تعدّ المدرسة المستنصريّة في العاصمة العراقيّة بغداد، واحدة من الصروح العلميّة التاريخيّة التي تعود إلى العصر العباسي، والتي تعاني من الإستهلاك العشوائي وعلميّات التّجديد التي قد تفقدها طابعها الأثري.
إيلاف/ وسيم باسم/بغداد: على ضفاف نهر دجلة في الجهة الشرقيّة من بغداد، تشمخ الجامعة المستنصريّة ببنائها الذي يعيد الزائر إلى زمن العباسيين في بغداد، حيث بنيت عام 1233 على يد الخليفة المستنصر بالله بمساحة تصل إلى 5000 متراً مربّعاً.
يقع الصرح في وسط منطقة تجاريّة تعجّ بالسائحين والزّائرين، إذ تقع المدرسة في قلب بغداد حيث الشوارع التجاريّة المهمّة المتمثلة في سوق السراي الزاخر بدكاكين الكتب والقرطاسية، وحيث توجد أيضًا آثارًا لفولكلور العراق بين هذه الأسواق الضيّقة والمقاهي التراثية.
معالم تاريخية قرب المدرسة
وإضافة إلى ذلك، يمكن للسائح بجولة واحدة زيارة خان مرجان والمتحف البغدادي القريبين من المدرسة، وقصر الخلافة، والمدرسة النظاميّة، وجسر الشهداء، ويمكن الوصول إلى كل هذه المعالم سيرًا على الأقدام.
وعبر أدراج وممرّات ضيقة تتسع وتضيق، يتنقل الزائر إلى ردهات المدرسة التي تشكّل بأقواسها وزخارفها نموذجًا للعمارة الإسلامية التي سادت في العصر العباسي والمعروفة بريادتها وشكلها الهندسي.
وتتألّف المدرسة من طابقين، يشبه الطابق العلوي نظيره السفلي في تناظر وتناغم كبيرين، إضافة إلى وجود مائة غرفة مختلفة الأحجام، وتلتف من حولها الأواوين والقاعات تتقدّمها واجهة عريضة مطلّة على دجلة، وتبرز فيها كتابات بخط الثلث.
وعلى الرغم من التجديد المستمر للمدرسة إلا أن السائح يلمس الطابع التاريخي للمكان، بعدما روعي في التجديد الحفاظ على أصالة المبنى وقيمته التاريخية.
تقادم الزمن
وتوضح الصور التي يحتفظ بها باحث الآثار، لطيف حسن، التي التقطت في مراحل زمنية مختلفة، أن المدرسة شهدت فترة من الإهمال، وهُدّدت بالزوال، اذ فعلت المياه الجوفية في أساستها وتسبّب الزمن في تآكل جدرانها حتى كادت تختفي الكثير من زخارفها ونقوشها.
وبلغت أشدّ حالات الإهمال في أواخر العهد العثماني حيث اتخذتها السلطات مقرّاً لدائرة الجمارك ومخازن لمؤسساتها.
فقدان الأهمية التاريخية
وتوضح صورة أن المدرسة جدّدت بشكل جيّد، لكن هناك قلق من أن التجديد المستمرّ لها قد يفقدها أهمّيتها التاريخية مع مرور الزمن.
ويتوجب في هذا الصدد، بحسب لطيف، وضع خطة علمية تعتمد الدقة والحفاظ على الآثار ليس في ما يخصّ الجامعة المستنصرية فحسب، بل الكثير من الآثار التي تشهد مشاريع تجديد على أيدي غير متخصصة.
وعلى الرغم من قلة سائحي الآثار الذي يزورون المدرسة، إلا أن موقعها بالقرب من نهر دجلة والمناطق الحيوية يجعل الحركة دؤوبة فيها ومن حولها.
أحد السائحين من لبنان يقول أنه لم يكن يقصد زيارة المدرسة لكنه وجد نفسه مضطرًا لذلك للتمعن في آثارها بعد جولة له في سوق (الصفافير) وشارع (النهر)، اللذين يعجان بالبضائع المختلفة والزوّار.
زائر آخر من إيران هو قاسمي مراد، وَفَد إلى المكان ضمن مجموعة سياحية تزور الأماكن المقدسة والمعالم التاريخية وتتبضع من الأسواق التجارية.
أربعة قرون
كانت مدة الدراسة في المستنصرية في العصر العباسي عشرة أعوام وتشمل علوم القرآن والسنة النبوية والمذاهب الفقهية والنحو والفلسفة إضافة الى الرياضيات والصيدلة والطب، واستمرّ التدريس في المدرسة أربعة قرون منذ افتتاحها حتى سنة 1638، لكن الإحتلال المغولي لبغداد سنة 1258 تسبّب في توقف الدراسة فيها.
هولاكو والمدرسة
من أهم الوقائع التاريخية الفكرية التي شهدتها، حين جمع هولاكو العلماء في المدرسة للمفاضلة بين العدل والكفر، فأفتى علي إبن طاوس في تفضيل العادل الكافر على المسلم الجائر.
وعلى الرغم من أن المدرسة تعدّ من صروح الثقافة العراقية، إلا أن الدراما العراقية اتخذت منها مكانًا لتصوير الأحداث في اعمالها.
وأثناء زيارتنا كان هناك حركة غير طبيعية تتخلّل المكان ليتبين أن إحدى القنوات التلفزيونية تصوّر مسلسلاً لها داخل المدرسة.
يقول ناجي أحمد، المهتم بالأماكن التاريخية والذي تابع معنا الجولة، أن هذه الفعاليات تقلّل من قيمة المكان التاريخية وتحوّله إلى ورشة فنية، إضافة إلى الأضرار المعنوية التي تخلّفها هذه الأعمال هناك أضرار مادية تلقي بظلالها على المكان.
وبحسب ناجي، فإن الحالة تتكرّر باستمرار، مما يزيد من أضرار ذلك، مطالبَا الجهات المختصة بوضع شروط لاستخدام الأماكن التاريخية في تصوير الدراما، وأن لا يحدث ذلك إلا في الحالات الإضطرارية.
ولكي يستذكر العراقيون المدرسة التاريخية، أسّست الدولة عام 1963 جامعة سميت بإسم المدرسة القديمة (المستنصريّة)، وتضمّ العديد من الكليّات ويتخرّج منها عشرات الطلاب سنويّا.
1051 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع