عبد المحسن السعدون اول رئيس وزراء في عهد الملك فيصل الاول

عبد المحسن السعدون اول رئيس وزراء في عهد الملك فيصل الاول

هو عبد المحسن بك بن فهد بن علي بن ثامر بن سعدون بن محمد بن مانع الثاني بن شبيب الثاني بن مانع الاول السعدون ينتسب الى قبيلة السعدون العريقة والى اسرة شريفة جاءت الى العراق من الحجاز في اوائل القرن السادس عشر الميلادي ، ثم اسست في ديرة المنتفك جنوبي العراق امارة دامت اكثر من ثلثمائة سنة حتى قضى عليها الوالي مدحت باشا سنة 1869 وجعل منها لواءا من الوية العراق.

اصبح والده فهد باشا شيخا للمنتفك لاول مرة من سنة 1856 الى غاية 1858 ومنحه الاتراك رتبة الباشوية عام 1864 .

ولما قضى مدحت باشا على امارة آل السعدون نصبت فهد باشا متصرفا- محافظا- للناصرية- ذي قار- حاليا. 1877- 1879 ثم نقلته متصرفا للواء- محافظة- الحلة – بابل- حاليا . الذي توفي سنة 1896 . اما أم عبد المحسن فهي كريمة فيصل التركي آل رشيد من امراء حائل.

ولد عبد المحسن في الناصرية سنة 1879 ونشأ في كنف أبيه حتى اذا ما بلغ الثالثة عشر من عمره أرسله والده بطلب من السلطان عبد الحميد الثاني الى استنبول ليلتحق بمدرسة العشائر حيث تربى وترعرع هناك. وعاد الى العراق في السنة التالية لقضاء عطلة الصيف، ولما عاد مرة اخرى الى استنبول أرسل أبوه معه أخاه الكبير عبد الكريم وتخرج الاخوان في مدرسة العشائر سنة 1897 فانتميا الى المدرسة الحربية وتخرجا منها برتبة ملازم ثان عام 1905 فالتحق ضابطا في صنف المشاة وعينه السلطان عبد الحميد مع أخيه مرافقين له ، ثم منحهما رتبة بكباشي( مقدم) ولما قام الانقلاب الدستوري وخلع السلطان عبد الحميد انزل الاتحاديون رتبة عبد المحسن الى ملازم ثاني وقرروا نقله الى أدرنة فاستقال من الجيش.
انتخب عبد المحسن السعدون نائبا عن لواء العمارة في مجلس المبعوثان في كانون الأول 1908 فنائبا عن المنتفك في حزيران 1914 حتى حل المجلس بعد الهدنة سنة 1918 .عاد الى بغداد سنة 1919ثم سافر الى استنبول ثم عاد نهائيا الى العراق في تشرين الثاني 1921 مع زوجته التركية وأسرته.
كان السعدون أحد رجالات المشاركين في الثورة العربية التي قادها الشريف حسين ضد الدولة العثمانية.وحينما خرج الأمير فيصل من سوريا على أيدي الفرنسيين عاد السعدون وزملاؤه أمثال نوري السعيد ومولود مخلص وجميل المدفعي وغيرهم الى بغداد.

اختاره نقيب اشراف بغداد عبد الرحمن النقيب وزيرا للداخلية في وزارته الثالثة التي تشكلت في 30 ايلول 1922 وشاءت الصدف ان يتم ابرام المعاهدة البريطانية العراقية الاولى في عهد الوزارة هذه حيث جوبهت المعاهدة برفض شعبي واسع لما تحمله من شروط اعتبرها العراقيون مجحفة . وقد رافق ابرام الاتفاقية اعلان الملك فيصل عن الشروع بالانتخابات للمجلس التاسيسي الذي هو الاخر جوبه بمقاطعة جماهيرية واسعة وخاصة من قبل رجال الدين في مقدمتهم المرزة حسين النائيني والسيد ابو الحسن آل الاصفهاني والشيخ مهدي الخالصي الذين افتوا بمقاطعتها وعدم جواز الاشتراك فيها.مما اضطر وزير الداخلية السعدون الى اصدار بيان الى الشعب اكد فيه الشروع في الانتخابات ودعا الشعب الى مساندة الحكومة في هذا السبيل وعدم افساح المجال للتلاعب بمقدساته . وهكذا حاولت حكومة النقيب عبثا حمل الشعب على الاشتراك في الانتخابات وممارسة حقه المقدس. الا ان حركة المقاطعة اتسعت ومما زاد الطين بلة استقالة السعدون من وزارة الداخلية في 8 تشرين الثاني بعد ان عجز على حمل الشعب في الدخول في الانتخابات باية صورة كانت لكن زملاءه لم يوافقوه على ذلك الامر الذي اضطر رئيس الوزراء عبد الرحمن النقيب الى الاستقالة ودعوة السعدون لتشكيلها فلبى السعدون الدعوة وشكل وزارته الاولى في 18 تشرين الثاني 1922.

شكل عبد المحسن السعدون وزارته الاولى في ظروف صعبة جدا حيث كان الشعب يغلي صاخبا منددا بابعاد المندوب السامي البريطاني عددا من الشخصيات الوطنية العراقية الى جزيرة هنجام..

وقد ضمت وزارة السعدون الذي احتفظ بوزارة العدلية كل من ناجي السويدي للداخلية وساسون حسقيل للمالية..

وياسين الهاشمي للاشغال

ونوري السعيد للدفاع وعبد اللطيف المنديل للاوقاف . وقد اجرى السعدون تعديلا في وزارته وذلك في 16 كانون الثاني 1923 تم بموجبه نقل ناجي السويدي الى وزارة العدلية واحتفظ السعدون بوزارة الداخلية وكالة.
حاول السعدون في منهاج وزارته التخفيف من هياج الشعب وذلك بتحقيق بعض مطالبه فاكد على حرية الصحافة وحرية الاجتماع وحرية تاليف الاحزاب وفقا للقوانين المرعية واصدر السعدون أمرا في 22 كانون الاول 1922 باعادة المنفيين السياسيين الى العراق بشكل متدرج .
كما تضمن السعدون في منهاج حكومته تحكيم القانون ومراعاة الحق والعدل في كل المعاملات وبين جميع طبقات الشعب وكذلك توطيد دعائم الحكومة على اسس وطنية ثابتة جديرة بان توحد مسؤولية ادارة المملكة وتجعلها في قبضة الوطنيين الاكفاء.
كما تضمن برنامج وزارة السعدون تاييد العلاقات الودية مع بريطانيا التي اعترفت باستقلال العراق السياسي وباحترام سيادته الوطنية وايضاح احكام المعاهدة العراقية البريطانية ببيانات رسمية يطمئن اليها الشعب .
واكد المنهاج الوزاري على وضع لائحة دستور المملكة العراقية وفقا لروح الشعب ورغباته واحضار قانون انتخاب المجلس التشريعي ليعرضا على المجلس التاسيسي مع المعاهدة العراقية البريطانية وذيولها اضافة الى تاسيس المناسبات الودية والعلاقات السياسية والاقتصادية مع الحكومات المجاورة وغيرها . كما تضمن منهاج وزارة السعدون الاولى صيانة الحرية التامة ومنع المداخلات غير القانونية في الانتخابات الجارية للمجلس التاسيسي الذي له القول الفصل في تصديق المعاهدة وذيولها وتصديق دستور المملكة العراقية وقانون انتخاب المجلس التشريعي وكذلك اجراء الاقتصاد التام في الوظائف والاعمال واستثمار منابع البلاد لحصول التوازن بين الدخل والنفقات مع اتخاذ جميع التدابير لاحداث قوة وطنية من الجيش والشرطة تكفل حفظ الامن وصيانة البلاد من كافة الطوارىء.
كما اكد السعدون في منهاج حكومته على مراعاة شروط الكفاءة والمقدرة في انتقاء الموظفين وتقوية الشعور الوطني والقومي واتخاذ الوسائل الفعالة لتثقيف ابناء الشعب فكرا واخلاقا وفقا للمبادىء الدينية السامية ومقاومة كل فكرة او حركة تخل بالامن او تعارض الامال القومية الوطنية في ادارة شؤون المملكة وفتح مجال واسع لاحياء المشاريع المهملة منذ سنوات بعيدة وكذلك استصلاح الاراضي الزراعية وتمتين الاقتصاد ونشر العلوم والمعارف .
لم يكد السعدون يجتاز ازمة المعاهدة البريطانية وازمة الانتخابات حتى تعرضت بغداد الى موجة من الفيضانت في دجلة في 24 اذار 1923 اسفرت عن تدمير العديد من المنازل والمزارع واكتسحت المياه مساحات واسعة وادت الى نفوق عدد من الاغنام بالرغم من جهود الحكومة في المحافظة على الاحياء السكنية الا ان الخسائر كانت كبيرة في الاموال والانفس وادت الى انتشار الامراض الفتاكة ولا سيما حمى الملاريا.كما انتشر مرض الهيضة ( الكوليرا)
في عهد حكومة السعدون الاولى اثيرت مسالة ولاية الموصل التي حاول الاتراك بترها عن جسم العراق وذلك في خطبة الزعيم التركي عصمت باشا في مؤتمر لوزان الذي طالب فيه بشدة الحاق الموصل بتركيا مما ترك اثرا سيئا في نفوس العراقيين فاحتجوا عليه وامطروا صحف العاصمة بوابل من برقيات الاحتجاج كما ابرقت الاحزاب الى عصبة الامم بضرورة ابقاء الموصل الى العراق كجزء لا يتجزأ منه ولا يقبل التجزئة كما وزعت بيانات تهاجم تصريحات عصمت باشا مما اضطر حكومة السعدون الى منع توزيع المنشورات خلال ساعات الليل .
وعقب اعلان السعدون منهاج وزارته الذي اكد على اهمية الحرية ارادت حكومته ان تشرع في انتخاب اعضاء المجلس التاسيسي الا ان المعارضة نفسها عادت من جديد وفي مقدمة المعارضين الشيخ مهدي الخالصي الذي قاطع الانتخابات وافتى بحرمتها وكذلك محسن ابو طبيخ مما اضطرت حكومة السعدون الى نفي الخالصي وولديه علي وحسن وقريبه الشيخ على نقي والشيخ سلمان الصفواني الى مكة المكرمة حيث حضروا هناك موسم الحج عاد بعدها الخالصي الى ايران وقضى اواخر عمره هناك.
وقبل بدء الانتخابات اصدرت حكومة السعدون قانونا لصيانة اعضاء المجلس التاسيسي جاء فيه(انه لا يجوز القاء القبض على احد من اعضاء المجلس التاسيسي خلال فترة التئامه لا داخلا ولا خارجا الا في حين ارتكاب العضو جريمة مشهودة او عقب ارتكابها ولا تجري عليه التعقيبات القانونية في مدة التئام المجلس التاسيسي الا بموافقة المجلس المذكور). وجاء في القانون ايضا ان للاعضاء حرية الكلام التام ضمن حدود نظام المجلس ولا تجرى بحق احدهم محاكمة قانونية لسبب صوت اعطاه او راي ابداه او خطبة القاها في خلال مداولات المجلس او مباحثاته.
في وزارة السعدون الاولى دخل العراق اعداد كبيرة من الاشوريين وبالذات في ايلول 1923 حيث ضاقت بهم الموصل ذرعا وكذلك في كركوك حيث جرت حوادث مؤسفة فوجهوا برقيات الى بغداد مطالبين بايقاف هذه الهجرة التي لم تستطع حكومة السعدون ايقافها بسبب تدخل السلطات البريطانية التي ارادت بقاءهم في العراق.

وفي تشرين الثاني دعا الملك فيصل جعفر العسكري لتشكيل حكومة جديدة تخلف حكومة السعدون وبالفعل شكل العسكري وزارته الاولى في 22 تشرين الثاني 1923.
حينما شكل ياسين الهاشمي وزاراته الاولى في 4آب 1924 شغل عبد المحسن السعدون وزارة الداخلية فيها حيث صدر انذاك قانون الجنسية العراقية وبالذات في 9 تشرين الاول 1924 حيث اطمأن العراقيون على حقوقهم ومصير اولادهم ومستقبل بلادهم من منافسة الاجنبي ومزاحمته في موارد معيشتهم.
حكومة السعدون الثانية
الا ان حكومة الهاشمي لم تستمر فاستقالت في 20 حزيران 1924 فعهد الى عبد المحسن السعدون بتشكيل وزارته الثانية حيث احتفظ بوزارة الخارجية اضافة الى رئاسة الوزارة ..

فيما شغل رشيد عالي الكيلاني وزارة الداخلية ورؤوف الجادرجي للمالية وناجي السويدي للعدلية وصبيح نشات للدفاع وحكمت سليمان للمعارف وعبد الحسين الجلبي للاشغال وحمدي الباجه جي للاوقاف. ولم تقدم الوزارة منهاجا وزاريا كما جرت العادة بل انها افتتحت المجلس النيابي بعد مدة وجيزة فكان خطاب العرش الذي القاه الملك فيصل في المجلس هو المنهاج الوزاري
محاولة الاغتيال
انتخب السعدون نائبا عن البصرة في المجلس التاسيسي فلما اجتمع المجلس في 27 اذار 1924 انتخب السعدون رئيسا له الى أن انفرط عقده في العام نفسه. كما انتخب نائبا عن البصرة مرة أخرى في الدورة الثانية في أيار 1928 وانتخب رئيسا لمجلس النواب مرة ثانية في 29 نيسان 1929.
في 10 آب 1926 تعرض السعدون الى محاولة اغتيال حينما كان يهم بصعود السلم لدخول ديوان مجلس الوزراء اذ طعنه احد المواطنين ويدعى عبدالله حلمي بموس في صدغه محاولا بذلك قتله لانه عجز من كثرة مراجعاته لتامين حياته فرفسه السعدون برجله ولكن الجاني نهض مرة اخرى وطعن السعدون فاصابه في مقدمة عضده الايمن فقبض على الجاني ونقل السعدون الى المستشفى خرج منه بعد حوالي اسبوعين وحكم على الجاني بالحبس سنتين ونصف بالرغم من تنازل السعدون عن حقوقه في هذه الدعوى. وقد ابرق الملك فيصل من لندن مهنئا السعدون بسلامته.
وفي عهد حكومة السعدون غزا الجراد العراق والمنطقة واتى على المزروعات حيث صرفت الحكومة مبالغ كبيرة للقضاء على الجراد.

اراد السعدون ان يحذوا حذو الامم المتحضرة والمتقدمة العريقة في الحياة النيابية فينسحب من دست الحكم فورا بعد ان خذلته الاكثرية التقدمية في ترشيحه حكمت سليمان رئيسا للمجلس النيابي وانتخابها رشيد عالي الكيلاني بدلا عنه فتقدم باستقالته الى الملك فيصل ورفض العودة اليها الا بعد حل المجلس مما اضطر الملك فيصل الى الابراق لجعفر العسكري سفير العراق في لندن للعودة وتشكيل الحكومة فيما انتخب السعدون رئيسا لمجلس النواب بدلا من الكيلاني الذي شغل وزارة الداخلية في حكومة العسكري.

وزارة السعدون الثالثة
حينما استقالت حكومة العسكري شكل السعدون وزارته الثالثة في 14 كانون الثاني 1928 حيث احتفظ فيها بوزارتي الخارجية والدفاع وضمت كل من عبد العزيز القصاب للداخلية ويوسف غنيمة للمالية وحكمت سليمان للعدلية وتوفيق السويدي للمعارف وعبد المحسن شلاش للاشغال وسلمان البراك للري والزراعة واحمد الداود للاوقاف.

وفي عهد وزارة السعدون الثالثة اعتقل الشيخ ضاري المتهم بقتل الكولونيل البريطاني لجمن بعد ثماني سنوات قضاها هاربا ومتخفيا وحكم عليه بالاعدام شنقا ثم استبدل الى السجن المؤبد حيث توفي في السجن او قيل قتل فيه. كما واجهت حكومة السعدون تمرد الشيخ غضبان الخيون على السلطة في ايار 1928 كما نشطت حكومة السعدون في استئناف المفاوضات مع الحكومة البريطانية لانجاز عقد الاتفاقيتين المالية والعسكرية
كانت المعاهدة العراقية البريطانية الاولى التي ارغم المجلس التاسيسي العراقي على تصديقها سنة 1924 مجحفة كل الاجحاف وكانت ملاحقها الاربعة والمتعلقة بالموظفين البريطانيين والشؤون المالية والعسكرية والعدلية قد قيدت العراق بقيود شديدة اعترف بها المعارضون والمؤيدون وقد اتخذت بريطانيا من قرارها ادخال العراق عصبة الامم وسيلة للطلب الى العراق بان يصدق على المعاهدة اثانية التي حدد اجلها بخمسةوعشرين عاما كما طلبت بريطانيا ان يشمل التمديد الاتفاقات الاربع الملحقة بها واعرب مجلس الوزراء عن معارضته للتمديد مالم يدخل العراق عصبة الامم قبل انتهاء هذه المدة غير انه لا يرى سببا لتمديد الاتفاقيات الاربع الا ان المندوب السامي هدد اما القبول الصيغة التي وضعتها الحكومة البريطانية او التنازل عن الموصل لتركيا وتحت هذا الضغط لم يجد السعدون بدا من الاستقالة التي رفضها الملك فيصل فلم يجد السعدون بدا من الانصياع لهذا الامر وتحمل المسؤولية استجابة لرغبة الملك ووعود الانكليز باحتمال تعديلها وشعوره بالخطر الذي يهدد الموصل من جهة ثالثة ولذلك قرر حزب التقدم الذي يراسه السعدون الموافقة على المعاهدة. بعدها رفعت بريطانيا طلبا الى عصبة الامم في 2 اذار 1926 لانضمام العراق الى العصبة.
قرر السعدون تشكيل لجنة وزارية من وزارات المالية والدفاع والمعارف للاتصال بالمندوب السامي بشان تعديل الاتفاقيتين المالية والعسكرية كما ارسل السعدون الى المندوب السامي مذكرة بهذا الشان الا ان جواب المندوب السامي لم يكن مطمئنا فقدم السعدون استقالته والف توفيق السويدي وزارة انتقالية تمهيدا لعودة السعدون بعد ان وردت معلومات عن سياسة بريطانية جديدة ووافق السعدون على تشكيل الوزارة وقال ( لقد امعنت وزملائي النظر مليا في جواب الحكومة البريطانية فوجدنا انه محقق لشطر من رغائب الامة العراقية التي لا ترضى عن الاستقلال بديلا)
في تلك الفترة توفي فجاة المندوب السامي البريطاني وانيطت مهمته الى عسكريين بريطانيين حتى مجيء مندوب سامي جديد هو السر فرنسيس همفريز حيث انتكست في عهده العلاقات العراقية البريطانية وتحطمت معظم الامال التي بناها العراقيون .
وفي اواخر ايلول اكفهر الجو السياسي في بغداد وتلبدت في الافق غيوم الياس الكثيفة وبلغ اليأس ذروته حينما هاجم فريق من النواب حكومة السعدون اثناء مناقشة خطاب العرش وحملوا بشدة على رئيس الوزراء عبد المحسن السعدون الذي رد باتزان وهدوء وقد قال السعدون(ان لم تنجز الحكومة البريطانية وعدها فحينئذ على الامة العراقية ان تقوم بواجبها لتحصل على حقوقها واستقلالها لان هذا يتحصل بالقوة والقيام بالواجب بصورة جدية لا بالاقوال والاعتراضات).
وقد بلغ اليأس من نفس السعدون حدا كبيرا وتجمعت الافكار السوداء في راسه وبقيت تنازعه عوامل شتى منها اخلاصه لبلاده وحبه لها وشعوره بضعفها وقوة المحتل وحراجة الموقف فهو متهم من الوطنيين بممالأة الانكليز وصدور الانكليز موغرة عليه لما تفوه به في المجلس من تهديد بالقوة وعلى ذلك قرر ان يسكت قلبه ويضع حدا لحياته بعد ان ترك وصية قصيرة تفيض بالعاطفة الوطنية وتقرر حقيقة مرة ذهبت مذهب الامثال تقول(الامة تطلب الخدمة والانكليز لا يوافقون)
وهكذا انتهت حياة شخصية عراقية وطنية في 13 تشرين الثاني 1929 اذ كان واحدا من الشخصيات التي عملت على تكوين العراق الحديث.

ففي يوم الاربعاء 13 تشرين الثاني 1929 ذهب السعدون مساء الى داره وعقب تناول العشاء مع افراد عائلته وصعد الى غرفته الخاصة فكتب وصيته الى ولده الاكبر علي الذي يدرس في انكلترا وبعد قليل اطلق النار على قلبه فخر صريعا يتخبط بدمه العزيز ويلفظ انفاسه الاخيرة
وقد جاء الاطباء والنواب والساسة الى دار السعدون حيث شارك في تشييعه حوالي عشرين الف مواطن من مختلف الطبقات حيث دفن في الحضرة الكيلانية.
وقد جاء في وصية السعدون لابنه باللغة التركية وهذه ترجمتها:
ولدي وعيني ومستندي علي
اعف عني لما ارتكبته من جناية لاني سئمت هذه الحياة التي لم أجد فيها لذة وذوقا وشرفا . الامة تنتظر الخدمة والانكليز لا يوافقون.
ليس لي ظهير . العراقيون طلاب الاستقلال ضعفاء عاجزون وبعيدون كثيرا عن الاستقلال وهم عاجزون عن تقدير نصائح ارباب الشرف امثالي يظنون اني خائن للوطن وعبدا للانكليز . ما اعظم هذه المصيبة . انا الفدائي الاشد اخلاصا لوطني . انا الذي كابدت انواع الاحتقارات وتحملت المذلات مخلصا في سبيل هذه البقعة المباركة التي عاش فيها ابائي واجدادي مرفهين.
ولي نصيحتي الاخيرة لك ان ترحم اخوتك الصغار الذين سيبقون يتامى وتحترم والدتك وتخلص لوطنك وان تخلص للملك فيصل وذريته اخلاصا مطلقا
اعف عني يا ولدي علي
وكان لنبأ الانتحار اعمق الاثر في نفوس العراقيين وبقيت عبارات الوصية تتردد بين الجماهير حينا وخاصة قوله ( الامة تنتظر الخدمة والانكليز لا يوافقون) وقد اقيمت له عدة حفلات تابين ورثاه الشاعر معروف الرصافي حيث قال:
هكذا يدرك في الدنيا الكمال هكذا في موته تحيا الرجال
شب الاسى في قلوب الشعب مستعرا يوم ابن سعدون عبد المحسن انتحرا
واقيم له تمثال في بغداد ما يزال في الساحة التي تحمل اسمه.
كان السعدون رجل فذ في بساطته وهدوئه وكرامة نفسه وكان يمتاز بخلق شخصي عال ووطنية متزنة مخلصة ولكنها غير عنيفة وكان يرى ان من مصلحة العراق السير مع بريطانية في التدرج في حصوله على استقلاله تماما وان سياسته الواقعية هذه التي لا تخلو من لين قد جعلته هدفا للنقد اللاذع .
لقد جمع عبد المحسن السعدون في شخصه أطيب خصال البداوة والحضارة فقد ورث عن آبائه شجاعة البدو وصراحتهم وصفات الزعامة التي تفرض نفسها فرضا وكان واسع الأفق والتفكير متسامحا بعيدا عن التعصب . فحينما اضطر الى ابعاد العلماء الى ايران سنة 1923 ليفسح المجال لانتخاب المجلس التاسيسي لم يفعل ذلك بداعي التعصب الطائفي وانما اعتقدادا منه بضرورة التذرع بالحزم في سبيل تحقيق الحياة الدستورية, انه لم يكن يفرق بين قوميات العراق وطوائفه وأكثريتهم وأقليتهم.
قال السعدون في خطاب له بمجلس النواب في 21/1/1926 أثناء الكرم حول منح الحقوق للاكراد العراقيين وادارة المناطق الكردية بعد استسلام الشيخ محمود وانهاء تمرده ( لا سبيل للبلاد الى الحياة ما لم تتمتع جميع عناصر الدولة بحقوقها وتعامل جميع عناصر الدولة بالعدل).
تحدث عنه عبد العزيز القصاب في كتابه( من ذكرياتي) فقال" لقد عرفت السعدون عفيفا نظيفا كريما حريصا على مصلحة البلاد رحيما بالفقراء دمث الأخلاق متواضعا طيب القلب صافي السريرة وطنيا مخلصا لبلاده ووطنه لا يحب الدعاية والتهريج يخدم بلاده بصمت وينظر الى امور السياسة نظرة بعيدة ويتقدم باعماله بخطوات وئيدة ولكنها صائبة ولا يحب الظهور ويمقت الخطب الرنانة والكلام الكثير.
وقال عنه علي الشرقي في كتابه( ذكرى السعدون) هو الزعيم السعدوني عذب المحضر تذوق من حديثه حلاوة الصدق ورونق الاخلاص فكان ينفذ في قلب جليسه ويؤثر في نفسيته أثرا مكينا. من الوداعة الموقرة والظرف المحتشم الجذاب وكرم الشمائل والأدب الشريف والملامح النبيلة .
ويقول عنه العلامة الدكتور علي الوردي " انه كان صريحا لا يداجي ولا يميل الى المداراة والرياء . وقد جاءه ذلك من تراثه البدوي الذي نشأ عليه في طفولته. وكان قوي الشخصية مهيبا ذا صلابة وثبات. كان السعدون يعتقد ان مفهوم الوطنية لم يتبلور بعد في العراق وان أهل العراق لم يكونوا شعبا واحدا بل شعوبا متباينة ، ولهذا فان مصلحة العراق مرتبطة ارتباطا وثيقا بالتعاون مع الانكليز.
تحدث عنه عبد العزيز القصاب في كتابه( من ذكرياتي) فقال" لقد عرفت السعدون عفيفا نظيفا كريما حريصا على مصلحة البلاد رحيما بالفقراء دمث الأخلاق متواضعا طيب القلب صافي السريرة وطنيا مخلصا لبلاده ووطنه لا يحب الدعاية والتهريج يخدم بلاده بصمت وينظر الى امور السياسة نظرة بعيدة ويتقدم باعماله بخطوات وئيدة ولكنها صائبة ولا يحب الظهور ويمقت الخطب الرنانة والكلام الكثير.
وعن الايام الاخيرة لعبد المحسن السعدون يقول القصاب" كان الملك فيصل قد اقام وليمة على شرف ( كنهان كورنواليس) مستشار وزارة الداخلية في 12 تشرين الثاني 1929 ، وكنت مدعوا لتلك الحفلة الا اني لم اتمكن من تلبيتها لاصابتي بزكام شديد منعني ايضا من الدوام في ذلك اليوم. وفي اليوم التالي اي في 13 تشرين الثاني جاءني المرحوم عبد المحسن السعدون الى داري التي كانت مجاورة لداره في البتاوين على النهر لاتفصله عنها الا ارض فارغة صغيرة وهي تبعد حوالي 300 متر عن بداية شارع ابي نؤاس في الباب الشرقي حاليا وذلك قبل غروب الشمس وسألني عن اسباب غيابي عن وليمة الملك، ولما رأى وضعي الصحي اعذرني واخذ يقص عليّ ما جرى : انتحى كونواليس به في ركن من اركان الصالون وكلمه عن العلاقات البريطانية العراقية وقال : انه عندما عاد الى العراق لاحظ تبديلا كبيرا في سلوك الحكومة وسياستها وهو مستغرب من ذلك . اجابه عبد المحسن بانه قد تعب كثيرا من الركض وراء وعود الانكليز التي لم تلمس البلاد منها اي فائدة مرضية. والانكليز حريصون على تنفيذ مطالبهم وتحقيق مصالحهم فقط، اما مصالح الاخرين فلا يعيرونها اي اهتمام. طال الحوار لمدة ساعة تقريبا ، صرح كورنواليس بعدها بان سياستهم لن تتبدل ولا يوجد لدى الوزارة البريطانية اية نية لتغييرها في الوقت الحاضر. قال لي السعدون : وبعد هذه التصريحات التي سمعتها تركته ولم ارد عليه وعند خروجي من الصالون مررت بالملك للسلام عليه واخبرته بما دار بيني وبين كورنواليس واظهرت له انزعاجي مما سمعته وقلت له ان كل ما نرجوه من الانكليز هو محض خيال ليس له ظل في الحقيقة ولم يبق لي امل في تغيير سياستهم وخرجت من البلاط وانا متأكد من ان الانكليز يخادعوننا وسوف لن يعطونا مجالا للخدمة باخلاص.
ويضيف القصاب" لاحظت عبد المحسن وهو يتكلم انه متأثر حدا وعلى وجهه علائم الكآبة والانفعال والاضطراب . اخذت اواسيه فقلت له: اننا نقوم بواجبنا في خدمة البلاد قد طاقتنا فاذا واجهتنا الاكاذيب والعراقيل من الانكليز نترك الحكم لهم وللملك فيصل ليتصرفوا كما يشاءون وليتلقوا عواقب اعمالهم الوخيمة.
واخيرا يقول القصاب : نهض عبد المحسن ليتركني وآثار الالم والانزعاج بادية عليه رجوته ان لا يستعجل في الخروج لنستمر في حديثنا لكنه رفض طلبي وقال انه يريد الذهاب الى النادي ورفض ارتشاف القهوة التي وصلته عند باب الغرفة وخرج مطأطىء الراس لا يلتفت يمينا او يسارا لحقت به الى باب الدار فرفع يديه كلتيهما للسلام بدون ان يتكلم . وقال لي حامل القهوة الذي قابله وجها لوجه انه رأى عيني عبد المحسن مغرورقتين بالدموع . وكانت هذه هي المرة الاخيرة التي ارى فيها غبد المحسن السعدون حيا.(مذكرات عبد العزيز القصاب ،المؤسسة العربية للدراسات ،بيروت، ص 254 -255)

مأساة انتحار عبد المحسن السعدون

وعن انتحار عبد المحسن السعدون يقول القصاب" ذهب عبد المحسن بعد خروجه من داري الى النادي العراقي في محلة ( السنك) وبقي هناك ساعة او اكثر ورجع الى بيته في الساعة التاسعة مساءا.حيث جاءني خادمي مبروك وهو يرتعد قائلا : ان الحارس اخبره بان السعدون قد قتل . خرجت مسرعا الى داره المجاورة ورأيت الشرطي العريف على الباب يبكي واشار الى ان الحادثة وقعت في الطابق الثاني فصعدت مهرولا ووجدت هناك زوجته وابنته عائدة ينوحان واشارا اليه وهو ملقى جثة هامدة على فراشه ، اقتربت منه ورأيت صدره مثقوبا في منطقة القلب بطلقة مسدس . سألت عما حدث فاجابتني عائدة بانه هو الذي اطلق النار على نفسه وهذا هو مسدسه.وايقنت انه قد فارق الحياة متألمت الما شديدا ونزلت الى مكتبه في الطابق الاسفل جلست على الكرسي امام طاولة الكتابة وتلفنت الى رئيس الصحة والاطباء واخبرت الوزراء . ولفت نظري بين الاوراق على الطاولة كتاب مفتوح فوقها اخذته واذا به وصيته الخالدة ".. الامة تطلب الخدمة والانكليز لا يوافقون.." اجهشت بالبكاء وطويت الوصية ووضعتها في جيبي ثم توافد الوزراء والنواب ورجال البلد وكلهم يتساءلون عن سبب الانتحار . كان ياسين الهاشمي والسويديان وانا مجتمعين في غرفة واحدة واستعرضوا فيما بينهم سبب الانتحار وانتحلوا بعض الاسباب التي كانت خارجة عن الموضوع تماما. عند ذلك قلت لهم صبرا فعندي اسباب الانتحار الحقيقية واخرجت لهم ورقة الوصية من جيبي فاخذ كل منهم يقرأها ويبكي . قلت لهم ان سبب تأخري في عرضها عليكم هو رغبتي في حضور اكبر عدد من الزملاء والاصدقاء خشية ضياعها . شكروني وقرروا نشر الوصية حالا. وامتنعت عن اعطائها الى احد حتى تقدم سليم حسون صاحب جريدة العالم العربي الذي تعهد بنشرها واعادتها في الليلة ذاتها مقابل تعهد خطي بذلك وقبل ان اسلم الوصية للنشر طلبت من الحاضرين جميعا التوقيع عليها . اعدا سليم حسون الوصية وسلمتها بدوري الى ارملة الرئيس الراحل لتحتفظ بها للتاريخ .( عبد العزي القصاب، المصدر السابق، ص 255 – 256 )
قصد الوزراء بعد وفاة السعدون البلاط الملكي لمقابلة الملك وكانت ساعة مهيبة تبودلت خلالها اسمى العواطف بين عاهل البلاد الباكي على الفقيد وزملائه الحزينين . وتوجه الوزراء بعدها الى الحضرة الكيلانية والقى ناجي السويدي كلمة مؤثرة على قبر السعدون وهو يبكي بكاءا اليما وخصصت جلسة المجلس النيابي في 21 تشرين الثاني لتأبين السعدون وجلس الوزراء بصورة متفرقة بين النواب والقيت كلمات فيها عواطف الولاء للسعدون وامارات الاستياء الشديدة بادية عليهم من سياسة المخاتلة والتمويه التي درج عليها البريطانيون في العراق كما يذكر عبد الرزاق الحسني في ( تاريخ الوزارات العراقية) الجزء الثاني ص 287 .
ويضيف الحسني كان للملك فيصل موقف خاص تجاه السعدون وكان يسعى لاضعافه واضعاف حزب التقدم ويميل الى اسناد الوزارة الى غيره كنوري السعيد . وعند انتحار السعدون قوي مركز البلاط تجاه دار الاعتماد بقوله ان عبد المحسن السعدون الذي حاول التفاهم معكم اصيب بالاحباط وعجز عن تسيير دفة الحكم والان لابد من تحسين سياستكم تجاه العراق .( الحسني المصدر نفسه، ص 280 ).
ويضيف القصاب" طلبني الملك فيصل بعد الفاجعة بيومين واطلعني على كتاب دار الاعتماد البريطاني وكان احتجاجا شديد اللهجة على نشر وصية السعدون ويتطرق الى الهياج الشعبي العام بعد نشرها والذي اخل بالهدوء والطمأنينة وفي ختام الكتاب يطلب من الملك معاقبة المسؤولين عن نشرها. اتممت قراءة كتاب الاعتماد وقلت للملك " اني ان الذي عثرت على الوصية وانا الذي اعطيتها للنشر وليس هناك مسؤول عن ذلك ونتائجه سواي. قال الملك: لو تريثت الى ان نطلع على الوصية لكان ذلك احسن للمصلحة والامن والاستقرار.( عبد العزيز القصاب، المصدر نفسه، ص 257 )
وعن سلوك وصفات السعدون يتحدث عبد العزيز القصاب فيقول" اشتغلت بمعيته فاتاحت لي هذه الفرصة معرفته عن قرب والاطلاع على مزاياه الكثيرة ومكارم اخلاقه وكرمه الذي لم ار لها مثيلا من قبل. فقد كان عبد المحسن يوزع رواتب على الموزفين الذين استغنت عنهم حكومة الاحتلال من ماله الخاص واحتفظ كاتبه عبد الغني افندي بسجل يحتوي على اسمائهم وتجاوز عددهم الخمسين ومن ضمنهم الرجل الديري الذي اعتدى عليه بالسكين في راسه عندما كان يصعد سلم رئاسة مجلس الوزراء سنة 1926 بعد ان صفح عنه وتنازل في المحكمة عن حقه.
ويضيف القصاب" عرفت السعدون عفيفا نظيفا رحيما بالفقراء دمث الاخلاق متواضعا طيب القلب صافي السريرة وطنيا مخلصا لبلاده ، لا يحب الدعاية عن نفسه ويتحاشى التهريج. خدم بصمت وعالج الامور السياسية بنظرة بعيدة وبخطوات وئيدة صائبة . كان لا يحب الظهور ويمقت الخطب الرنانة والكلام الكثير . خدم بلاده في عهد حكم مختلط كان بداية عهد الاستقلال في ظروف صعبة اطلبت منه التضحية وتقبل انتقادات معارضيه وسباب المتطرفين بلا غضب . كان يقدر ظروف خصومه في الوقت الذي لم يقدروا هم ظروفه ومشاكله. كان يصفح عنهم دائما وينعم عليهم ايضا، ويأخذ بالنقاط الصائبة من اقوالهم جاعلا منها حجة له ليتفاوض بها مع سلطات الاحتلال . كان بامكانه ان يضرب ويسجن ويعتقل لكنه لم يفعل . احتمل وصبر وصابر الى ان ضاقت به الحيل فانهى حياته بيده الكريمة وكان عمره عند وفاته رحمه الله واكم مثواه خمسين عاما واقيم له تمثال في منطقة السعدون التي سميت باسمه حيث جمعت تكاليف التمثال من التبرعات الكثيرة من جميع انحاء العراق . وتولى عبد العزيز القصاب رئاسة حزب التقدم خلفا لعبد المحسن السعدون".( عبد العزيز القصاب ، المصدر نفسه، ص 258 ).

 

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

770 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع