أول فتاة تتجرأ وتدخل معهد الفنون الجميلة .. آزادوهي صاموئيل .. ألبسوها عباءة على المسرح لتصبح أماً وهي بعمر 12 عاماً
فوتحت آزادوهي صاموئيل للانتماء لفرقة المسرح الحديث من قبل اخت سامي عبد الحميد، وهي طالبة قد اكملت توا المرحلة الابتدائية، وانتقلت الى الدراسة المتوسطة، اخبرت عائلتها بالموضوع، لم يبد الاب رأيا واحال الموافقة الى اخوتها الثلاثة بحجة انه امي ولا يفهم في هذه الامور ولا يريد ان يتحمل ما سيجري لها لاحقا في سلوكها هذا الدرب الذي كان يدرك انه صعب وغير مأمون على طفلة بسنها، ويخشى في انه قد يظلمها في حالتي الموافقة او الرفض.
وافق اخوتها الثلاثة فورا، بةعتبار ان العمل في هذه الفرقة شرف، فأفراد عائلتها لم يكونوا بعيدين عن الشارع المسيس، وكان اخوتها من المساهمين النشيطين في المظاهرات والاعتصامات التي لم تكن تنقطع في تلك الفتره ما بين (1954-1956) وتعرض منهم للاعتقال اكثر من مرة، وافقوا لتعمل فيها على شرط ان يرافقها احدهم عند ذهابها للتمارين وعودتها منه، وشجعوها على اساس هوية الفرقة السياسية التي ينسجمون معها ومعرفتهم الجيدة المسبقة بالفنانين الذين يعملون فيها، وكانوا يحترمون الفرقة ويعتبرون نشاطات الفرقة كانت محركا لم ينقطع لاثارة السخط على الانكليز وعلى الاحلاف والعملاء.
وكان يرافق آزادوهي في التمارين احد اخوتها، عادة اخوها (هايك صاموئيل)، وكانت في بداياتها تتحدث بلغة عربية غير سليمة، تغلب على لهجتها اللكنة الارمنية، كانت طفلة بمعنى الكلمة (12 سنة) البسوها ملابس الام ووضعوا على رأسها عباءة وحملت بين يديها دمية ملفوفة، واصبحت اما على المسرح، هذا ما كانوا يحتاجون منها. أن تكون أما وليست طفلة.
مثلت في الفترة ما بين 1954 - 1958 مسرحية (ايراد ومصرف) على قاعة الكلية الطبية وفي اماكن اخرى و(حرمل وحبة سودة) و(ست دراهم) لنفس المؤلف يوسف العاني ولنفس المخرج ابراهيم جلال، وكانت تحمل اسما فنيا في الاعلانات (زاهدة سامي) استمر معها الى ما بعد تموز 1958 حيث مثلت تحت هذا الاسم ايضا في مسرحيتي (آني امك يا شاكر) و(اهلا بالحياة).
بعد ان انهت الدراسة المتوسطة عام 1958، وهي ما تزال تعمل في فرقة المسرح الحديث، كانت مواهبها الفنية وثقافتها المسرحية قد تبلورت الى حد كبير بالتمارين والمراس على يد ابراهيم جلال ورعاية باقي اعضاء الفرقة لها، فدخلت معهد الفنون الجميلة - قسم المسرح - والتي كانت منذ تأسيسها في عام 1945 ، ولحد ذلك التاريخ 1959، معهد يدرس فيه الذكور فقط، ولم تجرؤ او حتى تفكر أية فتاة على الاقدام بالدراسة فيه قبل آزادوهي.
فتحت آزادوهي للاخريات من بعدها، بدخولها الشجاع كأول فتاة الى معهد الفتنون الجميلة قسم الفنون المسرحية، الآفاق الواسعة امام من انخرط بعدها لاحقا لدراسة هذا الفن، فتدفقن ببطء على المعهد في السنة الثانية من دراستها، كانت هناء عبدالقادر ثم جاءت من بعدها سمية داوود، وبعد سنتين كان من طلاب المعهد فوزية الشندي، رؤيا رؤوف، وساهرة احمد, وشوبو محمد، ومنيرة عباس، بلقيس الكرخي، وهكذا تقدمت الى المعهد في السنين التالية وبدون حرج كبير، شيماء وغزوة الخالدي، وسعاد عبدالله، واحلام عرب، ونضال عبد الكريم.. الخ.
الاسماء كثيرة الآن في الوسط المسرحي من الفنانات خريجات المعهد او الاكاديمية يمارسن النشاط المسرحي في مختلف المجالات، قسم منهن يحمل الدكتوراه في تخصصات مسرحية مختلفة، ومدرسات في المعهد وكلية الفنون. وقسم كبير آخر منهن ايضا، ضعن واختفين في المحافظات، اشتغلن معلمات بعيدا عن المسرح ونشاطاته، او تركن الفن المسرحي بعد الزواج.
تعلمت آزادوهي الكثير في المعهد، بمايساعدها في ان تتخلص من الخجل والتوجس وتمتلك شخصية متحدية، وجرأة اجتماعية، من هذه التمارين الطريفة وغير المألوفة في العادات العراقية آنذاك، والتي كان يطلبها منها استاذها بهنام ميخائيل ان تتوقف مثلا عند ماسح احذية في الشارع وتطلب منه ان يمسح لها الغبار عن حذائها الذي تحتذيه.
بعد ان تخرجت من المعهد عام 1962، عينت معلمة في بغداد، ثم سرعان ما اعتقلت وطردت من التعليم بعد انقلاب 1963، واضطرت خلال الفترة من 1963 وحتى 1965 للعمل حلّاقة في صالون نسائي لسد الرمق.
بعد ان اعيدت لفرقة المسرح الفني الحديث اجازتها في عام 1965، وجرى لم شمل الاعضاء القدامى اليها اشتركت بنشاط في كل الاعمال المسرحية التي قدمتها في تلك الفترة (فوانيس) و(صورة جديدة) و(مسألة شرف) و(المفتاح) و(النخلة والجيران) و(الخرابة).
كانت تعمل في صالون الحلاقة بشكل متواصل من الساعة التاسعة صباحا الى الساعة السابعة مساء، ثم تتمرن من الساعة السابعة وحتى الساعة العاشرة في مقر الفرقة، دون ان تأخذ اجورا على عملها المسرحي، حالها حال باقي اعضاء الفرقة في ذلك الزمان. اعيدت الى الخدمة في عام 1968 عندما شملها قرار باعادة كل المفصولين لأسباب سياسية الى وظائفهم، وعينت معلمة، ولكن في هذه المرة في مدينة بعيدة هي الرمادي، مركز محافظة الانبار. والرمادي تبعد عن بغداد غربا 200 كيلومتر، فتضطر ان تستيقظ في وقت مبكر وتذهب لتقطع يوميا مسافة ساعتين في الباص ذهابا لتلحق بعملها في الوقت المناسب، ثم تقطع نفس المسافة بعد انتهاء الدوام الرسمي في طريق العودة الى بغداد، لتذهب بعدها مسرعة الى مقر المسرح الفني الحديث تتدرب على مسرحيات تعد للعرض. ثم تصل في نهاية مطافها اليومي الى البيت وهي منهكة فيما يقارب منتصف الليل.
بقيت على هذا الحال اكثر من ثلاث سنوات، اتعبها التنقل اليومي بين مدينتين، فاضطرت السكن والاستقرار في الرمادي والتفرغ لعملها الوظيفي فقط، يأسا من أي حل قريب لمشكلتها.
لكنها لم تقف ساكنة في انقطاعها عن العاصمة واجوائها المسرحية، شكلت هناك للتنفيس عن طاقاتها الفنية فرقة مسرحية محلية من خريجي معهد الفنون الجميلة من ابناء المدينة، وبعد عشر ستوات من الشقاء في الرمادي والابعاد المتعمد عن بغداد والانقطاع عن مسارحها، انتهت عذاباتها في عام 1977 بنقل خدماتها الى الفرقة القومية الحكومية، وعادت الى النشاط المسرحي في أعمال هامة للفرقة القومية، وواصلت دون انقطاع.
من أهم الاعمال التي ادتها آزادوهي في معهد الفنون الجميلة (المثري النبيل) لمولير اخراج جعفر علي، و(عطيل) لشكسبير اخراج جاسم العبودي و(اوديب ملكا) لسوفوكليس اخراج جعفر السعدي. و(فيما وراء الافق) لاونيل اخراج بهنام ميخائيل.
وفي فرقة المسرح الحديث من عام 1954 وحتى تموز 1968 مثلت تقريبا في كل مسرحيات العاني الاولى ذات الفصل الواحد، وبعدها واصلت في الفرقة وشاركت في (اني امك يا شاكر) و(اهلا بالحياة) و(فوانيس) و(مسألة شرف) و(صورة جديدة) و(المفتاح) و(تموز يقرع الناقوس) و( النخلة والجيران). وفي الفرقة القومية (جزيرة افروديت) و(ابن ماجد) و(لغة الامهات) و(الروح الطيبة) و(ثورة الموتى) و(محطات السنين) و(المزيفون) و(العاصفة)... وغيرها.
عملت منذ ان صعدت على خشبة المسرح مع ابرز المخرجين في العراق بدءا بابراهيم جلال ثم سامي عبد الحميد وعبدالواحد طه وبهنام ميخائيل وجعفر السعدي وجعفر علي وبدري حسون فريد وسعدون العبيدي ومحسن العزاوي وقاسم محمد وآخرين.
تعتبر آزادوهي من اكثر الممثلات العراقيات نشاطا وغزارة ومشاركة بمسرحيات هامة في تاريخ المسرح العراقي، وقد حصلت خلال عمرها الفني في المسرح الذي قارب الخمسين عاما، على جوائز فنية وتكريمية وتقديرية عديدة، في العراق ومن مهرجانات مسرحية عربية عديدة شاركت فيها
1431 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع