ولاء سعيد السامرائي
كيف تربح الملايين بالتحريض ضد الإسلام؟
قبل سبعة أشهر من الانتخابات الرئاسية الفرنسية، يتكاثر عدد المرشحين يوما بعد يوما منذ الان بعضهم من يعلن انه سيترشح وآخر يطرح برنامجه وآخرين يتنافسون لإعلان ترشحهم قبل زملائهم في هذا الحزب او ذاك. والمفاجأة التي تشغل الاعلام منذ بضعة أسابيع هي "نية" الصحفي الذي اشتهر بسبب معاداته للإسلام والمسلمين ايريك زمور بالترشح لمنصب الرئاسة. ترشح هذا الصحفي المدان من المحاكم لأسباب عنصرية يطرح أسئلة حول آليات عمل الديمقراطية الغربية اليوم وانتخاباتها واستخدامها كوسيلة لكسب المال ولتسويق برامج انتخابية عنصرية معادية للإسلام للفوز بالسلطة.
صعود نجم هذا الصحفي وترشحه لمنصب الرئاسة يشبه كثيرا صناعة شهرة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفضل قناة فوكس نيوز التي تبنت أفكاره ورافقته في حملته وكان مديرها مستشارا فعالا في حملته الانتخابية. لسنوات عديدة ظل زمور صحفي لا يلفت أنظار الاخرين بل امتعضت أوساط كثيرة من احد كتبه لانتقاصه المرأة ونقده للتطور الاجتماعي لمشاركة الرجل لها في الشؤون العائلية ، لكن نجمه صعد حين بدأ خطابه العنصري ضد الفرنسيين من أصول عربية وضد المهاجرين العرب . ورغم أدانه المحاكم الفرنسية له لأكثر من مرة الا ان القنوات التلفزيونية والصحافة أستمرت بالتعامل معه وكأن شيئا لم يحدث وضد مبادئ اخلاقيات الاعلام التي تلتزم بها الاجهزة الصحفية . فقد هرولت أكثر من قناة ومن منتج برامج للتعاقد مع الصحفي من أصول بربرية جزائرية وسمح له لسنوات في برنامج واسع المشاهدة من نث سمومه ليدرك منتجه ومقدمه بعد فسخ العقد معه مقدار الأذى الذي سببه مرور هذا الشخص في برنامجه على تفاقم المسألة العنصرية ومعاداة المسلمين في فرنسا حتى انه قدم اعتذار عن ذلك.
ليس ذلك فحسب بل ان مليونير يتحكم بأكثر من جهاز اعلامي في فرنسا فتح له أبواب القناة التي يمتلكها في برنامج يومي ليكرر على مسامع الرأي العام هوسه العنصري وترديد اعتبار المسلمين السبب الأساسي في مشاكل فرنسا حتى وصل به الحد ليقول: يجب منع القرآن وتسفير المسلمين الذين يريدون استعمار فرنسا لان فرنسا شهدت عمليات إرهابية "مشبوهة " من "إسلاميين" حسب قوله رغم انه ) لم تثبت التهم ليومنا هذا عليهم لرفضهم الكلام واعتبارهم العملية مدبرة لإلصاق التهمة بالمسلمين( ، وان المحكومين في فرنسا من المسلمين هم في الحقية جهاديين ويمارسون التقية وانه ليس هناك فرق بين الإسلاميين والمسلمين. غرد "برونو مازور" أحد أبرز الصحفيين المحبوبين من الجمهور الفرنسي هذه التغريدة: لو ان زمور قال عن اليهود جزءا من البذاءات التي يقولها عن العرب لقضى حياته في المحاكم وقال أخر : لقد صنعننا نحن نجومية ايريك زمور.
ومنذ بضعة أسابيع ومع تردد نيته بالترشح للرئاسة ، يقوم زمور بجولات في المدن الفرنسية للدعاية لكتاب صدر له مؤخرا بعنوان " فرنسا لم تقل كلمتها الأخيرة " يشبه مواضيع كتاب دونالد ترامب عن اميركا المعنون"عظيمة من جديد"، وقد لقي خطابة العنصري ترحيبا من طبقات المسنين ومن شباب البرجوازية في بعض المدن المحافظة . في كتابه كما في مداخلاته ينتقد الصحفي ما يسميه "عجز" وتواطؤ الأحزاب السياسية وخاصة أحزاب اليسار منذ أربعين عاما لمواجهة وحل "المعضلات" في فرنسا التي يعتقد ان قادة وسياسيون سابقون في عقد الثلاثينات او في الستينات كانوا أكثر شجاعة وحزم في تشخيص المشاكل التي يواجها المجتمع الفرنسي وكانت لهم كاريزما وحضور لا يمتلكه السياسيون في يومنا هذا.
يعتقد ايريك زمور ان أفكاره قادرة على حل مشاكل فرنسا لكنه يتناقض مع ما يطرح مرة ويتهرب من تناول مواضيع المشاكل التي يناقشها مرة أخرى امام من يمكن ان يدحض اراءه ، فقد احدث ضجة حول تغيير أسماء المهاجرين واقترح إيجاد سياسة خاصة بالأسماء لهم ولإبنائهم وخاصة الأسماء العربية اذ تهجم على صحفية من أصول افريقية مسلمة وقال لها ان اسمك "شتيمة " لفرنسا وقبل ذلك قام بالتهجم على الأسماء العربية وبالأخص اسم "محمد" اذ يقترح منع اسم محمد ويطلب من المسلمين تغيير أسمائهم وجعلها فرنسية رغم انه لم يغير اسمه الجزائري وان يتصرفوا مثل المهاجرين الذين سبقوهم ويجعلوا من دينهم دينا غير مرئي يمارس في البيت وهو المعروف بأنه يهودي محافظ وملتزم. عبر المواضيع التي يطرحها يقوم زمور في الحقيقة بدغدغة مشاعر حساسة في عمق الذاكرة الفرنسية تخص اليمين التقليدي ونظام فيشي وتعاونه مع هتلر في الحرب العالمية الثانية ، حيث وضد غالبية الآراء السياسية الفرنسية ) ما عدا اقصى اليمين المتطرف القريب منه ( والمؤرخين والكتاب الذين يجمعون على رفض ما قامت به حكومة فيشي ، يصرح ايريك زمور بان حكومة فيشي هي جزء من تاريخ فرنسا المشرف وكذلك رئيسها المارشال بيتان ، وعند سؤاله حول مسؤولية المارشال في قتل اليهود وفي القوانين المعادية لهم خلال تلك الفترة يجيب بالقول ان المارشال قد انقذ اليهود . في حين يشيد هذا برئيس حكومة فيشي، يقوم باستحضار شخصية الجنرال ديغول السياسية المتميزة الذي قاد المقاومة الفرنسية ضد فيشي وألمانيا النازية. ليس ذلك فحسب بل انه يفتخر بمراجعه من أقصى اليمين المتطرف بين الحربيين مثل "شارل موراس" الكاتب والمفكر اليميني المعروف بمعاداته للسامية والذي حكم بعد الحرب والكاتب المشهور المتعاون مع الاحتلال النازي "دريوا لا روشل" الذي يعتبره "زمور" مثلا له في الرجولة والشجاعة التي يفتقدها الرجال الفرنسيون اليوم كما يدعي ! . لقد تجرأ زمور على "تبيض" مجرمين وجرائم اعداء النخب الصهيونية الاشكنازية الساحقة في المشهد الفرنسي مثل اليمين الفرنسي التقليدي والمعادي للسامية وحكومة فيشي والنازية وهتلر دون خوف ولا تردد من عواقب ذلك ولم يحاسبه أحد ولم يتفوه أحدهم بكلمة للجمه ولم تنشط التجمعات كالعادة لشيطنته او رفعت دعاوى ضده، فلماذا تصمت عليه هذه النخب التي تقيم الدنيا على من يتلفظ بمثل هذه الاطروحات؟
ان خطاب هذا حول أمجاد فرنسا واليمين هو خطاب يفتقد للمصداقية وأداة موجهة للبسطاء والعنصريون وكارهي الأجانب الموجودون في كل بلدان العالم وليس فقط في فرنسا، غايته امتداح المستمعين والاعلاء من شأنهم كشعب وحضارة لكسبهم ولتمرير الرسائل الأخرى الأهم من كل ذلك والخاصة بشيطنة الفرنسيين العرب والمسلمين بهدف أنهاء دعم القضية الفلسطينية بشكل كامل في فرنسا ووضع العراقيل امام أي جهود وعمل في المستقبل يؤدي الى اعتراف فرنسي بدولة فلسطين. لقد شاهد الكيان الصهيوني التعاطف الكبير لكل فئات المجتمع الفرنسي اثناء الانتفاضة الفلسطينية الثانية وغزو العراق وهو ما أخاف نخبه الداعمة هنا والتي تعمل بفعالية في كل الاتجاهات لإيقاف هذه التأثيرات ومردوداتها اجتماعيا وسياسيا ومدنيا وقد نجحت في الإرهاب الفكري الذي شنته وما زالت على الأشخاص وعلى الجمعيات والمنظمات وحتى على الأحزاب الفرنسية نفسها وشخصياتها.
ان التواطؤ والتأييد التي حظي بهما خطاب ايريك زمور العنصري واليميني المتطرف وريع بيع كتبه بالملايين أصابه بنشوه التفوق والعجرفة التي يظهرها لتضاف الى شعوره أصلا بالتفوق على غالبية محدثيه ممن يفتقد الثقافة والكفاءة ويكفي التأكد من هشاشة أفكاره بمشاهدته امام السيد طارق رمضان أستاذ الفقه الإسلامي وجان لوك ميلنشون رئيس حزب فرنسا غير الخاضعة. رغم ان عددا من السياسيين الفرنسيين قال له انه لا يحب الفرنسيين، يعتقد زمور انه المنقذ الوحيد لفرنسا لأنه لم يعد فيها رجال الا هو كي يخلصها من الغزو العربي الإسلامي. في مقابلة قريبة قال انه تكلم مع ابنه حول أفكار كتابه وقال له ليس هناك في فرنسا من شخص يريد تحقيق ما كتبته فقال له ابنه: افعلها ! ماذا تنتظر!
مشروع ترشح السيد زمور الذي قال يوما امام ملايين الفرنسيين انني يهودي، إسرائيلي فرنسي، هو أولا وقبل كل شيء مهمة مكلف بها من الكيان المحتل في فلسطين، عملية دعائية عنصرية مربحة، تدر ملايين حتى لو انه قرر في نهاية المطاف الانسحاب والتفاوض لإعطاء اصواته لهذا المرشح او ذاك لان ليس له الكفاءة لشغل مثل هذا المنصب. يعرف هذا ان الشعب الفرنسي في غالبيته يختار بعقله ووعيه السياسي وينحاز الى الاعتدال وثقافة حقوق الانسان ولا ينجر وراء غرائز الحقد والشر والانغلاق والعنصرية.
ولاء سعيد السامرائي
27/09/2021
789 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع