فارس الجواري
توطين التدريب في الطيران للحد من الكفاءة المهدورة بين السفر والمحسوبية
تنفق مؤسسات العاملة في قطاع الطيران المدني في شقيها الخدمي والتشريعي أموالًا طائلة لإرسال كوادرها إلى مراكز تدريبية خارج البلد بحجة “تطوير القدرات” علما أن اغلب النتائج المستحصلة لا تنعكس فعليًا على الأداء المهني داخل تلك المؤسسات سواء في المطارات أو شركات الطيران وغيرها مما يؤشر الى وجود تقصير في الاداء وضعف في التطبيق على ارض الواقع لكل ماتتدرب عليه المبتعث وهو دليل واضح على غياب الخطط وبروز ظاهرة ذهاب غير المختصين إلى تلك الدورات من خلال اختيار اشخاص من غير ذوي الاختصاص بناءً على العلاقات الشخصية والولاءات بدلًا من الحاجة الفنية الفعليةهذه الظاهرة التي أصبحت مفروضة وبشدة على الكثير من هذه المؤسسات وتحديده الحكومية منها حوّلت بعثات التدريب إلى ما يشبه بالسياحة الرسمية في اغلبها حيث ترسل أسماء اشخاص لا علاقة لهم بالتخصص فقط لأنها تملك نفوذا إداريا أو علاقات مع المسؤولين , في حين ينتظر المختصون فرصة تطوير قدراتهم سنوات واحيانا يدرك نهاية الخدمة دون ان يحصل على الايفاد بينما يجلس غير المختصين في مقاعد الدورات الخارجية يلتقطون الصور التذكارية دون أن يضيفوا شيئا للمنظومة عند عودتهم.
اذن هي خسارة مزدوجة هدر مالي ومعرفي في آن واحد وهذا مادعاني خلال مؤتمر المطارات العراقية الاخير الذي انعقد في بغداد الى طرح رؤيتي الهادفة الى توطين التدريب بعناصر محلية وغير محلية المهم ان يحصل اغلب التدريب لكوادر قطاع الطيران المدني العراقي داخل البلد للحد من هذه الظاهرة المستشرية خصوصا لو علمنا ان الامكانيات المادية متوفرة وكذلك البشرية في معظم هذه التخصصات فعلى سبيل المثال هناك مراكز تدريب وطنية مؤهلة جزئيًا كمعهد التدريب التابع لسلطة الطيران المدني والملاحة الجوية وايضا يوجد مركز تدريبي خاص للخدمات الارضية بالاضافة الى تلك المراكز هناك هيكل لبناية مركز تدريب الخطوط الجوية العراقية المنشأ منذ اعوام ومتوقف أكمال تأهيله لاسباب لايعلمه الا اصحاب القرار في الادارة العليا للشركة , فبالرغم من كل ذلك لايزال واقع الحال يشير الى أن اغلب منتسبي هذه المؤسسات يتسابق الخطى للاشتراك بالدورات الخارجية التي تُنظّم غالبًا في دول المنطقة التي بدأت حديثا بتوطين تدريبها واصبحت تسوق لها خارج الحدود مما أثر على مستويات اغلب هذا الكادر وايضا على الخبرات التي بدأت تتسرب إلى الخارج، فيما يبقى الداخل محرومًا من بناء قاعدة تدريب وطنية مستدامة.
مفهوم التوطين لا يعني الانغلاق بل معناه نقل المعرفة إلى الداخل وتكييفها مع بيئة العمل الداخلية باشراف ومراقبة دقيقة من الجهة التشريعية سلطة الطيران المدني العراقي وهو ما لم يتحقق بعد برغم وجود الامكانيات التي تمت الاشارة اليها سابقا , أن الدورات الخارجية مهما كانت مفيدة لا تصنع كفاءة إذا لم تترجم إلى برامج تطبيقية تنفذ داخل المنشأة من خلال مدربين محليين على دراية تامة بالعمل الميداني لمؤسساتهم وأن لم تتوفر هذه الخبرة عندها يمكن الاستعانة بالخبرات الخارجية عبر خطة وطنية متكاملة تشمل إعادة هيكلة مراكز التدريب المؤهلة جزئيا وربطها أكاديميًا بمراكز إقليمية معترف بها من منظمة الإيكاو (ICAO) مع تأهيل المدربين الوطنيين داخل العراق عبر برامج تدريب المدربين (Train the Trainers) المعتمدة محليا ودوليًا , وحتى يحين تطبيق هذه الاجراءات يجب على الادارات العليا للمخدمين في القطاع أن يمنعوا الترشيحات الفردية للدورات الخارجية وان يتم اعتماد نظام تنافسي مبني على الكفاءة والاختصاص في الترشيح للدورات الخارجية وإلزام المشاركين في تلك الدورات بتطبيق ماأكتسبوه من مهارات داخل اروقة شركاتهم بعد العودة لضمان نقل المعرفة فعليًا, والاهم يجب على تلك الادارات العليا لمؤسسات قطاع الطيران المدني الاستفادة من التقنيات الحديثة في التدريب الإلكتروني والمحاكاة الافتراضية في تأهيل كوادرهم لتقليل الاعتماد على السفر والنفقات لحين البدء بتنفيذ خطة التوطين المقترحة , إن توطين التدريب في علوم الطيران ليس ترفًا تنظيميا بل خيار وطني استراتيجي لبناء كفاءات عراقية قادرة على إدارة وتطوير قطاع الطيران بمعايير عالمية ولايتحقق بالشعارات وانما بالبدء الفوري لاعداد خطة تساهم في التسريع بالتوطين لايقاف استمرار سياسة الإيفاد بالعلاقات الذي يبقي مؤسساتنا تدور في حلقة مفرغة من الهدر والتراجع فيما يظل الواقع ينتظر كوادر مؤهلة بالفعل لا بالمحسوبية.
تشرين الاول 2025
1001 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع