في آذار عام 1974 عندما كان الموقف بين الحكومة العراقية والقيادة الكردية يحث الخطى نحو الحرب، أثار زميل لي شفاهاً فكرة أخذتها على محمل من الجد تتلخص في اطلاق تسمية العالم الرابع على شعوب كبيرة غير ممثلة في الأمم المتحدة مثل:
الكرد والفلسطينيين والأمازيغيين والبلوش والطوارق وعرب الأحواز..الخ من الشعوب التي يربو عدد نفوسها على الملايين، ولست أدري أكان زميلي اول من توصل إلى التسمية الاكتشاف، أم أن بعضهم سبقوه الى ذلك، غير اني سابقى مديناً له لكثرة أستخدامي لتلك التسمية في مقالاتي، في حين لم أسمع عنه استخدامه لها في كتاباته، ومع هذا يعود الفضل له في اهتماماتي بقضايا الشعوب التي تنسحب عليها التسمية هذه.
وحول الشعوب الكبيرة المحرومة من عضوية UN وتتمتع في الوقت نفسه بشروط القومية من ارض ولغه مشتركة..الخ مازالت ذاكرتي تحتفظ بمعلومات عنها، مثل ان عددها يفوق عدد الشعوب الممثلة في UN، وان هنالك ما يزيد على 16 أقلية قومية ودينية ومذهبية تقطن دولاً بين أفغانستان وموريتانيا، وإذا كان مصطلح (العالم الثالث) قد أستقر في المعاجم والكتابات السياسية، ولكي تعمق شعوبه من أستقلالها عن العالمين: الرأسمالي والشيوعي، فأنها أنتظمت في منظمة حركة عدم الانحياز كدول، بيد أن مصطلح (العالم الرابع) لم يحظى بالعناية كون مضمونه كان وما يزال موجهاً أصلاً ضد الأمم المهيمنة في العالم الثالث وجراء ذلك فان شعوبه خاضت وما تزال حراكاً وحروباً مسلحة طال عمر بعضها عقوداً من السنين، ولم يحصل الا القليل منها على الاستقلال مثل الشعوب: ناميبيا واريتريا وتيمور الشرقية وجنوب السودان، وهذا على سبيل المثال وما زالت ثورات الكرد والبلوش والحراك السياسي لعرب الاحواز في ايران قائمة، وكذلك ثورة الكرد في تركيا وشعب دارفور في السودان..الخ. واستدرك بأن من الأجحاف بحق شعوب العالم الرابع تسميتها بالأقليات، إذا علمنا أن شعوباً فيه يتجاوز عدد افرادها بعشرات المرات عدد افراد الشعوب المنضمة الى UN. ولأسباب عدة مازالت مطاليب شعوب العالم الرابع تعترضها الصعوبات والعقبات، بسبب عدم أكتراث الأمم المتحدة بها والتي كان جديراً بها أن تشكل لجنة لتصفية هيمنة الأمم الحاكمة في دول العالم الثالث على امم العالم الرابع وتعين سقفاً زمنياً لتحريرها، اسوة بتشكيلها للجنة (تصفية الأستعمار) في مطلع الستينات من القرن الماضي. وبفضل تلك الخطوة نالت العشرات من الشعوب استقلالها.
في النصف الأول من العقد التاسع للقرن الماضي دعي إلى عقد مؤتمر للأقليات في الدول العربية بمدينة القاهرة بغية الوقوف على تطلعاتها ومعاناتها، إلا ان رموزاً مصرية معروفة حالت دون عقده في العاصمة المصرية وكان من بين المعترضين: محمد حسنين هيكل وابراهيم نافع والبابا شنوده، ما أدى إلى عقده في قبرص. وان لم تخني الذاكرة فقد انتقد الكاتب السياسي المعروف حازم صاغية منع انعقاده في القاهرة.
كاتب هذه السطور بدوره، كان قد دعا في مقال نشرته العشرات من الصحف الاكترونية، الى عقد مؤتمر للأقليات الكردستانية العراقية حصراً، وبين أهميته ومردوده الأيجابي لاقليم كردستان، لكن دعوتي لم تلق اذانا صاغية من لدن المتنفذين. وفوجئت قبل أسابيع بتنظيم لقاء أو تجمع لممثلي الاقليات العراقية والكردستانية بمدينة السليمانية للتباحث في اوضاع الاقليات العراقية والكردستانية، وحضره ممثلون عن المسيحيين والايزيديين والتركمان والصابئة والكاكائية..الخ واسفر اللقاء عن إدانة للحكومة العراقية لسوء أوضاع الاقليات في مناطق نفوذها وبالذات في الجنوب من العراق. واذا كان ذلك اللقاء قد استثنى الكرد الذين لا يشكلون اقلية في العراق لذا ارى انه آن الأوان لاضافة مصطلح آخر إلى المصطلحات المذكورة، الا وهو (العالم الخامس) عالم الاقليات التي لا يزيد عدد افرادها عن النصف مليون ونادراً ما يتجاوز المليون، ولا تتمتع بشروط القومية التقليدية، أو صيغة حكم كالحكم الذاتي مثلا. رغم ان عدداً منها قد يفوق عدد افرادها عدد افراد الكثير من الدول المنضمة الى UN. ومما لاشك فيه ان شعوب هذا العالم مضطهدة بدورها، وتتناقص اعداد افرادها باستمرار، فالمسيحيون العراقيون الذين كان عددهم في العقود السابقة قد بلغ المليون ونصف المليون نسمة، فان عددهم الآن دون النصف المليون، وفي الجنوب العراقي يتقلص حجم الصائبة بشكل لاقت، حتى ان المئات منهم هاجروا الى كردستان والاقطار الغربية. ان قضية الاقليات التي ينسحب عليها مصطلح العالم الخامس باتت تلح على الحل عراقياً واقليمياً وعالمياً، وبالأخص في العراق، فعلاوة على اللقاء او التجمع المذكور، وفي احدث تطور فيها، (القضية) الدعوة إلى عقد (المؤتمر الأول لهيئة الدفاع عن أتباع الديانات والمذاهب الدينية في العراق) والمنوي عقده في السليمانية ايضاً وفي اليومين الـ21 والـ22 من تشرين الثاني الحالي، ومن المؤمل ان تحضره جمهرة غفيرة من الكتاب والباحثين ونشطاء منظمات المجتمع المدني، ولا اخال ان يكون هذا المؤتمر الأخير من نوعه، طالما تقوم منظمات المجتمع المدني وشخصيات سياسية وبرلمانية بدعم حقوق هذه الاقليات ومع ذلك يظل تأثيره محدوداً ان لم تقم UN أو الدول من اصحاب القرار بتبنيه عبر تشكيل لجان أو هيئات دولية وأممية تنهض بتصفية هيمنة أمم العالم الثالث ليس على شعوب (العالم الخامس) فحسب بل شعوب العالم الرابع أيضاً. ولي الفخر في أن اكون اول من صاغ مصطلح العالم الخامس.
905 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع