الاسرائيليون ظنوا أن طائرة السادات سيخرج منها قوات مصرية تقتلهم!

الرئيس المصري محمد أنور السادات في زيارته التاريخية لإسرائيل عام1977

46 عاماً على سلام القاهرة وتل أبيب.. يتآكل رسمياً ولا وجود له شعبياً

إيلاف من القدس: لم تقام أي احتفالات هذا العام، لا في القدس، ولا في القاهرة، ولا في واشنطن. لم تُقام أي احتفالات، ولا خطابات، ولا حتى لفتة رمزية لإحياء الذكرى الـ46 لاتفاقية كامب ديفيد، التي تم توقيعها في البيت الأبيض في مثل هذا الأسبوع عام 1979، بين مصر وإسرائيل برعاية أميركية.

لقد مر ما تم الترحيب به في وقت ما باعتباره اختراقاً تاريخياً في الدبلوماسية في الشرق الأوسط ــ اتفاق السلام الذي غيّر مسار الصراع العربي الإسرائيلي ــ دون أن يلفت الانتباه، ودُفن تحت وطأة التوتر السياسي واللامبالاة.

السؤال هو: كيف وصلنا إلى هنا؟ كيف أصبح اتفاق سلام، كان يُظهر يومًا إمكانية المصالحة بين إسرائيل وجيرانها، بلا قيمة لدرجة أنه لم يُنشر أي اتصال هاتفي بين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أو الرئيس إسحاق هرتسوغ والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي؟ لم يُعلن عن ذلك علنًا في إسرائيل، وبالتأكيد لم يُعلن عنه في مصر.

بدلاً من الاحتفالات، ما نشهده هو التوتر. يُذكر أن جيش الدفاع الإسرائيلي في حالة تأهب قصوى على طول الحدود المصرية منذ أن بدأت العلاقات تتدهور في أيار (مايو) الماضي، عندما شنّت إسرائيل هجومًا بريًا على جنوب غزة.

في إطار العملية، سيطرت القوات الإسرائيلية على ممر فيلادلفيا، وهو شريط بري بطول ثمانية أميال يفصل قطاع غزة عن مصر. أثارت هذه الخطوة قلقًا في القاهرة، مما دفع مصر إلى تعزيز وجودها العسكري في شبه جزيرة سيناء.

منذ ذلك الحين، استمرت العلاقات في التدهور. يوم الخميس، أفادت صحيفة العربي الجديد القطرية أن مصر رفضت اعتماد السفير الإسرائيلي المعين حديثًا، أوري روتمان.

واستشهد المسؤولون المصريون بالعمليات العسكرية الإسرائيلية المستمرة في غزة ودعم حكومة نتنياهو لخطط تهجير الفلسطينيين كمبرر لتأجيل تقديم أوراق اعتماد روتمان.

هذا الجمود الدبلوماسي لا يحدث من فراغ. تُلقي دراسة حديثة أجراها مركز المعلومات والاستشارات التابع لمؤسسة جليزر في معهد سياسة الشعب اليهودي الضوء على تحول أعمق في المشاعر العامة.

وقد استعرض التحليل آلاف المقالات الرأي المنشورة في اثنتين من أكثر الصحف المصرية نفوذاً: الأهرام، الصحيفة الأكثر قراءة في البلاد، والجمهورية، وهي مطبوعة مملوكة للدولة كان يحررها ذات يوم أنور السادات، الرئيس الراحل والموقع على اتفاقية كامب ديفيد للسلام.

ما هي النتائج؟
النتائج صادمة. من بين المقالات التي ذكرت إسرائيل، كانت أكثر من 85% منها سلبية، وانحرف الكثير منها إلى معاداة السامية الصريحة. لم تكن هذه مجرد انتقادات سياسية؛ بل استخدم بعضها مصطلحات معادية للسامية، مثل مزاعم عن حب اليهود للمال، أو عدم ولائهم، أو أن اليهودية دين "زائف" قائم على أساطير.

ومن الصعب أن نتخيل انحرافاً أكبر عن روح السادات ومناحيم بيغن، اللذين وقفا جنباً إلى جنب مع الرئيس جيمي كارتر في عام 1979 ليعلنا أن السلام ليس ضرورياً فحسب، بل وقابلاً للتحقيق.

كان إعلان السلام هذا بعيدًا كل البعد عن الحتمية. فعندما قام السادات بزيارته التاريخية إلى القدس، كان هناك ضباط عسكريون إسرائيليون، بمن فيهم رئيس أركان جيش الدفاع الإسرائيلي، يخشون حقًا أن تكون الزيارة فخًا.

اعتقد البعض أنه بمجرد فتح باب الطائرة، سيخرج مسلحون يطلقون النار على الحشد. كان مستوى الشك والصدمة النفسية من الحروب السابقة عميقًا إلى هذا الحد. ومع ذلك، ورغم كل شيء، تمت الزيارة. تصافح الجميع. وتوطد السلام، وإن كان ناقصًا.

اسرائيل في سلام مع أكبر دولة عربية.. ولكن!
غيّرت الاتفاقية مسار المنطقة. فقد أثبتت أن الدبلوماسية قادرة على استبدال الحرب، وأن إسرائيل قادرة على إقامة علاقات رسمية مع دولة عربية - أكبرها في الواقع - وأن التعايش، وإن لم يكن دائمًا دافئًا، ممكن.

لكن اليوم، يبدو ذلك السلام وكأنه من الماضي. ارتكب كلا الجانبين أخطاءً. فبينما وقّع القادة السياسيون معاهدات، وبنى مسؤولو الأمن إطارًا للتعاون في مواجهة التهديدات المتبادلة، لم يصل السلام إلى الشعب قط. وأُهملت الدبلوماسية العامة.

لم تُطلق أي مبادرات تعليمية لتعزيز التفاهم المتبادل. والنتيجة سلامٌ لطالما كان باردًا في الشارع المصري، ويزداد سوءًا داخل الحكومة المصرية نفسها.

ويتناقض هذا بشكل صارخ مع اتفاقيات إبراهيم، واتفاقيات التطبيع التي وقعتها إسرائيل مع الإمارات العربية المتحدة ودول عربية أخرى في عام 2020. وعلى الرغم من الخلافات حول الحرب المستمرة في غزة، فإن هذه العلاقات لا تزال صامدة بشكل مدهش.

السلام مع أبوظبي دافئ جداً
على سبيل المثال، واصلت شركات الطيران الإماراتية رحلاتها إلى إسرائيل طوال فترة النزاع، بينما استأنفت معظم شركات الطيران الغربية رحلاتها المحدودة مؤخرًا. وتشهد العلاقات بين الشعبين، والشراكات التجارية، والتعاون بين الحكومات دفئًا وحيوية.

السؤال الآن هو ما إذا كان بإمكان إسرائيل ومصر إعادة بناء ما تآكل. لن تكون المهمة سهلة. فقد تداعت الثقة، ولا تزال الحرب في غزة تلقي بظلالها السلبية. لكن من الضروري أن تُدرك الدولتان الفوائد الاستراتيجية والاقتصادية والإقليمية لاستدامة علاقتهما. فالبديل - العودة إلى العداء - أسوأ بكثير.

أين أميركا من توتر العلاقة بين القاهرة وتل أبيب؟
يغيب عن هذه المعادلة بشكل حاسم الدور الأميركي القوي. ففي أثناء كامب ديفيد، لعبت الولايات المتحدة دورًا محوريًا في تسهيل الحوار والتوسط في الاتفاق.

اليوم، غاب هذا المستوى من التفاعل. فقد رفض السيسي السفر إلى واشنطن للقاء دونالد ترامب، وحذر المبعوث الخاص ستيف ويتكوف مؤخرًا من "حدث سيئ" محتمل في مصر "قد يعيدنا إلى الوراء"، مما زاد من استياء القاهرة.

هذه لحظة تتطلب دبلوماسية رفيعة المستوى. ينبغي لوزير الخارجية الأميركي، أو مستشار الأمن القومي، أو ويتكوف نفسه، أن يتنقل بين القاهرة والقدس وواشنطن، سعيًا لمنع انهيار إحدى أهم معاهدات السلام في تاريخ الشرق الأوسط الحديث.

لقد أثبتت اتفاقيات كامب ديفيد ذات مرة أن حتى أشرس الأعداء يمكنهم الجلوس على طاولة واحدة. دعونا لا نسمح لهذا الدرس بأن يُنسى.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

714 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع