الباشا في احتفالات عيد الجيش العراقي / السادس من كانون الثاني/ ١٩٥٨
ارتبط اسم نوري السعيد بتاريخ العراق خلال نصف قرن، كان فيها المؤثر في صنع أحداثه حتى مصرعه عام 1958، ونوري السعيد أبرز رئيس وزراء أثناء الحكم الملكي في العراق (1921-1958)، يوصف بأنه من أكثر رجالات العراق دهاء ونفوذا وشخصية نادرة، شكّل أثناء مسيرته نحو 14 وزارة عراقية على مدى أربعة عقود.
رغم صفات نوري السعيد كرجل دولة، فإن الانطباع السائد حول شخصية السعيد أنه كان سياسيا مستبدا وعنيفا مع معارضيه، ومنغمسا في المناورات السياسية لتأكيد دوره في الحياة السياسية، مستفيدا من الدعم البريطاني له.
ونوري السعيد له دور في تأسيس الدولة العراقية باعتباره من الرعيل الأول، الذين ساندوا الملك فيصل الأول، وعاصر ملوك الهاشميين فيصل الأول ثم الملك غازي وأخيرا الملك فيصل الثاني وعندما أعلنت الثورة العربية بقيادة الشريف حسين أمير مكة في العاشر من يونيو/حزيران 1916 كان نوري السعيد في مقدمة الضباط العرب الذين التحقوا بالثورة ومُنح رتبة عميد ودخل إلى دمشق عام 1918 على رأس قوة عسكرية لتحريرها من العثمانيين.
لعب نوري السعيد دورا في ترشيح فيصل على عرش العراق، ليقطع الطريق أمام منافسيه وفي مقدمتهم طالب النقيب، لأنه كان يعتقد أن حكم العائلة الهاشمية للعراق مسألة ضرورية نظرا لعلاقاتها الجيدة مع القوى العالمية المؤثرة.
كان نوري السعيد يأمل أن يقبل العرب بقرار تقسيم فلسطين ليحافظوا على مصالحهم، اعتقادا منه بأن التطرف السلبي لا يؤدي إلى نتيجة مفيدة..
ومن الأخطاء في مسيرة السعيد موقفه المؤيد لصدور أحكام الإعدام بحق رشيد عالي الكيلاني، الذي أعلن الثورة على الإنجليز عام 1941، وتنفيذ أحكام الإعدام بحق الضباط المشاركين بالثورة، وهم يونس السبعاوي وفهمي سعيد ومحمود سلمان وصلاح الدين الصباغ بعد فشل ثورتهم كان خطأ فادحا أدخل العراق في صراعات وغضب شعبي ضد أحكام الإعدام.
ويبرر نوري السعيد حماسه لتشكيل حلف بغداد بنص المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة بالسماح للدول المجاورة بالتحالف لتنظيم دفاع إقليمي، وكان حلف بغداد يتقاطع مع رؤية عبدالناصر وخطته، في إقامة نظام دفاعي على أساس معاهدة الدفاع العربي المشترك، بقيادة مصر يرتبط بالغرب بعلاقة حياد إيجابي.
كان عبدالناصر يعتبر حلف بغداد يهدد الأمن القومي العربي، ويسهم في تفتيت معاهدة الدفاع العربي المشترك، وبعد أن رفض عبدالناصر مقترح نوري السعيد لانضمام مصر إلى الحلف الجديد التقى ناصر والسعيد في القاهرة عام 1954 لبحث هذا الملف، وقد اتضح أن موقفيهما ليس اختلافا، وإنما تصادم بين عقليتين ورؤيتين متضادتين.
ويكشف الصحفي العربي محمد حسنين هيكل عن أن نوري السعيد هو أحد عرابي تأسيس جامعة الدول العربية، حيث تنافس مع رئيس وزراء مصر الأسبق مصطفى النحاس على تزعم واستضافة جامعة الدول العربية في بغداد، وأن السعيد هو صاحب الفكرة التي أطلقها عام 1941 بعد مغادرة العراق إلى القاهرة، عقب حركة رشيد عالي الكيلاني إن نوري السعيد أدى دورا في مسألة الوحدة لا يصح إنكاره عليه، لأنه اكتشف هشاشة الدولة القطرية وتراجع دورها داعيا إلى تجمعات عربية”.
وبعد أكثر من نصف قرن على رحيل السعيد فإن شخصيته ودوره في تاريخ العراق ما زال يشغل المتابعين لمسيرة هذا الرجل الذي لقي مصرعه في نهاية غير مسبوقة، لتطوى صفحة حياة سياسي مخضرم، كان يتحسب لأسوأ الاحتمالات، معتمدا على ذكائه وحلفائه البريطانيين، الذين خذلوه في لحظة فاصلة من مسيرته.
الكاتب/ أحمد صبري
1383 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع