الشهاب الحسني البغدادي
لقد بذلت جهدا بسيطا لتدوين المقال من مصادر متنوعه مبذوله على الشبكة العنكبوتية لتعريف وشرح عنوان المقال ، وسبب ذلك اني قرأت الكثير من الردود والتعقيبات على صفحات (الگاردينيا) التي تندد بالطائفية من دون أن يتفضل علينا أحد بتقديم تعريف محدد لتلك التي يسمونها طائفية.
والمثير في المسألة أن الجميع ينتقدها ويتبرأ منها، كما هو حال الحكومة، والاحزاب السياسية، والمنظمات، والأفراد ، رجالاً ونساء، فمن هو الطائفي إذاً؟ إذا لم أكن أنا ولا أنت، ولا هو ولا هي، ولا هؤلاء ولا أولئك، فمن هو الطائفي؟
أمر مثير بالفعل أن ننتقد الطائفية ونتبرأ منها جميعاً في الوقت الذي نرى فيه بأم أعيننا كيف يعاني مجتمعنا منها، وتؤثر على حياتنا.
أحد الظرفاء يقول إن الوحيدين الذين لا يستطيعيون أن ينكروا أنهم طائفيون، بل ويفتخرون بأنهم طائفيون، هم أهل الطائف بالمملكة العربية السعودية، فالمنتمي إلى الطائف لا يمكن إلا أن يكون.. طائفياً! لذا تجده عندما يريد أن يعرف نفسه يقول: «أنا طائفي!» أما الآخرون ومنهم الممارسون للطائفية ليلاً ونهاراً، قياماً وقعوداً.. وعلى جنوبهم فيهتمون بدفع هذه الصفة عنهم والتبرؤ منها، من دون أن ينتبهوا إلى أن كل إنسان لابد أن يكون منتمياً إلى طائفة يجد نفسه متحمساً لها ومدافعاً عنها.
الطائفية أيا كان لونها تعبر عن حالة من الجهالة إذ ليس هناك دين أو مذهب يمنح صاحبه الحق في إعلان تميزه وأفضليته على بقية العباد من دون أن يقدم الدليل الأخلاقي على هذه الأفضلية.
نرى في كلمات الإمام علي خير تحذير للمسلمين من الوقوع في هذا المرض الاجتماعي المدمر حيث يقول:
فَإنْ كَانَ لاَ بُدَّ مِنَ الْعَصَبِيَّةِ فَلْيَكُنْ تَعَصُّبُكمْ لِمَكَارِمِ الْخِصَالِ وَمَحَامِدِ الأفْعَالِ وَمَحَاسِنِ الأمُورِ الَّتِي تَفَاضَلَتْ فِيهَا بُيُوتَاتِ الْعَرَبِ بِالأخْلاَقِ الرَّغِيبَةِ، وَالأحْلاَمِ الْعَظِيمَةِ وَالأخْطَارِ الْجَلِيلَةِ وَالآثَارِ الَمحْمُودَةِ. فَتَعَصَّبُوا لِخِلاَلِ الْحَمْدِ مِنَ الْحِفْظِ لِلْجِوَارِ، وَالْوَفَاءِ بِالذِّمَام، وَالطَّاعَةِ لِلْبِرِّ، وَالْمَعْصِيَةِ لِلْكِبْرِ، وَالأخْذِ بِالْفَضْلِ، وَالْكَفِّ عَنِ الْبَغْيِ، وَالإعْظَامِ لِلْقَتْلِ وَالإنْصَافِ لِلْخَلْقِ وَالْكَظْمِ لِلْغَيْظِ وَاجْتِنَابِ الْفَسَادِ فِي الأرْضِ.
ان المشكلة ليست في الاختلاف الديني، بل في تطويع البعد الديني ليخدم اهدافا سياسية لجهات غير ظاهرة في اغلب الاحيان. ويتحول الدين الى وسيلة لتسهيل مهمة جهات قد لا تؤمن عمليا بالدين او المذهب. وهنا تتضاعف المشكلة لان الخطأ في التشخيص يؤدي الى تقديم العلاج الخاطىء. يمكن الزعم بانها تحولت الى سلاح ولم تعد ظاهرةالأحزاب السياسية المشتركة في العملية السياسية والتي لا تمتلك مشروعاً سياسياً يؤهلها للوصول إلى السلطة، اعتبروا الطائفية بديهية، مفادها أن المجتمع العراقي مجتمع متعدد الطوائف والمذاهب والإثنيات، أو حسب التعبير الشائع (فسيفسائي) وأن هذه التعددية هي المسئولة عن اختراق الدولة بالطائفية، متجاهلين فشلهم في الوصول إلى مشروع لبناء الدولة على أسس بعيدة عن الشحن الطائفي.
من المصطلحات التي زاد تكرارها واستعمالها في مواقع الانترنت ، مصطلح الطائفية، وانصب استعمال هذا المصطلح من بعض الكتاب الذين يرون أنهم علمانيون، أو ليبراليون،واتضح أننا لسنا متفقين على تعريف الطائفية، و خاصة بعض المنتقدين الحاليين الذين يملأون مواقع الانترنت، بمفردات سـوقية دون أن يكلفوا أنفسهم عناء البحث في معاني المفردات، ومجمل الأفكار، ومناهج الآخرين، واتضح أن انهم يفهمون مصطلح الطائفية حسب أهوائهم، ودون أن يضعوا لذلك ضابطاً أو معياراً يتفقون بـه مع الآخرين ، وهذا الغموض وعدم الاتفاق على مصطلح خطير وهام في واقعنا الحالي ، الذي دفعني إلى الكتابة فيـه.
الطائفية في اللغة :
جاء في المعجم الوسيط : الطائفة : الجماعة والفرقة، وفي التنـزيل { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما } . والطائفة : جماعة من الناس يجمعهم مذهب أو رأي يمتازون بـه . والطائفة : الجزء والقطعة . والطائفي : نسبة إلى الطائف ( مدينة في الحجاز ) أو نسبة إلى الطائفة.
والطائفية : التعصب لطائفة معينة ( محدثـة ) ... هكذا في المعجـم الوسـيط أن لفظ (الطائفية) بمعنى التعصب لطائفة معينة محدث وليس قديماً في اللغة العربية .. وكان في الجاهلية التعصب للقبيلة كما هو معلوم، وكان أكثر قبحاً من الطائفية المحدثة ...
وعندما نقف عند قوله : الطائفة : الجزء أو القطعة، نفهم منها أن الطائفة ليست الكل، والكل لايسمى طائفة ، لأن الكل ليس جزءاً وليس قطعة .
وصار معنى الطائفية : هي التعصب لطائفة معينة ( لجزء معين من الكل )، ومعنى التعصب هو محاباة هذا الجزء على حساب الكل، ومن هنا يكمن خطرها، فلوكانت الطائفية تعصباً للكل لاتسمى عندئذ طائفية، بل تسمى انتماء وطني، وقد يكون التعصب للكل محموداً في بعض الأحيان، كما في نشوء الانتماء الوطني أو القومي، والاعتزاز الوطني والقومي، ولانلمس فيه خطراً لأنه تعصب للكل وليس للجزء .
ويعرف معجم الأوكسفورد الشخص "الطائفي"بأنه الشخص الذي يتبع بشكل متعنت طائفة معينة.
ومصطلح الطائفية يعني اليوم : ظلم يقع على طائفة من قبل طائفة أخرى من مواطنيهم، بسبب انتمائهم الديني، أو العرقي، أو السياسي، وإن كان سبب الانتماء الديني هو الأكثر شيوعاً .
ان ارتباط مفهوم الطائفية بالدين والمذهب كانت نتيجته اشتعال حروب كثيرة، فالتاريخ مليء بأخبار الحروب الطائفية سواء تلك التي حدثت في أوروبا في العصور الوسطى بين البروتستانت والكاثوليك أو الأرثوذكس والكاثوليك (بيزنطة وروما) أو التي شهدتها بعض البلاد العربية ولاتزال كلبنان والعراق.وأصبح مفهوم الطائفية يستخدم بديلاً لمفاهيم «الملة والعرق والدين» التي كانت سائدة قبل ذلك، واختلطت هذه المفاهيم جميعاً في بيئة متزامنة فكرياً وسياسياً فأنتجت مفهوم «الطائفية» باعتباره تعبيراً عن حالة أزمة تعيشها مجتمعات عربية مثل العراق ولبنان، حيث أصبحت الطائفية مذهباً وأيديولوجيات وهوية حلت محل الهويات الأخرى والانتماءات الأعلى بل وبدأ تتعالى عليها).
يضيف احد الباحثين: (في معظم الأحيان تكون «الطائفية» السياسية مكرسة من ساسة ليس لديهم التزام ديني أو مذهبي بل هو موقف انتهازي للحصول على «عصبية» والوصول إلى السلطة).
وبوجود هذه العوامل برزت في العراق إشكالية "الطائفية السياسية"؛ تلك الإشكالية التي ظلت تلازم الواقع السياسي العراقي بشكل علني، فكانت السبب المحوري للعديد من الأزمات السياسية والأمنية التي عصفت بحال الدولة العراقية منذ ذلك الحين، وأصبحت سمة من سمات العمل السياسي في إطار ما تم تأسيسه من عملية سياسية، وقد تم اعتمادها بشكل كبيرة للحصول على المكاسب الحزبية والسياسية، الأمر الذي جعل البعض يستخدم جميع حيله السياسية (الطائفية) ومنها ظهوره بمظهر المظلوم والمبعد عن حقوقه السياسية ليجد لنفسه مسوغ طلب النجدة والمعونة من قوى خارجية تُنقَل بنغمة طائفية الهدف منها الاستقواء على خصومه السياسيين والوصول إلى غرضه في السلطة والحكم.
فالطائفي -كما يبدو من التعريفات- هو الذي يرفض الطوائف الأخرى ويهضمها حقوقها أو يكسب طائفته تلك الحقوق التي لغيرها تعالياً عليها أو تجاهلاً لها وتعصباً ضدها.
لايحتاج الباحث، في العصر الحاضر، للقيام بجهد ذهني ومعرفي كبير لكي يجيب القارئ عما يعنيه مفهوم الطائفية…فدلالاتها التي تشير اليها والمعاني التي تتضمنها والمآلات التي تؤدي اليها والمظاهر التي تعبر عنها… ماثلة جميعها امامنا، وبكل وضوح وجلاء، من خلال الخطابات الدينية المتخلفة والتعصب الطائفي الاحمق والانغلاق الفكري الجامد الذين اتخمت بمفاعيلها فضاءات تفكيرنا وسممت اجواءنا الى حد بتنا معها نجد مصاديق الطائفية ونموذجها حاضرا، بصورة شعورية او لاشعورية، في طبقات مناهج عملنا، وطرق تفكيرنا، وجزء لايتجزء من ممارساتنا اليومية الاعتيادية .ووصل الأمر إلى أن يقتل مواطن أو عشرات أو مئات لسبب وحيد وهو أنهم من الطائفة الفلانية ..هذا هو مفهوم الطائفية السائد اليوم، أوعندما يحرم مواطن من حقه في العمل مع أنه يملك مقومات العمل من شهادة وخبرة ولياقة بدنية .. إلخ، ثم يحرم من فرصة العمل لأنه من الطائفة الفلانية ... وتعطى هذه الفرصة لمواطن غيره أقل منه في الشهادة والخبرة واللياقة البدنية لأنه معظم الأحيان تكون "الطائفية" السياسية مكرسة من ساسة ليس لديهم التزام ديني أو مذهبي بل هو موقف انتهازي للحصول على "عصبية" كما يسميها بن خلدون أو شعبية كما يطلق عليها في عصرنا هذا ليكون الانتهازي السياسي قادرا على الوصول إلى السلطة.
إن مجرد الانتماء إلى طائفة أو مذهب لجعل الإنسان المنتمي إلى تلك الطائفة طائفيا كما لا يجعله طائفيا عمله لتحسين أوضاع طائفته أو المنطقة التي يعيشون فيها دون إضرار بحق الآخرين، ولكن الطائفي هو الذي يرفض الطوائف الأخرى ويغمطها حقوقها أو يكسب طائفته تلك الحقوق التي لغيرها تعاليا عليها أو تجاهلا لها وتعصبا ضدها.
وفي مجرى الحديث عن تحول الطائفية الى وظيفة دنيوية لادخل لها بالدين الذي نعرف انه يرتكز على العمل في الدنيا لكسب رضى الخالق، وما يحققه هذا الرضى من مكافأة بالجنة في الاخرة. قدم متاسلمي العراق بطرفيهما (الشيعي والسني) من خلال تعاملهما مع الاحتلال، الذي كان الى حد الامس القريب يمثل الشيطان الاكبر، مثالا نموذجياً الى ان الطرفان لايحسبان للاخرة اي حساب فهما مشغولان بتحقيق منافع ومصالح دنيوية (حصة في وظائف الدولة واموال الدولة ومشاريعها وخدماتها في الاماكن المختلفة الخاصة بكل طائفة)، على حساب ما كانوا يقولون به من ضرورة "الحفاظ على بيضة الاسلام ". تلك البيضة التي دفعت مجتهدي الشيعة في العراق يفتون بواجب الجهاد في ليبيا ضد الغزو الايطالي لها عام 1908. ويقودوا حركة الجهاد ضد الاحتلال البريطاني دفاعا عن الدولة العثمانية، التي تختلف عنهم مذهبيا، بل تمارس سلوكيات طائفية ضدهم احياناً. الا ان احتلال العراق وافغانستان لم يثير نفس الاهتمام عند المرجعية ولا التجمعات الدينية بنفس المستوى.
لايستطيع ان يحكم الانسان هل هو نتيجة تخطيط مسبق ومعد مقدماً.او هو تاثر بالحالة العامة وانعكاس لها،ان تتحول المرجعيات الدينية، ايضاً، الى مؤسسات برجوازية في السلوك والمظهر، وتتركز فتاويها حول امور دنيوية صرفة لاعلاقة لها لابالشريعة ولا الدين، فيفتي فلان بضرورة الاقتصاد باستعمال الكهرباء غير الموجودة اصلا، وبحماية الحدود من الارهابيين، والتعاون مع الاحتلال، ويلغي من رسالته الدينية وفتاويه بند الجهاد نهائيا. ويعيش وابنائه واصهاره ببذخ غير معهود . واصبحت الاموال العامة الموضوعة كامانة عند المرجع تورث مع كل الامتيازات الاخرى لابنائه، دون حساب لما هو شائع من تحريم لاكل اموال السحت.وتركزت فتاوى انصاف الفقهاء حول الجنس والمراة وكأن ليس هناك من هموم اخرى في الحياة والدين غيرها، وتخصص بعضهم بتكفير الاخر والبحث في مصادر التاريخ عن رواية ضعيفة هنا او قصة هناك لتغدو وكانها هي مشكلة المشاكل بالنسبة للانسان العربي.
كل هذه المظاهر تعني ان الطائفية ليست موقفا دينيا، او التزام بتشريع فقهي معين وتفضيله على ما سواه، كما كنا نعهدها، بل هي دعاوى دينية تم تطويرها وتحريفها لتشكل غطاء زهديا، وروحيا على مطامع ورغبات دنيوية لاعلاقة لها برضى الله او الدنيا الاخرة. اي ان الظاهرة يجب ان ينظر لها وتعالج كحالات احباط وفشل ومشاعر احساس بالضعف والفشل، ولايمكن فهمها خارج اطار مناهج علمي الاجتماع و النفس الاجتماعي بالذات.
هناك عامل اخر لايمكن اهماله لعب دورا اساسيا كعامل مثير ومهيج للتوجهات الطائفية، على الاقل في الجانب الشيعي في العراق. فمن القواعد القانوية او الادارية المتبعة هي ان يعفى عادة الطلاب المستمرين بالدراسة من الخدمة العسكرية،ويسقط هذا الحق عند الرسوب لسنتين متتاليتين، حيث يرفض القانون متابعة الطالب دراسته بعدها في المدارس الرسمية. وجد الطلاب الفاشلين ممن نفذت فرصهم في المدارس الحكومية، ملجأ لهم في المدارس الدينية التي تقوم بتسجيلهم بها مقابل اقساط زهيدة. ما يسمح لهم ان يرتدوا زي رجال الدين ولبس العمامة للتخلص من المتابعات العسكرية لهم. وتفاقمت الظاهرة خلال الحرب العراقية – الايرانية، فوجد الانسان نفسه امام كم هائل وطبقة جديدة من رجال الدين، طارئة ولاعلاقة لهم بالدين، عدا انها محكومة بالجهل عامة،لاتشبه ما عرفته المؤسسة الدينية الشيعية من رجال دين وعلماء شكلوا علامات مميزة في الفقه والشريعة والتقوى والورع والايمان.ان هذه الفئة او الطبقة من رجال الدين تدرك اكثر من غيرها، كما يعرف المطلعين من ابناء الطائفة ان علاقتها بالدين هي علاقة مصلحية خالصة، لمجموعات من الفاشلين، المهمشين الذين لايجيدون عمل حرفة او مهنة، فكانت الشعوذة والدجل ادواتهم للارتزاق، التي ما كان لهما ان ينتعشا بدون تنامي مشاعر الطائفية التي تؤسس على العزلة ونبذ الاخر، لكنها تعزز، ايضاً، الوقع الاجتماعي وتوفر الكسب المادي لهذا المهمش ليغدو هو مصدر معرفة الناس بدينهم. ان هذه الفئة من رجال الدين تعرف اكثر من غيرها كيف انها تنتمي بالاصل لفئات اجتماعية مهمشة، ما يعزز لديهم لاشعوريا مستوى متدني مما يعرف باعتبار او تقدير الذات. يغدو التعصب الطائفي بالنسبة لهم هو البيئة الافضل لتعزيز مشاعر ارقى من اعتبار الذات، وتحسين نظرة الناس لهم ونظرتهم عن انفسهم.
يقابل ذلك ان اغلب طلاب كليات الشريعة لاينتسبوا لها باختيارهم بل بضغط تدني معدلاتهم في الثانوية العامة التي تحرمهم من دخول كليات يميل الطلاب عادة لدخولها لضمان مصادر اقتصادية جيدة للعيش ومكانة اجتماعية مميزة، كالطب والهندسة والحقوق وغيرها من الكليات الاخرى. وكما هو رجل الدين الشيعي، تغدو الطائفية لهؤلاء المشايخ وسيلة لتحقيق ما يشعرون من حرمانات اضطرهم تدني مستواهم الدراسي على فقدانهم لها، لايمكن تعويضها الا ضمن مؤسسات طائفية مزدهرة ومسندة بتعاطف جماهيري واسع.
تلك هي المنابع الحقيقية للطائفية، التي لاشك ليس ببعيدة عن ادراك الغرب ومراكز بحوثه ودراساته، وهو المحكوم بمعادات الحركات القومية العربية وحتى اليسارية الماركسية التي مثلت تهديدا لمصالحه في الوطن العربي واربكت خططه في فترة الخمسينات وحتى اوخر السبعينات من القرن الماضي. فراح يعزز مشاعر الاحباط والاحساس بالعجز والفشل، ويجند طاقاته العلمية والاعلامية للتلاعب بالعقول وتوجيهها بما يخدم اغراضه تارة بالتدخل العسكري المباشر لفرض خطط تقسيمية، مستغلا الطائفية ليدعم مؤسساتها، ويروج لها من خلال مجموعات من تابعين مدربين لهذا الغرض. وفي دراسة نشرتها مجلة المستقبل العربي، العدد 311، كانون الثاني 2005، تحت عنوان " تبت اياديهم انهم يقتلون الشيعة على الهوية "، كيف كانت بعض من الحركات الدينية الشيعية تقوم بتفجيرات واعمال ستفزازية في مناطق شيعية ضد الشيعة انفسهم، لاتهام اطراف من ابناء المذاهب الاخرى بعمليات التفجير او الاستفزاز، لشحن عواطفهم الطائفية بشحنات عدائية ضد الاخر، فتبدو المؤسسات والاحزاب الدينية الطائفية وكانها تمثل القلاع الحصينة لحماية الطائفة من هذه التفجيرات وما تعنية من نيات الاخر لافناء الطائفة. طبعا لاتعني هذه العوامل الداخلية اهمال دور العامل الخارجي ومخططاته وسلوكياته في تاجيج المشاعر الطائفية،اهمال كهذا ، يلغي اي موضوعية لاي بحث للمشكلة، التي باختصارهي حصيلة تفاعل عوامل سياسية – اقتصادية – اجتماعية انتجت حالات او مركبات نفسية لاشعورية ضاغطة على المنظومة السيكولوجية للانسان، تشابكت مع عوامل ومحاولات تحريض خارجي مدروس ومخطط من قبل قوى خارجية معنية بالشؤون العربية، وذات مصالح كبرى في ابقاء الامة العربية ممزقة ومتخلفة ضعيفة. فلا يمكن تجاوز مشروع شارون – ايتان الذي عرف ب " استراتيجية اسرائيل لثمانينات وتسعينات القرن " الذي نشرت نصوصه منظمة التحرير الفلسطينية عام 1982. وخطط الحاكم المدني الاميركي بريمر في عراق بعد الاحتلال، ما اسماها بجهوده الخيرة لرفع المظلومية التاريخية عن الشيعة كما وضح في الجزء الاول من مذكراته، ثم تعاطفه مع مظلومية السنة التي بدا يؤشر لها في الجزء الاخير من مذكراته. وعشرات الدراسات التي ظلت تخطط لتفتيت الاقطار العربية وتقسيمها،كمشروع برنارد لويس، مستفيدة من تعاون وارتباط ما كنا نعرفه من قوى الرجعية العربية لتكون الذراع النشط لتنفيذ ما ترسمه مراكز البحوث والدراسات الغربية من خطط عدوانية معادية لكل ما هو عربي، واستثمار اخطاء ما عرف بالانظمة الوطنية التي مارس بعضها القمع بشكل مفرط، ما جعلها تمثل عامل تهديد مرعب للمواطن العربي.
ان دعاوى (الطائفية) تتنافى تماما والانتماء الصادق للأديان والأوطان. لأن الدين الإسلامي خصوصا لا يسمح بنشوء الحس الطائفي، والوطن، أي وطن، لا يمكن بناؤه في أجواء طائفية محمومة.
منهجياّ لا يجوز الخلط بين الانتماء لـ(الطائفة والمذهب)، الذي يعني: أن يتفق شخص مع مجموعة من الناس في مبادئ وقيم معرفية ينظم سلوكه على أساسها. والانتماء بهذا المعنى مسألة عادية، لا يكاد فرد من الناس يخلو من شكل من أشكال الانتماء لطائفة أو مذهب، مهما اختلفت الأسماء.
وبين الانحياز للطائفة، الذي يعني: التوغل في الانتماء إلى حد التعصب بمستوى ظلم الآخرين أو الاستعداد لظلمهم. يدفعه إلى ذلك إيمانه المطلق بضرورة الانتصار لطائفته ظالمة أو مظلومة. فالطائفية إذا تعني: ممارسة ظلم الآخر، أو الاستعداد لذلك، بتوفير أسبابه النفسية والفكرية والعملية. لذلك هي مقيتةٌ ورذيلةٌ أخلاقية، كما أنها خطيرةٌ اجتماعياّ وسياسياّ. يجب التنادي إلى تطويقها ومعالجتها.
ويجب التنبيه إلى أن الطائفية قد يبتلى بها كل فرد وكل طائفة. وعليه، فإن اللازم أن لا يُسمح لطرف أن يحاسب طرفا آخر على (طائفيته)، انطلاقا من موقع القوة الاجتماعية والسياسية التي يحظى بها، دون أن يُسمح للمتهم بها أن يدافع عن نفسه، أو يُتوقع منه ذلك، ولو في حدود وصم الآخر بها.
ان مشكلة الطائفية في مجتمعات الأمة يصنعها ويمدها عنصران رئيسيان، الأول سياسي، والثاني ديني. ويتمثل العنصر الأول في اعتماد سياسة التمييز الطائفي بين المواطنين، وتشجيع حالات الصراع المذهبي لأغراض سياسية، بينما يتمثل العنصر الآخر في نهج الخطاب الديني حين يعتمد التعبئة المذهبية، بالتركيز على نقاط الخلاف، والاستدعاء الدائم للتاريخ والتراث من اجل تغذية المشاعر المذهبية، والتحريض ضد الآخر.
ان تراثنا وتاريخنا مليء بالكراهية والبغضاء بين أتباع الطوائف والمذاهب والملل والنحل، وهذه الأرضية من الخلاف والنزاع تظل خافته وكامنة. إلا أن هذا التراث الخلافي، لا يعمل ويثار ويفعّل ويتم تحريكه، إلا بتأثير القرار السياسي، الذي يتحكم في مسألة إثارة التوتر والتشنج المذهبي، والدفع بها إلى درجة الفتن.
و ان مسألة العنف الطائفي مرتبطة ومحكومة بالقرار السياسي، أكثر مما هي مرتبطة بالحالة الأهلية الشعبية ذات الخلفيات الدينية المذهبية.
ان أساس وجود المشكلة الطائفية وبذورها، يكمن فيما ورثناه من تراث وثقافة وأنماط علاقات، فهناك تراث ضخم من الجدل المذهبي، والسجالات والمساجلات والمماحكات والمناظرات والجدل الكلامي العقدي التي شغلت الأمة قرونا كثيرة، وأنتجت ثقافة من التعبئة المتبادلة، كما أنتجت النزاعات والصراعات، وهو الأمر الذي تجد فيه الاتجاهات المتعصبة فرصتها المناسبة في تمزيق صفوف الأمة، عبر التعبئة وإثارة الضغائن والأحقاد، وفتح ملفات الخلافات العقدية والفقهية، مستدعية كل ما في التراث والتاريخ من رصيد للكراهية المتبادلة والصراع المذهبي.
وإلى ان المهمات المطلوبة علينا هي مسألة النقد الذاتي، وأهمية مراجعة الذات واكتشاف شوائبها، ونقاط الضعف والثغرات فيها، وان يكون هناك جرأة في مناقشة الثقافة المذهبية، والتراث الذي تنهل منه وتستند عليه، خصوصا بما يرتبط بمسألة التحريض على الآخر والعلاقة معه، لأن ثقافتنا الدينية السائدة مشبعة في طرحها المذهبي بما يدعو إلى التباعد والتنافر بين أتباع المذاهب الإسلامية.
طائفية الإنترنت
الطائفيَّة عبر الإنترنت هي ظاهرة تتعلق بظهور الحركات الدينية الجديدة التي تعتمد بشكل رئيسي على شبكة الإنترنت من أجل توزيع النصوص والتجنيد ومشاركة المعلومات.وتشتمل الطائفية عبر الإنترنت كشكل تنظيمي على ما يلي: "مجموعات صغيرة من الممارسين المتفرقين بشدة والتي يمكن أن تحافظ على سريتها في السياق الاجتماعي الأكبر وتعمل بشكل سري نسبيًا، مع أنها تبقى على ارتباط عن بعد بشبكة كبيرة من المؤمنين بأفكارها الذين يشاركون مجموعة من الممارسات والنصوص، وغالبًا ما يكون هناك إخلاص شديد مشترك لقائد عام. ويوفر الداعمون في الدول الأخرى التمويل والدعم، في وقت حديث للغاية، قام الهاكرز من السنة ومن الشيعة بمهاجمة مئات المواقع والرد على هجومها في صراع واسع النطاق عبر الفضاء الإلكتروني تمت الإشارة إليه على أنه اندلاع للطائفية عبر الإنترنت. ويصف علاء الدين مغايرة نوعين من أنواع الصراعات القائمة على الطائفية عبر الإنترنت في الفضاء الإلكتروني الإسلامي قائلاً: "الدفاع عن الإسلام عبر الإنترنت" الذي يشتمل على "نشر المنشورات الدينية والحوارات والتوعية عبر البريد الإلكتروني والمحاضرات ومقاطع الفيديو، و"النضال البرمجي الإسلامي" الذي يشتمل على هجمات عبر الإترنت ضد مواقع الويب الدينية وغير الدينية الأخرى.
4164 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع