مسلسل " الجاسوس" عمل إسرائيلي بامتياز ورسالة سياسية قبل ان تكون إستثمارتجاري!!

                                                     

                                علي المسعود

   

مسلسل " الجاسوس"عمل إسرائيلي بامتياز ورسالة سياسية قبل ان تكون إستثمارتجاري!!

من المعروف أن الموساد يُفرج، بين الفينة والفينة، عن بعض الحكايات الاستخبارية التي يُعاد صوغها بطريقة تتحول معها تلك الحكايات إلى روايات خارقة، وتُنشر في كتب دعائية بعد مراقبتها بدقة، وبعد إضافة ما لا يحصى من معلومات مخترعة، مثل كتاب “جواسيس جدعون” (غوردون توماس) الذي صدرت ترجمته عن “الدار العربية للعلوم” في بيروت سنة 2007. وقد حاولت المخابرات المصرية أن تحذوَ حذوَ إسرائيل في هذا الميدان، فمنحت الكاتب صالح مرسي ملف الجاسوس المصري جمعة الشوان، فحوّله إلى مسلسل تلفزيوني بعنوان “رأفت الهجّان”. وعلى هذا الغرار صدرت كتب، وأُنتجت أفلام، وأُخرجت مسلسلات عن جواسيس الاحتلال الاسرائيلي ومنهم الجاسوس إيلي كوهين مثل “وحيد في دمشق” (شموئيل ريغف) و”إيلي كوهين محارب دمشق” (جاك مارسييه). وكانت الغاية من إنتاج هذه الاعمال هو اختراع جاسوس خارق وجعله أسطورة واستخدام نتائج ذلك في الحرب النفسية ضد العرب، والمفاخرة أمام الغرب بقدرة الموساد على الاختراق والتسلل. ولايعرف غاية شبكة نتفليكس في الاهتمام بنشاطات جهاز الموساد فخلال عام أنتج شركة (شبكة نتفليكس ) فيلمين عن أشرف مروان وهما فيلم الملاك" والذي تدور قصته عن تورط "أشرف مروان" زوج نجلة الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر مع الموساد، الذي تدّعي إسرائيل أنه عمل لصالحها داخل أروقة الدولة المصرية؛ في حين تُصر الدولة المصرية على أنه كان عميلاً مزدوجاً يعمل لصالحها، والآخر فيلم ( الجاسوس الذي سقط على الارض)، وقدمت مسلسل وثائقي عن بطولات الموساد بعنوان- داخل الموساد، وكذالك فيلم عن بطولة عملاء الموساد في تهريب الإثيوبيين لإسرائيل وكان بعنوان(البحر الاحمر منتجع الغطس)، وكما أثار فيلم "الملاك"، رد فعل عنيف في العالم العربي واتهامات مماثلة لـ"نتفلكس" بتقديم الدعاية الإسرائيلية، هذه المرة تعود الضجة من خلال المسلسل قصير يحمل اسم "الجاسوس"ـ والذي الذي يمتد لموسمٍ واحدٍ من 6 حلقات، والذي أطلقته في - 6 سبتمبر/أيلول 2019 موعداً لعرضه، استند المسلسل إلى الكتاب الفرنسي " الجاسوس الذي جاء من إسرائيل" والذي قاما بتأليفه الكاتبين "أوري دان" و"يشياهو بن بورات". أما سبب إعادت شركة "نيتفلكس لقصة الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين بعد 54 سنة من إعدامه في عهد الرئيس السوري الراحل أمين الحافظ عام 1965ربما لاستثمار حدثين مهمين ، ألاول هو المعلومات المتضاربة في موسكو عن محاولات إسرائيلية لاستعادة رفات الجاسوس، والتي لم تتوقف جهود تل أبيب لاستعادة رفات الجاسوس طوال سنوات وبضغوط أميركية فاشلة. وتذرعت الحكومة السورية بأنها لا تعرف مكان دفنه، لأنه أُعدم قبل تسلم حافظ الأسد السلطة، وتم نقله أكثر من ثلاث مرات من قبر إلى آخر في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، خشية قيام تل أبيب بعملية خاصة لاستعادة رفات كوهين اليهودي المصري الأصل، والحدث الثاني هو استعادة ساعة كوهين الثمينة ، وبحسب هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، استعاد الموساد الإسرائيلي، العام الماضي، في عملية خاصة، ساعة اليد التي ارتداها كوهين. وارادت شركة نيتفلكس إستثمار هذين الحدثين بشكل تجاري، ويؤكد الناقد السينمائي محمد رُضا، صاحب سلسلة "كتاب السينما" النقدي، لوكالة "سبوتنيك" في الإجابة عن سؤال حول سبب إصدار المسلسل في هذه الفترة أنه "ليس هناك من عبثية ولا حتى ما نسميه بالصدفة، أي مسألة تمر بتراكمات من المسببات لكي تتحول إلى واقع" مضيفا "في الوقت ذاته لا أعتقد أن المسألة سياسية على الإطلاق ولو أن عائدا سياسياً قد ينتج عنها". حول السينما الإسرائيلية وعلاقتها بالصراع العربي الإسرائيلي أشار الناقد السينمائي إلى أن "ما يتمثل في هذا المسلسل هو رغبة وطنية من صانعيه لتقديم عمل يفتخر بما حققه إيلي كوهين لوطنه في فترة سابقة. في علم صانعي المسلسل أن الأوضاع بين سوريا وإسرائيل (وأوضاع الشرق الأوسط بأسره) ما زالت صالحة لإطلاق هذا الفيلم. بالتالي، المصلحة الوطنية مرتبطة كذلك بمصلحة تجارية". والجديرٌ بالذكر أنه في عام 1987، أُنتج الفيلم الأميركي الشهير “جاسوس المستحيل” ببطولة “جون شيا”، الذي مثَّل دور “كوهين”، حيث صُوّرت مشاهده في دولة الاحتلال الإسرائيلي. تدور أحداثه عن الجاسوس الإسرائيلي "إيلي كوهين" والذي استطاع أن يختفي تحت اسم "كامل أمين ثابت" لسنوات داخل سوريا، ولد كوهين في الإسكندرية بمصر في 26 ديسمبر/كانون أول عام 1924 باسم إلياهو بن شاؤول كوهين لأسرة هاجرت إلى مصر من مدينة حلب السورية، والتحق في طفولته بمدارس دينية يهودية ثم درس الهندسة في جامعة القاهرة ولكنه لم يكمل تعليمه. وأجاد العبرية والعربية والفرنسية بطلاقة، ثم هاجر والداه وثلاثة من أشقائه إلى إسرائيل في عام 1949، بينما تخلف هو في الإسكندرية وانضم للحركة الصهيونية وهو في الـ20 من عمره كما التحق بشبكة تجسس إسرائيلية بمصر بزعامة إبراهام دار المعروف بجون دارلنج، وهو أحد كبار الجواسيس الإسرائيليين، في تجنيد العملاء وتنفيذ سلسلة من التفجيرات في بعض المنشآت الأميركية في القاهرة والإسكندرية لإفساد العلاقة بين مصر والولايات المتحدة، وتم إلقاء القبض على الشبكة الجاسوسية في عام 1954 في القضية الشهيرة باسم «فضيحة لافون»، إلا أن كوهين نجح في إقناع المحققين ببراءته، وسافر إلى إسرائيل عام 1955، ثم عاد إلى مصر التي وضعته تحت المراقبة، واعتقلته مرة أخرى في عام 1956 مع بدء العدوان الثلاثي على مصر، وطردته عام 1957 خارج البلاد فهاجر إلى إسرائيل،. وبعد وصوله إلى إسرائيل عمل كوهين في البداية في ترجمة الصحافة العربية للعبرية ثم عمل في مجال المحاسبة، المشاهد الأولى من المسلسل تبدأ بكتابة كوهين رسالة من أحد الزنازين بعد القبض عليه بتهمة التجسس لزوجته وبحضور أحد حاخامات اليهود السوريين، لتعود الاحداث بعدها إلى الماضي حيثُ يجري سرد قصة كوهين منذ تجنيده إلى لحظة إلقاء القبض عليه. بدأ العمل بالتعريف عن جوانب شخصية في حياة كوهين. وطبعاً كعمل يتناول "بطلاً"، لابد من الإيضاح كم هو وطني ومخلص، رغم أن كوهين اليهودي السفارديم (شرقي)، يشعر كوهين بأنه وعائلته السفارديم من الدرجة الثانية في المجتمع الجديد، لذا لا يرتاح مع أقرانه اليهود البيض، مع ذلك عرض نفسه مرتين على الموساد لكي يعمل معهم. بعد تدريب سريع، وبسبب "الاعتداءات السورية" المتكررة على المدنيين الإسرائيليين القاطنين شمالاً (بحسب المسلسل)، لكنه كان يرغب في العمل لدى الموساد او الاستخبارات الإسرائيلية. ونظرا لملامحه العربية وولادته في بلد عربي وإتقانه أكثر من لغة، كان مؤهلا من قبل الموساد للقيام بمهمة صعبة في سوريا،تلقى تدريبات استخباراتية مكثفة من بينها التدريب على إتقان اللهجة السورية، وتعاليم الدين الاسلامي والطقوس الاسلامية ، وأصبح اسمه الجديد "كامل أمين ثابت"، وتم إعداد قصة مختلقة له لزرعه لاحقا في سوريا تقوم على أنه سوري مسلم اسمه كامل أمين ثابت. . وخلال عملية تدريب “كامل أمين ثابت“، تم إدخال كوهن لشقة في تل أبيب لثمانية شهور (مايو/أيار 1960 – يناير/كانون الثاني 1961)، وهناك تمت صياغة هويته المزورة كتاجر سوري قادم من أمريكا الجنوبية، وسط سرية عالية جدا، لدرجة إخفاء أمره عن معظم زملائه، ولم يطلع على السر سوى قادة الموساد،وبعد توديعه لزوجته ناديا كوهين، شقيقة الأديب اليهودي من أصل عراقي سامي ميخائيل، ولابنته الطفلة صوفي، والذي لم يكن أمرا سهلا. وكانت زوجته ناديا لم تعرف إلى أين كان زوجها سيذهب وقتها، حينما ودعها، وكي لا تعرف الحقيقة تم توكيل أحد مسؤولي الموساد بمهمة تنسيق الرسائل بين كوهن وزوجته، وقد كتبت معظم الرسائل هذه قبل أن يغادر تل أبيب إلى بوينس آيرس، وقد وقعت بتواريخ مختلفة، ليسافر إلى الأرجنتين للترويج لنفسه باعتباره تاجرا عربيا ثريا، وهناك وضع لنفسه مكانة قوية في الأوساط الاجتماعية والثقافية وأقام علاقات بكبار الدبلوماسيين والملحقين العسكريين ومن بينهم أمين الحافظ الملحق العسكري في السفارة السورية في بيونس أيرس الذي سيصبح لاحقا رئيسا لسوريا. بعدها سافر إلى سوريا بحسب خطة الموساد، ليدعي أنه مغترب سوري مهاجر من الأرجنتين ، وانتقل كوهين إلى دمشق عام 1962، حيث بنى علاقات مع شخصيات في أعلى مستويات السلطة وكبار ضباط الجيش ورجال المجتمع والتجارة، وسكن بحي أبورمانة المجاور لمقر قيادة الجيش السوري، ونجح هناك في بناء سمعته كرجل أعمال ناجح متحمس لوطنه الأصلي سوريا. كذالك وطد علاقته هناك بكبار الشخصيات في حزب البعث الذي كان قد صعد نجمه في ذلك الوقت. كان كوهين يستقبل كبار المسؤولين في منزله في سهرات خاصة، حتى يستطيع من خلالها انتزاع المعلومات المهمة و الحساسة، ثم ينقلها عبر جهاز راديو من شقته في دمشق إلى الموساد. أصبح محل ثقة الجميع في الحكومة. هذه الثقة مكنته من مرافقة كبار الضابط إلى مرتفعات الجولان الاستراتيجية، بل والتقطت له صورة واقفا وهو ينظر إلى إسرائيل في الجهة المقابلة ،في ذلك الوقت كانت خطط دفاعات الجولان من المعلومات السرية التي لا يعلمها سوى كبار القادة العسكريين في سوريا، أصبح الحافظ رئيسا وأراد ترشيح كوهين في منصب نائب وزير الدفاع، بحسب تقارير إسرائيلية، لكن لم تتم الخطة لأن الاستخبارات السورية في ذلك الوقت رفضت ذلك. عبر إيلي عن مخاوفه لرؤسائه في الموساد وطلب منهم إنهاء مهمته لكن نظرا لأهمية المعلومات التي قدمها لهم لسنوات لكنه طلبه قوبل بالرفض، وطلب منه جمع معلومات عن أمور وشخصيات مختلفة في سوريا وأرقام هواتف ومعطيات عن تجهيزات الجيش السوري وعن مدى استقرار نظام الحكم وغيره. و”لم يشِير أي شيء بأن الجولة الوشيكة من الزيارات لدمشق ستكون الأخيرة”. وفعلا بدأ كوهين زيارته الأخيرة لدمشق كبقية الزيارات السابقة، حيث سافر من تل أبيب لعاصمة أوروبية ، وبدأ بإعداد تبريرات لغيابه كل هذه المدة عن سوريا. أطهر المسلسل براعة الجاسوس وسذاجة الشعب السوري، فهو فقط يلقي السلام على أي شخص في سوريا، فيقوم السوري بدوره، بتقديم أسرار عسكرية وسيادية له. كان السوريون( كما صورهم المسلسل) يقدمون كل شيء لثابت، لمجرد أن يعرف عن نفسه، وهذا ما فعله التاجر أبو محمود، الذي شاركه بدون قيد أو شرط، وسرعان ما عرَّف أبو محمود، السوري الدمشقي التقليدي، ابنته (صالحة) على شريكه التاجر المغترب، ودعاهم لإقامة علاقة!!، وفي كل مشهد، وفي كل مكان، لا يكاد ينهي كوهين التحية على مقابله السوري، حتى ينهال عليه ذاك الساذج المسكين بكل ما يعرف، كما أنه يسافر إلى اسرائيل كلما شاء، من دون توضيح تقديمه لحجة غياب دقيقة، أو لأي استفسار من أي شخص في سوريا عن سفره ، كما صور المسلسل جبهة المواجهة السورية مرتعاً للسهرات الحمراء، نساء يقدمن خصيصاً للضباط، وقد ركز المسلس على شخصيتين، هما الملازم أول "معزى زهر الدين" ابن شقيقة قائد الأركان اللواء عبدالكريم زهر الدين، وكان الضابط الشاب ذا حظوة عند خاله ما يسمح له بالقيام بتجاوزات، والشخصية الثانية عقيد سمي في المسلسل "شريف حتوم" وغالبا تأتي الإشارة هنا إلى "سليم حاطوم" . وكشف المسلسل أيضا ضلوع كوهين بدور كبير في انقلاب 8 آذار 1963 حيث طلب منه أمين الحافظ وميشيل عفلق أن يقوم بدعوة كبار رجال السياسة والجيش في ذلك الوقت لحفل في بيته. وصور المسلسل هذا الحفل على أنه سهرة تضمن الرقص وتناول الشيشة والكحول وممارسة الجنس الجماعي، وحضر فيها مجموعة من الضباط ومنهم قائد الأركان عبدالكريم زهر الدين، وشخصيات بحجم خالد العظم ومعروف الدواليبي.ونجح الانقلاب و أجبر الرئيس السوري " ناظم القدسي" على التنحي عن السلطة في 8 اذار في عام 1963 وبداية حكم البعث في سوريا.

أعتبرت إسرائيل الجاسوس يلي كوهين، أو "كامل أمين ثابت"، بطلاً قومياً، لأنه ساعد دولة الاحتلال الصهيوني على تفادي عدة هجمات سورية، وكشف مشروع تركيب سدود على روافد بحيرة طبريا، والذي أشار له المسلسل بمشروع "الشلال"، وغير ذلك من معلومات أسهمت على حد قول تل أبيب، في انتصارها في معركة 1967( أي بعد إعدامه)، في حين وجهة النظر السورية تقلل من كل هذه الادعاءات، بل وتؤكد عبر العديد ممن قابلوه، أو عاصروا فترته، أنه لم يكن سوى جاسوس فاشل، تم القبض عليه متلبساً، أثناء إرساله معلومات باستخدام شفرة مورس، ومن هؤلاء، القاضي صلاح الدين الضلي، الذي أشرف على محاكمته، والرئيس الأسبق، أمين الحافظ، الذي كان رئيس البلاد آنذاك. وظهر الجاسوس ايلي كوهين أو ماعرف في سوريا تحت مسمى " كامل أمين ثابت " وهو يلتقي بمؤسس حزب البعث ميشيل عفلق ويينتمي للحزب بل ويساعد حزب البعث في إستلام السلطة في سوريا!!. وفي إحدى لقاءات الجاسوس إيلي كوهين بميشيل عفلق طرح اسم صدام حسن من قبل عفلق كاحد الاسماء المرشحة التي يتم اعدادها كي تلعب دورا كبيرا في المنطقة ( وهذه اشارة ليست بريئة)، ؟ وحتماً كان تمرير صدام حسين بهذه الطريقة أمراً غير عبثي من قبل صناع المسلسل، وفي النهاية ، تم القبض على كوهين وتم إعدامه في نهاية المطاف من قبل السلطات السورية في عام 1965. وأشيع الكثير من الروايات عن طريقة القبض على الجاسوس ، ولذا تكمن أهمية المسلسل في هذا التوقيت لتزيد رواية القبض عليه غموضاً، والتي اختلفت عليها جهات عدة، حيث تصر الرواية السورية أن إلقاء القبض على كوهين كان من خلال تتبع إشارة البث التي كان يقوم بها من منزله في حي أبو رمانة، فيما تذهب رواية سورية أخرى للقول إن السفارة الهندية اشتكت من وجود تشويش على الإرسال اللاسلكي، فبدأ المكتب الثاني (المخابرات آنذاك) بقطع الكهرباء وتتبع أي إشارة غير مرخصة وبالاستعانة بخبير من الاتحاد السوفياتي ليعثر في النهاية على كوهين متلبساً، وهو ما أكده المسلسل. أما الرواية المصرية، فهي تحمل طابعاً درامياً بعض الشيء، إذ تروي أن عميلها - 313- المعروف باسم رفعت الجمال (رأفت الهجان)، استطاع رؤية صورة كوهين مع إحدى عشيقاته في تل أبيب، فسألها من هذا، لتقول إنه زوج خالتها، فطارت برقية مباشر للقيادة المصرية التي أبلغت بدورها الجانب السوري، فيما تذهب الرواية الإسرائيلية إلى القول إن كامل أمين ثابت كان مكشوفاً وتحت المراقبة أثناء إجازة له في زيورخ وعندما عاد إلى سورية تم القبض عليه مباشرة. وهناك الكثير من القصص غير المؤكدة و المبالغات التي وردت في مسلسل " الجاسوس "مثلا، صداقة شخصية جمعت الجاسوس إيلي كوهين بالرئيس السوري في ذلك التوقيت "أمين الحافظ" والتي وصلت حد تردد أخبارا عن قرب تولي "كامل أمين ثابت" إحدى الحقائب الوزارية، المسلسل أصر على تصوير الرواية الإسرائيلية حول علاقة كامل أمين ثابت بالرئيس الأسبق أمين الحافظ، التي تتبناها مصادر غير عربية. وكماظهر في المسلسل التقى ثابت بالحافظ لأول مرة في سفارة سوريا في بوينس أيريس، عاصمة الأرجنتين، وكان الحافظ وقتها ملحقاً عسكرياً هناك، في هذا اللقاء، وخلال الدقائق الأولى، قرر الحافظ، التقاط صورة مع ثابت، كما دعاه لتناول الكحول، التي لا يستطيع أن يخفي حبه لها، وتحديداً الويسكي، ومن ثم في دقائق أخرى قامت السيدة زينب الحافظ، عقيلة الرئيس الأسبق، التي صورها المسلسل كامرأة لعوب ومدمنة على ممارسة الجنس، بمداعبة الأعضاء التناسلية لأمين ثابت خلسة!!، المشهد الذي انتهى بتقديم الملحق العسكري السوري شكراً للجاسوس الاسرائيلي على حضوره وحبه و أخلاصه لوطنه الام سوريا ،وفي اليوم التالي، وهواللقاء التالي لأمين الحافظ وأمين ثابت، قدم : كامل أمين ثابت" هدية ثمينة الى أمين الحافظ و شهد توقيع الحافظ على رسالة توصية لثابت ليدخل سوريا (حسب المسلسل)، ففي اللقاءين كان ثابت او الجاسوس كوهين يلقي محاضرات على الحافظ في الوطنية، ويعدد له مزايا الخدمات والأموال التي يمكن أن يصرفها، والحافظ كان يصدقه فوراً، من دون أي إثبات، كما يصدقه الجميع خلال الحلقات التالية من الحلقة الثانية حتى السادسة، هكذا تستمر العلاقة بين الحافظ وثابت، فالرجل المولود في الإسكندرية، كان على علاقة وثيقةٍ جداً بالرئيس السوري الراحل أمين الحافظ، وكاد يُعيَّنُ نائبا لوزيراً للدفاع قبل افتضاح أمره، لكن الحقيقة المؤكدة هي عدم وجود هذا المنصب في سوريا أصلا في تلك الفترة، حيث تم استحداثه لاحقاً في عهد نظام حافظ الأسد، إضافة لعدم منطقية عرض منصب عسكري على شخص مدني. هناك العديد من المبالغات الواردة في المسلسل، تهدف بشكل رئيسي إلى تضخيم دور جهاز الاستخبارات الاسرائيلي "الموساد"، ونسج رواية أسطورية حول عميله إيلي كوهين. رجل أعمال لا يقوم بشيء سوى استعراض قدرته المالية، وعسكري ساذج يطمح للسلطة. حول ذلك، كانت المصادر التي اتبعها صناع العمل ضعيفة للغاية، فبحسب الأحداث يعود تاريخ الحفل الذي التقى فيه ثابت بالحافظ إلى 7 حزيران/ يونيو 1961، وكما نعرف أن سوريا في ذلك الوقت كانت جزءاً من الجمهورية العربية المتحدة، حيث حدث الانفصال في 28 أيلول/ سبتمبر من العام نفسه، وعين الحافظ ملحقاً عسكريا في الأرجنتين مطلع العام 1962، بحسب تأكيده هو شخصياً عبر شهادته على العصر (برنامج عُرض في تلفزيون الجزيرة)، حيث اكد انه لم تكن سفارة لسوريا في الارجنتين الا بعد 22- ايلول عام 1961 وهوتاريخ الانفصال عن الوحدة السورية و المصرية. وهووصل سوريا في أوائل عام 1962 في هذا الوقت كنت غادرت سوريا في 31-12-1961وهواليوم الاخير من عام 1961 لذا لم التقي به، كنت في حينها قائد المنطقة الشرقية ومدرب في الكلية الحربية في مصر. لكن المسلسل يؤكد أن أمين الحافظ الذي كان سفيراً في بيونس آيرس آنذاك كان له دور كبير في تسهيل دخول كوهين إلى سورية بصفته رجل أعمال ثري عائد إلى الوطن، الرواية التي نفاها بشدة أمين الحافظ قبل 18 عاماً في لقائه الشهير ببرنامج "شاهد على العصر" الذي سجل في عام 2001 على قناة الجزيرة، مشدّداً على أنه لم يسمع باسم كوهين إلا بعد إلقاء القبض عليه، المسالة الاخرى التي ارادت الماكنة الاعلامية الصهونية تصويرها وهي : مسألة اليهودية ودولة إسرائيل، فيقدم الجنود السوريين على أنهم وحوش يستهدفون الأطفال والمدنيين عمداً، ومثال ذلك في مشهد كان فيه كوهين على الجبهة الجنوبية بعدما سمح له سليم حاطوم بإلقاء نظرة عبر منظار فرأى مجموعة من الأطفال يلعبون على الطرف الإسرائيلي، فطلب منه حاطوم أن يمسك الرشاش ويجرب أن يقتل أحداً منهم، فيرفض كوهين متذرعاً بعبارة "لست جندياً"، هذا فضلاً عن واقعية وجود أطفال أصلاً على الشريط الحدودي، أما ذروة الافتعال فهي مشاهد الجبهة مع إسرائيل والتي زارها كوهين برفقة ضابط سوري تمكن من كسب ثقته في سهرة، وفي اليوم الثاني اصطحبه إلى الجبهة بسيارته “السبور” الحديثة. وهناك وقف كوهين يراقب عائلات إسرائيلية تعمل في الزراعة على ضفاف بحيرة طبريا. عائلات وأطفال من الجهة الإسرائيلية، وجنود وضباط فاسدون من الجهة السورية. وكأن المهمة ارتسمت على هذا النحو وهي حماية هؤلاء النساء والأطفال من هؤلاء الجنود القتلة!!.

مسلسل ( الجاسوس ) كان من بطولة الممثل الكوميدي الإنجليزي ساشا بارون كوهين وتشاركه في بطولته الممثلة الإسرائيلية هادار راتزون روتيم التي تلعب دور زوجته العراقية اليهودية نادية، والممثل الأميركي نوح إميريتش الذي لعب دور مسؤول الموساد ، والممثل الفلسطيني الاصل و الامريكي الجنسية "وليد زعيتر " الذي لعب دور الرئيس السوري الراحل أمين الحافظ ، والذي خدعه الجاسوس الإسرائيلي لدرجة أنه فكر في تعيينه في منصب نائب وزير الدفاع وذلك قبل أن يكتشف أمره ويعدم في 18 مايو من العام 1965 في ساحة المرجة في دمشق وتذاع مشاهد إعدامه على الهواء.

الجاسوس" أوعمل إسرائيلي بامتياز ورسالة سياسية أريد منها إظهار كوهين على أنه أحد الأبطال الخالدين، في عام 2000، أصدرت إسرائيل طابعا بريديا يحمل صورته، وأن من جنده ما زال سائراً على الدرب ملقياً، بهذه الفكرة في وجه المشاهد في آخر مشهد في المسلسل، حيث يقوم "دان" عميل الموساد بتجنيد شخص آخر بالطريقة نفسها التي تم تجنيد إيلي كوهين بها. مع محاولات العمل على إظهار إسرائيل كـ"دولة سلام" مقابل "تشويه صورة العرب" على عدة مستويات. وقد وصفه البعض بأنه جزء من "البروباغندا الدعائية للكيان الصهيوني. أحتج المغاربة على تصوير المسلسل الفرنسي في الأراضي المغربية، بعدة مدن مغربية، كالرباط وسلا والقنيطرة وفاس، ويقول المعترضون أن هذا المسلسل هي نوع من أنواع تطبيع مع إسرائيل، وأن المغرب تتناقض في مواقفها مع القضية الفلسطينية، يُعيد النقاش، مرة أخرى، حول موقف الرباط من القضية الفلسطينية، خاصة أن المغرب يرأس لجنة القدس ويضم صوته لبقية الأصوات المقاطعة لإسرائيل خلال المناسبات الدولية التي تحتفي بالقضية الفلسطينية، ويعيد النقاش أيضا حول الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، إن "تصوير مسلسل حول الجاسوس إيلي كوهين جريمة تطبيعية بكل المقاييس، تتجاوز التطبيع الروتيني الذي دأبنا على إدانته إلى تطبيع من نوع آخر مرتبط بالتسويق والدعاية للجاسوسية الصهيونية، ممثلة في الجاسوس كوهين.

علي المسعود

المملكة المتحدة

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1753 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع