
عيد ميلاد ملوكي

يخال للبعض من العنوان أعلاه بانه سيعيش أجواء ملوكية للاحتفالات بأعياد الميلاد التي نسمع عنها ونراها في وسائل الاعلام من بذخ واحتفالات اسطورية تبقى عالقة في الاذهان على مر العصور.
نحن لا نتكلم عن أعياد الميلاد التي كان يحيها اباطرة الرومان او الفرس على مر العصور او أعياد الميلاد التي كان يقيمها مثلاً الملك فاروق لنفسه ولزوجاته وملكة إنكلترا اليزابيث التي تحتفل بعيد ميلادها مرتين في السنة في يوم ٢١ نيسان وهو يوم مولدها ويوم السبت الثاني من شهر حزيران، واقربها الذي لا يزال في الذاكرة هو عيد ميلاد شاه إيران الأسطوري الذي كان أغلى احتفال في التاريخ حضره العالم كله وتسبب في انهيار الإمبراطورية الفارسية. بل عن مشاركة مليكنا الشهيد فيصل الثاني ملك العراق المعظم بعيد ميلاد ابن خالته الشريف عبد الله بن الحسين بن علي آل عون.
الصور ادناه من عيد ميلاد الشريف عبد الله بن الحسين آل عون الهاشمي ابن خالة الملك المغدور فيصل الثاني الاميرة بديعة بنت الملك علي ملك الحجاز وهي من أرشيف الصديق السيد شعلان منذر قدري الذي كان من ضمن المدعوين لهذا الاحتفال الذي امتاز ببساطته المتناهية.

من اليمين الاميرة صالحة بنت الحسين. الأمير عبد الاله. الملكة نفيسة ابنة عبد الاله باشا تحمل سبطها الشريف علي بن الحسين. الملك فيصل الثاني. الشريف حسين بن علي زوج الاميرة بديعة. الاميرة بديعة. الشريف يوسف بن عبد العزيز عم الملكة دينا ملكة الأردن. الاميرة عبدية ابنة الملك علي. الأطفال حسب ذاكرة الأخ شعلان هم المرحوم فيصل قيس العسكري الثاني من اليمين ثم شعلان الرابع من اليمين ثم المحتفى به الشريف عبد الله الذي يظهر الخامس من اليمين بعد شعلان.
تم تنظيم الحفلة في قصر الشريف حسين والاميرة بديعة بتاريخ ١٤شباط ١٩٥٨ والذي هو بيت بسيط ومتواضع كبقية بيوت العراقيين في ذلك الزمان ولا يخال للقارئ بانه قلعة او قصر كما في الروايات وهو عائد لأميرة من الاسرة الهاشمية اللذين بنوا العراق وكيان العراقيين ولولاهم لما كان هناك عراق. والحضور من أصدقاء الشريف عبد الله في مدرسة "مس سي ول“ الابتدائية وهي مدرسة انكليزية في شارع السعدون قرب تمثال السعدون حسب ما يروي الأخ شعلان.
ومد السماط احتفاءاً بتشريف الملك فيصل الثاني لهذا الاحتفال المتواضع عن افخر ما يمكن تقديمه في مثل هذه المناسبات لإدخال البهجة والسرور على قلوب الحضور الكبار منهم والصغار وهذه صورة للمائدة المتواضعة والتي لا تختلف عن كثير من الموائد العراقية في مناسبات شبيهة وخالية من كل اشكال الترف الملكي المتعارف عليه في دول معاصرة للعراق ومجاورة له.

يظهر الصديق شعلان الرابع من اليسار يليه المحتفى به الشريف عبد الله ومع الأسف غابت أسماء بقية الحضور عن ذاكرة الأخ شعلان قدري *
ومما يذكره الأستاذ شعلان عن فعاليات هذه المناسبة بان جلالة الملك جمع الأطفال المدعوين في عربة ريكشو وهي دراجة بثلاث عجلات والأطفال في الكابينة الخلفية وكان يقودها بنفسه في باحة القصر والسعادة تغمر الجميع من إطلاق الضحكات وكانت أمسية لا تنسى غير مدركين لما كان يخبؤوه لهم القدر بعد خمسة أشهر من ذلك التاريخ.
وكان الأمير عبد الاله في غاية السرور وهو يداعب الأطفال بحنان الاب كونه كان محروماً من الأطفال وهو الخال لجلالة الملك وللمحتفى به الشريف عبد الله. وفي الصورة يظهر جالساً على الأرض مداعباً الشريف علي بن الحسين آخر العنقود بأريحية تامة بعيداً عن التصنع والتكلف ويظهر الأخ شعلان في آخر الصورة لاهياً بلعبته.

الشريف علي بن الحسين هو الابن الأصغر للأميرة بديعة والشريف حسين من مواليد ١٩٥٦ وغيبه الموت في ٢٠٢٢ عن عمر ناهز ٦٦ عاماً وهو من اواخر من تبقوا من العائلة المالكة التي تأسست دولة العراق في عهدها مطلع عشرينيات القرن العشرين وبعد احداث ١٩٥٨ الدامي غادر الناجون منها العراق. وقد سعى الشريف علي الى إعادة النظام الملكي للعراق من خلال ترأسه الحركة الملكية الدستورية العراقية بعد الاحتلال الأمريكي للعراق ودخل مع كتلة الائتلاف الوطني وصار نائباً في مجلس النواب وقام بتأجيل مشروع الملكية الدستورية في العراق في عام ٢٠٢٠ لعدم توافر معطياته ومن اجل ذلك تم تحويل اسم حركته من الملكية الدستورية الى الحركة الدستورية.

الملكة نفيسة زوجة الملك علي تهتم بسبطها الشريف علي بن الحسين مع ابنتها الاميرة بديعة
هكذا كان ملوك العراق وامراءه يعيشون ببساطة متناهية بعيداً عن حياة الترف والبذخ التي كان يعيشها اقرانهم في بقية دول العالم ولم يختلفوا عن أبناء الشعب العراقي في أي منحى من مناحي الحياة العادية وكل هذا لم يشفع لهم وهم بناة العراق المدني المتحضر والمنطلق في رحاب الرقي والتقدم السريع بعد خروجه من ظلمات العصور العثمانية التي عانى فيها العراق من الظلم والاستبداد الشيء الكثير فقام رهط من الضباط الاشرار بالانقلاب الأسود المشؤوم في ١٤ تموز ١٩٥٨ فقتلوا جميع افراد العائلة المالكة ومن معهم من نساء وأطفال الا الناجية الوحيدة من المجزرة وهي الاميرة هيام زوجة الأمير عبد الاله كذلك نجت الاميرة بديعة وزوجها الشريف حسين واولادهم الشريف محمد والشريف عبد الله والشريف علي لعدم تواجدهم ساعة المجزرة. لقد تم قتل المليك الشاب بدم بارد ولم تشفع له توسلات جدته التي كانت تحمل القرآن فوق رأسه بتركه لتتم بعدها العملية الوحشية بسحل جثة الأمير عبد الاله في شوارع بغداد وتعليقها في احدى شرفات شارع الرشيد ليتم تقطيع اوصالها ارباً اربا وتوزيعها على الرعاع المجتمعين لمشاهدة هذا المنظر الذي تعافه النفوس الآدمية فرحين مستبشرين بغنيمتهم ليطوفوا في شوارع بغداد متباهين بما حصلوا عليه من جثة الوصي عبد الاله.
لا يفوتنا بهذه العجالة لوصف طريقة المعيشة التي يمارسها اليوم ومارسها من قبلهم من حكام الصدفة الذين اعتلوا سدة الحكم في العراق الممزقة اوصاله ليتركوه حطاماً بعد ان بذل المؤسسون في سبيله اغلى ما يملكون وقدموا حياتهم قرباناً في سبيل رفعته ليأتي شذاذ الآفاق ويبعثروا ارضه ومياهه وثرواته ويفقروا أبناء الشعب وكيفية معيشتهم في القصور الفارهة وسرقة المال العام ليغتنوا على حساب الشعب المسكين وما المواكب الضخمة التي ترافق اصغر مسؤول في ما يسمى بدولة العراق الا دليلاً على محرومي النعمة اللذين شبعت بطونهم بعد حرمان وهذه مجرد مقارنة بسيطة بين المخلصين للوطن وكيف بنوا امة وبين الغرباء عنه وكيف مزقوا ما بناه السابقون الخيرون وندعو الله مخلصين ان يمن على الشعب المسحوق بالخلاص من هذه الترهات التي ادخلوا فيها الشعب العراقي وغيبوه عن الوعي وحرموه المطالبة بأبسط حقوقه.

من هنا انتهى مشوار الدولة وابتدأ مشوار الفوضى
وخير وصف لم حدث ويحدث قوله تعالى في سورة النحل الآية ١١٢:
وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ. صدق الله العظيم.
علي غالب البصام
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* يرجى ممن يتعرف على الظاهرين في الصور ولم يرد تعريفه الكتابة في التعليقات لتوثيق ذلك للتاريخ.

687 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع