د. علي محمد فخرو
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
يشعر الانسان بالتعاطف والشفقة والخوف تجاه أولئك الشباب العرب الذين يواصلون العمل ويتحملون المشاق والعنت من أجل ايصال ثورات وحراكات الربيع العربي الى نهايات معقولة تلبي الحدود الدنيا من الشعارات المبهرة التي طرحتها تلك الثورات والحراكات. ان المهمة كبيرة وثقلها هو أضعاف ما حملته الكثير من ثورات العالم في شتى بقاع الدنيا بسبب ارث تخلف ضخم واستبداد متجذر.
من بين أكثر الأحمال ثقلا موضوع مكانة وحقوق ومسؤوليات المرأة العربية في مجتمعات الغد المنظور العربية. انه موضوع لا يمكن تأجيله لانه ينفجر كل يوم في وجوه الجميع، اضافة الى أنه موضوع مرتبط أشد الارتباط بنوع وشمولية وعمق وانسانية التغيير المجتمعي العربي الذي تريد هذه الثورات والحراكات أن تحققه.
من هنا الأهمية الكبرى لتجنب الوقوع في النظرات السطحية الخاطئة لهذا الموضوع وتجنب السقوط في الفخاخ التي تنصبها هذه الجهة أو تلك من أجل اختزال موضوع المرأة العربية اما في مواقف عدوانية جامدة متخلفة أو في ممارسات مظهرية تحقيرية لانسانية المرأة، تخدم من لا يريدون للمرأة الا أن تكون سلعة للبيع والشراء والاستهلاك الغرائزي المبتذل النهم.
قيادات الثورات والحراكات يجب أن تنأى بنفسها عن الدخول في سجالات هذين الطرحين العبثيين سواء أكان من قبل بعض الرجال أو كان من قبل بعض النساء في الداخل أو كان من قبل بعض المهووسين بهذه الطروحات في الخارج. وهذا النأي بالنفس عن المماحكات الطفولية البائسة ينسجم تماما مع أهم شعار طرحته الثورات والحراكات: شعار الكرامة الانسانية، والانسانية تشمل الرجل الانسان والمرأة الانسانة، جسدا ومشاعر وفكرا وحقوقا وفرص حياة.
ولما كان تاريخ المجتمعات البشرية قد أظهر أن أحد أهم المداخل لترسيخ الكرامة الانسانية في الواقع هو التطبيق الصارم لمفهوم المواطنة، فان التركيز على مقتضيات هذا المفهوم العملية في السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة، خصوصا في هذه المرحلة الحرجة من مسيرة الثورات والحراكات، سيكون الأفضل والأجدى كمدخل لرفع الظلم التاريخي الذي لحق بالمرأة العربية.
النظر الى المرأة كمواطنة سينقل السجال من ساحات التعصب والابتذال الحالية الى ساحة الحقوق الكاملة غير المنقوصة التي تنص عليها الدساتير والقوانين الدستورية، الى ساحة المساواة في الفرص الحياتية (التعليم والصحة والعمل والأجر والسكن والمناصب وكل النشاطات الأخرى في المجتمع وسلطة الدولة)، الى ساحة الأخذ بعين الاعتبار والاحترام الكامل لكل خصائصها الطبيعية: البيولوجية والوظيفية، الى ساحة العدالة والمروءة، بعيدا عن المقارنات السخيفة في أمور الجسد والمشاعر والفكر والقدرات والأحلام والطموحات والوظائف التي تخطتها مسيرة الانسانية، وآن الأوان أن نتخطاها نحن في وطن العرب.
ان تلك المقاربة السياسية والحقوقية لموضوع المرأة العربية لا يعني أبدا توقف الباحثين والمفكرين والناشطين العرب، رجالا ونساء، من محاولة التوصل الى نظرة فكرية ابداعية موضوعية انسانية عادلة بشأن المرأة لتساهم في الخروج من المظالم والسوءات والحقارات التي أصابت المرأة عبر التاريخ البشري الطويل، في كل مكان، وان بصور متفاوتة، والى يومنا هذا.
فكما أن النظرة المتعصبة الجاهلة الظالمة المستخفة بحقوق وواجبات المرأة الانسانية، والتي تمارس في كثير من مجتمعات العالم بما فيها مجتمعات الوطن العربي، هي نظرة غير عادلة ومرفوضة رفضا تاما، فكذلك الأمر نفسه ينطبق على النظرة التي تتعامل مع المرأة كمصدر أساس لتحريك واشباع الغرائز الحسية والجنسية.
ان تلك النظرة تتمثل عمليا في الاستعمال البذيء التحقيري لجسد المرأة وتعبيراتها الحركية في الاعلان عن كل بضاعة، في تسويق كل منتج، في الاغواء نحو كل صرعة وكل موضة وفي خلق كل حاجة استهلاكية تبذيرية غير ضرورية. انها تتمثل أيضا في امبراطوريات صناعة المكياج التي قلبت المرأة الى لعبة للتسلية وفي عمليات تجميل وشد واخفاء وتكبير وتصغير لكل ملمح فى وجه وجسد المرأة والى امعان متصاعد في تعرية المرأة كبضاعة وكجذب.
هكذا تشيأت المرأة واصبحت بضاعة في الأسواق العالمية الاستهلاكية لتخدم جشع الراسمالية المتوحشة المنفلتة من كل قيم ومن كل التزام.
انها النظرة الثقافية العولمية تجاه المرأة والتي ترفع لواءها بعض المجتمعات وتريد أن تجعل منها ثقافة كونية.
من هنا فان ثورات الربيع العربي التي أبدعت في ممارسة مناهج ثورية جديدة وأبهرت العالم مطلوب منها أن تساهم، ان لم يكن حاليا ففي المستقبل، في تشجيع مفكريها وعلماء اجتماعها ومراكز بحوثها للخروج من النمطين البليدين السابقين الى رحاب نظرة ثقافية إنسانية تنقل المرأة من نظرات وممارسات التشيئ والتبضيع التحقيري نحوها من جهة وكذلك من التعصب الظالم الاستعبادي تجاهها من جهة أخرى.
موضوع المرأة في قلب ثورات الربيع العربي والتعامل معه سيقرر مدى نجاح وسمو تلك الثورات.
1068 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع