في أواخر القرن الخامس للهجرة، لم تكن صورة المنطقة التي يقع فيها سوق السراي، وما حوله، وبضمنها القشلة، وشارع المتنبي، بل والمحلات المجاورة لها، قد تحددت بعدُ، صحيح ان المنطقة كلها كانت تُعد القسم الجنوبي الشرقي من محلة واسعة عرفت بسوق الثلاثاء، نسبة إلى سوق قديمة كانت تعقد في هذا الجزء من أرض بغداد في عهود ما قبل تأسيسها مدينة على يد المنصور العباسي ،
إلاً أن ما نملكه من معلومات عن معالم هذا السوق ظلت قليلة وغير واضحة، وأهم ما نفتقده من هذه المعلومات الأسلوب التي تحول فيه هذا السوق المؤقت، كما يفهم من اسمه، إلى سوق دائمة، تكتظ بالدكاكين، وتحيط بها المساكن، وتتخللها الدروب، إن السعة غير العادية لهذه السوق تدل على أن نشوءه كان في عصر لم يكن الجانب الشرقي من بغداد قد كثرت فيه العمارة، ومن المؤكد أنه ينتمي إلى عصر كانت تغلب عليه الزراعة والحياة الريفية في هذه الأرض، قبل أن يمتد إليها العمران هابطاً إليها من أعلى الجانب الشرقي، حيث الرصافة وما يليها.
باب السلطان
وكـان الجـانب الأعـلى من السوق قد شهد تطوراً ملحوظاً في منتــصف الـقرن الخامس للهجرة، فــفي هذا التاريخ توضحت حدود السوق الشمالية حــينما بدأ الخلفاء العبـــاسيـــون بــــتـــأسيس ســـــور الجانب الشرقي من بغداد.
وشيـــدت بوابة الســـور الأولــى لـــــتــكون المــنــــفذ الــرئيس للسوق ، وهي البـاب الــتي عــرفــت بــبــاب السلــطـــان نسبــــــة إلـــــــــــــــــى الســلطـــان ملــكــــشاه السلــجوقي، وتدريجياً عُرف هذا الجزء مــن السوق بــاسم جديد، هو سوق السلطـــان، نســبة إلى ذلـــك السلطــــان، وتــــرددت في مصــــادر العصر التاريخية أسمـاء معــالــــم جـــديدة، أهـمـهـا ســـوق العـــمــــيد، الـــذي عــــــرف في الـــعصــــور المتأخرة بسوق الهرج، والذي بات ينفذ إلى المنطقة الشاطئية التي شغلتها فيما بعد مباني السراي في القرن التاسع للهجرة.
أما الجزء الجــنــوبي الشــــرقي، والشاطئي، من سوق الثلاثاء فقد ظل بعيداً عن التطور الحاصل في تلك الأجزاء، حتى نحو سنة 500هـ
جامع الوزير
فـفي هــذا الـــتـــاريــخ، شـــهدت المنطقة المذكورة إنشاء ثلاث مؤسسات رئيــسة كانت لها أهميتها في رسم صورتها خــلال العــصـــور التـــالية، وأولى تلك المؤسسات دار الأمير سعادة الـرسائلي الشاطئية: التي جعلها مدرسة للطلبة ورباطــاً للعــابدين، وهي الدار الــتي تحولــت في الـــعـــصر العثمانـــي إلى دار للدفترخانه، ثـــم إلى مجــمع للـــمــحاكم المـدنـية في أوائل عهد الدولة العراقية الحديثة، أمـــا المـــؤسسة الثانية: فكانت ربـاطــاً أنشــأتــه الســـيـــدة أرجــــوان الخلاطية في مدخل درب كان يمتد مـن مقابـــل دار الأمير سعادة عُرف برباط الخلاطية، وقــد شغــلت أرضــــه في العهــــود العثمـــانـــيـــة المتـــأخـــرة دائـــرة الأكـــمـــكــخــانــه، أي دائــرة المـخابز العسكرية، وبه عُرفت في عهد الدولة العراقـية حــتــى سبــعــيــنـــات القرن الماضي،أما المؤسسة الثالثة:
فهي المدرسة التُـــتُـــشــيـــة الـــتي أسسها الأمـــير خمارتكين التتشي، مملوك الأمير السلجــوقي تُـتُش عند مشرعة درب دينار الكبير بـين محلة الحضائر التي أنشئت على أرضها المدرسة المستنصرية فــيما بعد، وبين مدرسة الأمير ســـعـــادة المتقدمة، وأرض هذه المدرسة هي التي أنشـأ عـــليـــها الــــوزير حسن باشا سنة 1005هـ/1596م، جامـــعـــه، الـذي عرف بجامع الوزير حتى اليوم، وكـــان مــن مزايا المــولى خمارتكين أنــه أنشأ عند باب مدرسته سوقاً كبيرة عرفت بعقار المدرسة، أي المــدرسة التتشية، فكانت هذه السوق تصل بين دروب سوق الثـــلاثـاء المتصلة بسوق السلطان (سوق الهـرج ومــلــحــقاته) شمالاً، وتلتقي بدرب زاخا، حيث يقع ربـــاط الخـــلاطـــيــة، شرقاً، وتنفذ إلى مشرعة درب دينار الكبير(شارع المـــأمــون الحـــالي)حـــــــيــــث تقع وراءه المــــــــــدرسة المستنصرية وعدد مــن المدارس والمــنشآت الثقافية هناك، منها المدرسة المغيثية، والمـــدرسة الــبـهائية، والمــــدرسة الـــنـــظــــامية،لا نستطيع الآن أن نحــدد طبيعة ما كان يشغل عقار المدرسة في ذلك العصر، ولكن المنشآت الثقافية حوله كانت كثيرة، تجـــعــلنا لا نستبعد أن يكون فيه بعض الوراقين الذين تتصل مهنتهم بطلب العلم، وإن لم يكن دليلاً قاطعاً على ذلك ، على أننا نعلم أن سوقاً للوراقين كان يقع في العصر نفسه في مكان غير بعيد، خارج السور الشمالي لدار الخلافة العباسية، شارع أســــامة بن زيد حالياً. ولقد تعـطل معظم المدارس في بغداد في القرون التالية للعصر العباسي، وتحولـت وظـــائفها إلى مجالات أخرى، كأن تكون خـــانات ودكــــاكــــين ونحوها، فضلاً عن ظهور القلعة في القرن الــتاسـع لتكون مركز السلطة في تلك القرون، واختفاء ذكــر المؤسسات الثـــقــافـــيـــة عــــلى شاطئ دجلة الأعــلى لتشغل أرضها السراي(مديرية الشرطة الـــقــديمــة فيما بعد) وقصور المماليك في القرن الثامن عشر، التي نقضت وأدخـــلت في أرض القشلة. وهكذا فإن فقدان الوظيفة العلمية والثقافية للمنطقة لابـــد أن يؤدي إلى تغير في مــهن أهـــل الأســــواق فيها، وأول تلك المهن ما له تعلق بالكـــتــب والـــــوراقة. وهــــكذا وجدنا السوق الذي طــــالما عــــرف بـــعقار المدرسة، يتحول إلى وظيفـة جـــديدة تـــتـــصل بالطابع العسكـــري الجـــديد، المتمثل بالقـــلـعة والســــراي والقـــشـــلة، هــي السراجة، المختــصة بصنـاعة ســروج الخيل وما يتـــصل بها، فعرف السوق منذ ذلك الحين بســــوق الســراجين، وشغل دكاكينه دكــاكــــين السراجين، ومحترفــاتهــم، وقـــد نـــقـــض السوق وأعاد تشييده الـــوزيـر حـــســن بــاشا حـين شـــيــد جـــامـــعه كما ذكرنا من قــبـــل، وهـــو الســوق الــــذي مـــا زال مـاثلاً بعمارته البديعة، وزيناته البنـائية، إلى اليــوم. وكـــان ســوق السراجين بصورته التي وجد عليـــها آنـــذاك يمــتد من شارع الجسر(شـارع المــأمون) حـــتى يصــل إلى باب جامع الوزير، فـتـنـتــهي عـــمارته هناك، بسبب اعتراض جـــدار الدفترخانه له، فينـحرف الســائر فيه يمــيــنــاً ليــتــصـــل بســـوق آخر، يمضي بمـوازاة الدفترخانه حـتى يــنفذ إلى شـــارع السراي (شارع جديد حسن بــاشا فيما بعد)، وهذا يعني أن قسماً من سوق السراي، وهو الموازي لـــسوق الســـراجين، مـــن جــهة الجسر، حتى باب جامع الوزير، لم يكن موجوداً في ذلك الـعهد، أمــا الجــزء التــالي فــكـــان يـــــمــــثل نـــــواة ســـوق السراي كما عـرف في العصر الحــديث، وإن لم يعرف بهذا الاسم عصر ذاك. بجامع الوزير حتى اليوم، وكـــان مــن مزايا المــولى خمارتكين أنــه أنشأ عند باب مدرسته سوقاً كبيرة عرفت بعقار المدرسة، أي المــدرسة التتشية، فكانت هذه السوق تصل بين دروب سوق الثـــلاثـاء المتصلة بسوق السلطان (سوق الهـرج ومــلــحــقاته) شمالاً، وتلتقي بدرب زاخا، حيث يقع ربـــاط الخـــلاطـــيــة، شرقاً، وتنفذ إلى مشرعة درب دينار الكبير(شارع المـــأمــون الحـــالي)حـــــــيــــث تقع وراءه المــــــــــدرسة المستنصرية وعدد مــن المدارس والمــنشآت الثقافية هناك، منها المدرسة المغيثية، والمـــدرسة الــبـهائية، والمــــدرسة الـــنـــظــــامية،لا نستطيع الآن أن نحــدد طبيعة ما كان يشغل عقار المدرسة في ذلك العصر، ولكن المنشآت الثقافية حوله كانت كثيرة، تجـــعــلنا لا نستبعد أن يكون فيه بعض الوراقين الذين تتصل مهنتهم بطلب العلم، وإن لم يكن دليلاً قاطعاً على ذلك ، على أننا نعلم أن سوقاً للوراقين كان يقع في العصر نفسه في مكان غير بعيد، خارج السور الشمالي لدار الخلافة العباسية، شارع أســــامة بن زيد حالياً. ولقد تعـطل معظم المدارس في بغداد في القرون التالية للعصر العباسي، وتحولـت وظـــائفها إلى مجالات أخرى، كأن تكون خـــانات ودكــــاكــــين ونحوها، فضلاً عن ظهور القلعة في القرن الــتاسـع لتكون مركز السلطة في تلك القرون، واختفاء ذكــر المؤسسات الثـــقــافـــيـــة عــــلى شاطئ دجلة الأعــلى لتشغل أرضها السراي(مديرية الشرطة الـــقــديمــة فيما بعد) وقصور المماليك في القرن الثامن عشر، التي نقضت وأدخـــلت في أرض القشلة. وهكذا فإن فقدان الوظيفة العلمية والثقافية للمنطقة لابـــد أن يؤدي إلى تغير في مــهن أهـــل الأســــواق فيها، وأول تلك المهن ما له تعلق بالكـــتــب والـــــوراقة. وهــــكذا وجدنا السوق الذي طــــالما عــــرف بـــعقار المدرسة، يتحول إلى وظيفـة جـــديدة تـــتـــصل بالطابع العسكـــري الجـــديد، المتمثل بالقـــلـعة والســــراي والقـــشـــلة، هــي السراجة، المختــصة بصنـاعة ســروج الخيل وما يتـــصل بها، فعرف السوق منذ ذلك الحين بســــوق الســراجين، وشغل دكاكينه دكــاكــــين السراجين، ومحترفــاتهــم، وقـــد نـــقـــض السوق وأعاد تشييده الـــوزيـر حـــســن بــاشا حـين شـــيــد جـــامـــعه كما ذكرنا من قــبـــل، وهـــو الســوق الــــذي مـــا زال مـاثلاً بعمارته البديعة، وزيناته البنـائية، إلى اليــوم. وكـــان ســوق السراجين بصورته التي وجد عليـــها آنـــذاك يمــتد من شارع الجسر(شـارع المــأمون) حـــتى يصــل إلى باب جامع الوزير، فـتـنـتــهي عـــمارته هناك، بسبب اعتراض جـــدار الدفترخانه له، فينـحرف الســائر فيه يمــيــنــاً ليــتــصـــل بســـوق آخر، يمضي بمـوازاة الدفترخانه حـتى يــنفذ إلى شـــارع السراي (شارع جديد حسن بــاشا فيما بعد)، وهذا يعني أن قسماً من سوق السراي، وهو الموازي لـــسوق الســـراجين، مـــن جــهة الجسر، حتى باب جامع الوزير، لم يكن موجوداً في ذلك الـعهد، أمــا الجــزء التــالي فــكـــان يـــــمــــثل نـــــواة ســـوق السراي كما عـرف في العصر الحــديث، وإن لم يعرف بهذا الاسم عصر ذاك. ونحوها، فضلاً عن ظهور القلعة في القرن الــتاسـع لتكون مركز السلطة في تلك القرون، واختفاء ذكــر المؤسسات الثـــقــافـــيـــة عــــلى شاطئ دجلة الأعــلى لتشغل أرضها السراي(مديرية الشرطة الـــقــديمــة فيما بعد) وقصور المماليك في القرن الثامن عشر، التي نقضت وأدخـــلت في أرض القشلة. وهكذا فإن فقدان الوظيفة العلمية والثقافية للمنطقة لابـــد أن يؤدي إلى تغير في مــهن أهـــل الأســــواق فيها، وأول تلك المهن ما له تعلق بالكـــتــب والـــــوراقة. وهــــكذا وجدنا السوق الذي طــــالما عــــرف بـــعقار المدرسة، يتحول إلى وظيفـة جـــديدة تـــتـــصل بالطابع العسكـــري الجـــديد، المتمثل بالقـــلـعة والســــراي والقـــشـــلة، هــي السراجة، المختــصة بصنـاعة ســروج الخيل وما يتـــصل بها، فعرف السوق منذ ذلك الحين بســــوق الســراجين، وشغل دكاكينه دكــاكــــين السراجين، ومحترفــاتهــم، وقـــد نـــقـــض السوق وأعاد تشييده الـــوزيـر حـــســن بــاشا حـين شـــيــد جـــامـــعه كما ذكرنا من قــبـــل، وهـــو الســوق الــــذي مـــا زال مـاثلاً بعمارته البديعة، وزيناته البنـائية، إلى اليــوم. وكـــان ســوق السراجين بصورته التي وجد عليـــها آنـــذاك يمــتد من شارع الجسر(شـارع المــأمون) حـــتى يصــل إلى باب جامع الوزير، فـتـنـتــهي عـــمارته هناك، بسبب اعتراض جـــدار الدفترخانه له، فينـحرف الســائر فيه يمــيــنــاً ليــتــصـــل بســـوق آخر، يمضي بمـوازاة الدفترخانه حـتى يــنفذ إلى شـــارع السراي (شارع جديد حسن بــاشا فيما بعد)، وهذا يعني أن قسماً من سوق السراي، وهو الموازي لـــسوق الســـراجين، مـــن جــهة الجسر، حتى باب جامع الوزير، لم يكن موجوداً في ذلك الـعهد، أمــا الجــزء التــالي فــكـــان يـــــمــــثل نـــــواة ســـوق السراي كما عـرف في العصر الحــديث، وإن لم يعرف بهذا الاسم عصر ذاك. يـــــمــــثل نـــــواة ســـوق السراي كما عـرف في العصر الحــديث، وإن لم يعرف بهذا الاسم عصر ذاك.
إتخـــذ هذا الجزء أسمــاء عــدة بحـسب التغيرات التي كـــانت تطــرأ عـــلى وظائفـه، فـــعـــرف في الـــــقـــرن الثــامــن عـــشر باسم (سوق الجُبُوقـجــية)، وهـــم صـــانعــو الجُبُق وبائـــــعوه، والجـــــبــــق لفـــظـــة تـــركـية تعني اصطلاحاً ضرباً من الغلايين المستعملة في تدخين التبغ.
ومن الواضح أنـه لم تُعرف للسوق صلة بالثقافة أو الوراقة في أقل تـقـــديــــر، ولــــقد صرح الرحـــالة نـيبور الــــذي أقــــام بــبغداد سنة 1767، أنه ما كان يوجد سـوق للكتب في بغداد في عصره أصلا.
سوق السراي
وفي سنة 1206هـ/1797م أنـــشـــأ والـــي بـــغداد الوزير سليـــمان باشا الكبير سوقاً محــادداً لـــسوق الجبوقجية، وملاصقاً لسوق القزازين، يتضمن 33 دكـــانــــاً ومخزنـــــاً وخـــاناً، وقـــفــــه عــلى المــــدرسة السليمـانية الـــتي أنشأهــــا في تلك السنة، والتي ما زالت واجهتها الخارجيــة ماثلة إلى اليوم. والراجح أن يكون هذا السوق هــــو سوق السراي نفسه،وكان السوق يتصل من أعـــلاه بشـــارع مـــــوازٍ لـــــقــــصور الممــاليك، وهي التي شيد في أرضها مبـــنـــى القشلة، حــــيـــث تجــمـــعـــت مؤسسات الحكومة في أواخر العصر العثـــمــاني ولــبــــثــــت كـــــذلك حـتى سبعينات القرن الماضي، كما يتصل أيضاً بدربٍ واســـع نـــسبــياً، عــــرف بشــــارع الأكـــمـــكــخــانــه. وكان هذا الشارع يمــــــتد عـــلى نحـو مستقيم، متــــعامـد مع شاطئ دجلة، متجاوزاً مبنى الأكمكخانه، حتى يعترضه عــلى نحو متعامد أيضاً درب طويل يصل بين ـمحلة جديد حسن باشا من الشمال الغربي، ومحلة الدِنْكَجيــــة من الجنوب الشرقي، فلا يستــــطيع المــــاضي في هذا الشارع إلاّ أن يتـخـــذ طــــريـــقه يساراً باتجاه المحلة الأولى، أو يميناً باتجاه الثانية، وتـكـــــتض الــــدور عــــلى هـــذا الدرب، وأكـــثرها لـــسُراة الـــقــــوم مــــن المــــوظفين والعلماء خاصة، وقــــــد اتخذت القنصلية الفرنسية في منتــــصف القرن التاسع عشر من إحداها مــقراً لها. ويتصل الـــــدرب بــــدرب آخــــر موازٍ له (يحتل أرضه شارع الرشيد اليوم) عـــن طـــريـــق عدد من الأزقة الملتوية الضيقة.
مدارس بغداد
بـــيـــد أن مـــتــغيرات جديدة أخذت تؤثر في بيئة المكان منذ أن توسعت دوائر الحكومة لتشغل المبنى الكبير المجاور للسراي القـــديـــم، والــــقـــريــــب من مدخل سوق الســــراي، وجـــاء هـــذا التــوسـع نتيجة لمحاولات تحـديث الإدارة العـــثــمـــانـــيــة في العراق، والتي بدأت مــــنذ منتصـف الــقـــرن الـــتاسع عشر، وتوضحت في عـهد والـــي بـــغـــداد مـــدحـــت بـــاشـــا (1869- 1872)، ومــا بــعــده. فـــفي هـــذا الــعــهـد أفتتحت المدارس الحديثة في بغداد، مستقطـبة الطلبة والمدرسين، وشــــرع الكـــتـــاب المـدرسي يجد طريقه إلى عدد غفير من الطلبة، وزاد عــدد المتعلمين الذين أخــــذوا يتــابـــعـــون مـا يجـــــــري في الأقطار الأخـــــرى مـــن خــــلال أولـــيـــات الــصحف الصادرة في استانبول وفي القاهرة وبــــعــــض المــدن السورية، وكــــان أكـــثـر تلك المــدارس منـطقة سوق السراي أو ما يجـاورها، ومــــن أهــــمـــــها المــــدرسة الرشدية الــتي أســــست سنة 1869 والــــتي تحولت إلى كلية للحقوق، فــمـــتــصرفــيـة للواء بغداد تقابل الباب الوسطى لمبنى القشلة، والمـــدرسة الـــرشـدية العسكرية المؤسسة سنة 1879 مقابل مبنـى البريـد المركزي القديم(أقيـــمـــت عـــلى أرضـــها الــثانـــوية المركزية)، هـــذا فضـــلاً عـــن المـــدرسة الإعــدادية الملكية، ودار المعــلمـــين، مقـــابـــل نــــادي الضبـــــاط الأعـــــوان، ومــــدارس أخـــرى. وكـــانت أقـــرب هذه المدارس موقعاً من ســــوق الســــراي هـــي المـــدرسة الرشدية العسكرية المــشـــيـــدة سنـــة 1879، فـــقـــد أنـــشـــئـــت عـــلى أرض الدفـــتردارخانه القديمة، لا يفصل بينها وبين السوق إلاّ جدارها نفسه.
اول مكتبة في سوق السراي
وتلبية لحـــاجة رواد السوق الجدد، من المتعلمين والمدرسين والموظـــفـــين، شــهــد سـوق الـسراي سـنة 1869تأسيس أول مكتبة لبيع الكتب، أنشــأهـــا الملا خضر، في أحد دكاكين السوق، وكان الجـــديد فــيها أنها أخذت تبيع جـــريـــدة الـــزوراء، أول جــــريــــدة رسمية تصدر في بغداد عهد ذاك، ثم شرعت تبيع جريدة الجوائب التي كانت تصدر في استانبول. وفي السنين التالية أخذت بعــض دكــــاكـــين الســـوق تتحول، تباعاً، إلى وظيفة جديدة، هـــي بيــع الكتب والصحف والمجلات القادمة من الأقــــطار العربية، فضلاً عن بيع المخطوطات القــديمــــة. ومـــع نــشوء الدولة العراقية الحـــديثة سنة1921 برزت الحــاجة إلى مزيد من المكـتـبـات، فــــزاد نــــشـــاط الســـــوق، وانقلبت معـــظم دكـــاكــيــنــه الصــغيرة إلى مكتبات ازدحمت أرففها بالكتب مــن كـــل نــــوع، فثمة كتــب مدرسية، وكتب مطبوعة في مصر، وأخرى مطبوعة في استانبول، وصحف عربية متنوعة، ومـــع اطـــراد تأسيس المطابع، ونشاطها في طبع الكـــتب العراقي، أصبح هذا الكتاب يجد طريقه إلى تلــك الأرفــــف، حيث يتهافت على اقتنائه القراء، ولم يمض وقت، حتى صار ســــوق الســـراي المركز الوحـيد لتــجـــارة الكتاب وكل ما يتعلق به، وفيه توزع الصــحــف عـلى الباعة، وتتوفر مستلزمات الطـباعـــة أيـــضاً، وكــان من أبرز المكتبات عـــهـد ذاك:المكــتـــبــــة الـــعــربية، والمطبعةالعصرية،ومكتبة الشرق،والمكتبة الأهلية.
الكاتب: الدكتور عماد عبالسلام رؤوف
المصدر: المدى
821 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع