ولاء سعيد السامرائي
تزوير ومقايضات لفرض تعديل قانون الاحول الشخصية العراقي
للمرة الرابعة يقوم نواب حكومة المنطقة الخضراء الطائفيين بطرح تعديل لقانون الأحوال الشخصية لعام 1959 هو وتعديلاته الكثيرة منذ ذلك الوقت وبالأخص بعد عام 1968 حيث أضيفت المزيد من القوانين لتتماشى مع الأوضاع الجديدة وتطورات المجتمع العراقي وحاجاته، ليواجه بموجة من التظاهرات العفوية التي تحدث لأول مرة في العراق بعد ثورة تشرين عام 2019، شاركت فيها النساء بكثرة إضافة الى الألاف العراقيين الذين تظاهروا في بغداد والناصرية والنجف رافضين تمرير تعديلات تسيء للمرأة والأطفال والعائلة والمجتمع العراقي بأكمله. ومن أهم هذه التظاهرات هي تلك التي خرجت في مدينة النجف وضمت عشرات النساء اللواتي هتفن كلا...كلا... لزواج المتعة وكلا لتزويج القاصرات وعصر الجواري قد ولى، تصدى لها اتباع نوري المالكي والإطار التنسيقي المرتشين من رجال العشائر الذين استكثروا على العراقيات رفضهن تعديلات سيئة ومريضة مصرحين للقنوات التلفزيونية : ما عدنا نساء تطلع تظاهرات" بينما يدلس هؤلاء ويغمضون اعينهم عن مئات وكالات زواج المتعة التي انتشرت في مدنهم بحجة العقيدة والمراجع ولم يُسمع لهم صوت حول تسويق ونشر المخدرات الواسع الذي وصل الى متناول الأطفال والى المدارس الابتدائية ولا كلمة عن معاناة ملايين الشباب العاطلين أصحاب الشهادات الذين لا يجدون عملا بينما يتبارى ويتباهى السياسيون بامتلاك المليارات بفضل الفساد والتواطئ مع المحتلين، لا يرفع واحدهم صوتا حول استبدال العمالة العراقية بالأجنبية برواتب لا يحلم بها العراقيون وهي تجري في قصورهم وفي الحقول النفطية ، ولا أهتم يوما بالكلام عن الخدمات العامة المقطوعة عن الشعب العراقي عمدا منذ عشرين عاما!
قبل أيام، قام النائب رائد المالكي من أتباع كتلة الإطار الطائفية بطرح تعديل المادة 57 من قانون الأحوال الشخصية بحجة حرية العقيدة وعدم استجابة القانون 188 الحالي لما يريده "المواطنين" مستندا الى المادة 41 من الدستور التي في واقع الحال لا تتعارض قانونيا مع القانون الحالي كما يريد النائب وحزبه وعمائمهم الطائفية تصويرها للبسطاء من الناس كي يهرولوا ورائهم دون عقل، لان القانون الحالي يتضمن حرية العراقي لاختيار مذهبه في عقد الزواج وهو ما يفند هذا النوع من التعديلات ويسقطها كليا، ويتجاهل النائب المالكي ومن معه التطرق لها كما لا يتم التطرق الى كون القانون الحالي يعتمد على المرجعية الإسلامية والمدارس الفقهية كافة وخاصة الفقه الجعفري؟ ان التعديلات التي تُرفض للمرة الرابعة منذ تنصيب هذه الأحزاب لحكم العراق والتي يطالب بها بعض النواب تخص تشريع تزويج القاصرات وتشريع زواج المتعة والزواج دون موافقة ولي الامر وإلغاء نفقة المطلقة وإلغاء الحضانة عنها وحرمان الزوجة الارملة من الميراث وهي ادبيات يستنسخها كما هي رجال الدين من نفس كتب الفتاوى والتفسير الضعيفة جيلا بعد جيل دون تحديث ولا تصويب. في حين ان القانون الحالي يشترط في إتمام أهلية الزواج العقل واكمال سن الثامنة عشر وهو مرن في تشريعات الحضانة والنفقة التي يفصل فيها بعقلانية مستوحيا نصوص القوانين لمصلحة الأطفال اولا. ان هذه التشريعات التي تحاول هذه الشلة الانقلاب عليها ليست تشريعات إلحاديه ولا شيوعية ولا بعثية كما صرح المعمم رشيد الحسيني الذي جمع وراءه ثلة من طلاب الحوزة التابعين لأحزاب المنطقة الخضراء من الذين لا يفقهون في القانون ليتهجم ويسٌب أبناء الشعب العراقي الذين خرجوا في تظاهرات رافضين تعديلات القانون ويصفهم بأبناء السفارات والفاسدين والفاسدات كما تم وصف ثوار تشرين سابقا الذين خرجوا يهتفون: نريد وطن بينما يتمتع هو وامثاله من تجار الدين بخيرات واموال الشعب العراقي دون حساب.
ان مجرد الاطلاع على التعديلات المستهدفة يلاحظ فيها انتقائية لمسائل معينة تخص فئة معينة ومحدودة لان مجمل التعديلات المطروحة لا تنطبق على حاجات شرائح واسعة من الشعب العراقي بل هي لمنفعة مجموعة، منها من هو في البرلمان كما تم توثيقه في المرة السابقة من قبل بعض النائبات، اذ شهدن على ان من يقود هذا الحراك للتعديل هم مجموعة هدفها الأول مادي، لا تريد دفع نفقة الطلاق وتريد الغاء حضانة الأطفال من مطلقاتهم من بين أمور أخرى، لكن دخول المعمم رشيد الحسيني محاطا بمعممين على المشهد يكشف ان الهدف هو ربما لإلغاء القانون الحالي المكتوب من خيرة الأساتذة المختصين وخبراء القانون والفقه وابداله بقانون من ادبيات المرجعيات الطائفية المستنسخة. فقد صرح النائب رائد المالكي في مقابلة تلفزيونية مع قناة الحرة ان ما يقدمه هو قانون جديد وليس تعديلا كما يتم تداوله في الاعلام.
لكن لماذا يقدم نواب الإطار التنسيقي على تقديم هذه التعديلات في هذا الوقت بالذات؟ ربما أغتنم هؤلاء النواب كما تفعل برلمانات دول أخرى فترة العطلة الصيفية وحرارة الجو المرتفعة جدا في العراق التي تردع الناس عن التظاهر لتمرير القوانين غير المقبولة شعبيا، بيد ان نواب حكومة المنطقة الخضراء لم يتمكنوا من تمرير القراءة الأولى بطريقة قانونية بل استخدموا التزوير والابتزاز والمقايضة التي سجلت في فيديو نشر على مواقع التواصل الاجتماعي يظهر اتباع هذا التعديل من النواب وهم يطالبون المكون السني بالتصويت عليه مقابل التصويت على قانون العفو العام للسجناء، كما صرحت النائبة نور نافع ان كتلة النائبات التي تشكلت ضد التصويت على هذا التعديل قد وثقت تزوير توقيعات لنواب قالوا انهم ضد التعديل ورغم ذلك سجلت أسماؤهم على قائمة للمصوتين معه ، ليس ذلك فحسب بل وثقت نائبات البرلمان تكرار نفس الأسماء في قائمة الموقعين للحصول على النصاب مما يبطل قانونية الجلسة. ورغم كل هذه المخالفات يحاول هؤلاء النواب ومعهم رئيس المجلس محسن المندلاوي تمرير التعديلات بفرض إرادة الأحزاب الطائفية العنصرية على البرلمان اذ طال التلاعب فديو الجلسة المخصص للإعلام الذي تم تقطيع مشاهد منه كي لا يبث من الاعلام ويرى المواطنين رفض القانون الذي شهده البرلمان وفضائح التزوير والمقايضة.
ولسوء حظ هؤلاء فأن مجموعة نسوية من النائبات والناشطات والمحاميات ومنظمات المجتمع المدني المهتم بشؤون المرأة تصدى هذه المرة بشكل واسع ومنظم للوقوف بوجه ما حصل في قبة البرلمان اذ قمن بفضح ممارسات بعض الأحزاب ونوابهم وتوثيق ما جرى حاملات وثائقهن في وفد الى المحكمة الاتحادية للطعن بقانونية الجلسة وما حصل فيها من مخالفات تعٌطل شرعيتها. وقد أثارت بعض الناشطات والنائبات ومنهن النائبة نور نافع بالوثائق سببا اضافيا لطرح التعديل في هذا الوقت الا وهو التغطية على فضيحة مالية كبيرة تتجاوز فضيحة القرن السابقة وهي تزوير وسرقة لمبلغ أحد عشر مليار ونصف دولار من الموازنة يخشى من فضحها.
ان التحشيد والرفض المجتمعي والشعبي لتعديل قانون الأحوال الشخصية هو رفض جديد لحكومة المنطقة الخضراء ولأحزابها ورفض للعقلية الطائفية التي تكرسها منذ عشرين عاما، وما خروج أطياف مختلفة من أبناء الشعب العراقي : من المرأة الريفية البسيطة الى الطبيبة والمحامية والمهندسة وربة البيت والآف من الشباب والرجال الا اجماع وطني على نبذ هذه الحكومة بكامل مكوناتها واقتراع من أجل حكومة وطنية ومدنية تنقذ العراق من براثن فئة فاسدة لتسير به الى البناء وإعادة ما تم تخريبه وتدميره وتجريفه ماديا ومعنويا ، هذا التحشيد الوطني العفوي هو رسالة جديدة بعد رسالة ثوار تشرين لعزل الحكومة الطائفية التي وبدلا من العمل على حل المشاكل المتراكمة التي ينتظر الشعب العراقي حلها منذ عشرين عاما، تتقدم بمشروع لا انساني يفاقم مشاكل العراقيين ويؤلب بعضهم على بعض وينفث من جديد في الطائفية التي غرسها الاحتلال الأمريكي الإيراني في دستوره وقوانينه بهدف اجتثاث العراق شعبا وحضارة.
14/8/2024
797 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع