العالم ،ليست لديكم أي اهتمامات غير الركض وراء النساء الجميلات وملء بطونكم بالطعام والكحول والنوم لعشرات الساعات.
أنظر الى هذا الشارع.. هذه الحدائق..هذه الفنادق والمحال كلها شيدت بسواعدنا وأنت تعلم أننا لانملك بترول ولا غاز ولكننا نملك عقول وإدارة مخلصة من رجال السياسة والإدارة والقانون.
تحدثت كثيرا (عشر دقائق ) من غير أن تعطيني (نقطة نظام) لأتكلم ، لأرد ،لأدافع .
نهضت وذهبت مسرعة وأنا حائر أي مصادفة هذه؟؟ ومن أرسلها لي؟؟ أين أنا من البترول والملايين وغيرها يا مدام ؟؟.
أغرب بناية:
من الأبنية الغريبة التي أشتهرت عالميا هذه البناية وهي احدى بنات أفكار مهندس بولوني يدعى( جان مارسين ) وقد أصبحت أشهر من المدينة نفسها بسبب تصميها العجيب والمذهل!!.
مئات السياح يلتقطون الصور أمامها ويتحدثون عن جمالها وتصميمها.
مطاعم المدينة:
في المدينة مطاعم مختلفة من الأوربية والصينية والروسية والجورجية وحتى العربية لتقديم الشاورما والمقبلات العربية ويديرها عدد من الشبان المصريين.
مالفت أنتباهي المطعم الجورجي حيث أحد الشباب بالملابس الجورجية التقليدية يقف في ركن من الشارع ويتقدم للزائرين ويشرح لهم مأكولات مطعمه والمطبخ الجورجي.
داخل المطعم باالزي الجورجي والشعر المستعار!
جربت أكلاتهم كانت لذيذة جدا وأسعارهم معقولة ولكن ملاحظتي عنهم يتأخرون في تقديم الطعام وحجتهم أنهم يطبخون الطلب في نفس الوقت لذلك يحتاج الى وقت
وشاهدت أنهم يضعون حبات الرمان على أكثرية الأطعمة كمنظر وطعم ..انهم ذواقون فعلا والمهم كل مشروباتهم جورجية!!.
لثلاثة مرات تناولت العشاء هناك وفي كل مرة كان الطعام الذ ..
رسامو الكاريكاتير:
عدد من الرسامين المهرة يتخذون من الأرصفة أماكن لهم لتخطيط ورسم الزوار..
فعلا يجيدون مهنتم بشكل ملفت للنظر لذلك جلست أمام أحدهم واخذ يرسمني بسرعة كل العملية أستغرقت أقل من نصف ساعة مقابل مبلغ 15 دولار فقط .
وهو يرسم سألني عن مهنتي فأخبرته بأنني صحفي وحين أنتهى رأيت أنه أجلسنى على كيس مملؤ بالعملة الأوربية " اليورو " .
فقلت مع نفسي أين المفر والجميع يعتقدونني مليونيرا وصاحب حقول بترول و غاز!!!.
وجها لوجه مع البابا يوحنا بولص الثاني!!:
ما أن تقترب من الشاطي بمسافة عشرات الأمتار حتى تقابلك بوابة كبيرة يمر من خلالها الناس وعلى جانبها ألأيسر جدارية كبيرة من النحاس لقداسة البابا يوحنا بولص الثاني.
في الحقيقة لم أستطع أن أصل الى سبب وجود هذه الجدارية وقلت مع نفسي لعل هذه المدينة هي مسقط رأس قداسته لكونه بولوني .
على الشاطىء:
أذا أردت الدخول الى العمق حيث جسر خشبي طويل بحدود 500 متر فعليك أن تدفع مبلغا بسيطا
وهنالك أيضا تجد عددا من المطاعم ومحال صغيرة وفي النهاية مرسى للمراكب الكبيرة الأتية من مدينة غدانسك.
الفنادق و المقاهي:
هنالك العديد من الفنادق العالمية المشهورة قرب الشاطي منها فندق الشيراتون وأخرى ذات الخمس اوألأربع نجوم.
المقاهي مختلفة والذي جلب أنتباهي هذا المقهى وصاحبه يعلق صور لمشاهير أمريكا من الرئيس جون كيندي الى مارلين مونرو و الفيس بريسللي وبقية الفنانين والفنانات.
تمتعت جدا بزيارة سوبوت بطبيعتها الخلابة وأجوائها وطيبة ناسها وكررت الزيارة لعدد من الأيام وفي كل يوم أكتشف شيئا جديدا..
في كل مرة أقول وأردد: ياترى متى أرى عاصمتي الحبيبة (بغداد) كهذه المدينة التي ينعم أهلها بالأمن وألأمان وكل الخدمات ؟؟؟؟
هنالك حلقات أخرى لمدن أخرى بأذن الله تعالى
للراغبين الأطلاع على الحلقة السابقة:
http://algardenia.com/2015-09-17-21-42-52/24672-2016-07-07-10-18-53.html
3998 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع