العراق بوابة الجحيم

                                      

                        مهند العزاوي*

اصبحت خطيئة غزو العراق بمثابة بوابة الجحيم التي تقذف الإرهاب والدمار والموت والفوضى على الشرق الأوسط والعالم برمته، رغم ذلك لم تقف غطرسة القوة بعناصرها العسكرية الحربية والأمنية العملياتية عند هذا الخطر بل تغولت الدول الكبرى في هدم الدول تحت شعار محاربة الإرهاب الوافد للمنطقة والمصنع في أروقة المخابرات الدولية بغية تحويل الدول لمسارح حرب متقدة استخدمت فيها كافة الأسلحة الفاقدة الصلاحية وحقل تجارب للأسلحة الحديثة وسوق مزدهر لشركات الامن الخاصة التي بلغت 2600 شركة وقودها الشعوب والمجتمعات العربية التي جرى عسكرتها وفق منهجية الحرب الديموغرافية بطابعها الطائفي وبأبعادها الافقية التي تخطت الحدود الجغرافية لتصل الى تخوم اوربا والدول الأخرى

حرب دافئة بسمتها المركبة
سبق وان كتبت منظرا قبل عامين في فن الحرب المعاصر عن وصف الحروب المعاصرة وسمتها المركبة التي أضحت ذات طابع ذكي , حيث يخطط ويدار مشروع الحرب من عواصم بعيده عن مسارح الحرب كما نشهده اليوم , ولعل من ابرز سماتها الحرب المركبة التي تمازج القدرات المسلحة بالتوازي مع القوة اللامتوازية  واضحت  ظاهرة حربية  متفاقمة , وسوق مرتزقة رائج , كما واتسعت مفاهيم التعامل معها وتعددت الوان الاقتران  واختلفت مفردات العمليات لنصحو على  واقع حربي ونطاق جيوعسكري مختلف تماما عن الحرب التقليدي , ويبدوا انها اكثر شراسة وهمجية وتتخطى معاهدات الحروب والاتفاقيات المبرمة بخصوصها  , ويحول العالم والشرق الأوسط الحوض الاستراتيجي من الامن والسلم الدولي الى الجحيم الحربي المتناثر والمنتشر ,  وبذلك أصبحت الحلول بيد كارتل السلاح والامن العالمي وليس بيد الحكومات والأنظمة والمنظمات الدولية وهي الأخرى أصبحت جزء من المشكلة وليست مفاتيح حل .
العراق مفتاح العالم
قد يجد البعض ان كلمة العراق مفتاح العالم مبالغ بها من حيث التوصيف وإطلاق التسمية ولكن في الحقيقة سنناقش وبعقلانية وحيادية وموضوعية أسس هذه التسمية وبشكل علمي استراتيجي، ويمكن مقارنة الواقع السياسي والأمني للشرق الأوسط والعالم قبل خطيئة غزو العراق كيف كانت مؤشرات الامن والسلم الدولي عالية وكيف اليوم متدنية لأقصى كون العراق: -
1. ذو موقع جيوسياسي ويشكل دعامة التوازن العالمي كونه يربط المحاور الاستراتيجية القارية البرية بين الغرب والشرق والعرب والاقليم وكان يشكل البعد الرابع الصلب في معادلة توازن القوة الإقليمي
2.الكتلة الحيوية العراقية بأبعادها البشرية والمادية والتاريخية الحضارية والمالية الاستراتيجية يشكل عنصر جذب لفتح أسواق متعددة بنمط السوق الانسيابي المنتج أكثر من سوق الحرب المبعثر والقطبي  
3. العراق يشكل قيمة اعتبارية للعالم وليس العرب فحسب وانهياره بمثابة صدمة وفشل سياسي وعسكري عالمي
4.البنى التحتية العراقية كانت متقدمة لدرجة توازي النظام الأوربي وغيابها فتح أبواب الإرهاب المتنقل والوافد من أوسع ابوابه.
5.التنوع الاثني والعرقي العراقي يكاد يكون متشابها في كل الدول بما فيها اميركا وروسيا وإيران واوربا واي خلل ديموغرافي او مراهقة سياسية للتلاعب بالديموغرافية فانه سيعود بارتجاع اقوى في الدول المصدرة لها
6.قدرة العراق العسكرية سابقا كانت بمثابة صمام الأمان ضد التنظيمات الإرهابية
7.ترك العراق يغرق في مستنقع الحرب الافقية بألوانها الاثنية والطائفية وامداد هذه الظاهرة الحربية وادامتها وشرعتنها، ترك دافع لكافة التنظيمات الإرهابية باقتباس نفس المعايير وان اختلفت المسميات مما جعل من هذه الظاهرة تتمدد وتنشر وتتناسل حتى بلغت حد الفوضى وابتلاع الدولة وقد تشظت الى خمس دول عربية كانت تشكل محاور جيوسياسية هامة تحقق الامن والسلم الدولي

جنون السياسة
تناقلت وسائل الاعلام خطابات ومشاريع ووعود وتمنيات لساسة العالم، خصوصا فيما يتعلق بحقوق الانسان والديمقراطية والامن والسلم والمرأة والطفل.. الخ  وفي الحقيقة العالم يسير الى حتفه حيث اصبح جنون السياسة يفوق بطش القوة ويبدوا ان المضي بمشروع الشرق الأوسط الجديد كما نشهده اليوم والبحث عن دويلات اثنية وعرقية ومذهبية  متحاربة يصل تعددها ل 56 دويلة بدل 22 دولة يعد جنون سياسي وخطيئة استراتيجية وستعود اثارها الارتدادية  على منشئها وبشكل سريع اكبر من المتوقع , وبدانا نلمس ظواهر هذا الارتداد في دول المحور الحربي الدولي والإقليمي  , واضحت الخطيئة تتمدد من العراق الى سوريا واليمن لبنان وليبيا ودول أخرى مهددة بذات المشهد دون الاكتراث بأهمية هذه البقعة الحيوية  للعالم ,  وكما يبدو ان السياسة فقدت بريقها وتحولت الى مصانع للحرب والنزاعات ولو احصينا عدد الدول التي تسودها الحروب والنزاعات فنجد انها في قلب العالم وحصرا في الدول العربية  ولعل اثار الحرب الارتدادية باتت واضحة ونشهد وصولها لدول القرار .

دخل العالم متاهات مظلمة وحتى الان لم نجد ضوء في نهايتها، واصبحت الحروب والنزاعات والحروب الشبحية سوق منتعش اكثر من السلم، وكما يبدوا ان النظام الدولي قد تغير لغير رجعة ولم يعد القانون الدولي حاكم للنزاعات ولم تعد الدول المتمركزة تبحث عن قانونية الإجراءات والافعال، واصبح صخب الحرب وضجيج النزاعات هو المسموع نحو سوق دموي يفرز نظام دولي جديد بعد خطيئة غزو العراق الذي يعد بوابة الجحيم التي كسرها العالم دون تحسب او مراجعة او اعاده تقييم للسياسات واحترام للقانون الدولي الذي اندثر.

*رئيس مركز صقر للدراسات والبحوث الاستراتيجية
‏الجمعة‏، 19‏ آب‏، 2016

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

3581 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع