تظهر الاستطلاعات ميل الغالبية العراقية إلى العزوف عن التصويت في الانتخابات المحلية القادمة، بسبب خيبة أمل شعبية من تكرار الوجوه نفسها في كل مرة، بالرغم من أنها لم تخدم مناطقها يومًا.
إيلاف/ وسيم باسم/بغداد: مع بدء العد التنازلي لانتخابات مجلس المحافظات في العراق، المقرر إجراؤها في 20 نيسان (أبريل) المقبل، يتوقع مواطنون ونخب سياسية وأكاديمية إقبالًا ضعيفًا على التصويت، بسبب إحباط اجتماعي وسياسي ناتج عن فوز مرشحين ليسوا على القدر المطلوب من الكفاءة، أوصلتهم المحاصصة الحزبية والحضانات العشائرية لمراكز القرار.
وفي استطلاعات للرأي أجرتها مراكز أبحاث مختصة، تأكد أن عزوف الناخبين عن المشاركة في الانتخابات يمكن أن يصل من 75 إلى 85 بالمئة من الهيئة الناخبة.
ويتوقع المدرس ليث جريان عزوفًا كبير عن المشاركة في الانتخابات بسبب عدم الثقة في المستقبل السياسي للبلاد، مرجِعًا ضعف الإقبال المتوقع إلى عدم اقتناع الناس بجدوى الانتخابات. يقول: "مهما حاولنا التغيير فإن اكثر الوجوه القديمة ستعود إلى الواجهة بسبب العصبيات الحزبية والعشائرية". أما التاجر حبييب هادي فيعتبر التصويت مضيعة للوقت، "فتعدّد الازمات السياسية وتكرارها دليل على ضعف دور النواب واعضاء المجالس المحلية في توجيه بوصلة الحياة السياسية".
تشجيع رجال الدين
لكن هادي يرفض آراء البعض في مقاطعة الانتخابات، لان ذلك سيمنح القوى النافذة على الاستمرار في اجندتها التي اثبت فشلها طيلة الفترة الماضية، مؤيدًا خطباء مساجد ورجال الدين الذين قالوا إن التصويت سيمكّن اصحاب الكفاءات من الوصول إلى المناصب العليا لخدمة الناس بكفاءة وإخلاص.
وحث الشيخ عبد المهدي الكربلائي، ممثل المرجع الشيعي الأعلى آية الله السيد علي السيستاني، الشيعة على الذهاب إلى صناديق الاقتراع واختيار الأصلح المقبول كقائمة انتخابية ومرشح، بينما شدد المرجع السني البارز الشيخ عبدالملك السعدي على نوعية اختيار المرشح، ورفض تلقي الرشوة من اجل التصويت لهذا او ذاك.
واعتبر سيد حسين الياسري أن ضعف الاقبال على التصويت سببه الكتل والأحزاب المتنفذة، لأنها اختارت مرشّحين ليسوا بالكفاءة المعهودة، لا ينالون رضا الناس، "كما ان اعتماد الوجوه القديمة مدعاة للامتناع عن التصويت، لأن أغلب هؤلاء اصبحوا رموزا للفساد والفشل".
اليأس والخيبة
يدرك اغلب المرشحين أن اليأس اصاب نفوس المواطنين، فجهدوا في التأكيد على أن الخدمات البلدية في أحياء المواطنين ومدنهم وقراهم، اضافة إلى التعليم والرعاية الصحية، ستكون في مقدمة المهام التي يحرصون على انجازها.
لكن المرشح في الانتخابات في بابل مهدي عكل ينتقد ما يروج له البعض من الفشل الكامل لأعضاء المجالس البلدية في الدورات السابقة، مشيرًا في خضم استعداداته للترشح مرة اخرى إلى أن العراقيين تحسنت أحوالهم المعيشية مثلما شهدت الخدمات الاجتماعية تقدمًا ملحوظًا.
ويرى محسن جواد الباحث والأكاديمي في علوم السياسة أن اغلب مرشحي الاحزاب ابتعدوا عن الشعارات العاطفية، وركّزوا على الخدمات في محاولة لكسب اصوات المواطنين، مشيرًا إلى أن اليأس يصاحب العملية الانتخابية، "وينتج عنه عزوف عن التصويت بسبب خيبات الامل في المجتمع طيلة عقود من الاخفاقات السياسية والحروب المتكررة".
والجدير بالذكر هنا أن المؤسسات الدولية ما زالت تعتبر العراق دولة فاشلة. فبالرغم من زيادة تصدير النفط وتحقيق واردات مالية ضخمة، مازال نحو 23 بالمئة من الناس تحت خط الفقر، و اكثر من 34 بالمئة بمستوى خط الفقر.
وجوه مكررة
تحلل الباحثة الاجتماعية امينة معصوم آراء الناس الانتخابية، فتقول: "يهمس الكثير من الناس في مجالسهم بأنهم لن يصوتوا لأي مرشح، والسبب يعود إلى أن أربع فعاليات انتخابية مرّت، تكرّرت فيها وجوه كانت رموزا للفشل".
لكن المدرس فاضل فلاح، ذو التوجهات اليسارية، مقتنع بأن بعض القوى المتنفذة تبتكر الوسائل وتبث الدعايات لثني اكبر عدد ممكن من الناس عن استخدام حق التصويت، حفاظًا على مصالحها. ويتابع: "هناك من يسعى إلى ترسيخ فكرة أن الديمقراطية ليست ذات جدوى، وبالتالي فلا فائدة من المشاركة في الانتخابات، لانها لن تغيّر قواعد اللعبة الانتخابية ونتائجها".
وبالفعل، فإن مواطنًا بسيطًا مثل حميد حسن قال: "لن يكون لصوتي أي تأثير، لان الاحزاب التي تمتلك القوة والمال، والمرشحون من اصحاب الجاه الاجتماعي والعشائري سيتقاسمون الاصوات والفوز".
ويقول المحامي اسماعيل محمد إن المواطنين ينظرون بعين السخط لثروات المسؤولين المتزايدة، إذ اصبحت قصصهم حديث المجالس العامة والخاصة، ما يجعل من فرص فوزهم في الدورة الانتخابية الحالية ضعيفًا اذا ما اعتمد صوت المواطن حقًا.
من أين لك هذا؟
في استطلاع للرأي اجرته مؤسسة القدوة للتنمية وحقوق الإنسان في كربلاء في آذار (مارس) الجاري، تكشف امتعاض الناس نتيجة ثراء بعض اعضاء الحكومة المحلية، إذ طالب مواطنون بتفعيل قانون من اين لك هذا؟. واظهر الاستطلاع ايضًا هبوط اسهم المرشحين الذي يراهنون على الانتماء العشائري والحزبي خلال التصويت في الانتخابات المحلية القادمة.
وبحسب جمال الدين الشهرستاني، المدير التنفيذي للمؤسسة، فحتى رجل الدين المرشح للانتخابات لم يحصل من التأييد سوى على نسبة 7 بالمئة.
وكانت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات قد صادقت أخيرًا على ترشح 8100 شخص للتنافس على 447 مقعدًا في انتخابات مجالس المحافظات التي ستجري في 12 محافظة عراقية من بين 18 محافظة تتشكل منها البلاد، بعدما تم تأجيل انتخابات محافظتي الانبار ونينوى بسبب الاوضاع الامنية المتدهورة فيهما، وانتخابات محافظة كركوك لتواصل الخلافات بين مكوناتها.
1104 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع