"التعليم بين الامس واليوم، حنين الى الماضي، دور المدارس في نهضة التعليم"

"التعليم بين الامس واليوم، حنين الى الماضي، دور المدارس في نهضة التعليم"

كان التعليم ولا يزال الأساس الحقيقي لكل ثقافة وعلم في مختلف المجتمعات، أنه إرادة للحياة، فهو الفاصل الحقيقي بين الإنسان وباقي المخلوقات، إن عملية التعليم عملية تربوية تطورت بتطور العصور، وشهدت اهتماما واسعا من قبل العلماء والباحثين منذ القرون الأولى، فهو يعتبر أحد الركائز الأساسية للحضارة، فالتعليم قوة هامة لبناء أى مجتمع، بالرغم من تعدد واختلاف وسائل التعليم باختلاف الامكنة والازمنة، إلا أنها تهدف إلى تقديم وإيصال الأفكار والمعلومات والمهارات بأساليب وطرق متنوعة، فهدفها الأساسي ترسيخ المعرفة وإيصال المعلومة، فمنذ نشوء عصر الحضارات وانشاء ما يسمى بالدولة، اختلفت تعريفات التربية ففي العصر الإغريقي مثلا حددت التربية على أنها الكمال والجمال للجسم وللنفس البشرية، وكذلك بأنّها العملية التي تعد الإنسان للتعلم من خلال الاستماع الى الأفكار المختلفة وتحليلها وتقيمها بناء على المنطق والعقل،

في كتابه "الجمهورية “اعتبر أفلاطون التربية والتعليم أمورًا هامة جدًا في بناء المجتمع على الصعيدين الاجتماعي والفردي وتحقيق العدل والفضيلة، فيجب أن يتم تربية الشباب وتنميتها بطريقة تجعلهم قادرين على التفكير بشكل صحيح والاستفادة من المعرفة، وعندما يتم تحقيق هذه المزايا، يمكن تعزيز الاقتصاد وتحقيق الازدهار الحضاري للمجتمع بأكمله. يرى أفلاطون أن الأثرياء والفقراء على حد سواء يجب أن يتلقوا التعليم، وأنه يجب أن يكون هناك نظام عادل يوفر التعليم للجميع، واقترح أن يتم اختيار الأشخاص الأكثر كفاءة في القيادة والحكم لتلقي تعليمٍ متقدمٍ وتدريبٍ خاص ليصبحوا حكامًا فطنين وحكماء لتوجيه عملية التعلم وتوجيه الطلاب نحو الحقيقة والفضيلة، بالإضافة إلى ذلك، يعتبر أفلاطون التدريس بواسطة المناقشة والحوار طريقة فعالة لنقل المعرفة وتنمية الفهم، وعندما يتم تحقيق هذه المزايا، يمكن تعزيز الاقتصاد وتحقيق الازدهار الحضاري للمجتمع بأكمله.

تعددت بعدها التعريفات، وفي العصر الحديث نجد أن أكثر التعريفات تداولا هو تعريف "جون ديوي" حيث يرى أن التربية «ليست سوى خبرة تنشأ عن خبرة، إلى مزيد من الخبرة، وهو يربط بين الخبرة والنمو على أساس أن زيادة الخبرات تؤدي إلى زيادة النمو»، فالنمو هو هدف التربية في رأي "جون ديوي"، ويشير مفهوم التعليم إلى عملية تربوية التي تتم داخل وسائط التربية النظامية، وبالتالي يصبح مفهوم التعليم يرادف التربية النظامية، وبدقة أكثر، فإنّ مفهوم التعليم يشير إلى العملية التربوية، ولنسميها الآن العملية التعليمية التي تتم داخل المؤسسات التعليمية الرسمية (المدارس، المعاهد، الجامعات، مراكز التدريب)، اذا فلتربية والتعليم سببان أساسيان من الأسباب التي ترتقي بالإنسان، وتقيم له حضارته، وتحافظ على بقائها، وتبني هيبة الدولة وهويتها القِيمية والإنسانية.
بدأ اهتمام المسلمين بالمدارس في عصر النبوة، إذ جعل النبي محمد صلى الله عليه وسلم المسجد مكاناً للتعلم والعبادة، وكان في المدينة المنورة في عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم تسعة مساجد، وقامت أول مدرسة فيها عام 622م، وحيثما يُؤسس مسجد يبدأ فيه التعليم، وكانت تلك المدارس ابتدائية لتعليم الذكور والاناث، وكان النبي يبعث إلى القبائل من يُقرئهم القرآن، فانتشر التعليم في كل مكان وعاش المعلمون المتجولون حياة ملؤها الرضا والقناعة.
تميز العصر العباسي بظهور المدارس وانتشارها في المدن الكبيرة وتولي علماء كبار مهمة التدريس فيها. وقد استقلت المدارس وانفصلت عن المساجد وأصبحت لها بنايات خاصة ذات عمارة هندسية متميزة على الطراز الإسلامي كما خصصت لها الدولة العباسية الموارد المادية لتأمين رواتب الأساتذة والطلبة ومستلزمات الدراسة الأخرى، وقد لعبت المدارس دوراً كبيراً في تنشيط الحركة التعليمية والثقافية وشجعت على ترجمة كتب الأمم الأخرى إلى اللغة العربية، وأسهمت في تفعيل العلاقات بين أنحاء العالم الإسلامي، حيث كان طلبة العلم يتوافدون إليها من جميع البلدان الإسلامية، ولم تقتصر مناهج الدراسة في المدارس على العلوم الدينية فقط وإنما شملت العلوم الأخرى الطبيعية والصناعية والفنية أيضاً، ومن أشهر هذه المدارس:

المدرسة النظامية، والمدرسة المستنصرية، وانتشرت هذه المدارس انتشاراً واسعاً في مختلف أصقاع الدولة العباسية وما بعدها، فكانت المدرسة الظاهرية والمدرسة الصالحية في مصر، والمدرسة السعودية في بغداد، والمدرسة الصلاحية في حلب، والمدرسة الغياثية في مكة المكرمة، ومدرسة الزيتونة في تونس، ومدرسة السلطان حسن والجامع الأزهر في مصر، وغير ذلك..

كان التعليم في في العهد العثماني يرتكز ((على أساس المعتقدات الدينية والعواطف الإحساسية الغرض منه قراءة الكتب المقدسة وتلقين العقيدة الإسلامية وخدمة السلطان)) ولهذا فقد كانت محصورة في الكتاتيب وحلقات المساجد "المدارس الدينة" التي كانت تلقن القرآن الكريم و تعلم مبادئ الدين الإسلامي واللغة العربية والحساب، التي أنشئت بهدف تخريج المدرسين، والمُفتين، والعاملين في المؤسسات الدينية والقضائية،

شرع مدحت باشا بعد تعينه في عام 1869 واليا على بغداد الى القيام ببعض الاجراءات الاصلاحية في المجالات الإدارية والثقافية، شهدت فترته اهتماما بإنشاء المدارس الابتدائية خاصة بعدما أدرك المسؤولون بان هذه المدارس هي لذلك الاساس في نظام التعليم الرسمي أربع مدارس ابتدائية في بغداد وهي المدرسة الرشدية المدنية، المدرسة الرشدية العسكرية " التي تخرج ضباطا عراقيين بعد دراسة 4 سنوات، هذه المدرسة لعبت دورا كبيرا في تأسيس نواة المؤسسة العسكرية العراقية الحديثة لاحقا، حيث تخرج فيها العديد من الضباط الذين خدموا في الجيش العثماني، ثم أسسوا الجيش العراقي لاحقا عام 1921، المدرسة الاعدادية العسكرية، مدرسة الفنون والصنائع "ان مدرسة الصناعة في بغداد قد انشئت في عام 1871وكانت تعرف في عهد مدحت باشا باسم (مكتب السنية) كما عرفت باسم (مكتب الصنايع) وانشأ فيها عددا من المخازن والمعامل والاقسام الداخلية وغير ذلك من المرافق التي تحتاجها المدرسة، وبعدها تأسست بضعة مدارس ابتدائية في الموصل والبصرة. كما تأسست في هذه الفترة مدارس خاصة (اهلية واجنبية) منها المدارس التي انشأتها المؤسسات التبشيرية، وازداد الاقبال على هذه المدارس بعد أن ادخلت اللغة العربية والعلوم الحديثة ضمن برامجها الدراسية المقررة، وكانت هذه المدارس تتلقى مساعدات مالية من بعض الحكومات الاوربية وخاصة بريطانيا وفرنسا، وعلى الرغم من بعض الجوانب السلبية في تلك المدارس والمتمثلة بالارتباطات السياسية الاوربية،، في سنة 1908 جرى تأسيس أول مدرسة رشدية حديثة للبنات، وقد سجلت فيها عند افتتاحها (95) طالبة، ثم فتحت بعد مدارس مماثلة في الموصل والبصرة، أما منهج هذه المدارس فكان يتألف من تعليم اصول الدين، والقرآن الكريم الحساب الجغرافية التاريخ اللغات التركية والعربية والفرنسية، هذا فضلا عن تدريبهن على النقش والتطريز وحسن الخط، وقد وجدت السلطات التعليمية صعوبة كبيرة في تهيئة المعلمات لهذه المدارس فاستفادت من زوجات الضباط والموظفين الاتراك وزوجات بعض الاجانب وخاصة في تدريس اللغات والموضوعات العلمية، كما جرى افتتاح دور للمعلمين في بغداد والموصل والبصرة وذلك إثر التوسع الذي حدث في التعليم الابتدائي، وظهور الحاجة إلى ملاكات تعليمية، وكانت مدة الدراسة في هذه الدور ثلاث سنوات بعد المرحلة الرشدية ثم زيدت إلى أربع سنوات، وابرز الدروس في دور المعلمين اصول التدريس والرياضيات والتاريخ والعلوم الطبيعية، في سنة 1908افتتحت مدرسة (كلية) للحقوق، كما تم فتح العديد من المدارس الابتدائية والرشدية، وقد شهد تعليم البنات توسعا إذ فتحت مدارس ابتدائية للبنات في مناطق عديدة منها بغداد وعنه والسماوة والكاظمية وخانقين وكربلاء والنجف والحلة والديوانية وفي عهدهم حظيت قضايا الاشراف التربوي بالاهتمام كما دخل النشاط اللاصفي إلى المدارس الرسمية في العراق لأول مرة، وبعد عام 1908م دخلت مادة الرياضة البدنية إلى المدارس الرسمية، عام 1909 عرف العراقيون الكشافة لأول مرة وتخليداً لهذه المعرفة الجديدة بنوع من انواع الرياضة التي تهذب الاخلاق وتكرس عملية الدفاع عن الوطن وترسي قواعد الشهامة والكرامة والتضحية وخدمة الصالح العام والاسهام في حوادث الفيضان والغرق والحريق، وفي كانون الاول 1908 فتحت مدرسة الترقي الجعفري العثماني من قبل مجموعة من المثقفين العراقيين في مقدمتهم جعفر ابو التمن ورؤوف القطان ومهدي الخياط وعلي البزركان، وكانت الدوافع لفتحها سياسية مغلفة بأغراض تجارية تتعلق بتهيئة كتاب ومحاسبين بلغات اجنبية وعلم المحاسبة المدنية وكانت تديرها هيئة ادارية مؤلفة من (15) عضواً، الدراسة فيها ابتدائية ثم رشدية (متوسطة) ثم اعدادية عدد طلابها كان (300) طالب.
لعبت طبقة المثقفين العراقيين التي نمت في العقدين الاخيرين من الحكم العثماني وتألفت من الضباط والموظفين والمحامين والاطباء والمعلمين وطلبة المدارس العالية ورجال الادب والثقافة دورا كبيرا في نشر التعليم الذي يبرز بشكل واضح في تأسيس مدرستي (تذكار الحرية) في البصرة، و(الترقي الجعفري العثماني) في بغداد. اتسعت حركة المطالبة الشعبية بتأسيس المدارس وجعل لغة التدريس فيها العربية وقد اتخذت هذه الحركة من الصحافة والمجالس العمومية للولايات ومجلس المبعوثان (النواب) ميادين لإثارة هذه المطالب الحيوية، وقد تأسست في هذه الفترة بضع مدارس أجنبية (فرنسية وايرانية والمانية وامريكية) في مناطق مختلفة من العراق عليه، قررت وزارة المعارف في كانون الأول 1913م تحويل المدرسة الاعدادية في بغداد إلى مدرسة سلطانية، والمدرسة السلطانية تشبه المدارس الثانوية الفرنسية المعروفة بـ (الليسيه).

وفي مطلع السنة الدراسية 1914-1915م صدر قانون ينظم عملية التدريس في المدارس الابتدائية، وفي 1915م .

عين حكمت سليمان مديرا لمعارف بغداد، وهو أول عراقي يعين بهذا المنصب، وكان في الوقت ذاته عميدا لكلية الحقوق، وقد نجح حكمت سليمان بجهوده الشخصية في تأمين الموارد المالية لتمشيه امور المعارف واصلت مدارس الموصل نشاطها التعليمي في وسط ظروف الحرب القاسية بعد احتلال البصرة وبغداد وكانت الظاهرة المميزة في تلك المدارس خلال هذه الفترة هي تنامي النشاط القومي! العربي وخاصة في دار المعلمين ومدرسة دار العرفان الابتدائية، فلقد اتخذ المعلمون القوميون من هاتين المؤسستين مكانا لنشر الفكرة وبث الشعور المعادي للاتحادين.
كان النظام التعليمي في العراق مركزيا حيث كانت وزارة المعارف هي المسؤولة عن مفردات المنهج لكل مدرسة، وعن جداول الدروس الاسبوعية والكتب المدرسية، وتعيين مدراء المدارس ومعلميها وتهيئة ميزانية المعارف، ولم يكن لمجالس المعارف الا الاسم، ومما يلاحظ عليها ان معظم اعضائها كانوا من رجال الدين أو من الشخصيات المحافظة، باستثناء بعض الفترات التي كان فيها من اعضاء المجالس رجال متنورون امثال جميل صدقي الزهاوي، وفهمي المدرس و حكمت سليمان، لذلك لم تتح لتلك المجالس ممارسة وظيفتها في ترقية المعارف في العراق وفقا لما تقتضيه تطورات العصر، وازداد الاقبال على المدارس الاهلية لعنايتها آنذاك باللغة العربية وارتفاع المستوى التعليمي فيها، د بلغ عدد العراقيين المتخرجين من الكليات العثمانية غير العسكرية، في اسطنبول بين 1900-1917م (60) متخرجا تخصص 27 منهم في الطب و25 في القانون و5 في الادارة و3 في الهندسة. وبالرغم من تعدد قنوات التعليم في العراق فان عدد المتعلمين في العراق لم يزد على 1% من مجموع السكان عند انتهاء الحرب العالمية الاولى، رغم النواقص والسلبيات والقصور التي رافقت عملية التعليم في العهد العثماني إلا أن استحداث هذه المدارس نسبيا قد طور المعارف، ووفقا للتقارير الرسمية للسلطة العثمانية ((كان في العراق في العهد التركي نظام ممتاز للمعارف، فقد كان في كل ولاية، مدير معارف، له ميزانية وموظفوه، وعدد من المدارس تسير بموجب منهج خاص وحملت الى المجتمع العراقي من روح جديدة في طراز التعليم مقتبسا من النظم الأوربية يقدم نوع من الثقافة امدت المثقفين العراقيين بطاقة جديدة من الفكر فتحت اذهانهم على المعارف الغربية ومنها تعرفوا الى الأفكار الديمقراطية والاستقلال الوطني، كما ان المدارس العصرية التي مارست نشاطاً واسعاً في بعض البلدان العربية لعبت دوراً في خلق جيل من المثقفين العصريين يرفضون فكرة الخلافة.
وفي السنوات اللاحقة ابان الاحتلال البريطاني 1914-1918 استمر القصور والنقص التي كان عليها الجهاز التعليمي في العراق وهذا خلف تركة ثقيلة، فقد عمد المستعمرين البريطانيين إلى تحطيم الآثار الثقافية العريقة للشعب العراقي، ولم يعر المحتلين الانكليز اية اهمية يذكر للتربية والتعليم في سنوات الحرب العالمية الأولى حيث عمل على غلق كافة المدارس وفيما بعد أهملت بهدف الحد من شأن المعارف أو اعتباره أهميته ثانوية، ولهذا فقد واجه المسؤولين الوطنيين بعد تشكيل الدولة الملكية أواخر عام 1920م، فبذلوا جهودا حثيثة من اجل بناء مؤسسة تعليمية وطنية متطورة تلبي احتياجات السكان وترتفع بمستواهم التعليمي والثقافي.
حاولت الدولة العراقية برمجة المرافق التعليمة وفق مبادئها التنموية، فالتعليم هو حلم معاصر لكل دولة، كونه يسلط الضوء على جانب من أهم جوانب التاريخ الحضاري العلمي الواعي، لتكوين مجتمع متعلم، يساهم في التخلص من توابع الأمية، ورغم قلة الإيرادات المالية، عملت على إنشاء المدارس، والثانويات، والكليات، والمعاهد، لإعداد أجيال قادرة على خوض معترك الحياة السياسية، الاجتماعية، الاقتصادية والثقافية، انقسم نظام التعليم العام في العراق إلى ثلاثة مستويات وتكون الدراسة بها عدة مراحل وهي الابتدائية والمتوسطة والثانوية وتسمى بالدراسة الأولية الإجبارية، وتنقسم المدارس إلى مدارس حكومية ومدارس خاصة ومدارس أهلية، و قد حاولت الدولة تخصيص وزارة المعارف، وهي المشرفة على مديريات المعارف والبعثات العلمية، وقد أخذت الدولة على عاتقها مجانية التعليم في كافة المراحل، شهد قطاع التربية والتعليم في العراق تطورات مهمة مست ببنيته الأساسية ورفعت من سقف التحديات للمدرسة والمعلم، مما فرض على الدولة القيام بالعديد من الإصلاحات التربوية بما يتماشى والتطورات التي لامست المجتمع العراقي من جهة، وتوفير بيئة مناسبة للمعلم كي يقوم بمهمته المقدسة على أكمل صورة، بغية إعداد فرد يكون قادرا على تنمية المجتمع وجعل الدولة تسير بالاتجاه التنموي، وقد رصدت الدولة ميزانيات خاصة للإشراف على هذه المرافق التربوية، وانطلقت مسيرة النهضة التعليمية في مختلف الوية ومناطق العراق بزخم واندفاع كبيرين لتعوض ما فات أبناء البلاد من تعليم فارتفع عدد المدارس في البلاد، وكمثال على مستوى التعليم آنذاك ما يتداول عبر الفيس بوك لورقة امتحانية لمادة الجغرافيا للسادس الابتدائي في العهد الملكي في نهاية العشرينات عام اذا ما قورنت بمستوى التعليم الثانوي في يومنا هذا.

وبمرور السنوات ومنذ الخمسينات وفي عهد مجلس الاعمار، بدأ العراقيون يتطورون في جميع مجالات الحياة تقريباً، سواء كان ذلك في مجالات الاقتصاد والنشاطات الاجتماعية والسياسية وفي التعليم والمعرفة الذي استمر في طابعه الحداثي وانفتاحه على العالم الخارجي مع ازدياد الاهتمام بالدراسة والتعلم في الولايات المتحدة، وبريطانيا وفي أنحاء مختلفة من العالم، ومع منتصف السبعينات في القرن الماضي، استحدثت طفرة نوعية في التعليم والبحث العلمي والتكنولوجي، بعد ان اصدرت الدولة قانون رعاية الكفاءات وفيها عادت بموجب هذا القانون كفاءات علمية في مختلف المواقع العلمية، وكان للتغير الاجتماعي الذي أحدثه رواد العلم، والثقافة تأثير هائل على كل من التركيب الجزئي والبنية الكلية للمجتمع العراقي آنذاك. كانت التربية والتعليم آنذاك، فعالة في إحداث التغيير الاجتماعي، وكان العراقيون يتقدمون في جميع المجالات على شعوب المنطقة، ونمت الدولة العراقية باطراد في تلك الفترة اعتماداً على المتعلمين خصوصا الدارسين منهم في خارج العراق، من حيث الإدارة، والخدمات التعليمية والصحية، بل تجاوزت ذلك الى ميدان بناء الصناعات، والبنى التحتية، و قد أدت المدرسة العراقية، دورا مهما في طرد الأمية وأسهمت بشكل كبير في إثراء الحقل المعرفي التي كانت ذات فعالية كبيرة، الشيء الذي جعلها تحتل مكانة مرموقة على غرار نظيراتها العربية آنذاك،

وحسب تقرير اليونسكو، أن العراق في فترة ما قبل عام 1991 ميلادية كان يمتلك نظام تعليمي يعتبر من أفضل أنظمة التعليم في المنطقة ، تقدر نسبة المسجلين في التعليم الابتدائي بم اتقارب الـ 100%، كذلك نسبة عالية للقادرين على القراءة والكتابة وبدأ العراق يرسل العراق تدريسين الى الجزائر واليمن والكويت والامارات.

ادت حرب الخليج عام 1991 بعد غزو العراق الى الكويت الى وضع دولي جديد في المنطقة، فقد اقدم مجلس الامن التابع للأمم المتحدة من اصدار عدة قرارات جائرة وقاسية ليس لها مثيل على المستوى الدولي، ومنها قراره المشؤم رقم 661 والقاضي بفرض العقوبات الاقتصادية الدولية الاكثر حدةً في القرن العشرين، فهو نظام عقوبات فريد من نوعه في التاريخ، وكانت تبعاته مؤثرة بشكل كبير على كافة المستويات، فقد عانى العراقيون من تدمير البنية التحتية: "من محطات اتصالات، وكهرباء، ومصانع، ومعامل، ومنشآت نفطية، ومخازن للحبوب، ومواد تموينية، وأسواق مركزية، ومحطات ضخ المياه"، ولم يكن التعليم بعيداً عن تلك التأثيرات ، استمر الحصار لمدة ثلاثة عشر سنة تحت ضغط شديد من الولايات المتحدة وبريطانيا والعديد من الدول العربية والتي بموجبها منعت العديد والعديد من المواد والعناصر المهمة والأساسية لإدامة الحياة، وشملت البنود منع المواد التعليمية الكثيرة والتي هي بأمس الحاجة للطالب كأقلام الرصاص وأنواع اخرى من الأقلام والكتب التعليمية وأجهزة الكمبيوتر، لم يتمكن الطالب من متابعة متطلبات دراسته من احتياجات مختبرية ومصادر علمية وكتب عالمية تفيده في دراسته وبحثه، كما عانى الباحثين بهذا الحصار حيث تم منعهم من إكمال دراساتهم العليا خارج العراق، كما تم منعهم من المشاركة في المؤتمرات العالمية وحضور الدورات التدريبية، انخفض معدل المسجلين بالمدارس لجميع الأعمار (من 6-23 سنة) إلى 53%. وفي المحافظات الوسطى والجنوبية بلغت نسبة مباني المدارس التي بحاجة لإعادة تأهيل 83%، أي أن 8613 مدرسة من مجموع 10334 تضررت بشدة. وبعض المدارس التي كانت سعة الاستيعاب بها 700 تلميذ بلغ عدد المسجلين بها فعلياً 4500 تلميذ. أما عن التقدم الواقعي لمحو أمية الكبار والإناث فقد توقف ورجع إلى مستويات منتصف عام 1980، في حينها انخفضت معدلات الالتحاق في المدارس النظامية ومدارس محو الأمية، توجه العديد من الأطفال العراقيين إلى مجال العمل لمساعدة عوائلهم، وبدأ الانتشار التدريجي للامية، كما لم يسلم المعلم والمدرس وشرائح المجتمع من نقص في معاشاتهم الوظيفية التي باتت لا تسد رمق العيش، مما ادى الى التقليل في نسبة المشاركين في منظومة التعليم، كذلك قلة نسبة الدعم الحكومي لهذا القطاع، مما ادى الى تعطيل تقدم التربية والتعليم والصحة خلال أعوام الحصار، وفي تلك الفترة واجه العراق ظاهرة هجرة العقول بأعداد ليست بالقليلة ضمت باحثين وأساتذة واطباء ومهندسين وقدرت حينها بالألاف.

المدرسة هي البناء المؤسسي والتربوي والاجتماعي الذي يلتقي فيه الطلبة علمهم وفيها يتم الكشف عن قدراتهم ومهارتهم التي تتناسب مع ميولهم واحتياجاتهم، اذ تعمل المدرسة جنبا الى جانب الاسرة لتنشئة الأجيال وزرع القيم والأخلاق وتنمية امكانياتهم وصقل شخصياتهم كما انها تشجع وتحافظ على قيم المجتمع وعاداته وتعزيز قيم الانتماء والمواطنة، وهي التي تهيأ الأجيال القادمة لمواجهة تحديات الحاضر والمستقبل ومواكبة التطور والتقدم الحضاري، فالمدارس القديمة في العراق وبالرغم من تواضع ابنيتها ومؤهلات أغلب المعلمين بسيطة، كانت قناديل أضاءت واسهمت في صناعة العقول والمهارات وانتجت مبدعين وعلماء وفلاسفة، وتخرج منها كثير من الإعلام والمفكرين والشعراء، كانت معبرا يؤدي إلى الرقي الاجتماعي و المعرفي، وهي التي أنتجت كل الرجـال الذين نسـمعُ عنهم، ونشاهدهم متحلّين بمزايا الاستقامة، والصدق والكرم، والشـجاعة، وحب الوطن، واحترام الحق، وبذل النفس والمال في خدمة العلم والمجتمع، كانت الدولة آنذاك تهتم كثيرا بالطالب ماديا واقتصاديا ما ينعكس على استقرار الطالب النفسي، فتامين المناهج المجانية، وكان التعليم يتميز بطريقة التلقين، حيث كان المعلم والأستاذ مصدر المعلومات، وهو القادر على تزويد الطلاب بالمعارف والمعلومات، وكان عنصر الوقت مناسب للمعلم والمتعلم، كما أن عدد الطلاب كان قليلا بحيث تكون لكل واحد منهم فرصة للمشاركة في الدرس، ويسمح للمعلم بأن يركز على الطالب ضعيف المستوى ويشجع الطالب النشيط، وحينها كانت النظرة السائدة للمعلم انه شخص ذو مكانة اجتماعية واحترام شديد و حيث كان لا يتجرأ أحد منهم على التطاول عليه في المدرسة وخارجها، المعلم في الماضي كان هو الأب والمعلم وولى الأمر فى نفس الوقت، فكان هو الآمر الناهي في حياة طلابه، وهذا يرجع إلى تقديس طلابه له واحترامهم له، وهو المسؤول والحريص على غرس حسن الخلق في الأبناء، وتكفلت له وزارة التربية والتعليم بحقوقه كاملةً فكان قلبه متعلق بطلابه منشغل بمدرسته، مخلصا في عمله في المدرسة والمجتمع، كان المعلم والأستاذ متميز بهندامه وعلى الظهور بمظهر لائق وأنيق أمام التلميذ وأمام المجتمع، كان المعلم والأستاذ بمرتبة سيد القوم وأكثرهم مكانة اعتبارية هو المعلم والأستاذ، ففي داخل أسوار الابتدائيات والمتوسطات والثانويات وخارجها، كان الجميع يهاب المعلم والأستاذ لما يتصف به من وقار واحترام وتقدير، بالرغم من قلة أجور المعلم التي كانت تسود أبسط حاجاته أو حاجات عائلته لكنه بالمقابل كان يقدم ثروة علمية وتربوية وأخلاقية تعادل أضعاف ما يتقاضاه من أجور، وكنا كطلاب نتجنب الالتقاء مع مدرسينا في أي مكان عام احتراماً لهيبتهم ومكانتهم التربوية.
ان من أنجح وسائل إخضاع المجتمعات وقهرها وسلب إرادتها، هو في قتل العقل والفكر والابتكار والإبداع لدى أبنائها، في عمل مشابه لمحو آثار ثقافة وحضارة وإنجازات المجتمعات، لأجل إزالة كافة القدرات ومكامن الانتفاض والقيام من جديد،

فبعد دخول القوات الامريكية والبريطانية لاحتلال العراق في التاسع من نيسان 2003 شهد العراق وضعاً مأساويا شمل حضارته الإنسانية، فقد هدم الكثير من ميادين الحياة ومنها ميادين العلم والمعرفة، وتدهور واقع التّعليم في المنشآت والموارد البشرية العاملة فيه، فبحسب احصائيات اوردتها المنظمات الأممية المعنية تم قصف أكثر من 700 مدرسة منذ آذار عام 2003 وتعرضت 200 أخرى للحرق الكامل، ونهب 3000 مدرسة، وتمركزت قوات الاحتلال الامريكية ومن بعدها الحكومية وقوات الشرطة على الكثير من المدارس.
لعب الاحتلال الأمريكي ومن بعده النفوذ الإيراني، دوراً كبير الأثر في تدمير العملية التعليمية في العراق، حيث شهد المجتمع العراقي بصدور قوائم بأسماء 15500 عالماً وباحثاً وأستاذاً جامعياً، واعداداً هائلة من المعلمين، وسرحتهم من الخدمة بدعوى علاقتهم بحزب البعث، كما شهدت ملاحقة واغتيالات لأساتذة الجامعات ومعلمي المدارس وادباء وأطباء ومحامين وسياسيين من قبل جهات لها ارتباطات بقوى إقليمية ودولية، مما أدى إلى هجرة الأدمغة والنخبة المثقفة بشكل متزايد إلى الخارج طلبا للنجاة، وزيادة على ذلك فالتأثيرات ادت الى تصدعات اجتماعية خطيرة من امية وجهل وعادات بالية وممارسات متطرفة وثقافة مغايرة جاءت عبر الحدود، وهذه التصدعات انعكست وتسربت الى المدرسة التي بدأت تشهد انهيار المنظومة القيمية، وسمحت بتفاقم الرّداءة والانحدار الأخلاقي لبعض الجيل الجديد، وخلقت ممارسات ونزاعات اجتماعية وطائفية وسياسية، وأصبح التعليم في العراق يواجه تحديات من قبل سيطرة أحزاب دينية متنفذة على بعض المدارس، وهيمنة التعليم الديني على المناهج الدراسية، وترسيخ الهوية الطائفية ووضع مناهج وفقاً لطائفة المدرسة، واصبح مستوى التعليم في العراق متخلف بالمقارنة بالدول الأخرى بالعالم، فالمستوى الدراسي للطلبة يشهد تدهورا كبيراً، ويتجسد ذلك فيما يظهر من تدني في قدرات الطلبة اللغوية والعلمية بشكل كبير، لقد أهملت الحكومات المُتعاقبة طيلة سنوات، للأسف، المنظومة التّعليميّة، فلا استثمار في العقول ولا دعم للمواهب والابداع والتجديد، ولا بيئة تعليم مناسبة، ولا مناهج دراسيّة مُلائمة، ولا محتوى تعليمي قادر بدوره على زرع رُوح الابتكار والتّجديد وتكوين فكر تحليلي نقدي لدى النّاشئة، فشهدت انتكاسات ونقائص عديدة أدّت إلى تراجع جودة التّعليم وتفشّي ظواهر أربكت بعض المؤسّسات التّربوية نتيجة تراخي الأطراف المسؤولة في الدّولة في تطبيق الإصلاحات الجذريّة.
قلت كفاءة المعلم وجرى تهميشه ، فمكانته في ادني مستوى من الانضباط والاحترام، وتمَّ تكبيله وأُفرغ من دوره وتمّ التجييش عليه، والتقليل من شأنه وازدراءه وحتى الاعتداء عليه فما نراه من ضياع للأخلاق واندثار للقيم سبب بالدرجة الأوّلى النيل من رسالة المعلم، لقد أصبح المعلم اليوم أشبه ما يكون بآلة يطلب منها النتائج والمخرجات، وتفاقمت ظاهرة الغياب والتسرب من المدارس، ووصل عدد الاميين الى نحو 6 مليون، كما اسهمت الجماعات المتطرفة في ضم عدد غير محدد من الطلاب إلى جانبها، لتخلق عاملاً مباشراً آخر بانحدار مؤشرات التعليم في العراق، إلى جانب عوامل أخرى، يتصدرها الفساد المالي والإداري، ولم يعد هَم الطالب الاول هو التحصيل الدراسي واكتساب المعارف العلمية، بقدر ما اصبحت المدرسة مكانا لتمضية الوقت والانشغال مع الاصحاب.
لقد أصبحنا نقف على أطلال الماضي ونتحسّر فقط على إنجازات الأوّلين دون المُبادرة والشّروع في الإصلاح الفعلي.

تحولت الجامعات العراقية بعد أن كانت تطفح بالعلم والعلماء إلى مجرد أسماء، فقد هوت من قوائم التصنيف العلمي الرصين التي تقوم به المنظمات الدولية، وتراجعت بشكل كبير مستويات الهيئات بسبب قلة الكفاءة والفساد والشهادات المزورة التي ملأت العراق، خاصة فيما يخص الدراسات العليا "شهادات الماجستير والدكتوراه"، وتحولت الجامعات العراقية بعد أن كانت تسخر بالعلم والعلماء إلى مجرد أسماء وتكاثرت بواسطة الأحزاب الحاكمة، وأصبحت الان اكثر من 35 جامعة حكومية و45 جامعة وكلية اهلية لتهوي من قوائم التصنيف العلمي الرصين التي تقوم به المنظمات الدولية، وهي الان خارج التصنيفات الجامعية للجامعات العالمية الذي صدر عام 2022، ففي تصنيف كيو اس المتقدمة لم تصنف اية جامعة ضمن المئة الأولى، ومن المآسي التي يعيشها المجتمع هو تزايد عدد الخريجين مصحوباً بتدني وتراجع مستوى التعليم، ولم تعد الحلول الترقيعية أو الإجراءات الجزئية أو القرارات الاعتباطية، وغير المدروسة تنفع.
أعاق الفساد الإداري والمالي تقدم عجلة التعليم وتراجع مستواه، فالأموال المخصصة لوزارة التربية حالها كحال باقي الوزارات لا تخلو من الفساد والمحاصصة الطائفية والحزبية، فالفساد متجذر في اسس النظام والمحاصصة التي قسمت الوزارات، والمديريات، والأقسام، وحتى المدارس والمعاهد والجامعات ودرجات موظفيها، على الكتل والأحزاب.
اذا كان تدهور الواقع التعليمي والتربوي بكافة اشكاله وانواعه ومسبباته، يعد في الوقت الراهن من اكبر التهديدات الخطرة التي تدمر المجتمعات لذلك فان مكافحة هذه الظاهرة لا بد من توفر رؤية متكاملة للإصلاح، وانّ عملية اصلاح التعليم لا يمكن ان تكون مجرد افكار او شعارات، وانما تقتضي تغييرا جذرياً وليس جزئياً، وهذا لا يتم إلا بالمشاركة الجماعية، بدأ من الأسرة مروراً بالمربي وصولا الى الدولة، فهي مسئولية الجميع، مع توفر ايضاً قيادات نزيهة تمنع المتاجرة بالنفوذ وإساءة استغلال المنصب واختلاس الممتلكات أو تبديدها وتحافظ على المال العام، واعتبار محو الأمية وتعليم الکبار محورا رئيسيا من محاور إصلاح التعليم، ومرتكزاً أساسيا من مرتكزات استراتيجية هذا الإصلاح، لان الأمية هي العقبة في طريق التنمية الشاملة وعلى الدولة توفير وسائل التعليم و حرية التعليم و مجانتيه، كما يجب ان تأخذ الدولة، ايضا، بعين الاعتبار، الفوارق المجتمعية على مستوى الفقر ودعم الوسائل الكفيلة بذلك، فالتعليم قضية مجتمعية ولا تحل مشكلاته الا في تحسين جودة التعليم، من خلال مُراجعة المناهج التّعليميّة والاستفادة من التّجارب المُتقدّمة لإرساء منظومة تربويّة ناجحة، وتدريب المعلمين وتزويدهم بالوصول الحر الى أساليب التدريس الحديث وتقنياته فضلا عن فرص التطوير المهني، حينها تكون قادرة على بناء عقول سليمة ومُبتكرة وتنشئة جيل سويّ في بيئة مُجتمعية صحية، لا تنبذ الاختلاف، بل تدعو إلى التّعايش، "فبمجرّد أن يضيء العقل"، لا يُمكن أن يعود مُظلمًا مرّة أخرى.
كان التعليم صرحا وصور تذكرنا بعصر ذهبي مفعم بالإرادة والعزم على البناء وإرساء قواعد الثقافة والمعرفة والعلم والتطوير، فهوى منذ ان حكمته شلة أحزاب الاسلام السياسي، لقد أصبحنا نقف على أطلال الماضي الجميل لما نشهده من واقع مؤلم وحزين ونرثيه ونتحسّر فقط على إنجازات الأوّلين دون المبادرة والشّروع في الإصلاح الفعلي، فماذا بقى من كل ذلك في يومنا هذا؟؟، ومن الله التوفيق.
سرور ميرزا محمود

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

2568 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع