نبراس الذاكرة:العباءة زي ليست له علاقة بالتدين على الرغم من انه يضفي الحشمة على المرأة فالعديد من الطوائف غير المسلمة في المناطق الجنوبية ترتدي نساؤها العباءة كجزء من الموروث الشعبي المتوارث منذ قرون في هذه المدن العريقة .
السيدة صبرية التي لم تتوقف عن شبك خيوط العباءة بيدها لحظة واحدة واستمرت تحاورني عن شؤون وشجون عملها الذي امتهنته منذ اربعين عاماً وبات اليوم مهددا بالافول بعد ان اصبحت تنافسه ازياء مشابهة له ، ورغم انها اصبحت اشهر خياطات العباءة في ناحية القلعة الا انها ترفض ان تتم مقارنة الازياء الجديدة بالعباءة العراقية شكلاً ومضمونا وتشبها بالفساتين التي يمكن لأية هاوية خياطتها لكن في المقابل تعترف ان مهنتها باتت مهددة بفعل الموضة الدخيلة على مجتمع الناصرية .
فخامة وصمود
في الرابعة عشرة من عمرها بدأت صبرية بتعلم فنون الخياطة من احدى جاراتها من الطائفة المندائية ولم تمض سوى ثلاثة اشهر حتى اصبحت الخياطة الاشهر في الحي الذي تسكنه ،تعلق صبرية ضاحكة :
وربما لهذا السبب اشترط جدي لابي على كل من يتقدم لخطبتي ان يبقى يقيم معنا في البيت او كما يقول اهل الجنوب “كعيدي” ذلك لان جدي لايريد التفريط بالفتاة التي اصبحت وهي صغيرة صاحبة الدخل الاعلى في الاسرة التي تتكون من 17فردا معظمهم من الذكور. وتواصل المرأة الستينية سرد حكايتها عن العباءة هذا الزي البسيط الذي صمد كل هذا الوقت امام موجات الموضة اذ يرجح الباحثون في الشأن التراثي الى ان الزي التقليدي الذي ترتديه اغلب نساء وسط وجنوب العراق يعود الى عصر ماقبل الاسلام، وعلى الرغم من الاضافات البسيطة في انواع الخيوط التي تطرز بها العباءة والتي شاع استخدامها في مطلع القرن العشرين الا انه بقي محافظا ًعلى شكله المعروف لدينا جميعاَ تشير صبرية الى ان بعض السيدات الميسورات وعلى الاخص “الشيخيات “ اي النساء اللواتي ينتمين الى عائلة شيخ القبيلة كن صاحبات الفكرة الاولى للاضافات الجديدة مثل “سبحة “ الذهب الخالص في كم “ردن” العباءة لتضفي عليها مزيدا من الفخامة لاسيما عندما يستخدم في اشهر انواع الاقمشة المستخدمة بخياطة العباءة التي مايزال بعضها متداولا في الاسواق الجنوبية كالتترون والحبر اللذين يعدان اجود انواع الأقمشة التي يتم استيرادهما من الهند لذا فانها يعدان من الاقمشة الباهضة الثمن اذا ما تم مقارنته ببعض انواع الخامات المتدولة والاكثـــر طلباً الى جانب ذلك فان اسعار خياطتها مرتفع ايضاً وقد يتخطى 50الف دينار وتستخدم فيها خيوط الحريروالكلبدون والبكر .
خط اصفر
اصرار النساء في مدن الجنوب منذ قرون من الزمن على ارتداء هذا الزي هو الذي عزز صموده امام تقلبات الموضة بحسب ماتقول الباحثة الاجتماعية زينب الشمري مشيرة الى ان العباءة العراقية جذورها ضاربة في المدن الواقعة في الوسط والجنوب ولم تستطع كل الغزوات التي مرت على مر العصور ان تقنع النسوة في تلك المدن على ارتداء ازياء اخرى .
منافسة
ترفض صبرية والعديد من خياطات العباءة المعروفات،في الناصرية ان تكون الازياء الدخيلة على المجتمع قد ساهمت بعض الشيء في تراجع الاقبال عليها لكن واقع الحال قد يبدد هذه الحقيقة الماثلة امامنا لاسيما من الجيل الجديد لنسوة المدينة اللواتي يبحثن عن موديلات تناسب العصر ويمكن شراؤها في كل زمان ومكان بعكس العباءة التقليدية التي تحتاج الى عشرة ايام في احسن الاحوال لكي تكتمل ناهيك عن البحث عن القماش الجيد والخياطة المـــاهرة.
وفي هذا الصدد تقول نورس غالب وهي شابة جامعية :
لم يعد زي العباءة يناسب عصرنا لذا زاد الاقبال على الانواع الاخرى من الازياء المنافسة والشبيه بالعباءة مثل “الجبة التركية “ و” المانتو الايراني
“ وهناك العباءة الخليجية وهي الاكثر قبولا لدى الفتيات فيما تشير زميلتها سارة انها تجد صعوبة في ان تذهب الى الجامعة اليوم وهي ترتدي العباءة وتعتقد ان الفرصة تبدو سانحة لها اليوم مع توفر بدائل اخرى عن هذا الزي الذي اكل وشرب عليه الدهر على حد وصفها، الا ان فتاة عشرينية اخرى تعارض هذه الفكرة وترى ان العباءة مازالت محافظة على مكانتها بين الازياء الاخرى الدخيلة على مجتمع الناصرية حتى ان جهاز العروس (نيشان) اي فتاة جنوبية لايمكن ان يخلو من قماش الحبر والشال والتترون المعد لخياطة العباءة.
موديلات
في الاسواق الشعبية الكبيرة في الناصرية وكذلك في الاقضية والنواحي ولكن على نحو اقل يعلق اصحاب المحال التجارية هناك موديلات مختلفة من العباءة الخليجية وحولها تحلق فتيات في مقتبل العمر فيما تجلس الامهات بانتظار ماتختاره الفتيات .
جاءت احداهن وعرضت ما ابتاعته من المتجر على والدتها التي بدات غير مقتنعة بخيار الابنة الا انها استسلمت الى اصرارها واقتنت الفتاة باحدى العباءات الخليجية المطرزة بالوان صاخبة واكسسوارات ذهبية وفضية بارزة ،يقول عباس مطر صاحب متجر العروس لبيع العباءة الخليجية : لم يعد مستغربا ان ترى في الشارع امرأة كبيرة ترتدي العباءة التقليدية وبجاورها فتاة في الغالب ابنتها ترتدي العباءة الخليجية من النادر ان تسيران وهن يرتدين العباءة التقليدية “ام الرأس “ مايعني ان انها اصبحت زيا خاصا بالنساء كبيرات السن ويشير مطر ان الى جمال والوان العباءة الى جانب زهد سعرها وسهولة ارتداءها جعل منها الزي المنافس للعباءة التقليدية.
نجلاء الخالدي
1387 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع