عدنان أبو زيد / المسلة: في وقت ينظر فيه المواطن العراقي الى سيل الدعاية الانتخابية بسخرية مرّة، متوقعاً عدم حصول تغيير كبير في المشهد السياسي الحالي، يستحلّ مرشّحون الساحات والميادين الرئيسية بالدعاية لأنفسهم عبر ابتكار وسائل إشهار بدت خارجة على السياق العام والمعايير الانتخابية السائدة في مختلف دول العالم ، حتى بدى بعضها "غير أخلاقي" ولا ينسجم مع شخصية مرشّح يُفترَض به باعتباره ممثلاً محتملاً للشعب في المستقبل، ان يكون على قدر كبير من الجدية والدقّة، والكفاءة والمهنية حتى فيما يخص دعايته الانتخابية.
تسويق البضاعة
وفي هذه الصدد يقول أحمد عبيد، الأكاديمي في علم الاجتماع في جامعة بابل لـ"المسلة"، "بدت الدعاية الانتخابية تسويقا لبضاعة كاسدة".
ويضيف ان "تياراً متدفقاً من ألوان واشكال يشكّل متاهة إختيار، فالتشابه إشكاليّ، في الأسماء والاشكال تبعث أطيافها اللونية على عيوننا المبصرة".
وحددت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، الأول من آذار الحالي، موعداً لبدء الحملات الانتخابية لانتخابات مجالس المحافظات المقرر إجراؤها في نيسان المقبل.
كلاسيكية المشهد
وإذا كانت الجُمَل والعبارات الانتخابية ، تشابهت في معانيها وأشكالها وحتى في (انحرافها) عن النسق العام، فان صور المرشحين هي الاخرى كشفت عن (كلاسيكية) المشهد، وعَطَب في الذوق والذائقة على حد سواء، وانحسار في الخلفية المفاهيمية، بحسب الفنان والمصمم التشكيلي شبيب عيدان.
يقول شبيب لـ"المسلة"، في تحليله للمشهد التشكيلي الذي ترسمه الاعلانات الانتخابية إن "اغلب المرشحين اضفوا على شخوصِهِم مكمّلات التبجيل والتفخيم مثل اللحية وربطة العنق والخواتم والبدلات اللامعة".
ويردف شبيب "ثمة فوضى بصرية، زحفت الى البساتين ومقابر الموتى كما الحال في مدينة النجف الاشرف ( 160 كم جنوبي بغداد)، لتتحوّل الصور (الانتخابية) الى قفْل للعقد المعلوماتية" .
وينبّه محمد الربيعي، مدرس، الى أنّ "الناس في محافظة بابل (100 كم جنوبي بغداد)، لا يسعهم اليوم ، التعرّف على صور المرشحين، بعدما بدوا بفعل تقنيات التجميل اكثر وسامة ورشاقة عمّا هم عليه في الوقع".
ويستطرد ان "الشعارات الانتخابية بدت وكأنها من صناعة دلاّلين وتجّار يسوّقون لبضاعة تنتجها عقول ساذجة".
ويشير الربيعي بصورة خاصة الى مرشّح كتب على ملصقه "انا منكم" ، وهي عبارة يعتبرها الربيعي "سطحيّة لانها تعني فيما تعنيه ان المرشّحين الاخرين ربما قدموا من كوكب آخر" .
ويسترسل الربيعي "مشهد بدائي يعكس حضور الجهل وغياب الابداع بصيغة أفكار مقولبة في أطر مرئية".
وعلى نفس الشاكِلة، جَهَد مرشّح في توزيع ملصقات دعايته في ابعد الزوايا وأعلى الشواخص، وفي الاماكن التي لا تميز ها حتى أعين الصقور الجارحة .
وحرص مرشح آخر على الدعاية لنفسه حتى على أشجار النخيل، فرسم رغيف خبز الى جانب صورته معتبراً ان مسؤوليته الاولى هي القضاء على الفقر.
وفي الطريق من بغداد الى كربلاء (108 كم جنوب غربي بغداد)، يتكرر مشهد المرشّحين الذين يوظفون الشعارات الدينية في عباراتهم الانتخابية، وترمق العين في مشهد بصري متناوب احد المرشحين الذي رسم "راية العباس" في دعايته الانتخابية.
وعي (الماكنة) الدعائية
ويرى الباحث الاجتماعي كريم الخفاجي لـ"المسلة"، ان الماكنة الدعائية الانتحابية في العراق، ادركت ان استخدام الشعارات العاطفية، والسياسية المجرّدة من تفاصيل الواقع لن تلمس قلب الجمهور، فجاءت الشعارات الانتخابية هذا العام اقرب الى الواقع مقارنة مع الدورة الانتخابية السابقة، فبدلاً من شعار "نحبّ الوطن" حلّت عبارة "نبني الوطن"، وعِوضاً عن شعار "الكرامة والعزّة" ذاعت عبارة "القضاء على الفقر وتوسيع الخدمات".
مرشحون صمغيّون
أن الجمهور العراقي الذي يتابع عن كثب المرشّحين وهم يتداولون شعاراتهم الانتخابية بات يجرأ على مقاطعتهم ـ اذا ما وجد ان هذه الشعارات لا تلائم "اهدافه" وتوجهاته السياسية، اذ كتب احدهم على صورة مرشّح في تعدِّ سافر على شعار المرشح "صمغي"، ويقصد به انه "مرشّح من دورة سابقة وبات ثابتا كالصمغ لا يمكن ازاحته".
وبحسب المفوضية العليا للانتخابات فأن عدد الكيانات والائتلافات التي ستشارك في الانتخابات المحلية يبلغ نحو 139 كياناً سياسياً، وأن عدد المرشحين للانتخابات المحلية يبلغ 8275 مرشحاً.
وتميزت الدعايات الانتخابية للدور الانتخابية الحالية بتفضيل المرشحين وضع صورهم الى جانب زعماء الاحزاب والكتل، لاسيما صورة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي اذ انتشرت اكثر من غيرها في الدعايات الانتخابية للمرشحين، لتتحول الافكار والاتجاهات
من نصوص الى صور، بعد ان فككت التقنية الرقمية البنية التركيبية للنص، وأقحم في قوامه المؤثرات الصورية.
تلقائية الطرح
يرى الباحث والأكاديمي العراقي أمين الليثي ان "العبارات الانتخابية بدت في الكثير من صيغها متجانسة مع متطلبات المرحلة ، عدا ما شذّ منها ، لكن اغلب هذه العبارات تشير الى بدائية في التقنية ، وفطرية و تلقائية في الطرح ، والسبب في ذلك بحسب الليثي الذي عايش الانتخابات في بعض البلدان الاوربية طول ثلاث عقود من اقامته هناك هو عدم وجود شركات متخصصة للدعاية تستخدم احدث التقنيات والأفكار العلمية والتكنولوجية في تسويق المرشح الى الجمهور .
وبحسب الليثي فان عبارات عفوية مثل "محافظتنا ونبينه سوه" و"عزم وبناء"، وإضافة الألقاب الى اسماء المرشحين مثل، دكتور، المهندس الزراعي، ماجستير، دكتوراه، طالب دراسات عليا، تشير الى الفقر التقني والفكري الذي يعاني منه الدعاية الانتخابية العراقية".
شعارات وأغراض
واستخدم مرشّح عبارة "انتخبوا من هو منكم وفيكم"، وآخرون كتبوا "محافظتنا ونبينه سوه"، وكذلك عبارة "عزم وبناء"، و"الوفاء للنجف"، و"ازدهار اعمار"، و"ارادة التغيير والبناء".
ومن اغرب الدعايات الانتخابية الني تداولتها وسائل الاعلام وصارت حديث المنتديات والتجمعات الجماهيرية والأسرية، إعلان يُظهِر صورة مرشّح مع زوجته النائبة، مستعيناً بشهرتها في كسب الاصوات، كما رفع نائب في دعاية انتخابية شعار "انتخبوا أخي"، ليسوّق اخاه الى الجمهور.
واستخدمت نائبة عبارة "انتخبوا زوجي" للدعاية لزوجها المرشّح، ونالت صورة مرشّحة مرتدية ثوباً يُشبه في شكله "بجامة النوم" تعليقات وتهكّم جمهور عريض، ونشرت مرشحة صورة زوجها المتوفي بدلاً من صورتها، كدعاية انتخابية.
ومن اغرب الدعايات التي نالت تعليقات ساخرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي مثلا على ارض الواقع، استغلال مرشّح اسم جدّه ويدعى "برهان" لكسب الأصوات، فكتب في اعلانه الانتخابي الآية الكريمة "يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا".
وكتب مرشح آخر بخط عريض "رشّحت من أجلك يا ولدي"، وآخر عبارة "مدنيون ديمقراطيون على بالون مثبت في الهواء، وبعفوية بالغة لا تخلو من السذاجة وضع مرشح الى جانب صورته كلمة "انتخبوني"، واستخدم آخرون الكنية "ابو فلان" بدلا من اسمه الحقيقي.
ونالت دعاية مرشّح "مطرب" اهتمام وسائل الاعلام ومواقع العالم الافتراضي، فقد ظهر المرشّح في دعايته الانتخابية وهو يحمل آلة العود الى جانب عبارات "عامية" مقفّاة "يله انتخب فنان واعشگ احساسه، شحصلنه غير الشيب من السياسه".
واختلط لدى مرشح اخر الجد بالهزل حين سوّق نفسه عبر ملصقه الدعائي "أنا مع شرطة المرور لأنهم زهور مدينتي".
987 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع