د. نسرين مراد
منذ مطلع القرن العشرين ازدادت حدة استهداف العرب من قبل الأطراف الدولية؛ بالذات الإمبريالية الغربية والشرقية، والصهيونية العالمية. القضايا العربية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، ما هي إلا تجليات للتحديات التي تبديها القوى الطامعة تجاه المنطقة وأهلها.
ازدادت حدة الاستفراد بالمنطقة بُعيد سقوط الاتحاد السوفييتي. بُعيد إطلال القرن الواحد والعشرين وقعت أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001. بشكل مثير للجدل، مباشر وغير مباشر، وُجّهت أصابع الاتهام للعرب بالوقوف وراء تلك الهجمات. مثّل ذلك تسريعاً وحدّةً في توجيه القوى الغربية خاصةً، كامل قوتها لضرب العرب في عقر دارهم. بدأت الحرب على العراق وتم إسقاط النظام المركزي فيه.
استغلت القوى الغربية الطبيعة الدكتاتورية والتشدد الذي كان يتمتع به النظام، إضافةً إلى امتلاكه لأسلحة استراتيجية كانت تشكل عامل ردع إقليمياً، في مواجهة القوة الإسرائيلية النوعية والاستراتيجية.
حوّلت الحرب على العراق القطر إلى مستنقع يعج بكل أعمال العنف والفوضى والانتهاكات الوحشية لحقوق الإنسان وانعدام الاستقرار، الداخلي وفي المنطقة. استُنزف العراق اقتصادياً ومالياً واجتماعياً بشرياً، وتحوّل إلى بؤرة للفساد ومحرك للحروب الأهلية بين المكونات الديمغرافية للمنطقة. ذلك ما شكّل نزفاً إضافياً في المجتمعات المجاورة، خاصةً العربية منها.
لم تمض سنين معدودة حتى اتخذت الحرب على الإرهاب، المعلنة من طرف واحد، شكلاً جديداً. سُمي تيمناً وعنوةً، بثورات الربيع العربي والتي بدأت تطرق أبواب المجتمعات العربية، واحداً إثر الآخر! الهدف هو إسقاط الأنظمة المركزية التي تتميز بقدر كبير من القصور الذاتي، إلى جانب التخلف والفساد المستشري في كل مرافقها. لكن ذلك الهدف لا يمثل كثيراً من النبل والطموح، مقارنةً بما يحدث حقيقةً. تنتشر الفوضى والحروب الأهلية، والتي بدورها تفتك بالاقتصاد وعالم المال والأعمال والمقدّرات العربية. هنالك نزف حاد وخطير في كل شؤون الحياة العربية، البشرية والاقتصادية والقدرات الاستراتيجية.
تحولت أقطار الربيع العربي إلى مستنقع لكل منها. مثلاً انقسم الشعب السوري على نفسه، كل قسم بات مزوّداً بجيش مدجج بالسلاح، يحاول إبادة الطرف الآخر. الأمر ذاته حدث وما زال يحدث في ليبيا، كل طرف ليبي يعد العدة للإمساك بكل الأمور بيديه، ولا يبقي للآخرين من شيء يعطي انطباعاً بأن هنالك ديمقراطيةً استقرت في المكان.
في اليمن هنالك حرب أهلية بين أقطاب مختلفة، مثل الحوثيين وأنصار القاعدة والحراك الجنوبي والحكومة المركزية، في ذلك تجري الأمور على شكل كر وفر، وطلوع ونزول، ودخول وخروج. المستنقع اليمني لا يقل ضراوةً عن نظرائه في العراق وليبيا وسوريا. الاقتصاد والديمغرافيا اليمنية تعاني النزف الخطير وشبه الشلل.
المشهد نفسه يكاد يتكرر في الحالة المصرية، حيث الوضع يزداد استقطاباً وحدّة في الصراع يوماً بعد يوم، بين مختلف الفرقاء الفاعلين في المجتمع. المجتمعات العربية الأخرى تنتظر دورها في مسلسل تحويلها إلى مستنقعات، تنزف اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وحضارياً.
يتمتع العرب بسمعة دولية لا يُحسدون عليها، بسبب التصاق صورة الإرهاب بهيئتهم وحضارتهم ومعتقداتهم. لا عجب في ذلك، فجل عمليات القتل والخطف والإرهاب تحدث باسم الوطنية والقومية والدين، وعلى مدى عقود من السنين. في دوائر صنع القرار في الغرب، فإن منطقة الشرق الأوسط تُعد مصدر خطر على السلم المحلي والإقليمي والدولي. غالباً ما تُعزى تلك النظرة لحالة التخلف التربوي والتعليمي والثقافي والحضاري، التي تحل بالعرب منذ قرون من السنين. الحل في نظر الغرب يكمن في التغيير، وعلى الطريقة الغربية.
إذا ما لزم الأمر فإن خيار القضاء على الثقافة والهوية والحضارة العربية واقع في الحسبان. لا يحدث ذلك إلا باستنزاف الطاقات والقدرات العربية، وتحويل العرب إلى متسولين على شكل لاجئين ونازحين وفقراء معوزين، وجائعين وعطاش. العالم العربي الآن وأكثر من أي وقت مضى، يُساق لمصير قاتم يكاد لا ينجو منه إلا ذو حظ عظيم؟!
637 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع