
محلة باب الآغا في بغداد … ذاكرة بغداد التي لا تنطفئ

تمثل محلة باب الآغا في بغداد جزءًا مهمًا من النسيج العمراني والتاريخي للعاصمة العراقية. تقع المحلة في الجانب الشرقي من بغداد (الرصافة)، على مقربة من شارع الرشيد الشهير. تشكل هذه المنطقة حلقة وصل بين التراث العثماني والعباسي، وتمتاز بتجمع معالم دينية وتجارية واجتماعية تعكس أسلوب الحياة في بغداد القديمة.
ترتبط تسمية المحلة بالعهد العثماني، نسبة الى مقر آغا الإنكشارية ببغداد وأسمه (ينجري آغاسي عبد الله آغازاده)، ويعرف بـ (آغا بغداد) أو (الآغا) مطلقاً، كانت ثكنته تعرف بقشلة البلوك الثاني والخمسين، والتي تقع في محلة (خرطوم الفيل) وهي في أرض ساحة الرصافي)..

اليوم وسميت بساحة الرصافي لوجود نصب فيها للشاعر معروف الرصافي) والباب كناية عن دائرته الرسمية، أو مقره وثمة مقران في هذه المحلة لأهميتها، أحدهما ويقع في بداية سوق (الشورجة) الحالي، عند الحمام الشهير المعروف باسم (بنجة علي) قرب نفق العبور من سوق البزازين إلى الشورجة، مقابل جامع مرجان، والآخر في باب خان التمر، قرب قهوة المصبغة القديمة في مدخل شارع النهر حالياً.
كان باب الأغا آنذاك تبدأ حدوده من جنوب محلة الحيدرخانة المعروف وقتها بسوق باب الأغا العتيق، وموضعه اليوم يمتد من سوق الأمانة إلى المحلة التي عرفت بالعاقولية نسبة إلى جامع العاقولي، وكان هذا السوق مشهوراً ببيع الخضار والفواكه، وهو الذي أشتهر في التاريخ بخبزه الفاخر حتى ضرب به المثل البغدادي القائل «مثل خبز باب الأغا حار ومكسب ورخيص» وذلك لرخصه وجودته لكونه محمص (مگسب). أما باب الأغا الجديد، وهي المعروفة اليوم بباب الأغا مطلقاً، والمحصورة بين ساحة الرصافي والشورجة، حيث فقد سوق باب الأغا العتيق أسمه، وتم الحاقه بمحلتي الحيدر خانة وجديد حسن باشا، وإذا أردنا التوغل في التاريخ فأن باب الأغا داخل في نطاق سوق الثلاثاء، تلك المحلة الكبيرة التي تعد من أكثر محلات بغداد العباسية سعة واكتظاظاً بالناس، ولأنها سوق أهل قرية (كلواذى) قبل بناء مدينة بغداد.
تُعَدّ محلة باب الآغا واحدة من أعرق أبرز المحلات التاريخية في بغداد، القديمة وأكثرها التصاقًا بملامح المدينة الاجتماعية والاقتصادية في العهد العثماني وما بعده. ومحورًا مهمًا من محاور الذاكرة الحضرية للرصافة القديمة. فهي ليست مجرد مساحة جغرافية، بل جزء حيّ من تاريخ المدينة وطبقاتها الاجتماعية، تحمل في أزقتها وأسواقها بقايا قرون من التحولات السياسية والعسكرية والتجارية التي شهدتها بغداد منذ العهد العثماني وحتى يومنا هذا. وبرغم التحولات العمرانية التي لحقت بمركز بغداد التاريخي، ما تزال هذه المحلة تحتفظ بما يشبه “الظلّ التراثي” الذي يذكّر البغداديين بروح مدينتهم الأولى؛ حيث الأسواق الضيقة، والبيوت البغدادية، ورائحة الخبز التي كوّنت مثلًا شعبيًا شهيرًا ظل يتردّد حتى اليوم.
الموقع والأهمية الجغرافية
تقع محلة باب الآغا في قلب الرصافة، على مقربة من شارع الرشيد الشهير، ضمن ما يُعرف اليوم بالنسيج العمراني والتجاري القديم لوسط بغداد الذي شكّل مركز الحركة الاقتصادية لمدينة بغداد منذ العهد العثماني وحتى منتصف القرن العشرين.. ويُظهر تحليل الخرائط التاريخية أن المنطقة كانت ملاصقة لبقايا السور الشرقي لبغداد، ما جعلها جزءًا ذا طابع استراتيجي في فترات متعددة. وتدل الإحداثيات الحديثة على موقع دقيق للمحلة عند:
33°20′23″ شمالاً، 44°23′30″ شرقاً، وهو موقع يضعها داخل دائرة الأسواق التقليدية في بغداد القديمة، إلى جانب محلات مثل الشورجة وخان جدة والمستنصرية.
تُظهر الخرائط التاريخية أن المحلة كانت ضمن المنطقة القريبة من السور الشرقي لبغداد، ما جعلها منطقة ذات أهمية استراتيجية وتجارية. وقد تميزت بطابعها العمراني التقليدي: أزقّة متداخلة، بيوت بغدادية ذات شناشيل خشبية، وأسواق ضيقة تحيط بها الخانات والكتاتيب والمقاهي القديمة. هذا يضعها ضمن النسيج الحضري القديم لبغداد، قرب أسوار بغداد التاريخية. هناك إشارات إلى بقايا «سور بغداد التاريخي» في الجانب الشرقي، وهذا السور يمر في مقربة من محلات قديمة مثل باب الآغا. هذا يعني أن المحلة كانت ضمن المنطقة المحصنة أو ذات أهمية استراتيجية في الحقبة القديمة.
التسمية والأصل
التسمية «باب الآغا» مرتبطة مباشرة بمقر آغا الإنكشارية في بغداد خلال العهد العثماني. المصادر المحلية تشير إلى أن صاحب الاسم هو الملقب ينجري آغاسي عبد الله أغازادة، الذي أنشأ مسجداً صغيراً ودفن فيه، وقد ورد في المراجع أن تاريخ دفنه هو 1114 هـ (1702 م). مما يضع نشاطه في أواخر القرن السابع عشر وبداية القرن الثامن عشر، أي في ظل حكم الدولة العثمانية في العراق (العهد العثماني المتأخّر). الاسم «باب الآغا» لا يشير فقط إلى باب (بوابة) وإنما “آغا” بمعنى مقر آغا الإنكشارية في بغداد. يرتبط اسم المحلة باللقب العسكري العثماني “الآغا”. كان يُطلق على المنطقة اسم سوق باب الآغا، ثم اختُصر الاسم إلى محلة باب الآغا في العهد العثماني. ومع تطور المدينة توسّع الاسم من الإشارة إلى بوابة أو مقرّ عسكري إلى تسمية سوق كامل، ثم استقر في الذاكرة البغدادية باسم “محلة باب الآغا”. كما تُشير مراجع أخرى إلى أن باب الآغا كان يُعدّ أحد المداخل أو النقاط الحضرية الحاكمة في بغداد الشرقية، ولذلك اتسع انتشار الاسم ليشمل السوق ثم المحلة بأكملها.
كان للمحلة أهميتها كمركز تجاري وتاريخي حيث أنها تضم سوقًا كبيرًا، وهو جزء من سوق الثلاثاء، أحد أكبر أسواق بغداد التقليدية. بحسب دراسات تخطيط حضري، المنطقة تحتوي على أسواق في قلب بغداد القديم، في محلة باب الآغا معالم تاريخية متعددة:من بينها جامع مرجان، خان الأورتمة، قهوة روازي، وحمّام بنجة علي. المحلة تمثل جزءًا من النسيج العمراني القديم الذي يشمل بيوت بغدادية تقليدية وأزقّة ضيقة. مع التحديث العمراني، تواجه بعض التحديات في الحفاظ على التراث العمراني. هناك مثل بغدادي شهير: «مثل خبز باب الأغا حار ومكسب ورخيص»، وهو إشارة إلى جودة وخفة سعر الخبز في تلك المنطقة. تنتمي إليها سلسلة مخابز شهيرة باسم مخابز باب الآغا، تأسّست عام 1948. شعار المخبز: «حار ومكسب ورخيص»، مستوحى من المثل الشعبي. المخبز يحتفظ بطابع تراثي في التصميم ويستعرض “رحلة رغيف الخبز البغدادي الأصيل”. وللمحلة دور مهم في الحياة اليومية فقد كانت المحلة مركزًا تجاريًا مهمًا منذ العهد العثماني، وكان فيها نشاط حِرَفي وتجاري كبير وهو جزء مهم من الحياة الاجتماعية والتجارية القديمة لبغداد، كما ورد في دراسات محلات بغداد التراثية.
المعالم البارزة في محلة باب الأغا
في محلة باب الآغا وما حولها، تبرز مجموعة محورية من المعالم التاريخية والدينية التي تشكل نسيجًا عمرانيًا غنيًا، يعبّر عن فترات متعاقبة من العصور العباسية والجلائريّة وما قبلها وصولًا إلى العصر العثماني والمرحلة الملكية. وقد شكّلت هذه المباني جزءًا من الحياة اليومية والاجتماعية لسكان المنطقة وزوّارها، ترسّخ الهوية العمرانية للمنطقة التي تشكّل جزءًا من هوية بغداد، هذه المعالم لا تقتصر على كونها نقاط جذب تراثي فقط، بل هي مكونات أساسية للهوية الحضارية للمحلة، وتشكل محاور للتفاعل الاجتماعي والتجاري والديني عبر الزمن. وما تزال آثارها حاضرة رغم محاولات التحديث العمراني الواسعة. وتكشف هذه المعالم عن هوية عمرانية تشهد على فترات متعاقبة من العهد العباسي إلى العثماني ثم الملكي. فيما يلي نبذة مختصرة عن كل معلم:

1 - جامع مرجان
جامع مرجان من مساجد العراق الأثرية القديمة، يقع في شارع الرشيد، في الشورجة ببغداد، وكانت به مدرسة تسمى المدرسة المرجانية وشيد هذه المدرسة أمين الدين مرجان بن عبد الله السلطاني الأولجايتي من موالي السلطان أويس بن حسن الأليخاني أحد أمراء الجلائريون وتم ذلك عام 758هـ/ 1356م، وشرط التدريس فيها على المذاهب الأربعة، ووقف على لوازمها ما كان يملكه من عقارات في بغداد وخارجها ذكرها في وقفيته التي كانت محررة بالحجر على جدران المدرسة وبنى لها غرفا للمدرسين وكذلك مستشفى يطل على نهر دجلة خاص لطلبة العلم، وأصبح فيما بعد هذا المستشفى قهوة الشط وتوابعها، وتوفي أمين الدين مرجان عام 774هـ/ 1373 م، ودفن في المدرسة وشيد على قبرهِ قبة جميلة الشكل وبعد ذلك اتخذ الوزير سليمان باشا من المدرسة مسجداً جامعاً تقام فيه الصلوات الخمس وصلاة الجمعة والعيدين، وفي عام 1365هـ/ 1946م، هدمت المدرسة وأقتطع منها جزءاً كبيراً أضيف إلى شارع الرشيد وشيد على ما تبقى منه مسجد جامع ولم يبق من أصل المدرسة سوى بابها الأثري القديم، وممن درس في هذه المدرسة العلامة الحاج موسى سميكة مفتي الحنابلة في بغداد، والشيخ أبو الثناء محمود الألوسي، وأبنه نعمان الألوسي المتوفي عام 1899م، وحفيده محمود شكري الألوسي، وإبراهيم الألوسي، وعلي علاء الدين الألوسي، الذي دفن في ساحة المدرسة بعد وفاته عام 1921م، ومن قبلهِ والده نعمان الألوسي دفن قربه، وآخر من درس فيها قبل إغلاقها الأستاذ فؤاد بن أحمد شاكر الألوسي. وعين الشيخ نجم الدين الواعظ خطيباً وإماماً في الجامع عام 1947م، وكان يلقي فيه دروس الوعظ والإرشاد وله فيه مجلس حافل بأهل العلم والأدب.
ولقد خط الخطاط درويش نعمان الذكائي بقلم خط الثلث الأبيات المحررة على لوحة الكاشاني الأزرق المرسومة على باب مصلى الجامع، والمؤرخة عام 1200هـ، وهذه الأبيات:
تبارك من أنشأ الأنام وأوجدا وقيض منهم من يقام به الهدى
وكانت فيها مكتبة ضخمة هي هدية من العلامة نعمان الألوسي، جعلها وقفاً لطلاب العلم في المدرسة ونقلت هذه المكتبة التي تضم مخطوطات كثيرة من نوادر الكتب السلفية إلى مكتبة الأوقاف العامة، الواقعة في باب المعظم، ثم تم حرق هذه المكتبة بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003م.
هناك تقارير عن الإهمال المعماري للمبنى في العصر الحديث، مع إشارات إلى تراكم النفايات حول الجامع، مما يعكس تحديات الحفاظ التراثي في بغداد. من الناحية الوقفيّة مرجان خصّص عوائد الخان (خان مرجان) وبعض المحلات لدعم المدرسة المرجانية، ما يظهر العلاقة بين الفعل التجاري والتربية الدينية في تراث المحلة.

2- خان مرجان (خان الأورتمة)
خان مرجان ويقع في جانب الرصافة من بغداد قرب المدرسة المرجانية، عند مدخل شارع أسامة بن زيد حالياً، وهو أحد خانات بغداد المشهورة، ولقد بني في الفترة بين عامي 758هـ/ 1356م - 760هـ/1358م، وعرف في العهود المتأخرة باسم خان الأورتمة، أي الخان المستور أو المغطى، ذلك أن الخان كان يتميز عن معظم خانات بغداد بأن فناءه أي حوشه الداخلي، مغطى بعقود هائلة من الطابوق، وقد عقد ما بينها بسقوف معقودة أخرى، ومن ثم أتاح هذا للتجار الذين كانوا يرتادونه أو ينزلون فيه فرصة الإقامة الطيبة، حيث تحفظ بضائعهم وأكثرها من الأنسجة الحريرية ونحوها من آثار وأضرار العوادي الطبيعية، بينما تجري في فنائه الصفقات التجارية، وتبرم العقود بين مرتاديه من التجار، والخان عبارة عن بهو مسقوف ترتفع قاعدته 14 متراً عن أرضيته، ويتميز هذا المبنى بالإضافة إلى سلسلة العقود المتوازية بنقوش مكتوبة تشكل سطور تزين البوابة للمدخل من جهة سوق البزازين الحالي حيث تحوي تسعة أسطر من الكتابة البارزة في الطابوق الآجر، وكتبت على نـحو بالغ الروعة والدقة! وتمثل سائر الكتابة نص وقفية أمين الدين مرجان الكبيرة على المدرسة المرجانية، ودار الشفاء التي أنشأها على شاطئ نهر دجلة، في نهاية شارع أسامة بن زيد، وتوضح هذه الوقفية أن مما وقفه مرجان للإنفاق على هاتين المؤسستين، فضلاً عن الخان نفسه، مجموعة من الدكاكين وأربعة خانات في أسواق بغداد الشرقية، ومبنى خان في جانبها الغربي، فضلاً عن بساتين عديدة ومنشآت مختلفة في قرى بغداد وجوارها، منها مندلي وبهرز وبعقوبة ورباط جلولاء، وهي تعرف باسم المقدادية اليوم، وأنه وقف كل ذلك وقفاً صحيحاً شرعياً.
يتألف مبنى خان مرجان من طابقين يحتوي الأول، أي الطابق الأرضي، على 22 غرفة، والثاني، أي الطابق العلوي، على 23 غرفة، وتزين أبواب الطابق الأرضي مقرنصات يؤدي فيها البروز الآجري وظيفته الجمالية المثلى، وهي تكون سلسلة من المشكوات المقوسة تنحدر منها زخارف مقرنصة، وتستند على حوامل وأفاريز تخرج من الجدار بصورة تدريجية حتى تبتعد عنه بما يقرب من المتر الواحد، وتؤلف نطاقاً مزخرفاً يزيد عرضه على المترين ويحيط بالبهو من جهاته الأربع على ارتفاع أربعة أمتار. ويعد هذا النوع من البناء الذي يفصل بين الطابقين من أنفس آثار الريازة التي تشاهد في بناء الخان. ومن ناحية أخرى فقد وفق مصمم هذه القاعة في طريقة إضاءتها بضياء الشمس، وذلك باستعماله النوافذ المعقودة المخرمة على نـحو فني جميل. ويمكن للمشاهد أن يرى أجزاء من جدران الخان وقد أسود لونها، فالساكنين من المسافرين والتجار كانوا يوقدون في فناءهِ النار لغرض التدفئة في فصل الشتاء، وقد أثر هذا الاستخدام السيئ على شكل المبنى، بوجه عام، فضلاً عن تأثره بالعوادي الطبيعة، إلى أن تعرض إلى آثار التخريب والتلف، مما دفع مديرية الآثار القديمة العامة إلى ترميمه ترميماً شاملاً، وجعلته متحفاً للفنون الإسلامية، وأطلقت عليه اسم (دار الآثار العربية)، فصار الخان مقصداً للسياح والزوار عدة عقود من السنين، بيد أن ارتفاع مستوى المياه الجوفية في أرض الخان وما حوله، أدى إلى أن تغمر المياه هذه الأرض، فلم يعد يصلح لأن يكون متحفاً، فلم يكن من دائرة الآثار إلى أن تنقل معروضاته، وأن تقوم بعملية صيانة واسعة لهُ، ونجحت في خلالها في ترصين أرضيته وجدرانه بمادة الأسمنت حتى تمت السيطرة على عملية نضوح المياه الجوفية إلى داخله، ثم جرى استغلاله خلال فترة الثمانينيات من القرن العشرين وتم إعادة ترميمه واستخدم المبنى كمطعم سياحي يقصدهُ السائحين والناس عامة لقضاء ساعات في هذا الجو البغدادي الأصيل. ويعتبر الخان واحدا من معالم مدينة بغداد التراثية.
ولقد ذكر الأستاذ عماد عبد السلام رؤوف في كتابه (المراقد في بغداد) خان مرجان بقوله: ((وحينما نخرج من الخان، لا نملك إلاّ أن نتذكر بالخير ذلك المنشئ الكبير، الذي أشاد المؤرخون بعدله وإحسانه، حتى قيل أن خيراته لم تشمل الفقراء والمساكين فحسب، وإنما شملت السنانير، أي القطط، والزراريق وحيتان الشط والطيور، فكان قد اشترط أن تطعم من الأصناف الغذائية التي تلائم طبيعتها كل يوم هنا عند هذا الموضع من دجلة، كانت ترمى الأطعمة للسمك، وهنا في صحن هذا المبنى الذي كان داراً للشفاء كانت تعطى الأطعمة للحيوان، فالخير، كما أراد مرجان، كان يصل إلى الجميع، طعاماً وعلماً وشفاءً من كل داء)).

3 - مسجد عارف آغا (مرقد الإمام أحمد بن حنبل)
مرقد ومسجد أحمد بن حنبل، ويعرف بمسجد عارف آغا أيضاً، وهو من مساجد العراق القديمة التي بنيت في عهد الدولة العثمانية، ويقع في جانب الرصافة من بغداد، خلف مبنى المصرف الإسلامي سابقاً في شارع الميدان بمنطقة الكهية قرب مسجد نعيمة الجيبجي، وتبلغ مساحته 500 م2 تقريباً، ويتكون المبنى من حرم وباحة وغرفة فيها مرقد الإمام أحمد بن حنبل، وتعلوه قبة صغيرة، وتقام في المسجد الصلاة المكتوبة حالياً. والأمام أحمد بن حنبل هو أحد الأئمة الأربعة وكان رجلا عالماً فاضلاً وكان إمام المحدثين، ولهُ كتاب معروف في علم الحديث النبوي بمسند الإمام أحمد. ولقد توفي الإمام أحمد بن حنبل في وقت الضحى من يوم الجمعة في الثاني عشر من شهر ربيع الأول سنة 241هـ، وهو ابن سبع وسبعين سنة، ودُفن بعد العصر، قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: «توفي أبي في يوم الجمعة ضحوة، ودفناه بعد العصر لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول سنة إحدى وأربعين». ولقد دفن الأمام أحمد بن حنبل بمقبرة باب حرب في البداية، وحسب بعض المصادر نقلت رفاته إلى هذا الموقع بعد فيضان نهر دجلة عام 1937. وهذا ما أكده العديد من المؤرخين منهم الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد وياقوت الحموي وابن الجوزي في المنتظم وان باب حرب هو الربض الواقع شمال غرب منطقة الكاظمية الحالية. البناء على الطراز العثماني، ويضم قبة صغيرة فوق غرفة الضريح. يمثل المسجد جزءًا من الإرث الديني للمحلة. أسّسه أحد وجهاء بغداد المعروفين باسم عارف آغا في أواخر القرن التاسع عشر. يمتاز بمئذنته الرفيعة وبساطته المعمارية التي تعكس الطراز الديني الشعبي في بغداد خلال تلك الفترة.

4 - جامع الوزير
جامع الوزير هو من مساجد بغداد القديمة، وجرى بناؤه في عام 1008 هـ/ 1599م، ولقد بناهُ الوزير حسن باشا بن محمد باشا الطويل زمن ولايتهِ لبغداد في أيام السلطان محمد خان، وجرى ترميمه وإعادة بنائه في عهد الدولة العثمانية عام 1070 هـ/ 1660م، ويقع في جانب الرصافة من مدينة بغداد، خلف سوق السراي على ضفاف نهر دجلة، في قلب سوق السراجين، بالقرب من شارع المتنبي، ويضيف للسوق جمالية بما يتميز به من زخرفة فنية في العمارة، وجمالية في البناء، بابه الخشبي محاط بالطابوق الأصفر ومزجج بالأزرق، وحين تلج البناء تعتقد بأنك ستكون أمام مبنى لا تتجاوز مساحته مساحة أي محل من المحلات التي تحيطه، حتى تفاجأ بأنك داخل باحة واسعة تصل إلى أكثر من 1000 متر مربع، وجدران مزينه بالزخارف والكتابات التي توحي بانك أمام تحفة أثرية نادرة هي جامع (الوزير).
ولقد هُدم هذا المسجد وأُضيفت بعض مساحتهِ إلى مدخل جسر المأمون (جسر الشهداء حالياً) في عام 1939م، ثم أنشئ في بعض أرضهِ مصلى حديث بهيئة لا صلة لها بما كان عليهِ المسجد الأثري سابقا، ويحتوي المسجد على مصلى حرم واسع يتسع لأكثر من 400 مصل، وتعلو الحرم قبة مزكرشة بالكاشي الكربلائي، وعلى يسارها منارة مئذنة تستند على أربع ركائز مدورة ويوجد فيه أيضا مصلى صيفي يتسع لأكثر من 250 مصل، وفي الجامع حديقة تطل على ضفاف نهر دجلة. وللمسجد بابان أحدهما باب حديدي يطل على الشارع العام، والآخر باب خشبي مصنوع من خشب الصاج القديم، يفضي إلى سوق السراي.
وتروى حكاية في سبب بنائهِ حيث قيل إنه بُني هذا الجامع بأموال التجار الذين غرقت بضائعهم في النهر، ولم يستطيع ولاة الأمر التعرف على بضائعهم فاقترحوا في حينها بيع البضائع والسلع وبناء مسجد بثمنها، فبني مبنى الجامع من أموال بيع البضائع المتروكة. وذكر المؤرخ مصطفى جواد إن الجامع بني في الموضع نفسه الذي كان مشغولا بمدرسة دينية قديمة تدعى المدرسة التتشية.
ذكر السيد محمود شكري الآلوسي تاريخ بنائهِ فقال: (هُدم هذا المسجد وانتهت عمارتهِ سنة 1360 هـ، ولم يبقَ منهُ إلا منارتهِ فأعادتهُ مديرية الأوقاف العامة في عام 1957م، ثم جددهُ ديوان الأوقاف عام 1975م، وكان الشيخ عبد الجبار الأعظمي يقيم فيهِ إماما وخطيباً وكانت مجلتهُ (الثقافة الإسلامية) تصدر عنهُ بعد انتقالها من جامع الأورفلي، وكان الجامع في الأصل مدرسة عباسية قديمة أنشأها الأمير السلجوقي خمارتيكن بن عبد الله سنة 500 للهجرة وعرفت باسم المدرسة التتشية، وتتش اسم تنسب لهُ عدة مواضع منها هذا الموضع الذي بنيت فيهِ المدرسة، وممن تولى الإمامة والخطابة فيهِ الشيخ محمد بن حسن البيرقدار المتوفي بمكة في 17 تشرين الأول 1980). هذا الجامع له خصوصية في جمالية البناء والطراز المعماري الفني النادر، وهو يعد من أجمل عشرة جوامع تاريخية في العراق، فيه شجرة للسدر، عمرها من عمر البناء، نال الجامع عمليات تأهيل وترميم في ثمانينيات القرن الماضي. يعد الموقع أحد العناصر التي تشكل موقع القائمة الإرشادية المؤقتة لليونسكو، الملامح التاريخية لنهر دجلة في رصافة بغداد، والتي تمتد من المدرسة المستنصرية وحتى القصر العباسي.
5 - حمّام بنجة علي
حمّام بنجة على من حمامات بغداد العامة القديمة في الجانب الشرقي من بغداد في محلة باب الآغا، وقد ورد ذكره في وقفية مؤرخة في 28 محرم 1098ه/1686م. وكان حماماً شهيراً لدى أهالي المنطقة، يقع في شارع الرشيد مقابل سوق الصفافير على رأس الطريق المؤدي إلى زقاق بيع الألبسة المستعملة، ويكاد يكون حكراً على عمال سوق الصفافير وتجار الرواق ومن جاورهم ولا يدخل إليه النساء. وتسمية الحمام باسم (بنجة علي) جاءت نسبة لوجود إيواناً كان قائماً بالقرب من جامع مرجان فيه صخرة عليها أثر يعتقد عوام البغداديين أنه كف الأمام على واسمها يعني (الأصابع الخمس) ويعتقد أنه من بقايا المدرسة النظامية، وقد أُزيل هذا الإيوان مع المنارة المقطوعة وتعرف بلهجة أهل بغداد باسم (المنارة المكطومة) التي أزيلت سنة (1359ه/1940م) وإنطمرت معها معالم حمام بنجة على كذلك.
6 - مقهى روازي
لم تكن محلة باب الأغا مجرد ممر أو تجمع سكني، بل كانت وعاءً حقيقياً يحفظ جوانب الحياة البغدادية الأصيلة، ومن بين أركانها التي شهدت اجتماعات أهلها كانت المقاهي المحلية. ومن أشهر هذه المقاهي التي حفظتها ذاكرة الرصافة كان مقهى روازي (أو بروازي) الذي كان قائماً في المنطقة منذ أواسط القرن التاسع عشر (حوالي 1853م وفقاً لبعض المصادر التي رصدت مقاهي بغداد في تلك الحقبة). كان هذا المقهى، بوقوعه في قلب باب الأغا، يمثل نقطة التقاء يومية لسكان المحلة والتجار القادمين، حيث لم يكن مجرد مكان لاحتساء الشاي، بل كان منتدى شعبياً غير رسمي، يشارك فيه الأهالي همومهم وأخبارهم، وربما استضاف جلسات مقام عراقي خجولة بعيدة عن صخب شارع الرشيد، ليرسخ اسمه كشاهد حي على التاريخ الاجتماعي المتواضع والعميق لتلك المحلة البغدادية العريقة.
وكانت ملتقى لكتّاب ومثقفين وتجار المنطقة، إضافة إلى روّاد سوق الغزل والسوق الصغير القريب. لعبت دوراً مهماً في الحياة الاجتماعية كمجلس للحديث والسمر وتبادل الأخبار. ذُكرت كأحد المعالم في محلة باب الآغا في وصف المحلة. لا توجد معلومات موثقة كثيرة بسهولة حالياً حول تاريخ تأسيسها أو خصائصها المعمارية بالقدر الذي يتوفر للبُنى الدينية والخانات. الحمّام والقهوة يشكلان عناصر مهمة من الحياة الاجتماعية التقليدية في المحلة. تجمع هذه المعالم (الجامع، الخان، الأسواق، الحمّامات) بين وظائف دينية وتجارية واجتماعية، مما يعكس طابع “محلة مختلطة الاستخدام” كان شائعًا في المدن الإسلامية التقليدية: أماكن العبادة، التجارة، الإقامة، والخدمات اليومية (مثل الحمّامات) كلها ضمن مساحة محلية مركّزة.

7 - سوق الصفافير
هناك أماكن أخرى في باب الأغا، مثل: العقد الضيق، عقد المنارة، المگطومة (المقطومة). قهوة الأورتمة، القهوة الصغيرة، عقد باب الأغا، عقد علوية، سوق (الصفافير) أو الصفارين وهو سوق ترجع تسميته بهذا الاسم نسبة للصفر (معدن النحاس)، حيث يشتهر هذا السوق بصناعة الصحون والأواني المنزلية وأباريق الشاي والكاسات والملاعق، وإطارات الصور، والفوانيس النحاسية والنقش عليها. وهو عبارة عن مجموعة من المحلات المنتشرة في الأزقة الضيقة الواقعة في منطقة باب الأغا قريبا من الشورجة في شارع الرشيد مقابل مبنى جامع مرجان، وتباع فيهِ المصنوعات والأدوات النحاسية. ويعتبر سوق الصفافير من الأسواق القديمة في بغداد والتي تعود لعصر الخلافة العباسية وهي كانت قديماً سوقاً قائمة في درب المسعودة في محلة سوق الثلاثاء، لتوفير احتياجات طلاب المدرسة النظامية والمدرسة المستنصرية. وتوجد عدة أسواق لطرق النحاس تسمى بنفس الاسم في عدة محافظات في العراق منها في مدينة البصرة في السوق القديم قرب جامع المقام، وكذلك في مركز مدينة الحلة.
كانت محلة باب الآغا جزءًا من مركز الرصافة التجاري الذي يضم أسواقًا ومعالم شهيرة، ومن أبرزها:
سوق باب الأغا أحد أقدم أسواق بغداد، وكان يشكل امتدادًا لأسواق الشورجة والمستنصرية. سوق الثلاثاء الذي كان يعد من أكبر أسواق بغداد الشعبية. خان الأورتمة وعدد من الخانات العثمانية التي كانت تتوزع في المنطقة. هذا الموقع جعل المحلة مركزًا للتجار والحرفيين وصانعي المواد الغذائية، ومع مرور الزمن تحوّل سوقها إلى مقصد رئيسي للباعة والزبائن من جميع أنحاء المدينة. عرفت محلة باب الآغا بكونها مركزًا تجاريًا مهمًا، حتى أصبحت إحدى عقد الأسواق في بغداد. وتشير الدراسات الحضرية الحديثة إلى أن:
أغلب أسواق الرصافة القديمة كانت تتمحور حول باب الأغا. المنطقة شكّلت عقدة تجارية تربط بين خان الأورتمة، والمدرسة المستنصرية، والقسم الشمالي من شارع الرشيد. ولعل المثل البغدادي الشهير "مثل خبز باب الآغا.. حار ومكسب ورخيص"يؤكد شهرة المحلة بجودة مخابزها ونشاطها التجاري الشعبي.
المكان في الذاكرة البغدادية
نجد ذكرًا للمحلة في كتابات الرحالة والباحثين ودراسات التخطيط الحضري، باعتبارها أحد المحاور الرئيسة في “المدينة الداخلية” لبغداد.
كما تظهر بشكل واضح في خرائط: بغداد عام 1854، خرائط الرصافة القديمة وخرائط الأسواق العثمانية، خرائط السور التاريخي. وبذلك، تمثل محلة باب الآغا شاهدًا حضريًا على حقبة من التاريخ البغدادي الذي أمتزج فيه السوق بالتجارة والعمران بالهوية الاجتماعية. تُمثّل المحلة مثالًا أصيلًا للنسيج العمراني التقليدي في بغداد:
أزقة ضيقة، بيوت قديمة بطراز بغدادي، أحواش، شبابيك مشبّكة (شناشيل)، وأسواق بلافتات وأسقف خشبية. وتشير دراسات التخطيط العمراني إلى أنّ المنطقة تعاني اليوم من ضغط التحديث العمراني الذي يهدد أجزاء من تراثها، لكنّها لا تزال أحد أهم المواقع التي يتم الاستشهاد بها في دراسات الحفاظ على الهوية الحضرية لبغداد.
مخابز باب الآغا – من المثل الشعبي إلى العلامة التجارية
تحولت شهرة الخبز البغدادي في باب الآغا إلى علامة مميزة استمرت حتى اليوم من خلال مخابز باب الآغا التي تأسست عام 1948، واحتفظت بشعارها التقليدي: "حار ومكسب ورخيص ". وأصبح المخبز اليوم جزءًا من الذاكرة الغذائية والاجتماعية لبغداد. تجمع محلة باب الآغا بين التاريخ والجغرافيا والاقتصاد الشعبي، وبين التراث العمراني والذاكرة اليومية البغدادية. إنها واحدة من تلك الأحياء التي لا يمكن فهم تاريخ بغداد من دون المرور بها، إذ تشكّل قطعة أصيلة من روح المدينة، وواحدة من محطاتها الحيّة التي تختزن قصصًا ومرويات تمتد لقرون. إن محلة باب الآغا ليست مجرد نقطة على خريطة بغداد، بل هي قصة مدينة كاملة؛ قصة الأسواق القديمة، والأبواب العثمانية، والخبز البغدادي، وتاريخ ينازع الاندثار بينما يحاول البغداديون حفظه في الحكايات والصور والذكريات. وبينما تتغيّر بغداد بسرعة، تظلّ هذه المحلة شاهدًا حيًا على مدينة كانت ذات يوم مركزًا للثقافة والتجارة والإنسان البغدادي البسيط الذي صنع تراثه بيديه.
محلة باب الآغا ليست مجرد مكان جغرافي، بل هي نموذج حي للتراث العمراني والاجتماعي لبغداد، تجمع بين التاريخ الديني والثقافي والتجاري، وتبرز أهمية الحفاظ على هذا التراث للأجيال القادمة.
تحديات الحاضر
تعاني المحلة اليوم – مثل غيرها من محلات بغداد القديمة – من تراجع في الخدمات، وتغييرات عمرانية غير منسّقة، وفقدان تدريجي لعدد من مبانيها التراثية. مع ذلك، تبقى جزءًا أساسيًا من الذاكرة التاريخية للمدينة، وتشكل مادة غنية للمشتغلين في التراث والعمارة والهوية الحضرية. توصّف المصادر النسيج العمراني في باب الآغا بأنه يمتاز بالأزقّة الضيقة والمباني التقليدية والأنشطة الحِرفية. مع عمليات التحديث والتوسع في بغداد، تعرضت أجزاء من النسيج القديم للتآكل، ونشأت مبانٍ تجارية جديدة أعادت تشكيل المشهد. هذا التغير له أثر مزدوج: فقدان بعض الخصوصيات التراثية، وظهور نشاطات اقتصادية جديدة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مصادر:
1. السعد، مازن. الحفاظ المستدام على التراث العمراني: تقييم مركز بغداد التاريخي (الرصافة). مجلة MDPI، 2024.
2. عباس، شذى. تفعيل الإمكانات التنموية للمركز التاريخي لمدينة بغداد (جانب الرصافة). جامعة بغداد، مجلة التخطيط، 2023.
3. ويكيبيديا. باب الآغا
4. زيارة العراق. المدرسة المرجانية.
5. أخبار العراق. مشروع ترميم خان مرجان التاريخي في بغداد.
6. مجلة التراث العراقي. تراث محلة باب الآغا.
7. Wikipedia. Khan Murjan
8- صفحة ويكيبيديا العربية «باب الآغا» — تحتوي إشارات إلى «ينجري آغاسي» وتاريخ 1114 هـ / 1702 م.
9- صفحة دليل/تعريف محلة باب الآغا (مقالات محلية ودلائل) — ملخّصات وموقع جغرافي.
10- موقع/سجل «مخابز باب الآغا» الرسمي — معلومات عن استمرارية اسم الخبز والارتباط التراثي.

1130 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع