حوار مع المخرج السينمائي حسين السلمان
تعد ثقافة الصورة اليوم جزء مهم وفاعل في حياة ووعي المجتمع خاصة ونحن نعيش ثورة كبيرة بالاتصالات وتبادل المعلومات، فالسينما مثلا تعد مصدراً اساسياً من مصادر تكوين الثقافة الصورية وبعيداً عن أشكالات هذه الثقافة التي اخذ الناس ينشغلون بالصورة اليوم والابتعاد عن المقروء لكي لا نغوص بعيداً عن موضوعنا الاساسي واقصد به (الفن السابع) وعلى هذا الأساس ارتأيت ان اجري حواراً مع المخرج والفنان السينمائي (حسين السلمان) علنا نسلط الضوء على اهم ما تواجهه السينما العراقية اليوم من صعوبات تقف بالضد من احياء الروح في المفصل السينمائي.
حسين السلمان .. كاتب ومخرج سينمائي تخرج من معهد الفنون الجميلة وحاصل على شهادة الماجستير في الأخراج السينمائي والتلفزيوني من بلغاريا عام (1978). اول فلم كتبهُ وأخرجه هو (الجدار) عام 1973 وأكثر ما يؤرقه ويجرحهُ هو عدم نجاح صناعة السينما في العراق، "وعدم ممارسة شعب كشعب الرافدين الطقوس السينمائية) وكان لنا معه هذا الحوار .
•كل ما ينتجه الفنان والكاتب هو وجع كبير يرتبط به اشد الارتباط ..
•الفن هو الوحيد الذي يستطيع الخروج بنا خارج انفسنا كما انه يجعلنا نشعر بافضل ما لدينا ولانه هو ملاذ احلامنا مهما أتسعت ..
"حسين السلمان"
السؤال الأول/ لنبتعد عن السؤال الذي يسبب لك حزناً عميقاً والمتجسد في غياب دور السينما عن المشهد الثقافي وان حضرت يكون حضورها خجولاً . برأيك هل من سبل للنهوض بالواقع السينمائي في العراق؟
ج1/ لا يمكن قيام سينما في المفهوم العلمي والفني لها اذا لم يكن هناك قاعدة تقنية تتماشى مع التطورات التكنولوجية العالمية ، اضافة الى اعداد الكوادر العلمية القادرة على استيعاب وادراك تلك التقنية والتعامل معها بابداع .وارى في ظرفنا الحالي يتوجب ان تدخل الدولة كراعية في بناء مدينة سينمائية تتوفر فيها متطلبات العملية الانتاجية السينمائية والعمل على دعم المشاريع من دون فرض هيمنتها او سياستها في طبيعة وافكار تلك الاعمال .فانا ارى جازما ان تبقى السينما ، وكل العملية الابداعية في بلادي، مستقلة عن كل التوجهات والاشتراطات والميول الحكومية التي عليها ان تبقى في واحة الدعم والرعاية للفنون كافة .
ان هذا من الضفة الاخرى، واقصد ضفة الابداع ،يتطلب منها حركة دوؤبة لترسيخ مكانتها عبر وضع الية انتاجية تتناسب مع الظروف الراهنة وتاكيد حضورها كخريطة افتراضية تتاكد من خلال قوة الشخصية السينمائية وحضورها الفاعل في الوسط الفني اضافة الى الحضور الاجتماعي الذي اراه الابرز والاهم في هذه المرحلة العصبية التي يجب ان تخرج منها الثقافة العراقية برؤية جديدة باعتبارها القائد الحق في تحريك ودفع الحياة لما هو اجمل وافضل .
فنحن لكي نخلق سينما حقيقية علينا ان تكون صادقين مع انفسنا ومع الوطن لان صناع الجمال هم وحدهم قادرون على بلورة الشخصية العراقية بصورتها الانيقة ، لان هذه المصداقية تقودنا حتما الى نتائج ايجابية في رسم ملامح حقيقية لهوية وطنية تعمل السينما ، وبقية الفنون الاخرى، علي تجسيدها ، ولان السينما في بلادنا لم تمتلك منذ البداية هوية و لا طراز او اسلوب يستطيع ان يصهر العملية الانتاجية مع العملية الابداعية في تشكيل صورة واضحة المعالم لاتجاه سينمائي يتميز به السينمائي العراقي وبالتالي تاتي العملية الاسقاطية لتشكل هوية سينمائية عراقية ..كما ويتوجب النظر كليا بالمناهج الدراسية لمعاهد وكليات الفنون التي تاسست من اجل اعداد كوادر وسطية فنية تساهم في دعم العملية السينمائية .لذا ادعو الى اتخاد طريقة علمية لقبول الطلبة والمدرسين واعتماد معايير فنية متداولة في المعاهد العربية والعالمية الرصينة واعادة المكانة الحقيقية لهذه المؤسسات التي كانت تقود العملية الفنية في البلاد ..ولهذا كلة يتوجب صناعة المكان الذي يقدم هذا البضاعة الابداعية والتي هي دور العرض التي جميعها تحتاج الى تاهيل جديد يتماشى مع التطورات التي شملت دور العرض السينمائي ...
السؤال الثاني/ قبل الولوج في تجربتك الابداعية، دعنا نلقي الضوء على بعض الانشطة والفعاليات التي تهتم بالفن السابع نذكر منها على سبيل المثال (مهرجان السماوة السينمائي الدولي) والذي احتضن عدداً من الافلام من مختلف البلدان العربية منها والاجنبية. هل تعتقد بأن مثل هذه الانشطة تعمل على تفعيل او أحياء الجسد السينمائي ؟
ج2/ اقول لك عزيزي ان الفن هو الوحيد الذي يستطيع الخروج بنا خارج انفسنا كما انه يجعلنا نشعر بافضل ما لدينا ولانه هو ملاذ احلامنا مهما أتسعت ..كلنا نعلم ان مقولة ماركس الجميلة: كتاب واحد ، رجل واحد بامكانه ان يغير العالم ..
هذه هي الصورة التي اجسدها لاي نشاط فني للسينما وهو واحدة من المهام الوطنية التي يجب ان تحتوي كل فنان .وانا احترم النشاطات السينمائية المتحركة والمتوثبة التي تساهم في تعزيز القيمة الفكرية والجمالية .فمهرجان السماوة انظر له بمنظار اعتزاز كبير لان السماوة ( المحافظة) تقيم مهرجان سينمائي وليس بغداد العاصمة ..وهذا يعني ان الرقعة تتسع وحتما ستصل محافظات اخرى .اذن علينا ان نحمل النشاطات اهدافا ونوايا كي تكون نشاطات مثمرة لنا كسينمائيين ولصناعة جمهور سينمائي خاصة ونحن قد فقدناه بفعل الاجراءات التعسفية في غلق دور السينما وايقاف الانتاج السينمائي اضافة الى ما اقترفته السلطات في ادلجة العمل الابداعي وحرفته الى مسارات دعائية بليدة ساهم فيها مع الاسف السينمائي ذاته تحت ذرائع متنوعة لم يحصد من خلالها الا الخيبة و الانكسار ..هنا اود طرح هذه التساؤلات :هل يعقل ان الدولة غير قادرة على اقامة مهرجان سينمائي!!!وهل يعقل انها لا تستطيع دعم السينمائي لانتاج فيلم!! هل الدولة لا تسمع بالمهرجانات التي تقيمها منظمات المجتمع المدني!!! الا تسمع بالجوائز التي يحصدها الشباب السينمائي!!!
السؤال الثالث/ غالباً ما نتكلم الصعوبات التي تواجه العمل الفني(السينمائي) وهذه حقيقة ولكن في الوقت نفسه الا ترى بانها اصبحت شماعة نعلق عليها العجز الحاصل في النشاط السينمائي، فمثلا لدينا التجربة الايرانية في السينما خير دليل في قدرتهم على تذليل الصعوبات التي واجهتهم ولجوء المخرجين الى الافلام التسجيلية حتى استطاعت ان تصل الى النجومية العالمية، الا ترون بأن على المهتمين بهذا الفن هم يتحملون مسؤولية ما يحصل للسينما العراقية اليوم ؟
ج3/ان المثقف العراقي غالبا ما يكون منغلقا لاسباب متنوعة بتنوع الفنون والاداب ، وهو يعتقد انه نتاج فردي قائم في فضاء محدود وفي مكانية جغرافية محدودة ايضا ..فاذا صح هذا فانه يعني ذوبان التاثير الفاعل للادب والفن ، واذا كان حديثنا متجه بكامله نحو السينما وهي الاهم والاخطر والاكثر تماسا مع الجمهور ، فان السينمائي العراقي لم يزل يفكر بصيغة الماضي ويعمل على اسقاطها على الحاضر ، انه لم يزل يحلم بالانتاج الحكومي ، لم يزل اسير الاسلوب الانتاجي (الاشتراكي) او ( المختلط )الذي اغلق كل منافذ التجديد وجعل السينمائي يتقوقع بصيغ الماضي ، بمعنى انه اسير التصورات والرغبات الحكومية ضمن مشاريع تدميرية كان يطلق عليها مشاريع ( التكليف) لعناصر محددة لاخراج افلام طبقا لمفاهيم السلطة ..ولك ان تتصور ذلك التكالب الكبير الذي دفع (السينمائيين) عندما اعلن عن مشروع بغداد عاصمة الثقافة العربية لانه يتناغم مع تطلعاتهم ونواياهم .فتحولت المشاريع السينمائية من عطاء ثقافي الى استفادة مالية خاصة لا علاقة لها بالعمل الفني ، وهذا يتاكد لنا يوميا من خلال عرض تلك الافلام في المهرجانات .
التجربة الايرانية جاءت بفعل القدرة الابداعية للسينمائي الايراني بما يمتلكه من ارث سينمائي يتفاعل معه ويعمل على تجديدة كما ان السينمائي الايراني يميل الى التجدد والبحث المتواصل لتاكيد الاسلوب والهوية الوطنية اضافة الى انفتاحه على الاساليب العالمية والعمل بها طبقا لما هو مفيد ومثمر لحركتهم السينمائية وحضوره الجماهيري الكبير لانه انطلق من قاعدة موضوعات حياتية تشغل بال المشاهد واستطاع ان يجد علاقة متبادله معه وهذا ما لم يفكر به اي سينمائي عراقي لاننا جميعا لم نخرج من دائرة ابداعية فكرية متحدة ، بل نحن جزئيات منفصلة كل يسبح في ما يعتقد انه الصحيح ولاننا خارج دائرة اذابة العوائق وخلق البدائل والاهم ما نعانية من خوف في اقتحام عوالم اللامألوف والذهاب الى حفر الخفايا والمستتر وافلامنا شاهد كبير على ذلك فنحن لم نزل في نقبع في الظل القاتم من الابتكار والاجتهاد ..
السؤال الرابع / لدينا كم متراكم من التجارب التي مرَ بها الشعب العراقي ولكي لا نبتعد كثيراً، فلنبدأ بالحرب العراقية الايرانية وليس انتهاءاً بالحرب مع الارهاب، الا ترون بان هناك تقصيراً واضحاً في عدم استثمار هذه التجارب الانسانية القاسية التي عاشها الفرد العراقي وعدم معالجتها ونقل الصورة لتلك المعاناة الى العالم من خلال هذا الفن الراقي ؟
الجواب4/ اولا انها حالة تفاعل واستيقاظ ، شيءيتحرك في دواخل الفنان وحينما يتجانس مع الاحاسيس والمشاعر قطعا يتدفق كالينبوع ، وهذا يمكن ان يكون شاملا وعاما ، فكلما اتسعت دائرة معارف الفنان وكلما تنوعت مصادر معرفته كلما اقترب من الاشياء ، وعلى ضوء ما تقدم استطيع القول ان المعنيين بالسينما يخشون خوض غمار التاريخ سواء كان البعيد منه ام القريب وربما يقف الانتاج حاجزا كبيرا خاصة في ايامنا هذه .ومن جانب اخر هناك تحفظات تجاه مفاهيم كثيرة ومتباينة لدى الكثير ممن هم في الهرم السلطوي الذين ادخلونا في اقبية مظلمة ..ولتصحيح هذه التعسفات فاننا نحتاج الى شجاعة جماعية في اختراقة بل في تحطيمه ، بمعنى ان الرقيب لم يزل يمارس ضغوطه وبشدة وقساوة .وهنا اود ان اذكر تجربتي مع فيلمي ( حدث في يوم واحد) الذي عملته في الخارج مع ممثليين عراقيين وهو يستمد موضوعه من الحرب العراقيةــ الايرانية وقد تم انتاجه عام 1985 وقد شاركت به في مهرجان دمشق السينمائي السادس عام كما 1987وقدمت مسرحية ( شهادات من زمن الفجيعة) من تاليفي واخراجي .
انا ارى في تاريخنا القريب موضوعات مهمة وحيوية وهي اكثر من صالحة لان تتحول الى افلام سينمائية ..وبالناسبة انا قدمت مشروعا كبيرا لشبكة الاعلام العراقي يخص الاعمال الروائية التي اعمل على كتابة سيناريو لها لتقديمها كافلام تلفازية . وارى ان الرواية العراقية تساعدنا في ايجاد حلول درامية كثيرة اجدها غائبة عن المسلسلات التي تقدم هذه السنوات . فالرواية تملك بناء" سرديا محكما وتتمتع بقدرات عالية في نسج الاحداث والحبك والصراع وتحليل الشخصيات واضحة المعالم وقد اخترت مجموعة رائعة من الروايات العراقية والتي يمكن اشير الى بعض منها:موت الاب، مأوى الثعبان ، علي بابا الحزين ، دهاليز الموتى وغيرها . واذا تمت الموافقة على المشروع ساتصل بالروائيين لجلسات عمل استعدادا لكتابة السيناريو ..
السؤال الخامس / كتبتَ وأخرجت أكثر من عشرة أفلام سينمائية وشاركت بها في مهرجانات عربية وعالمية كفلم (يوم ممطر) و (حدث في يوم واحد) و (كان ولم يزل) بالأضافة الى عدد من الافلام قد لا يسعنا ذكرها الآن، ومن باب الفضول الفني ان صح التعبير، اي الافلام أقرب الى نفسك ولماذا؟ في الوقت الذي كان انتاجك للأفلام أكثرها في الغربة واليوم انت على ارض السواد، فهل ننتظر منك عملاً ابداعياً جديداً ؟
الجواب5/ صديقي العزيز كل ما ينتجه الفنان والكاتب هو وجع كبير يرتبط به اشد الارتباط ولهذا لا يمكن ان يكون هناك تفضيل ما الا بحالة واحدة هي تدميرية هذا الوجع ــ اقصد كم من اجزاء الروح ياخذها معه هذا العمل او ذاك عندما يذهب الى المشاهد او القاريء . افلامي اشرعتي التي تاخذني الى شواطيء الروح ، الوطن والناس .واقول لك ما اشعر به تجاه اعمالي لا استطيع ان اصفه لان الفن مهارة الانسان على الابداع وهو يجعلنا نشعر بما هو افضل ما لدينا ، فكل فيلم من افلامي هو اطفاء لحريق من حرائق روحي ..لكني يا صديقي انظر لسؤالك الجميل من زاوية اخرى ..انها زاوية المتاعب ، زاوية الجهد المبذول في كل عمل ابداعي ، فمثلا في فيلمي( كان ولم يزل)عملته من لا شيء ..صنعته من وجعي .. ومن غربتي ..فبعد ستة اشهر من البحث عن الشكل السينمائي استطعت ان اعبأ افكاري ورؤياي داخل هذا الشكل فجاء الفيلم مشحونا بقيم انسانية تناغمت معها المشاعر الانسانية .وهذا ما حصل حينما عرض الفيلم على مجموعة من العراقيين والعرب ....الفيلم يتحدث عن جريمة اغتيال ..فلقد امتدت يد الكتاتورية الى الخارج لتقطع جسد شاب جميل جاء من ايطاليا ليلتقي باخيه في بلغاريا بعد غربة تدميرية ..هذا الفيلم شارك في مهرجان لابيزك وحصل على تقيمات كثيرة ..وللعلم انه اقصر افلامي ..وانا حزين يا عزيزي لان افلامي هذه لم تزل بعيدة عني لانها ملك للجهات الانتاجية وانا اعمل جاهدا لان احصل على نسخة منها ..اليس هذا عزيزي حيدر احتراق اخر ؟؟؟؟
السؤال السادس/ لقد زارَ الفنان والممثل المصري ( أحمد ماهر) العراق واستثمر زيارته بالذهاب الى مدينة كربلاء وزيارة ضريح الأمام الحسين (ع) وتلكم في أحدى اللقاءات عن رغبتهِ في أنتاج فلم سينمائي ضخم ومشترك، لماذا لا نعمل على استثمار هذه المأثرة واستغلال الدروس والعبر التي تقدمها لنا هذه الملحمة وانتاج فلما يحاكي الهموم الانسانية وبلغة عصرية جديدة؟
الجواب6/ هذا هو سؤال المرحلة ..واقول لك كل السينمائيين يسعون لذلك ليكونوا الرواد في هذا المجال كما فعلها استاذنا كامل العزاوي ليذهب الى التاريخ السحيق ويقدم فيلم ( نبوخذ نصر ) وبالالوان .
انا كتبت سيناريو (تحت ظلال الزقورة) عام 1994 ونشر مع سيناريوهات بكتاب بذات العنوان من دار الشوؤن الثقافية عام 2008 وكان المفروض ان اعمله عام 2013 لحساب مشروع بغداد عاصمة الثقافة تحت عنوان( يوم قتل المعلم) .وموضوعة السيناريو تتحدث ، اسقاطيا، عن واقعة الطف ..
بشكل عام تتواجد اشكاليات كثيرة امام مثل هكذا فيلم اولها المسالة الانتاجية التي لا يمكن القيام بها الا من قبل جهات ذات امكانيات مادية ضخمة ، لانني واثق من قدرتنا في كتابة قصة سينمائية تتناسب مع القيمة التاريخية والفكرية لملحمة الطف .ولكن توجهنا كثير من المصاعب منهما ظهور الحسين والعباس وبقية الشخصيات الاخرى التي تلعب الدور الاساس في الملحمة ..اذا كيف سيكون العمل اذا لم نحصل على فتوى بذلك ..وربما هذه الفتوى لا تصلح لدى الجمهور العريض الذي لديه معتقدات ثابتة لا يمكن الحياد عنها ..وصدقا اقول لك انا ارغب في غوض غمار هذه التجربة لكني اراها معقدة ومتشابكة ما بين الفهم المتفتح وتصلب الوعي وتجمده ضمن بوتقة ( المحرمات) او الممنوعات ، وهذا امر في غاية التعقيد .وقد تحدثت عن هذا الموضوع في برنامج ( حوار في الحسين) قدم من قناة العراقية .
السؤال السابع/ اكلتْ الغربة منك الكثير وابتعدتَ عن الوطن لاكثر من ربع قرن، هل لنا ان نعرف اسباب هجرتك خارج العراق؟ وهل اضافة الغربة لك شيئا ولتجربتك الفنية؟
الجواب السابع/ الغربة شكلت لي انبعاثا جديدا للتماهي مع حركة الثقافة والفن هناك .فهي اصبحت محطة كبيرة في فتح شواطيء حديثة لم اكن على علم بها .فعلاقتي امتدت ليس فقط في المجال الرسمي باعتباري خبيرا ثقافيا في العديد من المؤوسسات الفنية والثقافية بل تعمقت اواصر صدلقتي مع اتحاد الادباء البلغار وقدمت محاضرات عن الادب القصصي العراقي كما انني عملت مترجما ومدبلجا للعيد من الافلام البلغارية اضافة الى مشاركاتي في تمثيل الفلام سينمائية وتلفزيونية .
عموما الغربة بالنسبة لي جزء من كيان متحرك اعتمده في بناء التصورات والمدارك الفنية والثقافية . والشيء الاخر الجميل هو تواصلي مع الثقافة العراقية والعربية رغم صعوبة الامر ، انا قطعا اؤمن بوطنية المثقف باعتبارها الركيزة الاساس لانطلاق الوعي والفكر اللذان يشكلان الاشراقات الاولى في بناء القواعد المتينة لحركة المثقف ،فالغربة جاءت قسرية فرضت علينا جميعا بعفل ممارسات القمع التي سلطتها السلطة الديكتاتورية علينا لاننا نمارس نشاطنا الانساني صدق .وهذا ما دعانا الى هجرت الوطن في السبعينات من القرن العشرين .
ومن النتائج الحلوة كالنضال للغربة هي تلك الاعمال المسرحية والسينمائية التي قدمتها مع زملائي العراقيين ، فهناك تم تاسيس فرقة مسرحية قدمت العديد من الاعمال الجيدة حيث شاركت بها مخرجا ، كاتبا وممثلا .
وعلى المستوى الشخصي اشير الى مواظبتي على الدراسة وحصولي على شهادة الماجستير في اختصاصين جميلين هما الاخراج السينمائي والاخراج التلفزيوني ..هنا اود ان اذكر لك حدثا اعبره مهما وهو بعد تقديم شهادتي لوزارة التعليم العالي البلغاري تم قبولي لدراسة الدكتوراه ..وقد رفضت ذلك ، وهذا اصبح لي رصيدا رائعا لدى اساتذتي وزملائي البلغار حيث اكدوا حرصي على الاستفادة العملية بدلا من الشهادات الفارغة ..
الغربة كانت محطة من محطات حياتي الفنية حيث تعرفت وتعلمت الانجازات الفنية الحديثة واطلت على التجارب السينمائية وشاهدت ما كنا نسمع به من افلام وشخصيات سينمائية ومسرحية حيث كنت اتجول ومشاركا في العديد من المهرجانات . وعموما استطيع القول من خلال تجربتي الخاصة على تطويع الكثير من الاشكاليات الاقتصادية التي عشتها لصالح تنويع مصادر معرفتي الفنية والثقافية.
السؤال الثامن/ بأي مدرسة من المدارس الفنية تأثرت بها؟ وهل لنا ان نعرف بأي الفنانين وعلى جميع الاصعدة (المحلي والعربي والعالمي) اعجبت بهم وتمنيتَ ان تخرج لهم عملا فنياً؟
الجواب الثامن/ تعرضت في بدايتي الفنية الى تاثيرات كثيرة .وكما تعلم فانا بدات في كتابة القصة القصيرة .ثم مزجت معها العمل المسرحي وتشابكت اهتماماتي لتاتي السينما جامعة الامور كلها .وهذا كان مفيدا لانه هذا التنوع منحني شبكة مصادر معرفية واسعة ..من خلال دراستي في الخارج بدات تتضح معالم الاشياء ، بل اتضح موقفي من كل تلك الاساليب التي تاثرت بها في البداية ..في البدأ كنت اميل اللى الانطباعية وهذا اتى من كثرة تعلقي بالرساميين الانطباعيين .وانتقلت الى مدرسة المخرج الايطالي فرانشسكو روزي والسينما السياسية ..واتذكر استاذي في الاخراج السينمائي لودميل ستايكوف ( الذي ترشح فيلمه ( خان اسبروغ) للاوسكار) حيث قال انني منغلق في اتجاه واحد .هذا كان درسا جميلا حيث ذهبت نحو الواقعية السحرية واخرجت فيلما حداثويا مع كبار الممثلين البلغار الذي رشحتة الكلية ليمثلها في مهرجان بودابست .
انا انشغل في عملية المزج بين ما هو روائي ووثائقي كما قدمته في فيلمي( كان ولم يزل) ..كما تجدني في فيلم ( تاويلات ) الذي عملته عام 2012 منشغل في بناء السرد الصوري اكثر من السرد القصصي ومهتم بالمكان اكثر من الشخصيات ، لكني في فيلم ( صمت الضجيج) كانت الحكاية القصصية هي الشاغل الاساس ..
انا معجب بالرواية العراقية ..وليدنا كتاب كبار في هذا الشكل الابداعي ..لذا اطمح بتقديم احدهم وهم يستحقون وبجدارة هذا التقديم لامكانياتهم الكبيرة ..وامل ان ينتبه الزملاء للرواية العراقية لتكون مصدرا مهما للفيلم العراقي ..ويقف في مقدمة الكتاب الذين اود العمل معهم عبد الخالق الركابي، احمد خلف،حميد المختار ، شوقي كريم حسن و نعيم عبد مهلهل بعوالمه المثيرة ..هؤلاء الكتاب اجدهم الاقرب الى سرديات الصورة التي تتفاعل معها الرواية المعاصرة .بمعنى انهم يسردون احداثا صورية تقربهم الى السينما اكثر من السرد الروائي ..
566 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع