حقي الشبلي أب المسرح العراقي
ولد مايعتبر أب المسرح العراقي الحديث حقي الشبلي (1913 - 1985 ) ، والذي مسه جن المسرح منذ الطفولة بعدما مثل لاول مرة في فرقة جورج ابيض المصرية اثناء زيارتها العراق عام 1926. صعد على خشبة المسرح وهو في عمر ال12سنه ، حدث هذا بالصدفة بعد ان اختاره جورج ابيض ضمن كومبارس مسرحية ( الملك اوديب ) التي قدمت من على مسرح سينما الوطني
جورج ابيض
تعلق الشبلي في المسرح بعد ذلك إلى حد الهوس ، وساهم في كل النشاطات المسرحية اللاحقة التي كانت تقوم بها مدرسته ( ثانوية التفيض) ، وبرز في المسرحيات التي قدمتها وهي ( صلاح الدين الايوبي ) و ( فتح الأندلس) و ( في سبيل التاج ) و( هارون الرشيد ) ، وكان يشرف على هذه النشاطات آنذاك سيد حسين الصافي ، والمقريء محمود عبدالوهاب ، والحاج رؤوف الكرخي ، والدكتور سامي شوكت ، والدكتور فائق شاكر ، وعبدالوهاب العاني .. وآخرون عمل هذا الرعيل المربي والمتنور على غرس نبتة المسرح في نفوس طلبتهم الصغار ، تأثرا ومسايرة للنهضة الفكرية والثقافية التي كانت قائمة في مصر وبلاد الشام ‘ وكان من بين ابرز هؤلاء الطلاب الفتية حقي الشبلي ، الذي اقدم فيما بعدعلى اقناع عدد من رفاقه من الذين برزوا في هذه النشاطات على تشكيل ( الفرقة التمثيلية الوطنية ) ، وتقدموا في نيسان 1927 بطلب الاجازه إلى الجهات المختصه
جاء في عريضة حقي الشبلي الموجهة إلى وزارة الداخلية مايلي (( نحن الموقعين ادناه ، نخبة من الشبيبة العراقية ، قد اتفقنا على تشكيل فرقة تمثيلية تدعى ( الفرقة التمثيلية الوطنية ) وغايتها تعضيد المنافع الخيرة ورقي هذا الفن الجميل في العراق ، فالمرجو من معاليكم ان تتلطفوا علينا وتجيزوا لناتشكيلها ، وتعاضدونا على رقي هذا الفن الخيري النافع ، وسنستمر بعونه تعالى على هذا المشروع بصورة دائمة ، على اننا شكلنا في العراق فرقة تمثيلية حقيقية تعرض للشعب العراقي الكريم أجمل الروايات الاخلاقية والادبية والتي تبث فيهم روح الاخلاص ))
وفي النظام الداخلي للفرقة المرفق مع الطلب ، يعلن في المادة السادسة منها برائة الفرقة من أي نشاط سياسي . وبهذا حدد الشبلي نهج الفرقة اللاحق في طلب التأسيس ، والذي بقي وفيا له حتى مماته ، وهو بناء مسرح فني خالص ينأى تماما عن السياسة ، الصفة التي ارتبطت بالمسرح العراقي الرسمي في فترة ولادته الاولى مفتتحا ما سمى بالعصر الذهبي لمسرح الثلاثينات في العراق..
لم يكن حقي الشبلي وهو ابن أسرة بغدادية ميسورة يرى في المسرح غير هذا ‘ أي المعبد والطقس المقدس الذي نشاء عليه المسرح الاول عند البشرية ، نذر نفسه لهذا المقدس يتعبد الفن فيه لذات الفن
ويعتقد ان المسرح ذورسالة روحية وجمالية جليلة للناس يستحق منه كل تضحية ‘ ولم تكن تضحية الشبلي من اجل المسرح قليلة ، سيما مايتعلق بسمعته الاجتماعية آنذاك في ظرف اجتماعي كان لا يحرم على الشباب ارتياد الملاهي فقط ، بل حتى الجلوس أو التقرب من المقاهي ، فما بالك الصعود على التياترو كما كان يسمى انذاك
الموسيقار سالم حسين الامير مع الاستاذ الكبير حقي الشبلي
ولم تكن ضغوط اسرته عليه قليلة ليكف عن ممارسة غواية المسرح بعدما سمح له والده في البداية عندما كان مايزال صغيرا في السن لمشاركة جورج ابيض التمثيل ككومبارس، على اعتبار انها ستكون مشاركة وحيدة و عابرة لطفل يلعب سرعان ماسيكف عنها عندما يكبر ، الا ان الشاب حقي الشبلي تمادى في سلوك طريق المسرح ، ومثل مختلف الادوار الرئيسية والثانوية ، حتى انه قام من باب التحدي ، وبدون الأحساس بالحرج ، باداء أدوار نسائية في بدايات حياته ، وتعاظمت ضغوط اسرته عليه ، إلى درجة كادت ان تصل إلى حد نبذه والتبرؤ من انتمائه للأسرة ، وهي اقسى عقوبة يتعرض لها الفرد في المجتمع العشائري الآسري الذي كان متحكما آنذاك . كرس الشبلي برومانسية كل حياته للمسرح ‘( لم يتزوج الشبلي حتى وفاته) ، وكان يمتلك شخصية متميزة كما يقولون عنها ( لها كرازما ) ، تصلح حسب مواصفات ذالك الزمان لاداء ادوارالبطولة في المسرحيات ، فهو وسيم وله حضور قوي على خشبة المسرح ، جعلت منه مركز جذب ، واعطته قدرة على لم شمل زملائه واقرانه حوله والتأثير عليهم ، ومكنته من قيادتهم في فرقة كبيرة مرموقة رغم صغر سنه( كان هو اكبراعضاء الفرقة سنا او بعضهم بعمره ، البالغ آنذاك خمسة عشره عاما ، والذين تحولوا جميعا فيما بعد إلى أهم بناة المسرح الاوائل وشاركوه مسيرته الاولى الصعبة ، لقد مثل الشبلي كل الادوار الرئيسية التي قدمتها الفرقة الوطنية اضافة إلى قيامه بمهمة الاخراج والادارة الفنية للفرقة ، وكعادة رؤساء الفرق المسرحية آنذاك كان يحتكر ادوار البطولة لنفسه ان كانت ملائمة هذه الشخصية له ام غير ذلك المهم كان لابد على رئيس الفرقة ان يقوم في المسرحية بدور البطل ، فيظهر مره شابا ومرة عجوز طاعن في السن ومره متوسط العمر ، وكان أيضا من عادة الشبلي الارتجال على المسرح ، واطالة الحوار الذي يلقيه ، وكثيرا ما كان يلقي ضمن المسرحية مقاطع
فاطمه رشدي
شهيرة مفضلة لديه من حوار مسرحية اخرى لاعلاقة لها بحوار وجو المسرحية التي كان يؤديها وعند زيارة فرقة فاطمه رشدي وزوجها عزيز عيد لتقديم عروض مسرحية في بغداد عام 1929 ، تعرفت الفنانة المصرية على حقي الشبلي الذي سمعت عن مواهبه وفرقته ، تقرب اليها الفتى حقي الشبلي ، ويقال انها كانت تستلطفه مما شجعه على ان يطلب رعايتها له ، وفعلا توسطت له فاطمه رشدي لدى الملك فيصل الاول ، واستحصلت منه الموافقة على ايفاد الفنان الشاب حقي الشلبي إلى مصر للآطلاع على النشاط الفني فيها ، وعلى ضوء توصية فاطمه رشدي ، التي كانت تكنى ( بفنانة البلاطات والقصور ) اعطيت للشبلي منحة لمرافقة فرقة فاطمه رشدي خلال الموسم 1929 - 1930
حقي الشبلي مع كادر احدى مسرحياته
لم يكن صدفة ان تتوجه حكومة الدولة الناشئة حديثا ، ضمن خطة تهدف إلى أعداد الكوادر العلمية المختلفة لادارة مفاصل الدولة ، في بلد يفتقر فيه موظفيه إلى المؤهلات العلمية حتى البسيطة منها ،(جلهم درسوا على يد الكتاتيب والملالي القراءة والكتابة فقط وبعض علوم القرآن والتجويد، وقسم قليل منهم ممن اتيحت له فرصة انهاء الدراسة الابتدائية في المدارس الحديثة ، اما حفنة خريجي مدرسة الحقوق والحربية في الاستانة فأحتفظوا بالوظائف الادارية العليا ) عن طريق ارسال الشباب من المتميزين، او بعض من الموظفين القدامى إلى مصر و اوربا ببعثات دراسية في مختلف العلوم ، ولم يكن ضمن خطتها حتى ذلك التاريخ او في اولوياتهاارسال من يدرس المسرح كأختصاص ، لقلة الوعي الرسمي بأهمية ودور المسرح اجتماعيا واعتقادها بأنه لم يحن الاوان اجتماعيا لتقبل هذا الفن ، لذا كانت وساطة فاطمه رشدي احراجا للملك فيصل الاول ، البدوي الكريم الذي لايرد طلبا لاحد ، واستجابته لهذه الوساطة كان على اكثر تقدير من باب المجاملة ، فتم ايفاد الشبلي لمدة سنة للمشاهدة والتدريب إلى مصر ، ولم ترق إلى مستوى المنحة الاكاديمية الطويلة . أي ان دافعها لم يكن في أي حال من الاحوال تشجيع بناء المسرح في هذا الوقت بالذات، لاسيما ان المسرح كفن كان في نظر التقاليد المتعارف عليها ، دخيلا غير مقبول من عامة الناس لارتباط قدومه بدخول المحتلين الكفره للبلد . وبعد ان لاحظت الحكومة ان الحلقات والخلايا اليسارية والماركسية ( التي تشكلت في العشرينات من القرن الماضي ، اي قبل ان تتوحد فيما بينها وتشكل الحزب الشيوعي)، لها نشاط واضح في الحفلات التمثيلية التي يقيمها الطلبة في المدارس ، وعندما ازدادت نشاطات المسرح المدرسي بهذاالشكل , بدون ضابط او اشراف‘لاسيما التطورات التي تمت في فترة وجود حقي الشبلي في مصر ، بدأت الحكومة تفتح عينها على مايدور حولها ، وتفكر مليا في سبل احتواء الحركة المسرحية الناشطة في المدارس التي اخذت زمام توجيهها قوى المعارضة بمعزل عنها ، فقوت من الرقابة على العروض هذه ، كانت اجازة عرض النصوص المسرحية موكلة إلى شعبة الرقابة التابعة لمديرية الدعاية احدى اجهزة وزارة المعارف بالتعاون مع وزارة الداخلية ، وكانت بأشراف ضابط سياسي بريطاني في البداية ، ثم احيلت المهمة إلى ضابط شرطة عراقي من التحقيقات الجنائية ، و في الخمسينات ، احيلت مهمة الرقابة و اجازة الفرق المسرحية ، واجازة النصوص المنوى عرضها على الجمهورالى وزارة الشؤون الاجتماعية ، وبعد عام 1958 اصبحت وزارة الثقافة والاعلام هي الجهة المسؤولة عن ذلك . وقد تعرضت فرقة حقي الشبلي في هذه الفترة اثناء غيابه في مصر ،إلى انشطارات ، كل شطر شكل فرقة ومجموعة ، أخذت تتبارى فيما بينها ، اغنت نشاطات هذه الفرق المتشظية عن الفرقة الام والمجاميع المتنوعة الاخرى ، الحركة المسرحية ودفعتها إلى الامام ، كاسرة بذلك بعض الشيء الحاجز القائم بينها وبين تقاليد المجتمع ، مدشنة ما سمى بعصر المسرح العراقي الذهبي الاول عاد حقي الشبيلي إلى بغداد ، وشكل مع محي الدين محمد موسى الذي كان يقود ( الفرقة العصرية التمثيلية ) فرقة جديدة له تحمل اسمه ( فرقة حقي الشبلي التمثيليه ) واصطحب معه للعمل بها من مصر واقطار عربية اخرى نجوم مشهورين من ممثلي المسرح العربي في ذلك الزمان من امثال بشاره واكيم وعبالحميد البدوي ونورالدين المصري ، سرعان ماتحولت فرقته إلى أشهر الفرق المسرحية المشكلة في الثلاثينات
يوسف عمر من اليمين ومحمد القبانجي وحقي الشبلي
نجح الشبلي في تشكيل فرقة مسرحية جذابة من أفضل الموهوبين من الرعيل الاول ، وجمع شمل البعض من الفرق المسرحية التي انشطرت عن فرقته الاولى في فترة غيابه في مصر ، وابتدأ نشاطه بجولة واسعة لتقديم العروض في المحافظات بمصاحبة ( فرقة فاطمه رشدي ) التي جائت معه للعراق في زيارة ثانية لها لدعم فرقة حقي الشبلي ، وقامت الفرقتان بنشاط مشترك في بغداد والألوية الجنوبية ، وبخاصة مدينة البصرة
دعمت الدولة مسرح حقي الشبلي الذي كان يلائمها توجهاته الحرفية الفنية الخالصة من نمط المسرح المصري ومنسوخ منها ، وابتعاده عن السياسة ( في الواقع ابتعاده عن المشكلات الاجتماعية الحقيقية ) كمسرح جورج ابيض ومسرح يوسف وهبي ومسر ح فاطمه رشدي وعزيز عيد ، وابرزته وجعلت منه ظاهرة فنية طاغية ، وقامت بفتح ابواب الزيارات لهذا النمط من الفرق المسرحية المصرية ، فزارت العراق على التوالي ( فرقة عطاالله سنة 1931) و ( فرقة يوسف وهبي 1933). في شباط من عام 1935 ، اختارت وزارة المعارف حقي الشبلي هذا المهوس بالمسرح ، موفدا منها في بعثة لدراسة المسرح إلى باريس ، ولمدة اربع سنوات
وحول ملابسات حصول الشبلي لهذه الدراسة ذكر المفرجي من عروض فرقة حقي الشبلي مسرحية ( الحاكم بأمر الله ) التي قدمت على مسرح ( الثانوية المركزية عام 1934) وكان من مشاهدي هذه المسرحية السيد ياسين الهاشمي رئيس الوزراء في ذلك الوقت الذي اعجب بالعرض وأشاد بجهد الشبلي ، وتعبيرا عن تقديره هذا أكد الهاشمي على وزير المعارف الاسراع في ارسال الشبلي في البعثة العراقية القادمة لدراسة التمثيل خارج العراق
في الفترة التي غاب فيها الشبلي عن العراق ( 1935 - 1939 ) شهد ت تطورات عميقة وخطيرة في المجتمع والسياسة ووعي المواطن ، وبدأت المعارك في الشارع من اجل الاستقلال والتحرر تأخذ وجها سافرا وجادا ضد الاستعمار البريطاني واذنابه والاحلاف الجائرة ، فقامت الحكومة بشن هجوم لم يسبق له مثيل على هذا النشاط ، (( منعت التنظيمات النقابية في بغداد وفي المدن العراقية الاخرى وانتزعت من العمال حقهم في التنظيم النقابي بذريعة انهم يتدخلون في السياسة ، وقد ولدت هذه الوقائع كافة الاستياء في صفوف القبائل البدوية والفلاحين مما دفعها إلى تنظيم الانتفاضات ضد الحكومة الوطنية )) ، فقامت حكومة ياسين الهاشمي بتشديد حملتها الشهيرة ضد فصائل المعارضة الوطنية ، حيث تم ايقاف عدد كبير من القوميين والعمال وممثلي الحركة النقاببه ، وزج بهم في السجون بتهمة الشيوعية، كما وجرت تصفية بقايا الحريات الديمقراطية ، ومنعت كافة الصحف ونوادي وجمعيات ومنظمات المعارضة ، واحتل مكان البرلمان المنحل مجلس نيابي جديد تشكل من انصار الهاشمي وحكومته ، وتردت الاضاع كثيرا بسبب مسلك الحكومة، فاندلعت الانتفاضات مجددا ، سحقت جميعها بوحشيةعلى ايدي الجيش ..
بكر صدقي العسكري
فأزداد استياء الشعب وحصل تقارب بين العناصر التقدمية والقومين و ضباط الجيش وأزيحت حكومة ياسين الهاشمي في 12 تشرين الاول 1936 في انقلاب بكر صدقي العسكري ، وتشكلت حكومة حكمت سليمان . عاد الشبلي إلى العراق عام 1939 ، بعد ان انهى دراسته في ظل اوضاع جديده في العراق غير ماكانت عليه قبل مغادرته لها ، ان ياسين الهاشمي الذي ارسل الشبلي إلى الدراسة قد اطيح به ، ولم تعد لفرقة حقي الشبلي ذاك البريق السابق ، ولم يعد لنمط مسرحه نفس التأثير السابق ازاء نشاط الشارع السياسي ومزاجه المعادي لكل مايرتبط بأخلاق وذوق السادة ازلام النظام من الذين صنعتهم قوى الاحتلال و نصبتهم على رقاب الناس ، وقد حدثت تطورات عميقة في وعي فناني المسرح انذاك من الشباب المعادي للآستعمار المتأثرين بألافكارالديمقراطية ، على سبيل المثال بروز فرقة يحيى فائق وعروضها التي كان يخرج منها المتفرج مشحونا غاضبا ويندفع ليشارك في تظاهرات المعارضة ، كما حدث عند عرض مسرحية ( بيدبا ) فيما بعد
لم يعد مسرحه يهم غير ارستقراطية البيوتات البغدادية والبلاط الملكي ، فأنكفاءالشبلي ولم يتواصل، واصيب بخيبة لزوال بريقه سريعا ، فتفرغ بشكل اساسي للمسرح المدرسي الذي عمل مشرفا عليه ، ومن ثم اسس بعد سنة من عودته قسم التمثيل في معهد الفنون الجميلة (1940 )، الذي كان قبل هذا التاريخ موجودا ( كمعهد للموسيقى) منذ عام 1936 ، وتخرج من على يديه أجيالا لامعة من الفنانين المهمين في المسرح العراقي . استمرنشاط الشبلي التربوي للمسرح في معهد الفنون الجميلة حتى ثورة 14 تموز1958 ، اخرج خلالها للمعهد مسرحيات عالمية وعربية ومحلية هامة قسم منها معد ، نذكر ( معرض الجثث) و( الطاحونة الحمراء) و( فتح بيت المقدس ) لفرح انطوان و( عقول في الميزان) التي اعدها حقي الشبلي ، كما واعد في وقت سابق مسرحية ( محاسن الصدف ) و ( الوطن ) لفكتوريان ساردو و( يوليوس قيصر) لوليم شكسبير و( شهرزاد) لتوفيق الحكيم.
بعد ثورة 14 تموز 1958 أزيح حقي الشبلي عن عمادة معهد الفنون الجميلة وحل محله ذنون أيوب ، فالمرحلة الجديدة التي شاعت فيها روح الثورة في الشارع و في كل مفاصل المجتمع وارتفع صوت السياسي المغالي في التقييم في كل مكان ، وحلت النقمة الغاشمة على كل مايمت إلى النظام القديم والملكية بدون تمحيص اوروية ، وراح ضحية هذا الجو الغير طبيعي عن غير وجه حق ، حقي الشبلي الذي صنف مسرحه بخانة الفن المجرد الذي يهتم بالفن لذاته ، التي كانت في تلك الفترة سبة سيئة وعد من فناني البلاط ، لاسيما ان الشبلي بقي يبتعد عن السياسة ومشاكلها ، فأنكفأ على نفسه، وترك معهد الفنون الجميلة والنشاط المسرحي المباشر ، عدا فترات قصيرة لاحقة تقلد فيها بعض الوظائف الادارية في وزارة الثقافة وشغل منصب عميد لنقابة الفنانيين التي لعب فيها باعتباره الرائد الاول في المسرح دورا شرفيا ، وأشترك قبيل وفاته في أحد الافلام السينمائية .
ان الدولة نفسها في مرحلة انتقال المجتمع من طورها القديم في العلاقات ‘ إلى طور اعلى في العلاقات ، كانت تغير من خطط عملها وبرامجها ومشاريعها بسرعة لتتناسب مع سرعة التطور ، والتي تأخذ في كثير من الاحيان شكل الفوضى في تدبير امور الدولة ، وعدم الاستقرار على نمط واحد في عملها ، ومشاريعها وبرامجها تتعرض للتغيير والتقلب وعدم الثبات أيضا في مجال دعم المسرح ، إذ خذلت جهودالشبلي ومشاريعه اكثر من مرة ، لاسيما عندما ارادت ان تمتلك فرقة قومية للمسرح ، على غرار ما موجود في البلدان الحديثة المتطورة ، فكلفت الشبلي بتأسيس هذه الفرقة على نمط وبرامج الفرقة القومية المصرية ، لكنها سرعان ماخذلته وتراجعت عن قرارها هذا كما يذكر الشبلي نفسه في هذا الموضوع إذ يقول ((... اقترحت على الحكومة ان نشكل فرقة وطنية رسمية ، وفي حينه اتصلنا بالفرقة القومية المصرية ، ومديرها الاستاذ زكي طليمات بغية دراسة نظام هذه الفرقة ، واقتباس مايتلائم منه وظروفنا في العراق ، وبعد ان وضعنا مسودة النظام ، تقدمنا بطلب إلى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ، وكان وزيرها محمد حسن كبه ، الذي وافق على الطلب فورا ، وفاتح وزارة المالية لرصد تخصيصات مالية للفرقة ، وعلى ان يتم تحويل احدى دور العرض السينمائي إلى صالة لعروض الفرقة المسرحية المقترحة ، وسارت كل الاجراءات بشكل مرضي الا ان الوزارة قد تغيرت ، وما اكثر ما كانت تتغير بين ليلة وضحاها ، فجاء وزير جديد الغى الموافقة السابقة وقلب للفرقة ظهر المجن ، لربما من اسباب تراجع الحكومة عن فكرة تشكيل الفرقة القومية العراقية ، هو التباين في النظر إلى اهمية المسرح من رجل سياسه إلى رجل سياسة آخر ، سيما ان برنامج الحكومة الجديدة أتسم بقصر النظر ومتخلفة عن سابقتها ، فقد كانت تعتقد بعدم جدوى دعم المسرح الذي لن يكون له تأثيره المفيد القريب في ظل تسارع التطورات الحاصلة في الوعي السياسي العام ، بما فيهم رجال المسرح نفسه ، وقدرت بسبب طبيعتها المتخلفة ‘ انه بالامكان تأجيل موضوع دعم المسرح كمشروع إلى وقت آخر ، ففي رأيها ان الاهمية يجب ان تتوجه إلى الشارع المنفلت الذي يحتاج إلى قبضة قمع قوية اكثر من احتياجه إلى مسرح غير مضمون التوجه في الوقت الراهن . ان أكبر مساهمة تحسب للرائد الاول حقي الشبلي في بناء اسس المسرح العراقي المعاصر ، هو تلك الاجيال من الفنانين المثقفين الكبار الذين رباهم على اسس اكاديمية ، تعلمت منه حرفة المسرح وتقديسه والاخلاص له ، وواصلوا من بعده مسيرتهم في شق طريق المسرح العراقي بأفق اوسع .
وفي الكويت كرم عام 1984 من فرقة مسرحية كويتية رشحته كنقيب لفناني اقطار الخليج.
ان مسيرة حياة وفن حقي الشبلي لسعتها واهميتها وكبر حجم انجازاتها تدعونا إلى تذكير الاجيال الشبابية من فناني المسرح العراقي والعربي بانجازاته لاسيما في مثل هذه الايام ،وتوفي حقي الشبلي في 20 آب 1985
انجازاته
كما أسس شركة سومر للسينما المحدودة وانتجت فيلمين في عهده.. كما أصبح أول مدير عام لمصلحة السينما والمسرح وانتجت في عهده العديد من الأفلام السينمائية منها الفن والجابي وشايف خير.. ثم أصبح نقيباً للفنانين وفي عهده أصبح عدد منتسبي النقابة يربو على ثلاثة آلاف فنان وفنانة.. على مدى مسيرته الفنية حاز الفنان حقي الشبلي على العديد من الجوائز الفنية العراقية والعربية لعل ابرزها تكريمه في تونس عام 1983 كرائد عربي من رواد فن المسرح.. وفي الكويت كرم عام 1984 من فرقة مسرحية كويتية رشحته كنقيب لفناني اقطار الخليج
بعثاته
وهول أول فنان عراقي يرحل إلى مصر ضمن إيفاد حكومي للأطلاع على الحركة الفنية في مصر وأستلهام التجربة بما يغني الحركة الفنية في العراق.. فذهب لعام كامل إلى مصر اكتشف فيها أصول ومبادئ الفن في مصر الذي كان مزدهراً آنذاك.. وقد جاء الأيفاد بمساعدة الفنانة المصرية فاطمه رشدي التي أنتهزت وجود الملك فيصل الأول في حفل لها قدمت فيه مسرحية من مسرحياتها وطلبت منه أن يسهل أمر الشبلي في الذهاب معهم إلى مصر ليطلع على النهضة المسرحية هناك وقد أوفد الشبلي فعلاً بعد لقاء فاطمة بالملك فيصل.. وبذلك يكون أول فنان عراقي يوفد إلى مصر وقيل عن علاقته بفاطمه رشدي أن هناك وداً جمع بينهما.
كماأرسل إلى فرنسا أواسط الثلاثينيات من القرن الماضي ليدرس فن المسرح لأربع سنوات وعند عودته قدم طلباً إلى وزير المعارف ليؤسس قسم المسرح في معهد الفنون وبذلك حول معهد الموسيقى إلى معهد لكل الفنون فجاء جواد سليم وأسس قسم النحت وفائق حسن وأسس قسم الرسم.. وقد دخلت أول مجموعة إلى معهد الفنون الجميلة في عام 1945 وكان من أبرز طلابها الفنان الراحل جعفر السعدي والراحل إبراهيم جلال والراحل جاسم العبودي والشاعرة نازك الملائكة والروائية ديزي الأمير والفنان اسعد عبد الرزاق وغيرهم
اعماله السينمائية
فيلم (القاهرة بغداد) عام 1947 - القصة : حقي الشبلي ويوسف جوهر - إخراج : أحمد بدرخان - بطولة : حقي الشبلي - ومديحة يسري - وعفيفة اسكندر - سلمان الجوهر - إبراهيم جلال - بشارة واكيم واخرون، بحيث كان هذا الفيلم إنتاج عراقي - مصري مشترك، مثل فيه عدد كبير من الفنانين العراقيين والمصريين، وصورت أغلبية مشاهده في العراق ومصر
فيلم (النهر) عام 1977 - القصة : محمد شاكر السبع - إخراج : فيصل الياسري، تمثيل :حقي الشبلي - سامي قفطان - سوسن شكري - قائد النعماني - حاتم سلمان
لم يكن حقي الشبلي فنانا كبيرا في المشهد العراقي حسب بل كان أستاذا مربيا ومعلما وبانيا لنهضة الفن العراقي في المسرح والسينما والإذاعة
رّحم الله أب المسرح العراقي المرحوم حقي الشبلي
المصدر - الموسوعة الحرة
1098 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع