حجي علي الجَمَّال وجِمالُه في أميركا
في إحدى ليالي كانون الأول/ديسمبر ذات البرد القارس عام [1902]، هبّت إحدى العواصف الترابية فياقاصي الجنوب الغربي لولاية أريزونا الأميركية وقد هبت هادرةً عبر صحراء سونوران الرهيبة، تجمَّعَ الناس في صالون بار متداعي في بلدة كوارتزسايت الصحراوية الصغيرة، وهناك نَسَجَ رجلٌ هرِمٌ كان يعمل في التنقيب في موقع قديم في الصحراء، تسجَ قصتَه التي كان يقصّها على رواد الصالون وهم يصغون اليه باهتمام وعجب. كانت القصة الاسطورة بالنسبة لمعظم جمهوره، تبدو وكأنها حكاية طويلة أخرى من القصص الخيالية. كان الرجل يحكي لهم هذه القصة عن وحش غريب الشكل والتصرفات ادعى المُنقّب أنه رآه في الصحراء خارج المدينة وكان جسم الوحش غير متناسق في اجزائه وضخما جداً وقد يعادل مائة رجل بحجمه وهو برقبة طويلة يمكنها مشاهدة ما على بعد أميال بعيدة وأرجل ملتوية يمكن أن يُبنى عليها بيتاً بطبقتين وفماً ولساناً متوهجاً مثل اللهب. وأثناء حديثِه، أولَى أحد الرجال الأكبر سنًا من جميع الجالسين اهتمامًا خاصًا لما يقال حيث اعتبر ان ما يسمعه يتراءى له أن ما سُميَ بالوحش لم يكن أيَّ شيء أكثر من كونه جَمَل ضخم. ولذلك لم يشترِ من الحديث حكاية الجزء المتعلق باللسان المتوهج ناراً الذي ذكره الرجل الحكواتي. قَطعَ حديثَ الرجل المتكلم وسأله عن مكان لقائه بذلك الوحش، ثم وقف من مقعده وودع من في الصالون بعد سماعه الجواب على سؤاله. كانت تلك الحادثة هي المرة الأخيرة التي شوهد فيها الرجل المعروف بين الناس هناك بإسم “هاي جولي” وهو آخر مرة شوهد وهو على قيد الحياة أو هكذا تقول القصة الأسطورة.
بعد أيام، اختتمت القصة باكتشاف جسم من كان اسمه "هاي جولي" وقد بدت جثته المنفوخة مدفونة في الرمال الى حد الحزام، وكانت ذراعه ملفوفة حول رقبة جمل ضخم وكلاهما كانا قد هلكا في العاصفة الصحراوية الهوجاء حيث ذهب هاي جولي الموقع مشاهدة الوحش لإنقاذ آخر جمل من جماله. حتى أن الأسطورة تضيف أثرًا ساراً عن حياة ذلك الرجل وتذكر أن الابتسامة كانت مرسومة على وجهه وهو يحاول إنقاذه الجمل لأن “هاي جولي” فعلاً كان بطبيعته شخصية مرحة تملأ الجو، في أي مكان يرتاده ويملأه فرحا وبهجة كما فعلت فرحته العارمة لأنه أهتدى أخيراً ووجد صديقًه القديم ذلك الجمل الذي مات معه وهما في عناق أبدي.
ومن غير المحتمل أن “هاي جولي” مات بهذه الطريقة التي تصفها الأسطورة المحكية فمن الناحية التاريخية، نعلم أن “هاي جولي” قد وافته المنية في [16 كانون الأول/ديسمبر 1902]، في كوارتزسايت، وهي بلدة صحراوية صغيرة في غرب أريزونا. ونعلم أيضًا أنه على الرغم من موته معوزًا بعد انفصاله عن عائلته، إلا أن مآثره الواقعية قد لفتت الأنظار واستحوذت على خيال المؤرخين وكتّاب الأغاني ومنتجي التلفزيون وصانعي الأفلام في هوليوود ومثل هذا الجمهور في الصالون المتلهف، فقد انجذب الجميع إلى قصته، وهي حكاية اسطورية أمريكية فريدة من نوعها لأكبر وأغرب قصة لشخصية حقيقية قضت مدى حياتها في مغامرات وتناقضات لا حدود لها.
ولد "هاي جولي" وفق الوثائق المتوفرة عام [1828] وأطلقت عليه والدتُه اليونانية اسم فيليب تيدرو، وكان أبوه عربياً سوريًا وعاشوا في مدينة سميرنا (الآن تسمى إزمير) وهي مدينة تطل على بحر إيجه في تركيا العثمانية حيث كانت جزيرة عمر وجنوب تركيا اليوم شمال سوريا والعراق كانت مناطق يسكنها العرب والأرمن واليونانيون وأقوام أخرى كثيرة وعند ذكر الوثائق الأميركية انه كان سورياً فهذا يعني أن سوريا المقصودة ذلك الوقت كانت تضم سورية الحالية والأردن ولينان وفلسطين ومن الممكن ان تكون أصول فيليب تيدرو من أي من هذه البلدان. عندما كان فيليب شابًا، قاده المسار الروحي إلى الإسلام، واتخذ اسم "علي" بعد اسلامه. وبعد أن أدى فريضة الحج إلى مكة أخذ لقب "الحاج" فأصبح يُنادى باسمه الجديد وهو "حجي علي". أما من حيث المهنة، فقد كان الحاج علي سائقَ جمال ماهر ومربي حاذق لقطعان الجِمال حيث سبق له أن خدم مع الجيش الفرنسي في الجزائر وتمرس العمل مع الجِمال في صحاريها الواسعة.
في العام [1856] وكان عُمر الحاج علي [28] سنة، وصَلَ دبلوماسي أميركي يُدعى "جوين هاريس هيب" إلى سميرنا بعد زيارته لبلدان أخرى مثل مالطا واليونان ومصر وهو يحمل أموالاً لشراء عشرات الجمال لحساب الجيش الأميركي الذي كان تحت إشراف وزير الحرب آنذاك "جيفرسون ديفيس" وتنفيذا لخطط الجيش لاستخدام الجِمال كحيوانات ناقلة وقاطعة للمسافات بعيدة المدى في الأراضي الصحراوية التي تم ضمها الى الولايات المتحدة بعد الحصول عليها من المكسيك نتيجة حروب واتفاقيات بين البلدين وبلغت مساحاتها عدة ملايين من الكيلومترات المربعة.
كان الحاج علي من بين ثمانية رجال قام بتوظيفهم الدبلوماسي الأميركي في سميرنا العثمانية للمساعدة في مهمة شراء الجمال ورعايتها وتربيتها. وقد قام الحاج علي على وجه الخصوص بجهود كبيرة لتلبية طلبات الأميركان فسافر إلى المناطق الداخلية من تركيا العثمانية للمساعدة في شراء الجمال فحصل لوحده على 33 جملاً صحيحَ البنية وبأعمار شابة، وتم تحميل الجمال على متن السفينة "يو إس إس سَبلاي" والتي أبحرت الى وجهتها في تكساس. وفي العام التالي، عاد الدبلوماسي الأميركي ذاتُه الى المكان ذاتِه للحصول على المزيد من الجِمال، وفي هذه المرة تم تعيين الحاج علي كمتعامل مع الجيش الأميركي وبدوام كامل وراتب منتظم (وهو شبيه باللقب الذي يمنحه الأميركان الآن للمتعاونين مع القوات الأميركية المتواجدة في بلدان أخرى كالمترجمين والأدلاء ويسمونهم بالمتعهدين من مواطني البلد الذي تتواجد فيه القوات الأميركية.)
صورة نادرة لحجي على أثناء خدمته في الجيش الأميركي (المصدر: مجلة آرامكو 2021)
وفي تكساس، سار الحاج علي مع [41] جملًا إلى مداخل كامب فيردي (مخيم فيردي أو المخيم الأخضر) المقام في التلال غرب مدينة سان أنطونيو، حيث انضموا إلى الجمال التي وصلت في العام السابق. وعلى الفور واجه التكساسيون صعوبة في نطق اسم "حجي علي" وكانوا خليط من المهاجرين من شعوب شمال أوربا والمكسيك حيث كان الكثير منهم لا يلفظ حرف الجاي (j) في كلمة حجي [Haji] وانما يلفظه ياءاً كما في لغتهم الأم فأصبحت كلمة حجي تُنطق "هاي"، وعندها قاموا بلفظ اسمه “هاي" وأضافوا لها اسم علي وهم لا يستطيعون بالطبع لفظ حرف العين فأصبح اسم حجي علي يلفظ بلسانهم مُؤمْرَكاً الى "هاي جولي” وزالت الصعوبة وتوقف أمر الاسم والتصق هذا الاسم الجديد بالرجل حتى ما بعد وفاته والى الآن. وقد لاحَظَت الروائية تيا أوبريت، التي تضمنت احدى قصصها شخصية تستند إلى “هاي جولي” في فيلمها [Inland] لعام [2019]، أن هذا الرجل "كان يطاردني موضوعُه كرجل عثماني وجد نفسه عالقا بين إمبراطوريته القديمة وإمبراطوريته الجديدة فكان نتيجةَ ذلك لا ينتمي إلى أي مكان؛ عالمُه كان مخلوقاً من حراسة المخلوقات الغريبة من الجمال والتي كانت لديه مجرد دابة ناقلة ولكنها كانت مصدرَ عجب وافتتان لا نهاية له لكل أميركي قابل جملاً منها ذلك الوقت."
قاد هاي جولي أول أمره حملتَه الأولى وكانت رحلة تجريبية استكشافية مع ما يُعرف بشكل غير رسمي باسم "فيلق الإبل" التابع للجيش الأمريكي، والتي أخذته في عمق الحدود مع [25] جملاً تحمل الإمدادات لرحلة مسح المنطقة البِكر وكانت الرحلة بقيادة الملازم "إدوارد بييل [E. Beale]" وعلى طريق العربات الترابي الذي يبلغ طوله 1600 كيلومتر من فورت ديفاينس في ولاية نيو مكسيكو إلى حيث التقاطع مع حافات نهر كولورادو. وتبين لوحة ضخمة رسمها الرسام الأميركي توماس لوفيل وهي تُظهر "هاي جولي" بملابسه العربية في مشهد تاريخي عظيم وهو يقود ويتعامل مع قافلة الإبل العسكرية الكبيرة وفيها جِمال تحمل كل منها برميلين خشبيين كبيرين مملوءة بالماء خلال رحلة لفيلق الإبل بالجيش الأمريكي في حزيران/يونيو [1859] في جنوب غرب تكساس حيث يظهر أحد الجمال وقد انزلق وهو يسير على صخرة ملساء ضخمة مما تسبب بكسر أحد البراميل وانسكاب الماء منها وهي تلك المادة التي لا يُضاهى ثمنها في هكذا مكان (الصورة أدناه). وتصف الرحلة بقيادة الملازم بييل، مقالة مطولة نشرت في صحيفة:
[Porter’s Spirit of the Times] الصادرة في نيويورك يوم السبت [20 شباط 1858] ويمكن قراءتها على الرابط التالي:
https://scvhistory.com/scvhistory/al2075.htm
صورة انزلاق الجمل في لوحة ضخمة رسمها الرسام الأميركي توماس لوفيل ويظهر فيها "هاي جولي" بملابسه العربية (المصدر آرامكو 2021)
أثبتت تلك الرحلة الاستكشافية والتجريبية في الوقت ذاته نجاحها، ويرجع الفضل في ذلك جزئيًا إلى الجِمال وتحملها للعطش ولأجواء الصحراء الصعبة. وبعد هذا النجاح، أصبح طريق "بيل" هذا مسارًا قديمًا للهجرة غربًا في ستينيات وسبعينيات القرن الثامن عشر. ولاحقًا، تأسست سكة حديد "سانتا في" وطريق أمريكا الشهير رقم 66 والمعروف باسم طريق بيل (على أسم الملازم آمر تلك الرحلة المسيرة) وعلى مسار تلك الرحلة. أما كل من “هاي جولي” نفسه وسائقي الجمال الآخرين من رفاقه فيبدو أنهم لم يتلقوا معاملة جيدة في الجيش فأضرب هو وعدد من سائقي الجمال عدة مرات وعانى من نقص الأجور والتفرقة تجاهه ورفاقه حيث لم تكن مساكنهم في الثكنات مع قوات الجيش ولا مثلها ولكن كانت في سقيفة حقيرة تقع خلف حظيرة الجمال.
في العام 1860، جرّب الجيش الإبل لإنشاء خدمة مراسلة سريعة بين لوس أنجلوس وحصن موهافي على نهر كولورادو. فأقيم السباق الأولي وشوهد “هاي جولي” وهو يركب الجمال بقوة وبسرعة، مثل متسابق بوني إكسبريس. مات أحد الجمال من الإرهاق. بعد ذلك تم نقل “هاي جولي” [Hi Jolly] لرعاية الجمال مع انتقال الجيش إلى [Fort Tejon] في جنوب كاليفورنيا. ومن هناك قاد “هاي جولي” رحلة استكشافية أخرى شبه مميتة، كانت هذه الرحلة لمسح صحراء موهافي الشمالية (أو صحراء موهابي-ومن يدري قد تكون سميت كذلك من قبل المكسيكيين المهاجرين من الأندلس لتعني الصحراء المهابة!) وفيها يقع "وادي الموت" حيث كان يُنسب الفضل إلى الجمال في إنقاذ أرواح الرجال من موت محتم من دونها.
بعد مدة تم نقل جيش الجمال مرة أخرى، إلى معسكر لاثام، بالقرب من لوس أنجلوس وفي محاولة أخرى لاستخدامها في خدمة البريد السريع. هذه المرة الذي غطى طريق يبلغ حوالي [450] كيلومترًا من سان بيدرو في كاليفورنيا إلى يوما في أريزونا. ومرة أخرى، اختارت قيادة الجيش “هاي جولي” لقيادة ركب الوجبة الأولى من الجمال، ولكن سرعان ما انتهى الأمر هذه المرة بمأساة فقد مات من الجمال عدد كبير بعد 100 كيلومتر فقط. ومع نهاية الحرب الأهلية الأميركية عام [1861] انتهت تجربة فيلق الإبل وتم بيع الكثير منها الى القطاع الخاص وأطلقت البقية منها في الصحراء وبقي شبح تلك الجمال التي كانت تعيش في الصحراء باقياً حتى أكثر مشاهدة لجمل في أريزونا عام [1948] وأختفت وأنقرضت بعد ذلك. وقد انقطع الاهتمام بفيلق الأبل بعد أن أصبح وزير الحرب السابق جيفرسون ديفيس سيناتورًا عن ولاية ميسيسيبي ثم رئيسًا للكونفدرالية في تكساس وبعد استسلام الجيش في معسكر فيردي للانفصاليين الذي تمت استعاده بعد أربع سنوات وفي العام [1869] تم اخلاء المعسكر حيث تقع اليوم في مكانه مدينة صغيرة هي كوارتزسايت حيث توجد علامة تاريخية تخلد ذكرى دور الجمال في فيلق الإبل، ولوحة عليها جمل معلقة على جدار مكتب البريد في المدينة. وفي صورة نادرة التقطت عام [1863] في معسكر درام في سان بيدرو في كاليفورنيا يظهر فيها أحد الجمال واقفا أمام المبنى وبجانبه حصان وتم التقاط الصورة أثناء مسح جيولوجي لمناطق جنوب كاليفورنيا حيث تم نقل العديد من الجمال الى هناك بعد حل فيلق الإبل واندلاع الحرب الأهلية في عام [1861] كما أسلفنا. ومن هناك، نقلت الجمال الإمدادات بين منشآت الجيش والمدن حتى تم حل "تجربة الإبل" بصورة نهائية وتسريح جمالها في العام [1881].
صورة نادرة التقطت عام [1863] في معسكر درام في سان بيدرو في كاليفورنيا ويظهر جمل أمام المبنى والى يساره فرس (المصدر scvhistory.come)
غادر “هاي جولي” الجيش في عام 1870 واستمر في العمل في رعاية وتدريب الجمال وحيوانات النقل الأخرى كما كان أيضًا، على ما يبدو، يمتلك الكثير من التطفل والرعونة في اثارة المرح فقد كتبت الصحيفة المحلية المسماة "جمهورية أريزوناArizona Republic-" عن ذلك بسردها لحادث من المسرح السياسي وقتها في العام [1871] حين كان جولي في لوس أنجلوس وخلال الحرب الفرنسية البروسية وعندما وصلت أخبار سقوط باريس بيد القوات الألمانية البروسية، أقام الألمان في المدينة تظاهرة ونزهة كبيرة على بعد مسافة قصيرة من مكان سكنه وكان جولي من المتعاطفين مع القضية الفرنسية (حيث سبق له وأن عمل مع الجيش الفرنسي في الجزائر كما ذكرنا في شبابه) وأثارت آراؤه الحضور وجعلت الألمان في غضب شديد منه فقام جولي بربط اثنين من الجمال الضخمة بعربة حكومية قديمة ومع العديد من صيحاته المجنونة والمصحوبة بضرب ظهور الجمال اندفع وسط الجموع المحتفلة بفرح طاغي وقد أصابها الكثير من الوهن من كثرة البيرة التي شربوها (وهم ألمان ومعروف عنهم حبهم للبيرة واكثارهم في شربها) فأخذت الجموع بالركض بكل الاتجاهات وتسبب حجي علي في اثارة ذعر كبير وتدافع عارم بين الرجال والنساء والفرق المحتفلة.
طريق فيلق الإبل بالجيش الأمريكي، 1857-1858 (المصدر آرامكو 2021)
عندما أنهى الجيش استخدام الجمال، حصل "هاي جولي" على عدد من هذه الجمال وبهم بدأ بتأسيس شركة لخدمة شحن خاصة به بين نهر كولورادو والمناجم المنتشرة في ولاية أريزونا بالإضافة إلى قيامه بإنشاء وتشغيل شركة أخرى لخدمة النقل السريع بواسطة الجمال بين سان دييغو ومدينة إل باسو. وقد وصفه أحد المسافرين وهو يجلب الماء إلى محطات الحافلات (العربات التي تجرها الخيول) والماء محملاً على ظهور [25] جملاً ويبيعها للمسافرين في تلك الصحاري التي يكون الماء فيها أغلى ما تحمله القوافل. ومع هذا فان عمله تعثر بعد دخول وسائط النقل الأخرى الأفضل وأهمها سكة حديد قطار "سانتا في" الواصل الى مدينة نيومكسيكو ومدن كاليفورنيا وتوسع رقعة امتداداتها بين [سنتي 1859 و1873]، فقام حجي علي بعد افلاسه وأطلق جِماله في البرية الصحراوية بالقرب من جيلا بيند في أريزونا. وتقول روايات تلك الفترة إنه كان معروفًا بالكرم والود، وتشير الى أنه أصبح كثير "الركوع والصوم" وأنه من المحتمل قد ظل مسلمًا ملتزمًا إلى حد كبير. وكان حجي علي في العام [1880] قد اكتسب الجنسية الأميركية وأصبح مواطنًا أمريكيًا، وتزوج من كيرترود سيرنا [Gertrude Serna] في مدينة توكسون في أريزونا وعندها عاد إلى اسم ولادته القديم وهو فيليب تيدرو على الأرجح لتجنب حصول أي توتر مع عائلة عروسه الكاثوليكية. واليوم، لا تزال صورة زفاف الزوجين (الصورة ادناه) تذكر به وهي واحدة من الصور القليلة المعروفة عن هاي جولي.
صورة زواج حجي علي من كيرترود سيرنا في العام 1880 (المصدر الأنترنت).
وتذكر المصادر أنه لم يمض وقت طويل على ولادة ابنتيه إميليا وميني، حتى غادر حجي علي البيت وترك عائلته في عام [1885] ليدير شركة البغال التابعة لحملة العميد جورج كروك التي شنها ضد جيرونيمو، زعيم عصابات شيريكاهوا من قبيلة الأباجي وبعد انتهاء المهمة.
عاد حجي علي الى العمل في التنقيب وفي عام [1891]، أنجبت زوجته ابنًا أسموه فرناندو سيرنا-تيدرو حيث تبين سجلات تعداد السكان في العام [1910] أن زوجته وجميع الأطفال الثلاثة كانوا من سكنة مدينة توكسون في أريزونا، وقد ذكروا في سجلات التعداد أن مهنة فرناندو كانت نجار. وتظهر السجلات من تعداد عام [1920] أن فرناندو كان يقيم في مقاطعة لوس أنجلوس مع أخته أميليا وزوجها، ولم يتم سرد أي مهنة أو زوجة لفرناندو ولا توجد أي سجلات أخرى له أو لأخواته معروفة بعد ذلك. في العام [1898]، عاد “هاي جولي” مرة أخرى إلى توكسون مكان سكن عائلته وقد تدهورت صحته كثيراً وطلب مقابلة زوجته والأطفال وتوسل إلى زوجته لإعادته معهم ولكنها رفضته فعاد “هاي جولي” بمفرده إلى قرية كوارتزسايت والتي كانت في ذلك الوقت بلدة صغيرة يبلغ عدد سكانها حوالي 20 شخصًا ممن تعود العيش مع قساوة الحياة فيها. وازدادت على حجي علي المواجع والصعاب وانسدت بوجهه كل أبواب الدنيا حيث رفضت الحكومة الأميركية التماسه للحصول على معاش تقاعد عسكري صغير لخدمته الطويلة مع الجيش وعلى الرغم من دعم مندوب أريزونا الإقليمي في الكونجرس لطلبه. وعندما مات “هاي جولي” في [16 ديسمبر 1902] أقام له الجيران وكبار السن في القرية جنازة صغيرة، ووضعوا على قبره شاهدة/علامة قبر خشبية متواضعة تدل اليه.
صورة مقبرة مدينة كوارتزسايت في أريزونا تظهر قبر حجي علي الهرمي ويقف فوقه جمل (المصدر scvhistory.com)
وعلى الرغم من أن أسطورة احتضار وموت “هاي جولي” أثناء احتضانه لإحدى جماله المفقودة بعد فراق لفترة طويلة هي بالتأكيد فولكلور خيالي خالص، إلا أنه في العام [1935] قام قسم الطرق السريعة في ولاية أريزونا بالفعل بدفن رماد آخر جمال الحكومة وأسمه توبسي مع قبر هاي جولي وأقامت فوق القبر نصباً تذكارياً له ويقع اليوم وسط مقبرة القرية و هو على شكل هرم يعلوه جمل معدني واسم هاي جولي عليه مع سيرته الحياتية (الصورة أدناه) حيث يقف الهرم الآن في وسط مقبرة مدينة كوارتزسايت [Quartzsite]، ولا يزال يعتبر موقعًا تاريخيًا وموقع جذب سياحي وقد سُميت مقبرة المدينة باسم "مقبرة هاي جولي" كما تم تسمية الشارع الموصل الى المقبرة باسم شارع هاي جولي [Hi Jolly Lane] ويربط المقبرة مع الشارع الهاي واي الرئيسي في جنوب غرب الولايات المتحدة.
مقبرة هاي جولي-حجي علي في مدينة كوارتزسايت في أريزونا (المصدر scvhistory.com)
صورة أحد معالم مدينة كوارتزسايت وهو قريب من قبر حجي علي (المصدر scvhistory.com)
صورة أخرى من المدينة تظهر فيه مجسمات الجمال بحجوم مختلفة (المصدر scvhistory.com).
وصلت قصة “هاي جولي” وسلاح الإبل بالجيش الأميركي إلى ما وراء مناطق الجنوب الغربي فقد تغنّت أغنية شعبية كتبت عن “هاي جولي” عام [1962] تقول كلماتها:
هاي جولي، يا جولي، عشرين ميل في اليوم منك جولي
عشرين أكثر مع كل ضوء صباح
هاي جولي، عليَّ أن أذهب في حال سبيلي
فقد أخبرت حبيبتي
أني سأعود إلى المنزل ليلة الأحد
كان حادي الإبل هاي جولي، منذ زمن طويل
وكان أن يتبع السيد بييل
في طريق الغرب الطويل
لا مانع من المشي فوق الرمال الحارقة
ما دمنا في تلك الأرض التي تركها الله في حب غارقة
لأنه لم يكن يمانع أن نرى الفتيات الجميلات وهن الأفضل
هناك فتيات جميلات في ال بو كيركي،
على الأقل هذا ما وصل سمعي
هناك بنات جميلات في تومكو ماري كذلك
أنا لست أعمى حبيبتي ولكني لا أعيرهم أي اهتمام
لأنني أوفر كل ما لدي من حب فقط لأجلكِ
لسماع تسجيل الأغنية على الرابط التالي:
https://scvhistory.com/scvhistory/HiJollySong1962.htm
كما ظهر كتاب للأطفال عام [1959]؛ وكُتبت شخصية هاي جولي في فيلمين من أفلام هوليوود على الأقل وهي فلم [الممر الجنوبي الغربي-Southwest Passage] في عام 1954 وفلم [Hawmps!]، وهو فلم كوميدي عن فيلق الإبل في الجيش الأميركي وعرض في عام 1976 (صورة اعلان الفلم في أدناه.)
صورة لأحد إعلانات فلم هامبز (ويعني الأسم سنام أو حدبة الجمل) -هوليوود [1976] (المصدر ويكيبيديا)
كما ظهرت شخصية هاي جولي على التلفزيون [1957] في حلقة من المسلسل الكلاسيكي [Death Valley Days] بالإضافة إلى حلقة من مسلسل تركي أسمه مافريك أنتجها المخرج التركي ميرت ترك أوغلو باسم حاجي علي في عام [2018] كـفيلم وثائقي لجندي عثماني جاء إلى الولايات المتحدة كمهاجر. كما قام الصحفي الأمريكي الفلسطيني الأصل المخضرم في سلاح الجو "راي حنانيا" بضم أسم الحاج علي في قائمة تذكارية على الإنترنت للمحاربين العسكريين الأمريكيين العرب القدامى وقد أدرجه تحت اسمه الأصلي حيث يقول حنانيا: "هو أحد الأمثلة على ما لعبه المهاجرون العرب إلى أمريكا للعديد من الأدوار المختلفة في دعم بلدنا الجديد بالتبني، وخاصة الخدمة الفعلية في الجيش الأميركي".
واليوم تعيش روح “هاي جولي” وفيلق الإبل في الجيش الأمريكي بشكل أكثر وضوحًا في مزرعة صغيرة بالقرب من واكو في تكساس وهي ليست بعيدة عن معسكر فيردي الأصلي. حيث لازال "دوج باوم" وهو مؤسس [فصيل الجمال في تكساس-Texas Camel Corps] حيث يحتفظ بتسعة جمال ويستخدمها في البرامج التعليمية الإقليمية ورحلات الجمال في الريف، وإعادة التمثيل التاريخي، والمعارض، والاستعراضات وكان باوم مفتونًا بقصة تجار الجمال ورحلاتهم في الجيش، وقد قام بمراجعة ما كتب عن الملازم بييل ومعاصريه ويقول بوم: “هاي جولي” يمثل كل واحد منا من نواح كثيرة". " إنه مهاجر، مثل معظم الأمريكيين ويتردد صدى قصته معنا جميعًا لأنها قصتنا ". ولازالت علامة تاريخية ونصب تذكاري على شكل هرم في كوارتزسايت في أريزونا يحافظان على إحياء ذكرى “هاي جولي” التي وُصِفت على ضريح النصب التذكاري بأنه حادي الإبل ومربيها على مدى ثلاثين عامًا والتي كانت مساعدة مخلصة للحكومة الأمريكية". ويقول "ستيف براون" وهو صحفي ومؤرخ مقيم في صحراء موهافي وهي ليست بعيدة عن الطريق الذي سلكه “هاي جولي” لأول مرة عبر كاليفورنيا: "لقد واجهت العديد من الأشياء الغريبة في الصحراء لكن لم يصادفني جمالاً- ليس بعد."
للمزيد من المعلومات أنظر مجلة آرامكو عدد آذار 2021 وعدد مايس 2002 والموقع التالي:
وايضا:
715 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع