الأسرة والدولة

                                   

                           خالد القشطيني

لو تمعنا قليلا في الشعوب الإسلامية الآن لواجهتنا هذه الظاهرة الواضحة، وهي أن الدول التي تخضع لحكم عسكري أو جمهوري كباكستان، وأفغانستان، وإيران، والعراق، وتركيا، وسوريا، ولبنان، وليبيا، وتونس، والجزائر، والسودان، واليمن، والصومال، وموريتانيا،

جميعها تعاني من الاضطرابات والمشاكل واختلال الأمن وأحيانا الحروب الأهلية. وفي مقابل ذلك، نرى أن الدول التي يحكمها نظام ملكي وراثي، كالمملكة العربية السعودية، وسلطنة عمان، والإمارات، والبحرين، وقطر، والكويت، والأردن، والمملكة المغربية، تتمتع بالاستقرار والأمن وتنعم بما لديها من ثروات راضية مرضية. لِمَ ذلك؟
ترتبط هذه الظاهرة بسيادة الدين الإسلامي في هذه الدول، وتأثير الشريعة الإسلامية على التركيبة الاجتماعية والسياسية لشعوبها، علما بأن هذا التأثير يرتبط بدوره بالحياة الرعوية والزراعية والبدوية لمنطقة الشرق الأوسط، مما أعطى الأسرة والقبيلة هذه المكانة الرئيسية في أولويات تفكيرها وتقاليدها وأعرافها القانونية والثقافية. نلمس أثر الانتماء العائلي حتى في استعمالاتنا اللغوية، فأنا أبو نايل ووالدي كان أبو خالد. ومن ليس له أولاد نسميه أبو غايب احتراما له. وصفية سعد زغلول كانت أم المصريين. وكل زعيم من زعماء منظمة التحرير الفلسطينية هو أبو فلان. وهكذا عرفنا معظم شخصياتنا التاريخية. كل منهم أبو فلان أو ابن فلان. وعلى هذا السياق وردت ألقابنا بنسبة الشخص إلى عشيرته وقبيلته. هكذا أصبح علم الأنساب من العلوم التي شغلت المفكرين والكتاب، مثلما أصبح فقه المواريث من أهم فصول الشرع والفقه الإسلامي.
ومن طرائف ذلك أن صدام حسين أصدر قانونا بتحريم استعمال الألقاب لأنه كان محروما منها. ومن الملاحظ أن الجماهير اعتادت في الانتخابات البرلمانية على مهاجمة المرشحين بتعييرهم بأنسابهم أصولهم، وهلم جرا.
أسهمت هذه المشاعر والتقاليد في إعطاء الأنظمة الملكية شرعيتها واحترامها بين الجمهور. معظم من قاموا بانقلابات عسكرية لم تكن لهم أصول يعتزون بها. ولم ألتق بعراقي لا يشعر بالعار والندم على ما حدث للأسرة المالكة في انقلاب يوليو (تموز) 1958. لكن العراقيين ثنّوا هذه الغلطة بغلطة أخرى عندما لم يصوتوا أخيرا لحزب الملكية الدستورية للشريف علي بن الحسين، فوقعوا في ما هم فيه اليوم من النظام الجمهوري الحالي.
الأنظمة المالكة لها من الهيبة ما يفرض على شعوبها الاحترام والطاعة، وهذا ما يعطي البلاد الاستقرار ويجنبها من الحماقات والمطبات والتجاوزات. وتستمد الأنظمة الملكية الحالية قوة إضافية من الدرس الذي تمخض عن تجارب الانقلابات والأنظمة الجمهورية. من تلدغه الحية يخاف من الحبل.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

685 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع